Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 30 أغسطس 2013

سانحة - عودة قوية لبورقيبة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
البورقيبية لن تموت؟ !
تونس / الصواب / 30/08/2013
خلال متابعاتي من حين لآخر للفايس بوك، لاحظت العناوين المتكاثرة، التي تحمل عبارة البورقيبية لن تموت le bourguibisme ne mourra pas، غير أن مفاجأتي الأكبر كانت يوم 13 آب أغسطس الماضي خلال المسيرة والاعتصام، فقد رأيت صورا كثيرة لبورقيبة، ذكرتني بتلك المظاهرات المفتعلة زمنه، ومعها شعارات كثيرة، منها ما يتعلق بالزعيم الذي ترك بصمات واضحة في تاريخ تونس، منها "مكاسب المرأة إرث بورقيبي"، ووصولا إلى"يحيى بورقيبة"، يحيى رجل ميت منذ 13 سنة، ومغادر للحكم منذ قرابة 30 سنة.
ظاهرة مجتمعية لا تنافسها إلا ظاهرة مشابهة تعيشها مصر مع جمال عبد الناصر، ظاهرة يبدو أنها ليست حاضرة مع عمالقة كبار، من تيتو إلى سوكارنو، إلى نكرومة، إلى نهرو وغيرهم.
كيف يمكن للمرء أن يفسر هذه الظاهرة، بالنسبة لبورقيبة، وربما أيضا لعبد الناصر، الذي شاهدنا صورا له هو الآخر في اعتصام 6 آب أغسطس ويوم 13 آب أغسطس.
ما من شك أن بورقيبة قد ترك بصمات غائرة في تاريخ تونس كاملا.
ورغم المشككين، ورغم الأخطاء، فإن المرء لن ينسى إلا إذا كان مكابرا، أن  الرجل  قاد وببراعة، وبأقل التكاليف، مسيرة حركة التحرير الوطني، وأنه قاد عملية بناء الدولة، وتركيز أجهزتها، وأنه حقق للمجتمع مكاسب قل نظيرها ليس في العالم العربي والإسلامي فقط، ولكن عبر العالم كله، إنه حرر المرأة من ربقة كانت ترزح تحتها، وتحول دون إبداعها، وفرض دخولها للحياة الاجتماعية كما لم يتسن لامرأة أخرى في مثل هذا الوقت القصير، وأنه راهن على التعليم، فرفع الجهل عن بلد بأكمله، ومكنه من أن يدخل العصر من أوسع أبوابه، إنه بحركة تحديد النسل قد مكن تدريجيا من رفع المستوى المعيشي للناس، بالتمكين من توزيع كعكة التنمية بين عدد أقل من المواطنين(من منطلق واحد سنة 1966 لم يتجاوز حاليا عدد سكان البلاد في تونس 11 مليونا إلا بقليل، بينما وصل هذا العدد إلى 23 مليونا في سوريا).
لا شك أن الأخطاء كثيرة، ودعنا نقول، ولو لم يعجب ذلك البورقيبيين المتطرفين، الجرائم أكثر، دعنا نقول أن بورقيبة سليل مدرسة عصور الأنوار واعتماد الديمقراطية، لم يكن ديمقراطيا، وكان إلى حد بعيد ديكتاتورا أبويا، إلا أن حكمه لم يكن شموليا مثل حكم خلفه. دعنا نقول إن آلام وعذابات اليوسفيين وغير اليوسفيين تبقى ماثلة أمامنا.
ولكن ذلك لا يقلل  في قليل أو كثير من التراث الذي تركه، ولذلك نراه قد بقي حيا في نفوس أعداد كبيرة من المواطنين، بعضهم ولعل أكثرهم لم يعيشوا عهده، أو لم يعوه فــهم  و عند تغييبه كانوا دون العاشرة من عمرهم.
تلك ولا شك ظاهرة مجتمعية ولعلها ستصبح تاريخية في حياة هذا الشعب.
غير أن الظاهرة وإن بدت عاطفية، فإن الفعل البورقيبي، ما زال يحتاج لدراسة وتمحيص، إنه ظاهرة  تركت أثرها على التحرك السياسي اليوم.
فمنذ جاءت حركة النهضة إلى الحكم، عملت على طمس معالم العهد البورقيبي، ولم تر فيه إلا مساوئ وسيئات، ولم تعترف لا بالاستقلال ولا بالجلاء ولا بإقرار الجمهورية، ولا بالجلاء الزراعي ولا بناء صرح دولة، ولا بكل المكاسب الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة، وتنكرت إلى قطعة من تاريخ هذه البلاد كانت حافلة وإيجابية، بل أكثر من ذلك حاولت أن تغمط حق الرجل وحق البلاد.
و من وجهة نظرنا فإن ذلك ساهم في انحدار شعبية حركة،  سارت في اتجاه معاكس لمسيرة التاريخ، ولم تعتمد على الأقل المقولة الشهيرة"اذكروا موتاكم بخير"، فشعبية بورقيبة بصدد الصعود، وقد باتت إنجازاته محل ذكر متواصل مستمر، ونسي الغالبية سلبيات حكمه، بل أخذ بعض الكتاب يبررون ديكتاتوريته، بالقول بأن فترة حكمه لم تكن في العالم الثالث فترة إعطاء أولوية للديمقراطية، وهو قول على أنه مردود، وغير مقبول انتشر كثيرا.
زعامة مثل زعامة بورقيبة، أو عبد الناصر، زعامات لا تموت، وستبقى طويلا، في أعماق نفوس الناس، أراد الإخوان في تونس أو مصر أو أبوا.
لكن الغريب الغريب، أن لا ينبري بعض أبناء بورقيبة، ممن أعماهم الكرسي وذهب ببصيرتهم، أمثال ابن الزعيم الخالد الباهي الأدغم لينبروا للدفاع عن عهد كان لآبائهم الفضل فيه، فيتركوا للناهشين مواصلة نهشهم، في صمت منهم مريب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق