عربيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
هل قضي الأمر؟
تونس / الصواب / في 29/08/2013
هل قضي الأمر؟ واستقر الوضع للحكم
الجديد في مصر، وتم استبعاد الإخوان في مصر من سدة سلطة أساؤوا استعمالها مدة
حكمهم القصير، الذي لم يستمر سنة تكاد يوما بيوم.
ومهما كانت التسمية، هل هو انقلاب كما
يصر على ذلك الإخوان، أو نتاج تمرد شعبي، فإن الواقع يبقى هنا متحديا كل التسميات،
واقع جديد في بلد استعصى على حكم ديني، قصير النظر، حاول أن يغير من طبيعة نمط
مجتمعي، كانت مصر الأسبق إلى نحته في العالم العربي والإسلامي.
لعل مصر ستشهد هزات أخرى، وسيلان دماء
مجددا، فالإخوان لن يستسلموا بسهولة بعد أن كانوا يعتقدون أنهم وصلوا إلى مبتغاهم
بالاستيلاء على السلطة بشوط صغير في انتخابات رئاسية، اعتقدوا أنهم ضمنوا بها كل
شيء ولم يتفطنوا إلى أن أغلبية من الشعب رفضتهم، لأسباب عديدة، منها أنهم حاولوا
أن يسيطروا بلا نجاح على مفاصل دولة عميقة
تعود إلى 6 آلاف سنة، ومنها أنهم جاؤوا بنمط جديد للمجتمع لم يقبله المصريون،
ومنها أنهم تصرفوا وكأنهم مؤبدون في السلطة.
لكننا نعتقد أن الأمر قد قضي، وأن
الإخوان قد أبعدوا عن السلطة لأمد بعيد، وبعيد جدا، وربما إلى الأبد، بعد التجربة
السيئة التي خاضوها، وبعد الفشل المدوي الذي منوا به.
لنقل أولا: أن الشرعية الانتخابية
التي تعتبر أول حججهم، قد سقطت يوم اتخاذ الإعلان الدستوري المنفرد بدون عودة
للشعب، وهو ما أقدم عليه الرئيس السابق
محمد مرسي، ثم يوم عزل النائب العام الذي يعتبر أحد رؤوس السلطة في مصر، ثم عندما
أقال الرئيس السابق مرسي كل القيادة العسكرية في حركة شبه انقلابية، ليأتي بقيادة
أخرى هي التي أزاحته بدفع شعبي كبير.
نتيجة كل ذلك وما اعتبره المصريون ديكتاتورية
ناشئة أو انقلابا زاحفا، تحرك الشعب المصري في إطار تمرد كاسح، يوم 30 حزيران
يونيو والأيام الموالية، في أكبر اعتصام تظاهر شهده تاريخ الإنسانية تحت أي سماء،
بما يوازي ما بين 33 مليونا من الأمواج البشرية المتلاطمة و 20 مليونا حسب
التقديرات، أي على الأقل ضعف عدد الذين صوتوا للرئيس السابق محمد مرسي إن لم يكن
ثلاثة أضعاف عددهم.
واليوم وقد استقر الأمر للحكم الجديد،
فللمرء أن يتوقف عند عنصرين اثنين:
أولهما ونقولها صراحة، إنه بقدر ضخامة
المظاهرات التي أتت على حكم الإخوان بالأعداد التي رأينا، فإن حل العقدة كان خاطئا
من وجهة نظرنا.
صحيح أن القوات المسلحة المصرية قد
انتصرت للشعب بعد أن ظهرت توجهاته، وفقا لواحدة من قواعد الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان، مما جاء في ديباجة إعلان 10 كانون الأول ديسمبر 1948، من حق الشعوب أن
تتمرد، صحيح أن القوات المسلحة المصرية التي تتمتع بهيبة وقوة وانتصار دائم للشعب،
منذ الفرعون تحوتمس إلى عرابي إلى عبد الناصر، لم تخلف الموعد في أي مرحلة من
مراحل التاريخ المصري، ولكن حقيقة ما جرى يوم 30 حزيران يونيو والأيام الموالية،
هي أن غالبية الشعب المصري قد انتفضت وتمردت، وأخذت الأمور بيديها، ولذلك فهي
صاحبة القرار، وإذا كانت القوات المسلحة التي تملك شرعية ثلاثة أو أربعة حروب في
العصر الحاضر، سجلت فيه آخرتها نصرا مبينا يعطيها شرعية قوية، فإنها جاءت لتسند
صاحب الحق الطبيعي، أي الشعب الذي خرج في "تمرد" يكتسب شرعيته
ومشروعيته، من تنظيرات الفلاسفة هوبس ولوك، ومن الثورة الفرنسية ونصوص 1789 و 1793،
وأخيرا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولذلك كان الخطأ الأول هو أن القوات
المسلحة المصرية، وبدل أن تضع نفسها على خط الشرعية والمشروعية التي فرضها
"التمرد" L’INSURRECTION وتترك المبادرة لقادة التمرد، أقدمت على
احتكار القرار، وكان قيادي التمرد محمد بدر وهو حفيد لجمال عبد الناصر، شخصا
ثانويا في "حفل" الإعلان عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
و من هنا
استمرت أخطاء، بدا معها الأمر وكأنه انقلاب عسكري، وليس حركة شعبية جارفة، أنهت
نظاما قائما، وإن استند إلى شرعية انتخابية، فإنه وخلال سنة فقد تلك الشرعية،
وخاصة كل مشروعية.
وما حصل لاحقا من اعتصامات في ميدان رابعة العدوية، وفي ميدان النهضة ( ويا
لغرابة الصدف) ليس سوى رجع صدى ضعيف، للتطورات التي حصلت منذ 30 حزيران يونيو،
سريعا ما تم تجاوزها، أحيانا بطريقة دموية لم يعد اليوم هناك شك من أنها كانت
متبادلة، وإن كانت السلطة دائما هي التي تبقى مدعاة للمساءلة الأكبر فيها،
باعتبارها المسؤولة الرئيسية عن حياة وسلامة المواطنين.
وثانيا: أن مصر ما بعد مرسي تجاوزت صعوبات تسويق ما تتم تسميته، بتصحيح
ثورة 25 كانون الثاني يناير 2011، فبعد تردد من كبار الدول الغربية، التي رفضت في
أي وقت من الأوقات أن تسمي ما حصل يوم 23 تموز يوليو 2013 انقلابا، عادت باعتبار
طبيعة مصالحها ومصالح ربيبتها إسرائيل إلى موقف أكثر قربا من النظام الجديد
القائم، ، وحتى تركيا التي أرغى وأزبد رئيس حكومتها أردوغان بعد عزل مرسي، حيث
انتهت أحلامه بإعادة الخلافة إلى إسطنبول وقيام إمبراطورية تحت إشراف تركيا تكون
مصر حلقة مهمة فيها .
النظام الجديد القائم، هذا النظام الذي سيكسب مصداقيته من طول أو قصر المدة
الإنتقالية، انتظارا لسن دستور دائم، لا يكون طبعا شبيه بالإعلان الدستوري للرئيس
السابق مرسي، وانتظارالإجراء انتخابات شفافة ونزيهة رئاسية وتشريعية.
**
على أنه لا يمكن للمرء أن يمر دون أن يتوقف عند تأثيرات ما حصل في مصر على
بلدان "الربيع العربي " التي سقطت بدفع أمريكي واضح تحت سيطرة الإسلام
السياسي، فالهزة كانت مزلزلة، فمصر هي الشقيقة الكبرى، وهي مهد الإخوان، وبدونها
يهتز البناء الدولي للإخوان، وحتى تركيا لا يمكنها أن تعوض، بل إن التشقق بدأ يصيب
نظامها، نتيجة رفض نمط مجتمعي غريب عن الأتراك، اللائكيين الذين يعيشون منذ قرابة
قرن تحت فكر أتاتورك، تماما كالتونسيين الذين رجعوا بقوة للبورقيبية، التي حاول بن
علي قبرها، ولكنها عادت بقوة في زمن الإسلاميين القصير، ممثلة عن حق أو باطل
بالباجي قائد السبسيي الذي بات الغنوشي يخطب وده، عبر عدد من المظاهر:
-
الجلوس المنفرد معه
وضبط اتفاق ما زال مجهول التوجهات
-
التخلي عن ما سمي
بقانون تحصين الثورة
-
محاسبة أنصار
الشريعة حلفاء الأمس
-
احتمالات كبيرة بحل
روابط "حماية الثورة.
-
التوجه نحو حل
الحكومة وقيام حكومة "كفاءات" ، وهي الخطوة الأخيرة والحاسمة والمنتظرة
من قبل النهضة، وبدونها يخشى أن يحصل ما لا يحمد عقباه، وهو ما لا يفيد النهضة، أو
يضمن مستقبلها في تونس.
هل كان كل ذلك ممكنا لو لم يقع
ما وقع بمصر ذات يوم في 30 حزيران يونيو 2013 ونجاحه مصريا عربيا و دوليا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق