Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

بكل هدوء : ماذا يخبئ لنا المستقبل بعد نتائج الانتخابات؟

بكل هدوء

يكتبه عبد االلطيف الفراتي
إلى أين تسير البلاد و إلى أي مأزق ؟
تونس / الصواب / 26/08/2019
تحت وطأة الصدمة ، اعتبرت أن الباجي قائد السبسي شمعة أضاءت ، ولن تنطفئ ، وبذهاب هول المفاجأة ، وشعور اليتم ، الذي أصابني كما أصاب جانبا كبيرا من الشعب التونسي ، لم يتبين لي وقتها  الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أما وقد مر شهر بدا اليوم كأنه دهر ، أخذت تتضح معالم صورة داكنة ليس فيها مكان للون زاه ، ليس ذلك بسبب الحداد ، ولكن نتيجة لليقظة بعد الغفلة على الأقل في مستواي الشخصي.
للذكرى فقبل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 ، التي قادت الباجي قائد السبسي لمنصب الرئاسة ، كنت كتبت على مدونة "الصواب " مقالا بعنوان :" أصوت للباجي مكرها لأني لا أثق في المرزوقي" ، وللواقع لم يكن لي ولا لآخرين من حل ، نظرا لطبيعة الاقتراع بالتصويت الشعبي العام المباشر لاختيار رئيس الجمهورية ، ولم يكن المرشح الباجي قائد السبسي هو الأفضل بين الـ27 مرشحا على ما أذكر في الدورة الأولى ، آنذاك ، لكن تلك هي طبيعة الانتخاب بالاقتراع العام على دورتين.
بدا الباجي قائد السبسي وقتها ورغم كل التحفظات مقبولا لسببين اثنين  في نظر الكثيرين :
أولهما أنه أوقف زحف النمط المجتمعي التراجعي  للترويكا بمكوناتها الثلاثة والذي لا يمت بسبب لطبيعة المجتمع التونسي ، الذي غادر ربقة التخلف ودخل عوالم التنوير منذ عهد الملك أحمد باي سنة 1837 ، اقتداء بالخديوي محمد علي في مصر  واستمرارا لخير الدين باشا ، وفكر قاسم أمين ومحمد عبده انتظارا للطاهر الحداد وبورقيبة ورفاقه.
وثانيهما أنه بشر بحكم عصري تنموي  ( بعد سنوات من الحكم الثلاثي الفاشل للترويكا التي كانت تسعى لإقامة نظام مجتمعي متخلف)  حكم متخلص من الكرة الحديدية الثقيلة التي كانت تكبله والمتمثلة في الديكتاتورية والتوتاليرية لفترة ما قبل الثورة .
غير  أن الخطوات الأولى لحكم مدني تحت رئاسة السبسي خيبت الآمال ، فبدل اختيار رئيس حكومة مناسب قادر على تحريك السواكن ، وإنجاز مرحلة النمو التي بشر بها البرنامج الاقتصادي الاجتماعي الذي أعده للنداء عدد من الاختصاصيين ، في مقدمتهم محمود بن رمضان وسليم شاكر، التجأ رئيس الجمهورية الجديد إلى رجل رغم نزاهته ووفائه للدولة ،  الحبيب الصيد وهو من خارج حزب النداء،  ليقود المرحلة لم يكن على قدر من مواجهة  تحدياتها بعد سنوات  الخراب الثلاث التي أعقبت الثورة، وبقدرة قادر فإن الحبيب الصيد على إخلاصه للرئيس رغم محدودية آفاقه كرجل اقتصاد وفعل ، لم يرض رئيس الدولة ، وفقا لما قيل في حينه لأنه لم يكن طيعا في خدمة الابن المدلل لرئيس الدولة ، ولعل المرء يجد بعض ما تردد عن ذلك في الكتاب التقيييمي الذي كتبه مدير الديوان في رئاسة الحكومة الرجل الكف بين الأكثر كفاءة الطيب اليوسفي ، فكان أن صرف رئيس الحكومة ، على وقع انشقاقات داخل الحزب الحاكم النداء الذي لم يحكم قط ، واستجابة لنزوات الابن المدلل تمت الاستعاضة عن الحبيب الصيد ، بوافد جذيد على الحياة السياسية هو يوسف الشاهد ، الذي كانت خصلته الوحيدة أنه نظم مؤتمرا للحزب الحاكم الذي لم يحكم قط ،على مقاس ابن أبيه حافظ قائد السبسي ، فنال جزاء على ذلك أن تبوأ رئاسة الحكومة ، ولنذهب بالصراحة إلى منتهاها ، لنقول أن لا شيء كان يؤهله لذلك إلا رضاء العائلة للخدمات الجليلة التي قدمها ،  بشق نداء تونس وشرذمته ، إلى حد أن غادرته كوادره الأكثر فاعلية.
غير أنه لا تسلم الجرة في كل مرة ، فرئيس الحكومة الجديد أمام الرغبات غير المنطقية المتكررة والتي لا تمكن الاستجابة لها من قبل العائلة  ، دخل في مواجهة بينه وبين الابن المدلل، فدفع أباه الرئيس للدعوة لصرف رئيس الحكومة ما أوقع السلطة التنفيذية في حالة انشقاق ، ما قلل وهي قليلة الفاعلية أصلا من فاعلية عملها وانصرافها برأسيها إلى مواجهة ، لم تكن لتخدم البلاد مما تردت إليه خلال 9 سنوات من حكم غير رشيد ،  لنقلها بصراحة ، وحوكمة متدنية إن لن نقل منعدمة، وبدل الانصراف لتنمية البلاد ، باتت الطبقة الحاكمة  تتقاذف التهم والضرب تحت الحزام، وكانت النتيجة انهيار إقتصادي ـ إحتماعي وحيرة عامة ، إلى الدرجة التي بات فيها جزء من الشعب يتمنى العودة إلى زمن الديكتاتورية ، وهو ما يفسر ارتقاء التجمعية السابقة عبير موسي  ، مع ما تمثله من ماضي كريه ، إلى المراتب الأولى في نوايا التصويت لما قبل ظهور فقاعة نبيل القروي وقيس سعيد.
**
للواقع أن الذين سطروا الدستور على هناته ، والقانون الانتخابي على ما يعتوره من نقائص مضافا إلى ذلك غياب المؤسسات الدستورية التي نص عليها دستور 2014، لم يتفطنوا إلى الفخاخ الخطيرة التي تعشش في النصوص التأسيسية والتنظيمية القانونية ، بحيث تسربت مظاهر لم تكن لتظهر لووقعت الاستفادة من التجارب العالمية.
ومن هنا طغت ظاهرة ديماغوجية ، حولت الانتخابات الرئاسية إلى لعبة فولكلورية.
ولما كان إصلاح الأمر المعوج بسرعة وبغير روية وليس في الوقت المناسب ، فإن النهضة وتحيا تونس ،الحزب المصطنع  على عجل لرئيس الحكومة الشاهد،  الذي تحول لخصم للباجي وابنه في تحالف مريب مع النهضة ، أقدما على سن مشروع قانون يتفق فقهاء القانون الدستوري على عدم دستوريته ، فضلا على أن توقيته غير أخلاقي في أدنى الاحتمالات ، وهو مشروع مرره تحالف النهضة وتحيا تونس مع شتات من الأحزاب التي أصابها الهلع على مواقعها ، وصادق عليه ـ ويا للغرابة ـ  الجهاز الوقتي للنظر في دستورية القوانين ،بحيث أقصى ثلاثة أو أربعة أحزاب أو شخصيات  متقدمة في نوايا التصويت ، لا تستحق أن يكون لها مكان تحت الشمس ، لولا غفلة المشرع التونسي الجديد  الذي اهتم بالخصومات الفارغة ، و لولا تحلل نصوص دستورية لم تتخذ حذرها الكافي من احتمالات السطو على الديمقراطية بالديمقراطية.
غير أن ما لم يدر بخلد اللذين لجؤوا إلى الاقصاء في الساعة الخامسة والعشرين أي بعد الأوان ، أن رئيسي الدولة المتردد على المستشفى العسكري ، والذي لم تكن صحته ـ والله أعلم ـ على أحسن حال ، وفي ما يقال من تحالف جديد وغير مستبعد بين نجل الرئيس أي  حافظ قائد السبسي ، وبين نبيل القروي النجم الساطع لحد أيام قليلية مضت ،  باعتبار الأدوات التي استعملها والممجوجة أخلاقيا ، دفع رئيس الدولة في أيامه الأخيرة لعدم توقيع النص المعروض عليه ، وسقوط كل مطامح النهضة والنداء ،  أو ما بقي منه والأطراف الأخرى المتورطة في النص القانوني المصادق عليه ، والحائز على موافقة الجهاز الوقتي للنظر في دستورية القوانين .
كيف كان حال الرئيس عندما رفض التوقيع ، ومن هو الذي أعلن عن الرفض ، ومن ذا الذي يمكن أن يعرف حقيقة ما حصل في الفترة الأخيرة من حياته قبل وفاته المفاجئة .
كل تلك أسئلة تبقى واردة ، والمهم فيها أنها أعادت للــــــــسباق الرئاسي من أريد ( برفع الهمزة وكسر الراء وفتح الدال ) استبعادهم وما بعده  أي تأثيرات ذلك لاحقا على الانتخابات التشريعية ، وحصول كل التشنجات القضائية الأمنية ، التي لن تمنع أحدا من مواصلة ترشيح نفسه ، ومن يدري ربما الفوز بمنصب الرئاسة ، خصوصا مع ما يبدو عليه من دور الضحية والناس يحبون الضحايا.
وفي هذه الحالة تجد تحيا تونس والنهضة والتوابع نفسها خارج دائرة الحكم.
ما الذي ينتظر البلاد في هذه الحالة ،وما ستسفر عنه هذه الانتخابات ، هل سيكون محل وفاق وقبول ، أم إننا سنكون جميعا في مواجهة تطورات الله أعلم بمداها؟
ولعل الدرس الأكبر هو تحديد سن الترشح لرئاسة الجمهورية بـ70 أو على الاقصى 75 سنة ؟

السبت، 17 أغسطس 2019

الموقف السياسي : هل إن الحسم سيكون مبكرا ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صورة الحكم بعد أكتوبر المقبل ؟
تونس / الصواب / 17/08/2019
هل حسم الأمر واتضحت الصورة ، ولمن سيؤول الحكم بعد انقضاء شهر اكتوبر المقبل ؟.
غالب المراقبين للساحة السياسية  تسود لديهم قناعة مطلقة بأن الصورة  وإن كانت ضبابية  فإنها تنفرج عن بعض الضوء في اتجاه معين ، ، وإذا كان  كل شيء محتمل ، فإن  هناك من بات يسوده اعتقاد جازم بأن السباق الرئاسي بات يدور بين 5 أو 6 من المرشحين من بين 26 تحفل بهم  القائمة النهائية أو تكاد للترشح الرئاسي  وأن واحدا منهم بات على قاب قوسين أو أدنى من الهدف  ، وأن السباق في الانتخابات التشريعية التي ستجري في 6 أكتوبر المقبل سيكون  إلى حد كبير صورة لنتائج انتخابات الرئاسة ، باعتبار أن الناخبين سيعطون للرئيس المحتمل انتخابه  ، على الاقل البارزة ملامحه  منذ الدورة الأولي في 15 سبتمبر المقبل ، وسائل وأدوات الحكم التي يحتاجها لتسيير الدولة ، كما هو الشأن عادة في البلدان التي تجري فيها الانتخابات  الرئاسية قبل التشريعية ، وهو ما سعت النهضة لتجنبه بكل قوة سنة 2014 ، وسقطت فيه في 2019 وهو لا يخدم مصالحها ،على اعتبار أن وفاة الراحل الرئيس الباجي قائد السبسي ، قد فرض أجندا جديدة تسبق فيها الرئاسية التشريعية ،  باعتبار الشغور الدائم لمنصب الرئيس ، وبعثر أوراقها ، وفرض ديناميكية جديدة ، تقوم على حالة الانجرار الناتجة عن إعطاء الفائز في الرئاسيات أسبقية  ،  وفرصة إن لم تكن للسيطرة على نتائج التشريعية  ، فعلى الأقل البروز فيها  بأغلبية مهمة جدا قد تصل إلى حد البسيطة لا النسبية  ، مع ما يمكن أن تتوفر معه أغلبية برلمانية ، لم نعهدها منذ انتخابات 2011 ،  تعطي الرئيس المنتخب فرصة للحكم  وبيد شبه مطلقة   في حدود الصلاحيات التي يعطيها له الدستور أو ربما يتجاوزها ،  ما لم يتوفر لسابقية  المرزوقي وقائد السبسي  .
**
 وإذ كان السباق الحقيقي يدور اليوم بين 5 أو 6 من 26 مترشحا ، فمن سيكون هذه المرة العصفور النادر ، الذي سيكون ضيفا على قصر قرطاج لمدة  5 أو حتى ربما 10 سنوات.؟
في غياب عمليات سبر آراء معلنة ، وفقا لموانع قانونية ، فإن الأحزاب الكبرى والمترشحين بالذات يبدون على علم بنتائج عمليات استطلاع الرأي ، إن لم يكونوا قد طلبوها لحسابهم الخاص ، من هنا يحق السؤال : لماذا يواصل حوالي 20 مترشحا للرئاسة الحضور ، علما وأن استمرار حضورهم سيضر بمن لهم حظوظ حقيقية   للنجاح وقد يغير النتائج  ، وقد يحرم مماثليهم في التوجه من الوصول للمرتبة الأولى أو الثانية المؤهله لسباق الدورة الحاسمة  التى تصطفي الرئيس المقبل من بين اثنين من جملة المترشحين ، وبالطبع فإن عمليات سبر الآراء لا يمكن أن تعوض التصويت العام ، ولكن تلك الاستطلاعات تعطي صورة للواقع الانتخابي  في لحظة معينة  ، خاصة إذا تكررت من مؤسسات للسبر مختلفة تونسية وأجنبية  .
وعلى سبيل المثال فإن اليسار المنقسم على نفسه بثلاثة مرشحين وفقا لاستطلاعات الرأي ، لا يأمل حتى في الحصول  ـ بمرشحيه الثلاثة ـ  على نتيجة مماثلة لتلك التي بلغها في انتخابات 2014 حمة الهمامي ، كما إن التوجه الاسلامي ممثلا بأربعة أو خمسة مرشحين ويقول البعض 6 ،  بمن فيهم المرشح الرسمي للنهضة  عبد الفتاح مورو ، والذين سيشربون من معين واحد هو المخزون الاسلامي الذي يعتقد المراقبون أنه يراوح بين 25 و30 في المائة من مجموع الجسم الانتخابي ، تتقاسمه تجاذبات ستجعل وصول عبد الفتاح مورو للدور الثاني أمرا في غاية الصعوبة  إن لم تحدث انسحابات في الأثناء ، ففي تحقيق نشرته جريدة الشروق الاسبوع الماضي دون ذكر المصدر ، فإن خزان الاسلاميين سيضمن حصول عبد الفتاح مورو على نصف عدد الأصوات  الاسلامية ،  في مقابل أقل من الثلث لحمادي الجبالي وأقل من ذلك لمنصف المرزوقي والفتات لسيف الدين مخلوف ما يعني أن نصيب مورو سيراوح ما بين 12.5 و15 في المائة ،   ويبقى السؤال مطروحا ما إذا كان من حظه تجاوز عقبة الدور الأول  ، ويكون أحد اثنين في مناطحة الدور الثاني ، ويبدو الشيخ مورو في موقف لا يحسد عليه.
والأمر كذلك في ما يسمى بالعائلة الوسطية الحداثية ، وإن كان المراقبون يبدون متفقين أن عبد الكريم الزبيدي يتقدم الصفوف ، وأنه قد يكون الوحيد المرشح لاجتياز عقبة الدور الأول  في انتظار صورة الثاني ، ما يجعل الطريق لقصر قرطاج قد يكون مفتوحا أمامه  ، ويقول المدون العبدولي كاتب الدولة الأسبق إن المعطيات المتوفرة لديه دون ذكر المصدر،  تفيد يأن الزبيدي يأتي في المرتبة الأولى وعبد الفتاح مورو في المرتبة الثانية بفارق 6 نقاط ، ما يدفع للاستنتاج بأنهما المرشحان للدور الثاني.
وهذا يطرح سؤالا حارقا أين سيكون موقع كلا من نبيل القروي الذي كانت استطلاعات الرأي ترشحه للموقع الأول ، و قيس سعيد للموقع الثاني وعبير موسي للموقع الثالث ، ثم هل يكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد  الذي يعتقد أن النهضة خذلته بتقديم مرشح عنها ، ولم تعتبره عصفورها النادر، وهو ما كان يتطلب منه أن  يضع نفسه تحت جناحها  فينتحر سياسيا ، كما كان شأن منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر في انتخابات 2014 . ويعتقد الكثيرون أن بقية الفريق الذي يعتبر نفسه وسطيا حداثيا ، فإنه لم يبق له إلا أن يواصل المغامرة ، إما بنتائج مخجلة ،  أو بالتفاوض على مواقع في الحكم المقبل ، وهو أمر ليس مضمونا باعتبار طبيعة من سيشغل الموقع الرئاسي .
ألم يقل المراقبون السياسيون من البداية ، إن وفاة الباجي جاء  في وقت حرج ، وقد بعثرت كل الأوراق ، وإلا فمن كان يمكن أن يراهن على احتمالات تعقيدات بهذا القدر ، ربما تكون النهضة ، ويوسف الشاهد وفريقه أكبر الخاسرين فيها.

الأربعاء، 7 أغسطس 2019

الانتخابات الرئاسية : اختلاط الأوراق خاصة بالنسبة للنهضة

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل اتضحت الصورة أم زادت غموضا ؟
تونس / الصواب /07/08/2019
قبل وبعد 14 جانفي 2011 فرض الباجي قائد السبسي أجندته على الجميع ، أدار السلطة في أخص خصائصها عبر وزارة الداخلية والخارجية ووزارة الدفاع  ورئاسة مجلس النواب ، جرب الحكم وجرب المعارضة ، قبل وبعد 14 جانفي ، وقلب الأمور رأسا على عقب ، في  فامي 2012 و 2013  ، ونجح في دفع النهضة على طريق لم تكن لتحبه أو تعتقد أنها ستضطر له بعد " انتصارها" ولو النسبي في انتخابات 2011 ونجح في ضمان وصول " قمة " السلطة بدهائه ، الذي لم ينفع معه دهاء الغنوشي.
ميتا فرض أجندته برغبته أو بالصدفة ، وإذ لم ينجح في 2014 مع الغنوشي في فرض إجراء الانتحابات الرئاسية قبل التشريعية ، وهي النقطة الوحيدة التي رفض الغنوشي التنازل عنها  آنذاك .
ميتا فرض إجراء الرئاسية قبل التشريعية ، وهو ما وضع النهضة في موقع سيء، فسبق الرئاسية كما هو معروف عالميا له تأثيراته على التشريعية اللاحقة ، l’effet d’entraînement   وهو أمر غالبا ما تعمل القوانين الانتخابية على تضمينه بين فصولها  وربما في دساتيرها ، وحتى في حالة ما جاءت انتخابات رئاسية خلال عهدة تشريعية قائمة ، فإن لرئيس الجمهورية المنتخب حل البرلمان ودعوة الناخبين لانتخاب برلمان جديد ، معتمدا قوة الدفع التي يعطيها التصويت للرئيس الجديد لضمان سلطة تشريعية موالية ، وهو ما لجأ إليه كل من الرئيس ميتران والرئيس شيراك في فرنسا.
إذن فإن ما لم يستطعه الباجي قائد السبسي حيا ، تحقق بعد وفاته ، فارضا على النهضة ما لا تريده ، ولا تتمناه ، ووضعها في موضع الاحراج بإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ، بحيث تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية اللاحقة.
وإذ كان الغنوشي يبحث عن " عصفور نادر" يتمنى أن يكون رئيسا ملائما للبلاد وبالتالي للنهضة ومطيعا لها ، على غرار يوسف الشاهد مثلا ، ولا يكون منها ،
غير أن سبق الانتخابات الرئاسية عن الانتخابات التشريعية لا يجعل أي كان يغامر بالتبعية للنهضة ، أو التحالف المسبق معها ، لا منصف المرزوقي ولا مصطفى بن جعفر ولا قيس سعيد ولا حتى حمادي الجبالي ، إن كان ما زال لهم أنصار وناخبون في مخزون كل منهم  ، وفقا لما دلت عليه آخر استطلاعات الرأي.
إذن فإن  وفاة  الباجي قائد السبسي في 25 جويلية  الماضي ، أدى إلى إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ، وسابقة للإنتخابات التشريعية ،  ما خلط أوراق  اللعبة والنهضة ، وأعادها إلى واقع لم تتوقعه ولا تمنته، وجعل العصفور النادر من خارج صفوفها غير متاح ولا متوفر ، فالنهضة باتت بالنسبة للأحزاب التي تعتبر نفسها "حداثية" والتي لها حظوظ انتخابية ، بمثابة المرض المعدي الذي يجب عليها أن تتجنبه.
سارع مهدي جمعة وهو من أول المترشحين رسميا للرئاسيات ، للتبرؤ من النهضة ، برغم ما يقال إن صح أو لم يصح أنه كان في صفوف منظمتها الطلابية، برئاسة عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى حاليا ، قائلا  ما معناه أنه "على غير اتصال  بالنهضة " فيما حاول آخرون أن يبرزوا أنهم ليسوا حلفاء النهضة ، محاولين الابتعاد عنها.
ورغم محاولات مجلس الشورى على فترة أيام عدة أن يبحث عن العصفور النادر من خارج صفوف النهضة ، ورغم حرص رئيسها راشد الغنوشي ، والمكتب التنفيذي إلى آخر لحظة  ، إيجاد هذا العصفور النادر من خارج جسم النهضة ، إلا أن أغلبية بسيطة اضطرت زعيم الحركة إلى الخضوع للواقع ، فتم الاقتصار على عصفور وغير نادر من الصفوف : هو عبد الفتاح مورو.
ولا يبدو وفق ما تسرب أنه لم يكن هناك تدافع للترشح للمنصب الرئاسي في هذه الظروف  داخل صفوف النهضة ، وبالنظر لواقع الحال فإنه لا يبدو أن هناك من يقبل على الانتحار، والشيخ عبد الفتاح مورو الذي يحلو له أن يتمنطق بهذه الصفة لعله من القلائل الذين يزنون في النهضة ، الذي يقبل بهذه المغامرة غير مأمونة العواقب.
ولعل رئيس الحركة كان يسعى بكل جهده لتجنب توريط الحركة ذاتها في السباق الرئاسي ، ذلك أن نتيجة سيئة تبقى محتملة ، ستكون لها تبعات على الانتخابات التشريعية ، ويخشى رئيس النهضة بثاقب نظره ودهائه ، أن يؤدي احتمال عدم نجاح المرشح النهضاوي في تخطي الدورة الأولى ، إلى تراجع كبير في احتمالات تسجيل نسبة معقولة في الانتخابات التشريعية ، بما يمكن معه أن تنزل بعدد نواب الحركة إلى ما اعتبر الحد الأدنى من النواب في انتخابات 2014 ، أي ما بين 60 و70 نائبا ، وهو ما قد لا يوفر العدد الكافي من النواب اللازمين لانتخاب رئيس الحركة في "البرشوار" أي رئاسة مجلس النواب ، وإذ يمكن أن تكون النهضة هي أول حزب من حيث أعضاء البرلمان ، إذا لم ينافسها على تلك المرتبة حزب قلب تونس لنبيل القروي ، فإنها لن تدعى لتشكيل الحكومة أيضا ، فتجد نفسها خارج احتمالات نيل أي واحد من المقاعد السيادية الثلاثة  الأهم  ، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب ، اللهم إلا إذا قامت صفقات خارج الحسبان.
وهذا ما تخشاه النهضة  ، والذي جاء نتيجة خلط الأوراق الذي أنتجته الوفاة المفاجئة لقائد السبسي ، والتي لم يقرأ لها أي كان حسابا.


الجمعة، 2 أغسطس 2019

الموقف السياسي : مذا لو ترشح الزبيدي ، وماذا لو تم انتخابه ، أي مسار؟

الموقف السياسي


يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس في حاجة ألى رئيس مدير عام
ومجلس إدارة ، لا لــــرئيس تقليدي
تونس / الصواب/ 01/8/2019
رحل الرئيس الباجي قائد السبسي وترك فراغا سياسيا ولا شك ، فالحنين يهز عادة إلى الرجال المسؤولين ، سواء تركوا أثرا طيبا أو أثرا سيئا ، وعلى ما يتسم به العمل البشري من تأرجح بين الطيب والسيء ، فهناك شبه إجماع على أن الرجل تميز بأنه قاد البلاد في أصعب الظروف ، بحذق ، وأنه مكن لها من أن تجتاز الخمس سنوات أو تكاد بسلام ، فلم تسقط في حرب مواقع ، كما مكنها من أن تحقق توازنا ، (صحيح )،  مهزوز ولكنه أيضا أبعدها عن أن تكون في وضع بلدان أخرى مجاورة. هذا عدا سنة حكمه في عام 2011 ، التي كانت تحسب له نجاحاتها ومكتسباتها.
لعل السنوات الخمس الأخيرة قد أبرزت كسابقاتها الأربع ، عجزا عن تحقيق التنمية، ورفع المستوى المعيشي للناس ، كما حصل في بلدان أخرى وفي مقدمتها مصر ، ولكنه مكن للديمقراطية ورديفها من حرية تعبير وحرية صحافة  ، أن تقوم بدورها التعديلي فلا يسقط المجتمع في متاهات الفوضى .
ذهب الباجي قائد السبسي ، وفي شعورنا الباطن والظاهر ، أنه لم يكن لائقا الخوض قبل نهاية فترة الحداد في أمر من سيأخذ مكانه ، فنحن لسنا في ملكية يقال فيها "مات الملك عاش الملك" ، بل نحن في دولة مؤسساتها بدت صلبة ، قائمة على نص دستوري ، ومؤسسات ، مهما قيل فيها فإنها لم تهتز لحظة ، ولعبت دورها بكل جدارة ، وإذ هناك من يقول ، بأن ذلك عائد إلى نضج الفرد التونسي ، فلعل للمرء أن يستنتج أن هناك شعوب ناضجة ، ولكن ردود فعلها قادتها للفوضى رغم النصوص الرائعة والمؤسسات التي كانت تبدو صلبة.
** إذن من سيقود السفينة بعد وفاة الباجي قائد السبسي ، الذي تجاوز حدود صلاحياته في كثير من الأحيان ، وفرض نفسه في عديد المرات كما لوكان في نظام رئاسي ، وهي كلها أمور لن يتسنى لمن يأتي بعده ليمارسها كما مارسها الرئيس الراحل ، بشخصيته الفذة (اتفقنا أو اختلفنا معه ) ، وبالكاريزما التي تطل من عينيه وكل حركاته وكلماته ، وبقوة شخصيته التي تشع ذكاء يصل إلى مرحلة الدهاء.
على اعتبار كل ذلك لن يجود علينا القدربرئيس مثل الباجي قائد السبسي مهما كانت الأحوال ، ومن هنا كيف لنا أن نتصور رئيسا يمكن أن يملأ الكرسي الوثير لرئيس الجمهورية :
-لنقل أولا أن الرئيس المقبل ينبغي أن يتسم بهدوء كبير ، وقدرة عالية على التجاوز.
لنقل ثانيا إنه رغم ذلك ينبغي أن يتميز بشخصية قوية ، قادرة على المواجهة في الوقت المناسب.
لنقل ثالثا ، أن هذه الشخصية ينبغي لها أن تنحني ولو مؤقتا للعاصفة ، ولا تواجهها فتنكسر.
ومن هذه الخصال ننطلق لنقول إن هذه الشخصية رغم محدودية الصلاحيات ينبغي لها من وجهة نظرنا ، أن تتجه لتحقيق أمرين اثنين لا غنى عنهما لبلد يسعى للنهوض من كبوته:
1/ التعبئة الكاملة من جانبه وفي إطار من الوفاق الوطني وإشهاد التونسيين في غالبيتهم على ذلك أولا لتطوير الدستور لجعله في جهوزية لقيام نظام حكم ناجع ، إذ كيف يمكننا أن نخرج من نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا إلى منطق الجمهورية الخامسة بكل النجاعة التي عرفت بها بعد سنوات الخمول والركود التي عرفتها باريس رغم فيتو النهضة ،التي يلائمها نظام اقتراع لا يمكن أن يحقق أغلبية مريحة ، ما دامت هي ليس في الوارد أن تحقق ذلك باعتبار أن مخزونها الانتخابي غير قابل للتمطيط .
 ثم الدفع  خلال العهدة البرلمانية المقبلة لإقامة  المؤسسات الدستورية التي لا غنى عنها لاستكمال مظاهر الحياة الديمقراطية الحقة ، كل ذلك بعيدا عن المحاصصات الحزبية ، وفي إطار انتداب الكفاءات العالية كل في مجاله ، وأنا شخصيا لا أفهم ولا حتى أتفهم كيف يمكن استبعاد رجل من حجم سليم اللغماني من محكمة دستورية ، في هذا الزمن وفي تونس والأمثلة عديدة ، ليست القضية قضية نضال بقدر ما هي قضية كفاءة عليا.
2/ أن يكون الرئيس الجديد والثاني في الجمهورية الثانية    مؤهلا أكثر من سلفه، وغير  كبير في السن نسبيا ، ومتشبع بالعلوم الحديثة وله تكوين واسع وموسوعي، أن يكون ، ليس فقط رئيس جمهورية ، ولكن رئيس مدير عام مؤسسة بحكومة أشبه ما تكون بمجلس إدارة ، فطنة متيقظة ، متشبعة بمظاهر الاشعاع العالمي ، كما كان أمر تركيا مع ارئيس السابق أوزال ووزير اقتصاده كمال درويش سليل البنك العالمي  ، وهي التي حققت المعجزة التركية التي ينسبها أردوغان بكذبة كبيرة لنفسه ، وكما هو شأن رواندا اليوم التي تحقق نسبة نمو لا تقل  عن رقمين سنة بعد سنة ، رئيس مجلس إدرة في شكل حكومة تجوب العوالم التي يمكن أن نجد معها أفضل ما يمكن من أسباب التعاون والنجاح ، مغاربيا أولا عربيا ثانيا إفريقيا ثالثا ، متوسطيا رابعا إلخ .. وإني لأذكر في بداية سنوات التسعين عندما حول الوزير الأول حامد القروي آنذاك الحكومة بذلك الطابع ، عبر مصر والأردن واسعودية والكويت والامارات  والسينغال وساحل العاج ، و كل من المغرب والجزائر المتعاديتين وليبيا التي كانت وقتها خاضعة للحظر الدولي ،،
من هو الرجل النادر الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور.
باستعراض سريع للمترشحين للرئاسة ومن لم يقدموا ترشحهم بعد ، استشف اسما لعله ليس الوحيد ولكنه من وجهة نظري الأبرز ، وهو الدكتور عبد الكريم الزبيدي الذي تبدت كفاءته في كل المناصب التي شغلها إضافة إلى عفته ونظافة يديه لا يده كما يقال ، والذي أراه مسنودا بقمة اقتصادية عالية وكفاءة كبرى تتمثل في مصطفى كمال النابلي ، القمة العالمية والذي شغل منصب وزير التخطيط قبل أن ينسحب منه ، لخلاف مع الرئيس الأسبق بن علي ، واعتبر أفضل من تولى قيادة البنك المركزي  بعد الثورة  ، قبل أن يأمر الرئيس السابق منصف المرزوقي بإقالته قبل الأوان .