Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 28 يناير 2015

قرأت لكم : مقال محمد كريشان في القدس العربي

قرأت لكم
عندما يتناطح الأكباش                
تونس/ الصواب /28/01/2015
أول عثرات نداء تونس
محمد كريشان
JANUARY 27, 2015

«أول ما شطَـحْ نَـــطَـحْ»…أولى خطوات «نداء تونس» في الحكم وسعيه لتشكيله أول حكومة في «الجمهورية الثانية» لم تكن موفقة على الإطلاق.
لم تكن موفقة داخل حزب «نداء تونس» نفسه، الفائز بالبرلمانية والرئاسية، ذلك أن الطريقة التي حسم بها اسم رئيس الوزراء الحبيب الصيد لا تشي بمستقبل زاهر لمبدأ الديمقراطية داخل هذا الحزب الذي ما زال يبحث عن هويته السياسية النهائية.
لم تكن موفقة في طريقة إدارته المفاوضات مع باقي الأحزاب حيث اشتكى الكثير من قادة هؤلاء، وأغلبهم بالمناسبة لا يكنون مشاعر سيئة تجاهه، أنه لم يقع التعامل معهم بالطريقة المناسبة في مشاورات كان يفترض أن تكون أكثر عمقا وجدية.
لم تكن موفقة في التشكيل نفسه الذي أعلنه رئيس الحكومة المكلف الحبيب الصيد والذي سقط في امتحان الثقة، حتى قبل أن يعرض على البرلمان، فقد كان هناك شبه إجماع أن هذا التشكيل لا يستجيب لما كان مؤملا منه بل وتضمن بعض الأسماء الإشكالية.
والحقيقة أنه بغض النظر عن موقف المعجبين بـ «نداء تونس» أو الكارهين له، فإنه ما كان لأحد أن يتمنى أن تكون إنطلاقة هذا الحزب في حكم البلاد بمثل هذا الارتجال لا سيما وأن الجميع تقريبا لم يتردد في الإعراب عن الاستعداد للتعاون معه سواء من بين أولئك الذين كانوا قريبين منه كحزب «آفاق تونس» أو المختلفين معه مثل حركة «النهضة».
لم يكن لأحد أن يتمنى مثل هذه الانطلاقة لأنه كان يفترض أن تكون أول حكومة بعد الانتخابات الأخيرة حكومة مختلفة أسلوبا وأشخاصا، غير مسلوقة أو مشوشة، تطبخ مع الجميع وبكثير من التروي حتى نقدم نموذجا مختلفا، ليس فقط عن حكومات ما قبل الثورة، بل وبالأساس عن الحكومات التي جاءت بعدها والتي لم يستفد أحد في رصيده من خزان الغضب منها أكثر من حزب «نداء تونس» نفسه.
لم يكن لأحد أن يتمنى مثل هذه الانطلاقة لأن لا عذر لمن أمسك بالرئاسة وأغلبية البرلمان، ويتسابق كثيرون في كسب وده، أن ينفض الناس من حول أول خطوة يخطوها على درب طويل شائك ومعقد فذلك قد يمهد لمناخ من الشك لا يستفيد منه أحد.
أما وقد حصل الذي حصل وتأجلت جلسة البرلمان لمنح الثقة منعا لإحراج عدم الحصول عليها، أو للحصول عليها كسيحة مهزوزة، فإن الإيجابي من مثل هذه التجربة معرفة أن سقف التونسيين واشتراطاتهم على نوعية من يحكمهم باتت عالية جدا بل وأعلى من أن تلبى بالكامل فكيف إذا لم تلب أصلا بحدها الأدنى.
ومع ذلك، فما حصل ليس نهاية العالم وإمكانية التصحيح تبقى متاحة وممكنة، ثم أن نتعثر الآن أفضل من أن ننطلق على أسس رخوة. إن طبيعة الحكومة التي سترى النور قريبا في تونس تحددها قبل كل شيء طبيعة المرحلة المقدمة عليها البلاد. وطالما لم نشخص بدقة هذه المرحلة ونصارح الشعب بحقيقتها المرة فمن الصعب جدا بل ومن المستحيل أن نوفق في تحديد ملامح الفريق الذي سيتصدى لأعبائها وإكراهاتها المختلفة.
الوضع الإقتصادي في البلاد كارثي ولم يعد هناك من مجال للتحمل أكثر كما أن أعباء الحياة ازدادت على الجميع وخاصة على ضعاف الحال الذين كانوا يحلمون بتغير الأوضاع إلى الأحسن بعد الإطاحة بالدكتاتورية. عجلة التنمية في أمس الحاجة إلى أن تدور من جديد وتنتعش السياحة ثانية وتتدفق الاستثمارات الوطنية والأجنبية التي كانت مترددة أو محجمة لأسباب سياسية تتعلق بالموقف من توليفة الحكم الذي كان قائما برئاسة حركة «النهضة». لا بد من «مشروع إقتصادي إنقاذي» يراعي تلك المعادلة المستحيلة أحيانا بين التدابير الإقتصادية الصعبة وكلفتها الإجتماعية.
إعادة جذوة الأمل من جديد ممكنة شرط أن تقوم على تشخيص شجاع للأوضاع السياسية والإقتصادية، يصارح به الشعب دون لف ولا دوران فلا انتخابات قريبة حتى يشرع البعض في إطلاق الوعود الوردية الكاذبة. ومن أجل هذه المهمة لا بد من تكاتف الجميع، مهما كانت مشاربهم السياسية، مع مصالحة وطنية كبرى ترسي العدالة قبل الصفح. تونس، وبخاصة الآن، في حاجة لكل عائلاتها السياسية من يسارييها وإسلامييها وليبرالييها وكل التلوينات الأخرى الموجودة أو الممكنة – المؤمنة بنبذ العنف والتداول السلمي على السلطة- بكل مسؤولية بعيدا عن منطق المحاصصة أو الإجماع المغشوش.
هذه الروح يجب أن تنعكس في الحكومة الجديدة التي عليها أن تؤمّــن أوسع شراكة ممكنة حتى تستطيع البلاد أن تجتاز السنوات الصعبة المقبلة بأخف التكاليف وبأقل إحتقان ممكن. بعده يمكن أن نعود من جديد إلى مربع الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضــــة. وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
٭ كاتب تونسي
محمد كريشان


الاثنين، 26 يناير 2015

بكل هدوء : سياسة الهواية بدل الاحتراف

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الهواة
تونس / الصواب / 27/01/2015
 يحتاج العمل السياسي إلى قدر كبير من المهنية بما يعني ذلك من إدراك وتقييم دقيقين ، وتصرف من منطلقات تقوم على حسابات دقيقة.
ولعل الحكومة المعلنة من قبل الرئيس المكلف الحبيب الصيد ، قد بدا عليها من سمات الهواية الشيء الكثير، وغابت عنها الحرفية الدنيا التي لا بد أن تصاحب كل عمل سياسي أو غيره.
ومنذ الإعلان عن التشكيلة بدا أنها تشكيلة لا تضع في حسبانها حقيقة الوضع الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة ، ولا تركيبة المجلس النيابي والظلال القائمة عليها( les nuances ).
غير أن غالب المراقبين اعتقدوا في المنطلق أن تلك الحكومة هي نتيجة توافقات بين من يدخل فيها ومن يبقى خارجها ، إلا أن ظنهم سريعا ما خاب ، وظهر أن الحبيب الصيد قد بدا هاوي سياسة وليس محترفا فيها ، وأنه ليس على إدراك لا كبير ولا صغير بالتوازنات ، ولا بالمرحلة المقبلة الصعبة المقبلة التي تنتظر البلاد وما تحتاج إليه من توافقات .
وفي عملية حسابية غير معقدة ولا تحتاج إلى نوابغ في العلوم الرياضية ، وبعد أن اتضحت النوايا التي لم تكن خافية ولا شك على السيد الحبيب الصيد، بدا أن الحكومة التي شكلها وإن كان يمكن أن تحصل على ثقة برلمانية ضيقة جدا في المنطلق ( وهو أمر مشكوك فيه ) فإنها مهددة في كل وقت ، غير أن الأدهى والأمر أنها يمكن أن تصطدم بثلث معطل ، يعرقل عملها وتمرير قوانين أساسية ضرورية للخروج بالبلاد من أزمتها الحادة.
فاستبعاد النهضة وآفاق والمبادرة والجبهة الشعبية كلها لا حتى بعضها  من التشكيلة الحكومية، ليس من شأنه أن يوجد المناخ الملائم للاستقرار الحكومي ، هذا إذا استطاعت الحكومة أن تقتلع ثقة البرلمان من الوهلة الأولى.
وبروح من الهواية وضعف البصيرة وضع الحبيب الصيد نفسه في مأزق ، ووضع معه في نفس المأزق رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الذي عود على دهاء سياسي غاب عنه هذه المرة ، وهو وإن يدعي أي السبسي أن حزب نداء تونس ، هو الذي اقترح رئيسا للحكومة بهذا المقاس، فالناس جميعا يعرفون أن الرجل من اختياره، وملائما للمقاس الذي يريده لرئيس الحكومة ، رجل لا يلوي عصا في يد الرئيس.
واليوم فإن رئيس الحكومة المكلف وبعد أن فهم أن الثقة بحكومته يبدو  أمرها صعبا إن لم يكن مستحيلا ، فإنه يحاول أن يكتب صفحة جديدة ، بترقيع حكومته ، وبإقامة تشكيلة تستجيب لوعود الباجي قائد السبسي طيلة الحملة الانتخابية ، من أنها ستكون مستندة إلى وحدة وطنية واسعة.
وإذ يصعب تصور زيادة عدد الوزارات وكتابات الدولة  والوزراء وكتاب الدولة، فهي كما هي أكثر من اللزوم ، فإن عليه أن يصرف عددا من أعضاء الحكومة المعلنة ، وتعويضهم ، ومن من الذين تم تعيينهم سيقبل اليوم بإقالته وهو لم يستلم منصبه بعد ، ثم من الذين سيلحقون بالتشكيلة الحكومية كما سيتم ضبطها، وعلى حساب من ، ومن أي الأحزاب وهل سيكون للنهضة نصيب من المقاعد وأيضا آفاق والمبادرة .؟
قفزة في الهواء وسقطة مؤلمة ؟؟
وسلوك لا يتسم بالمهنية والحرفية، وهزة في مصداقية نداء تونس، كيف يمكن له أن يتجاوزها.

الأحد، 25 يناير 2015

الموقف السياسي : بعد تشكيل الحكومة : نداء تونس الخاسر الأكبر

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
حكومة الصيد .. حكومة على كف عفريت
تونس/الصواب 14/01/2015
حكومة الصيد ،، بل لعلها حكومة الباجي قائد السبسي ، لقد تم احترام مقتضيات الدستور شكليا ، فشكل الحبيب الصيد الحكومة كما تقتضي الطبيعة البرلمانية التي تم إقرارها، ولكن ووفقا للمعطيات المتاحة لا بإرادته ولكن بإرادة رئيس الدولة.
بداية فإن اختيار الحبيب الصيد من قبل الحزب الأغلبي ( نسبيا) حركة نداء تونس ، جاء على مقاس رجل رئيس الدولة ، ليكون تحت "الأوامر" لسببين :
أولهما ، أن الحبيب الصيد تعود وهو وزير داخلية في حكومة السبسي سنة 2011 أي تحت نظام رئاسي ، كان يتولى نظريا رئاسته فؤاد المبزع وواقعيا الباجي قائد السبسي.
ثانيا أن ماضي الحبيب الصيد سيجعله دائما ، أسير ماضيه في وزارة الداخلية ، أيام سنوات الجمر والتعسف، وهو لا يستطيع أن يرفع عقيرته ، ولا هو من سلالة السياسيين الذين تورطوا مع النظام السابق، وكانوا من الصفاقة ليعودوا بكل "أريحية " اليوم دون حياء ولا خجل ، فالذين يعرفونه عن قرب  يقولون إنه دمث الأخلاق،  ولكن بدون جرعة من الجرأة لمواجهة لا ماضيه ولا إرادة من كان وراء تسميته.
هذه الحكومة تتميز من وجهة نظرنا بثلاثة خصائص :
1/ أنها حكومة أقلية ، فإذا جمعنا القوى الفعلية التي تقف وراءها والمشكلة منها نجد أنها لا تصل نظريا لجمع أغلبية 109 نواب (86 مقعدا  لنداء تونس ، 16 مقعدا للوطني الحر ومقعدا واحدا للتهامي العبدولي وحزبه أي مجموع 103 مقاعد) لكنها يمكن أن تضمن المقاعد الثلاثة للمبادرة التي يرأسها كمال مرجان،وأيضا مقعد أحمد الخصخوصي واحتمالا 4 مقاعد مستقلين أي مجموع 111 مقعدا كافية بالكاد لتشكيل أغلبية  هشة جدا ، ويعتقد مراقبون أنه من المحتمل أن تصوت للثقة بها أيضا كتلة آفاق (8 مقاعد) وكتلة الجبهة الشـعـبية (15 مقعدا ) و احتمالا جانبا كبيرا من كتلة النهضة القوة الثانية في المجلس بأكثر من 65 نائبا،وهي كتلة يقدر البعض أنها ستكون في المعارضة ولكنها لن تخذل الباجي قائد السبسي ، وستحاول في غالبها أن تسند حكومته طالما إنها حكومته وليست حكومة الصيد.
هذا بالنسبة للتصويت على الثقة بالحكومة سواء بمناسبة تشكيلها أو في أي مناسبة أخرى يتم طرح الثقة بها في المستقبل. ، ولكن وبمناسبة عرض القوانين وخاصة القوانين الأساسية أو الدستورية فإن فيتو النهضة سيكون في المواجهة ، ولن يمر قانون لا توافق عليه النهضة، بكتلتها الكبيرة التي تشكل وحدها ومع المؤتمر والتيار والشعبي ثلثا معطلا صلبا.
2/ أنها حكومة الأطراف التي كانت محتملة فيها، ولكنها استبعدت  ، فلا آفاق الليبرالية ، ولا الجبهة اليسراوية ولا النهضة ذات النظرة لنمط المجتمع المرفوضة من الغالبية الشعبية، وإذا كانت آفاق ستستفيد انتخابيا من غيابها في الحكومة ، وإذا كانت الجبهة الشعبية هي الأخرى ستستفيد باعتبار أنهما سيكونان خارج دائرة القرارات التي لن تكون بالضرورة شعبية ، فلعل خروج النهضة من الحكومة سيضرها ، ويقلل من لمعانها بعد أن فوتت على نفسها الاستفادة من دور الضحية بسوء إدارتها لمرحلة حكمت فيها وأساءت لنفسها أكثر من الإساءة لغيرها.
3/ أن حكومة الحبيب الصيد لا يمكن اعتبارها حكومة سياسية على اعتبار أن غالبها مشكل من تكنوقراطيين  وإداريين ، لن يحاسبوا في انتخابات مقبلة، ولعل الخطأ الكبير الذي وقع فيه نداء تونس ، هو انفراده بالمسؤولية السياسية رغم أنه لا يسيطر إلا على ثلث الحكومة ، واستبعاده لآفاق والجبهة وخاصة النهضة ، سيحمله وحده مسؤولية المرحلة ، ويعطي للأحزاب الأخرى مناعة باعتبارها لن تشارك في الحكم ، وبالتالي لن تكون مورطة في القرارات "السيئة و اللاشعبية " التي لم تقدم عليها النهضة خلال حكمها ، ولا المهدي جمعة  خلال سنة حكمه والتي فوتت على تونس الإصلاح الذي كان واجبا ، ويكاد قد  فات أوانه.
أما الوطني الحر فإنه بما حصد من مقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة ودخوله الحكومة  يبدو كفقاعة ، سريعا ما ستفجر كما حصل للعريضة الشعبية بعد إحرازها على المرتبة الثالثة في انتخابات أكتوبر 2011.
حكومة مرؤوسة بشخصية تعتبر لا سياسية ، وتركيبة في غالبها غير سياسية ، ولكن سينفرد بتبعات الحكم فيها نداء تونس،  الذي سيدفع في نهاية الخماسية ، إن حافظ على الحكم حتى ذلك الوقت ، ثمنا باهظا ولكن بصورة منفردة .

الأحد، 11 يناير 2015

من الذاكرة

من الذاكرة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
البشير بن محمود الفراتي
رجل ليــــــس ككل الرجال
تونس/ الصواب /11/01/2015
كنا  حوله ، محسن وأنا وسعاد والوالدة خديجة  ومحمد الصحبي الحفيد المفضل ، وعدد آخر من أفراد العائلة، عندما أسلم الروح في هدوء و سكينة ، سحب الممرض الذي لازمه لمدة شهر السيد  عبد العزيز دحمان الأجهزة التي كانت تربطه بالحياة ، وطلب منا الانسحاب للقيام بما يجب القيام به في هذه الأحوال.
سالت الدموع غزيرة في صمت ، بدون ضجيج ، ولا صياح إيمانا بمشيئة الله ، والمصاب مضاعف، فوفاة عميد العائلة جاء بعد الوفاة الفجئية  المؤلمة في حادث مرور للصحفي المتميز محمد الفراتي رئيس قسم الأخبار ومدير إذاعة صفاقس، قبل ذلك بستة أشهر .
انتشرنا للقيام بالإجراءات التي يتطلبها الحدث، فيما بدأ المعزون في التوافد.
وفي مصالح البلدية بدت المفاجأة ، فقد حدد يوم الدفن للثلاثاء 11 جانفي 1988، أي بالضبط اليوم المصادف ليوم الميلاد كما ورد في بطاقة التعريف أي يوم 11 جانفي 1906.
كانت الجنازة مهيبة ، وسواء صباحا في جامع بوعكازين ، أو في ضريح اللخمي، أو في المقبرة في ساقية الزيت ، كان عدد المشيعين كبيرا إلى الحد الذي وقفنا فيه نتقبل العزاء لمدة تفوق الساعتين.
**
من هو الحاج البشير بن محمود الفراتي ؟

هو البشير بن محمود بن عبد العزيز الفراتي (1)، ليس هناك اتفاق على موعد مولده ، وإن كان مسجلا بحجة عادلة بتاريخ 11 جانفي 1906، ويعتقد أنه من مواليد شهر جانفي 1903، فقد سبق أن سمعت شخصيا أنه كان وليدا في عمر ثلاثة أشهر يوم وفاة عالم من علماء تونس ، الشيخ طريفة ، وقد صادف يوم وفاة الشيخ طريفة خلال شهر أفريل 1903 ، حصول كسوف كامل للشمس، يذكر أن ما أصاب البلاد من ظلام دامس خلال النهار يعود لحزن السماء بمناسبة وفاة الشيخ طريفة(؟)، وقد تأكدت من العالم التونسي الطاهر القلالي(2)  أن كسوفا كاملا للشمس حصل في الشهر الرابع  من سنة 1903، بحيث من المفروض أن يكون الحاج البشير الفراتي من مواليد شهر جانفي 1903 ، وليس 1906.
تابع البشير الفراتي دراسته الإبتدائية والمتوسطة في مدينة صفاقس ، حيث نال شهادة الأهلية ، ثم انتقل إلى العاصمة وانخرط في الجامعة الزيتونية ، لينال شهادة التطويع في سنة 1345، ويبدو أنه زامل في الدراسة أبو القاسم الشابي ومحمد الحليوي ومحمد الفائز القيرواني أو أنه كان يدرس معهم في نفس الفترة ربما في درجات مختلفة  ، وخاصة صديقيه الطيب الميلادي المحامي  والصالح المهيدي، ولقد تعرفت خلال عملي الصحفي على الرجلين ، وكان الطيب الميلادي يدعوني باستمرار للحديث عن صديقه ، معتبرا أن صداقته لي مع فارق السن هي استمرار لصداقته مع الوالد، أما الأستاذ الصالح المهيدي ، فقد تعرفت عليه في مجالس الأستاذ الهادي العبيدي رئيس تحرير الصباح الليلية ، وكنت سكرتير التحرير الليلي، و سألني مرة عما إذا كنت أعرف البشير الفراتي ، من صفاقس وعندما  قلت له إنه والدي تحمس ، وأكاد أقول إنه تبناني ، وكان رجلا موثقا يملك من الوثائق الكثير ، ويملك تقريبا أعداد كل الصحف ، ولا أدري أين ذهب التراث الكبير الذي كان يملكه ،  وقد ترك لي كتيبا يخص إصلاح التعليم الزيتوني يعود لسنة 1348/1928.

البشير الفراتي سنة التخرج في الصف الأول وقوفا السادس من اليمين والخامس من اليسار الجبة الغامقة واشاشية بالنوارة كما كان يقال
وقد دعي الوالد للعمل في العدالة ، وحدد له مركز عمل في "ترياقة" منزل شاكر حاليا ، قبل أن ينقل لصفاقس ، ومنذ سنة 1934 ، خير أن يشتغل بالتجارة والصناعة ، فأنشأ أول مصنع للوازم الجبائب والبرانس ، واشتهر بالثقة المطلقة ، وكان له شركاء  وخاصة المرحوم عبد السلام المصمودي والد المرحوم مصطفى المصمودي كاتب الدولة الأسبق للإعلام ، والصادق إدريس والد السيد محمد إدريس رجل الأعمال المعروف ، وأيضا المرحومان عبد الرحمان والحبيب الفراتي.
وكان محله في قسارية العشر(4) بنهج العدول منتدى لتبادل الرأي في السياسة والآداب وقرض الشعر وكان من رواده صديقه وصهره وجاره الأستاذ حامد قدور الذي أصدر مجلة مكارم الأخلاق ، ومن بين أفراد عائلته من آل الفراتي ممن تشيعوا للحزب القديم يكاد يكون الوحيد الذي تشبع لبورقيبة ، وكان في المناسبات الوطنية والدينة يصحبنا شقيقي المرحوم محمد الفراتي وأنا إلى مكتب الشهيد الهادي شاكر للتهنئة ، وكان يوشح صدورنا بنياشين الحزب الجديد ، فكان ذلك محل فخر لنا ونحن في تلك السن الغضة التي لم تتجاوز الثامنة أو التاسعة من العمر.
**
حكاية وذيولها
من ذكريات الطفولة ، حكى لنا الوالد قصة طريفة قال :
في سنة النجاح في التطويع سنة 1925 ، كانت دفعتنا اتخذت قرارا بالقيام بجولة في الإيالة (3)
وفعلا انطلقنا ، وكانت المحطة الأولى هي القيروان ، وهناك وبينما كنا ننتظر في مقهى قريب من بروطة ، وقف رجل مهيب ، وسأل من منكم البشير الفراتي ابن محمود الفراتي، قال الوالد : وقفت مستغربا وقلت : أنا هو .
قال لي : أنا أيضا اسمي محمود الفراتي ولي ابن يحمل اسم البشير الفراتي وإن كان أصغر منك سنا. ، وأضاف "بالحرام أنت وأصدقاؤك ضيوف بالعشاء عندي الليلة "
ليلتها أجلسني  محمود الفراتي  إلى جانبه وكان ابنه ما زال طفلا صغيرا، وأفادني بأن والده الحاج علي الفراتي هو الذي جاء بالعائلة من صفاقس إلى القيروان بمناسبة العدوان على صفاقس، حال فرض الحماية وامتناع المدينة عن فتح أبوابها، فغادرتها عائلات كثيرة منها عائلات المعلول ودربال وتقتق وغيرها زم بينها عائلة الحاج علي الفراتي.
مرت فترة طويلة ، وفي منتصف التسعينيات ، قرأت إعلان وفاة في جريدة الصباح ، مفاده أن السيد البشير الفراتي وافاه الأجل المحتوم ، وصدرت تعزية لعدة شخصيات من بينهم السيد عبد الرزاق الكافي.
تذكرت القصة كما رواها لي الوالد ، فخاطبت السيد عبد الرزاق الكافي ، وسألته عن مدى قرابته بالمرحوم وإن كان والده هو محمود الفراتي ، فأجابني بأنه لا يعرف وأن التعزية الصادرة له مع آخرين ، جاءت بمناسبة أن المتوفي هو عم زوجته ، وقد خاطبني بعد ذلك مؤكدا أن جدها اسمه فعلا محمود، وإذ طلبت منه إن كان للمرحوم البشير الفراتي أبناء نربط بهم علاقة عائلية أجابني بأنه مات عن غير عقب.
رحم الله الحاج البشير الفراتي هذا وذاك  وجعلنا نحن أولاده وأحفاده جديرون به.
 


(1)الرجل الذي كان ارتقى في مدارج العلوم الدينية فتصدر للتدريس، وعين مفتيا في صفاقس ، وشارك في الثورة التي اندلعت سنة 1864 ، ولقد كان بين الذين تم إلقاء القبض عليهم ، بعد أن سيطر الجنرال زروق على صفاقس الثائرة ، فنقل إلى ســــــوسة التي كانت تتمركز بها ( محلة البايات) فتم فقء عينيه ووضع في سجن ليس هناك اتفاق فيما إذا كان في سوسة أو المنستير، وكان يقوم على شؤونه  ابنه الحاج أحمد ، هو جد زوجة الحاج البشير الفراتي ، وذلك حتى وفاته أسيرا، ونقله على ظهر بغلة من الساحل حتى مدينة صفاقس حيث تم دفنه.   
(2) الطاهر القلالي أستاذ جامعي يعتبر من كبار علماء تونس، وقد تسلم لمدة سنوات مدينة العلوم ، ووقف على إنشائها وضبط أنشطتها ، وقد انحدرت أنشطة المدينة ، منذ أقيل الطاهر القلالي لأسباب سياسية من إدارتها خلال التسعينيات.
(3) الإسم الذي كان يطلق على المملكة
(4) قسارية العشر كان يجمع فيها عشر الزكاة لبيت مال المسلمين قبل فرض الأداءات والجباية.


السبت، 10 يناير 2015

قرأت لكم : ليس منا .. جريدة الصحافة .. هاشمي نويرة

قرأت لكم
ليس منا
بقلم الهاشمي نويرة ( جريدة الصحافة )
بترخيص من الكاتب
افتتاحية اليوم السبت
ليس منّا من يرفض الحرب ضد الإرهاب
الهاشمي نويرة
يبدو أن البشريّة تشهد مرحلة من أدقّ مراحل حضارة الإنسان.. مرحلة تعاظم فيها الفعل الإرهابي واستقرّ في وعي من في نفوسهم مرض وتحوّلت جغرافية دول بأسرها إلى فضاءات للترويع والترهيب والجريمة والإرهاب.. ولا ينبغي أن تؤخذ عملية «شارلي هيبدو» الإرهابية على أنها حركة معزولة أو يائسة أتاها متطرّفون من قلب ماكينة الإرهاب الدمويّة للتعبير عن رفض آليّ لنمط مجتمع صدّقوا أنه «كافر» أو هو يقود رأسا إلى الكُفْرِ وهو في كل الحالات هو في تقديرهم وتقدير من لقنهم ذلك مجتمع «زائل لا محالة».. فالأمر أبعد من ذلك!
وإنه من متطلبات المحافظة على ما تبقى من فكر نقديّ أن نتمعّن فيما جرى ويجري من هجمة همجية على حضارة الإنسان باسم الدين وباسم الدين الإسلامي تحديدا..
ويجدر بنا التأكيد في هذا الطور المأسوي أننا نعيش لحظة دراماتيكية فارقة انبرت فيها الرجعيات بمختلف مكوناتها الفكرية والسياسية والإيديولوجية تبحث عن ملاذ آمن تحافظ به ومن خلاله على جيوب سلطة ما انفكت تتآكل وتفقد بريقها ويذهب ريحها...
ومنذ عملية 11 سبتمبر 2001 الإرهابية بدا من الواضح أن الإنسانية دخلت مرحلة عصبية المزاج ولكنها تدشن حقبة جديدة تقطع كليا مع الحقبات السابقة من حيث كونها تجمع أقطاب التطرف «المدني» والديني مجسّدة في اليمين المتطرف في الغرب عموما والإسلام السياسي عندنا، لتجمعهم في نسيج مصلحي واحد قد لا يبقي ولا يذرُّ أيّ ذرّة من حضارة البشر..
..
وقد يكون من المفيد استحضار مقولة أن الرجعية في رحلة البحث عن حلول لأزماتها، إنما هي تحفر قبرها بيدها... والأمثلة الدالة على ذلك عديدة..
أفغانستان، التي كانت حلقة أساسية في القضاء على الغول السوفياتي حينها حسبما فُهم من سياسة أمريكا في وقتها كان من تداعياتها إفراز تنظيم «القاعدة» وهو تنظيم إرهابي اشتد عوده فبادر بمهاجمة خالقه وأسّس شرعية وجوده على معاداة أمريكا... ألمْ يقلْ ذات يوم أحد رواد هذا التنظيم الإرهابي أن «أمريكا دابة سخّرها (لهم) الله فركبوها»!!
العراق، الذي أُريد له أن يدفع ضريبة الحرب ضد الإرهاب انتهى إلى دويلات بينها «داعش».
الربيع العربي، الذي تخفى تحت رداء إرساء الديمقراطية فاستحال إلى فضاءات للإرهاب والجريمة والفساد والتطرف ولتوسيع مجالات الحياة لداعش وما جاورها من مشاريع لقتل وإعدام الحياة..
..
اليوم نحيا ونعيش على وقع تحولات جيوـ سياسية على درجة كبرى من الخطورة والأهمية، فعلى مدى 80 سنة كان الإسلام السياسي الإخواني الوهّابي هو الحاكم بأمره وبأمر الله وكان ما يسمى بالإسلام المتطرف يعيش في ظلّه أو تحت جلبابه... ولم يكن وقتها هناك من داع موضوعي أو ذاتي مصلحي لان يتم الفصل بين بُعده السياسي وبُعده الديني ولم تكن هناك حاجة ملحة لان يتنصّل المنتمون للإسلام السياسي التقليدي من علاقاتهم بالمجموعات الإرهابية والمتطرفة وذلك لكون الإسلام السياسي كان يصنف ويؤخذ على انه حركة معارضة لأنظمة حكم استبدادية في مجملها وفاسدة بالضرورة... وقد استمر الأمر كذلك حتى انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان واستحواذ حركة «طالبان» ومن ورائها تنظيم القاعدة على السلطة...
وكانت تجربة أولى عصفت بقيم ومُثُلِ الغرب في الحرية والديمقراطية وأوصلت الأمر إلى 11 سبتمبر 2001... وأمريكا التي ضُربت في عمق أراضيها «ثأرت» لنفسها بإعلان الحرب على الإرهاب وغزت أفغانستان وأبادت ما أبادت من هذه المجموعات الإرهابية واخترقت الباقي المتبقي منها والذين انتشروا لاحقا في الأرض الموعودة في انتظار مهمات لاحقة...
مشروع الشرق الأوسط الكبير... ثم «الربيع العربي»و الذي حمل حركات «الإسلام السياسي» إلى الحكم في المغرب وفي مصر وتونس واليمن وفلسطين.. وهو حكم اظهر بالقطع فشل هذا المشروع وإفلاس حامليه.
وإن في انهيار وفشل مشروع حكم الإسلام السياسي في نسخته الإخوانية في كل هذه الدول دفع إلى واجهة الأحداث المجموعات الإرهابية كبدائل إلى لاحتلال المكان في العراق وسوريا وليبيا واليمن حيث تمكن «الدواعش» وجبهات «النصرة» ومشتقاتها والحوثيون من «أنصار الله»، تمكنوا من سلطة خاطوها على مقاسهم... وارتدت الحركات الإخوانية التقليدية ومنها حركة "الإخوان " إلى مرتبة ثانوية وهامشية وأصبحت مهددة بالانقراض نهائيا من المشهد السياسي والحزبي إذا واصلت رفضها القيام بالمراجعات الضرورية لمنطلقاتها الفكرية والإيديولوجية بما يجعل منها حركات سياسية مدنية تعبر عن فكر البشر وتخضع للنقد وتنأى عن التحدث باسم المقدس الديني.
والواضح الآن أن الذين يحملون راية" الإسلام السياسي" والذين يتكلمون باسمه هم الجهاديون والذين هم يتحركون باسم دول متناثرة في الجغرافيا العربية وذلك بالتزامن مع انهيار مشروع "الإسلام السياسي" التقليدي في تونس ومصر والمغرب...
...
الواضح أيضا أن مستقبل «الإسلام السياسي» التقليدي هو إلى زوال إن رفضت هذه القوى التقيد بالعمل السياسي والابتعاد، عن الجانب الدعوي الديني ورفضت الإنخراط الفعلي في الحرب ضد المجموعات الإرهابية فكرا وممارسة...والكف عن اعتبارهم فئات قابلة للترويض والإصلاح ، إذ من الواضح أن الفكر الإرهابي والمتطرف أصبح قوة مادية تتأسس إلى كيانات جغرافية فعلية ولا مجال إذن للمهادنة في التصدي لها...
الواضح كذلك أن الغرب الذي ساهم في خلق هذه الكيانات الماضوية المتوحشة فَهِمَ أن مثاله المجتمعي مستهدف من طرف هؤلاء... وقد اكتملت حلقات الاستهداف بعملية «شارلي هيبدو»... بما يمثله من استهداف للفكر والصحافة والإبداع والحرية...ففي11 سبتمبر 2001 استهدف ذروة المثال الغربي "الكافر" مجسدا في أمريكا ،وفي 7جانفي 2015 استهدف المثال الغربي في بعده القيمي والرمزي التاريخي من خلال اغتيال الحرية والإبداع في فرنسا بالذات ...
والمطلوب إذن حرب شاملة ضد الإرهاب... من أراد الدخول فيها فهو منا ومن رفض ذلك فهو ليس منّا...



الخميس، 8 يناير 2015

بكل هدوء : انتظارات

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في انتظار تشكيل الحكومة،،ماذا ينتظر تونس؟
تونس / الصواب / 08/01/2015
ينتظر التونسيون على أحر من الجمر تشكيل (الحكومة الدائمة) وشروعها في العمل ، بعد أربع سنوات من المؤقت ، وثلاثة أشهر من حكومة تصريف الأعمال ، ليس لها حق اتخاذ القرارات الحاسمة ،  وهي الحكومة التي لم يعد ممكنا  المواصلة معها باعتبار انعدام الصلاحية الفعلية لديها.
وبقدر السرعة في تشكيل حكومة الحبيب الصيد ( بل عفوا حكومة الرئيس الباجي قائد السبسي ) بقدر ما يبدأ التعامل مع القضايا الحارقة التي انتظرت 4 سنوات دون مبادرة، وتراكمت تفاعلاتها السلبية ، و ووضعت  البلاد  في حالة   من الشلل الكامل، ودفعت إلى  التعود على بذل المجهود الأدنى والمطالبة الأعلى ، بحيث للمرء أن يتساءل كيف يمكن لهذه الحكومة أن تعود بالبلاد ، إلى وضع طبيعي ترتفع فيه قيمة العمل إلى مرتبة التقديس ، وتنخفض فيه المطلبية إلى حدودها الدنيا والمعقولة.
بقدر ما يمكن للمرء أن يتوقع احتمالات العودة إلى حياة طبيعية ، تنصرف فيها الجهود إلى الإنتاج ، وخلق الثروة التي تم توزيعها قبل توفيرها خلال أربع سنوات ، انصرفت فيها الجهود لا لتوفير فرص العمل ، بل لترميم  وضع من يتمتعون بدخل.
ولعل ما ينتظر الحكومة المقبلة ، هو العودة إلى طبيعة الأشياء لامتصاص تدريجي ، لتأثيرات زيادة في المداخيل ، لم يقابلها لا ارتفاع في الإنتاج ، والأهم من ذلك قابلها  انخفاض في الإنتاجية.
لكننا ما زلنا لم نصل إلى تلك المرحلة.
فما زالت البلاد تتلمس طريقها نحو تشكيل حكومة جديدة ستتسلم المقود ، هنا لا بد من الوقوف عند أمرين اثنين :
أولهما كم من الوقت سيتطلب هذا التشكيل ، ولعل المتوقع أن لا يتطلب الأمر شهرا أو شهرين ، كما حدد الدستور كحد أقصى ، ولكن ربما أسبوعين اثنين ، ربما أقل ، والمشاورات الجارية تبدو  حاليا أنها سلسة ، وإذا لم تثر قيادات نداء تونس إشكالات ، فإن الوقت اللازم للتشكيل لن يطول كثيرا ، أما إذا تواصلت التجاذبات والمطامع كل للحصول على منصب وزاري أو على الأقل منصب كاتب الدولة ، فإن المخاض سيتمدد ، ولقد فاز بعد عدد من قيادات النداء بمواقع مؤثرة حول الرئيس ، وضمن محسن مرزوق بالخصوص موقعا عال جدا ، قد يجعله مستقبلا  جالسا على قاعدة إطلاق جاهزة لاحتمالات عليا ، وإذ جلس محمد الناصر على الموقع الثاني بروتوكوليا أي رئاسة البرلمان ، وإذ ضمن بوجمعة الرميلي موقعا مهما هو موقع المدير التنفيذي للحزب ، وإذ تربع ابن رئيس الدولة على موقع استراتيجي بالسيطرة على الهياكل  في الحزب الأغلبي ، فإن بقية القيادات ما زالت تضع أيديها على قلوبها ، في انتظار ما سيتكرم عليها أو لا يتكرم قائد السبسي / الصيد، ويبدو أن الطيب البكوش سينال موقعا مهما إما كنائب لرئيس الحكومة أو وزير دولة يجمع عدة مواقع ، ولم لا وزيرا ممثلا لرئيس الدولة مكلفا بالمهام الصعبة ، أما البقية فهم على قائمة انتظار حارقة للأعصاب.
لكن وثانيهما ، وباعتبار طبيعة النظام الجديد القائم على أساس الجمهورية الثانية ، فإن السؤال يقوم حول الاستعداد الفعلي لانتقال السلطة في حالة الشغور.
وليس هذا مرتبطا بسن الرئيس الجديد ، فذلك يبقى في عالم المجهول ، ولكن باعتبار طبيعة الحكم ، ولمن سيؤول.
ما من شك في أن الاحتياط سيكون سيد الموقف ، فلا مجال للمغامرة مطلقا ، ففي أواخر ماي 1983 سافر الرئيس بورقيبة في زيارة رسمية إلى الجزائر مرفوقا بالوزير الأول محمد مزالي وتغيبا عن البلاد ثلاثة أيام ، وفي تلك الحقبة كان الوزير الأول هو الخليفة المعين لرئيس الدولة ، وقد اعتبر ذلك في حينه خطأ سياسيا فادحا بغياب الرئيس وخليفته المعين عن البلاد، وهذا الخطأ كما هو الشأن في البلاد الديمقراطية ليس له أن يتكرر ، وإذا لم يكن الدستور الجديد اقتضى الخلافة الأوتوماتيكية ، فإنه حدد شغورا وقتيا  يتولى بموجبه رئيس الحكومة الرئاسة وقتيا  لمدة لا تزيد عن 60 يوما على الأقصى،  أو شغورا نهائيا  يتولى خلاله رئيس مجلس نواب الشعب الرئاسة لمدة ما بين 45 و90 يوما انتظارا لإجراء انتخابات  رئاسية جديدة .
في هذه الحالة والدستور لا ينص على ذلك فإن نائب رئيس المجلس النيابي يتولى أوتوماتيكيا رئاسة المجلس، ولكن وفي حالة شغور المنصبين( وهو احتمال مستبعد جدا ولكنه قائم) فإن نائب رئيس المجلس يتولى الرئاسة الوقتية  للبلاد ، أي وباعتبار الوضع الحالي فإن الشيخ عبد الفتاح مورو (النهضة ) يصبح رئيسا للجمهورية وقتيا حتى انتخاب رئيس جديد.
السؤال هل قرأ نداء تونس صاحب الأغلبية النسبية حسابا لكل هذه الاحتمالات المستبعدة والتي وفي أحوال خاصة تبقى واردة.
إن الدستور التونسي الجديد بقدر ، كماله الذي يكاد يكون مثاليا من حيث المبادئ العامة  والحريات والحقوق  ، يبدو قاصرا من حيث ميكانيكيات الحكم وأدواته ، ولذلك فليس مستغربا أن يتم اللجوء إلى تعديله خلال فترة الخمس سنوات الأولى من العمل به ، بتحويل المجلس النيابي  من مجلس تشريعي إلى سلطة تأسيسية فرعية ، وباعتباره سيد نفسه فإن قدرته على ذلك وعلى إدخال أي تغيير يريده تبقى كاملة غير منقوصة ، مع احترام الشكليات والاغلبيات الضرورية طبعا.


                                      

الأربعاء، 7 يناير 2015

سانحة : الإرهاب يقتحم أوروبا فترتعش له الفرائص

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الإرهاب .. تهديد لا يعرف حدود
تونس / الصواب  /08/01/2015
..وضرب الإرهاب في عمق أوروبا ، لم يعترف بحدود ،، ولا بدول ، ولا بتقدم ورقي ،، ولا بتخلف وتقهقر.
ضرب بقوة ، وضرب فرنسا في مقتل ، في مجال حرية الرأي والتعبير ، الحرية الأكبر في أي نظام ديمقراطي ، حرية تأتي  حتى قبل الانتخابات الحرة  بالاقتراع العام والنزيهة والشفافة،  ولا يسبقها في الحقوق الكونية إلا الحق في الحياة.
وبقطع النظر عن مدى تقييم منطلقات حرية التعبير ، فللمرء أن ينظر إليها دائما من وجهة نظر الذين تمارس عندهم والحدود التي يضعونها لها.
إذن ضرب الإرهاب بقوة، واستطاع أن يهز ، لا فقط المجتمع الفرنسي ، بل أيضا المجتمع الأوروبي والمجتمع الغربي ، وكل العالم، فاهتزت له المحافل كما لم تهتز منذ سنة 2001 في الولايات المتحدة.
وما برز هو أنه لا يوجد بلد في العالم في مأمن.
ولعل الدرس الواجب الوقوف عنده، هو أن الإرهاب ليس ظاهرة محصورة داخل قطر أو منطقة، بل هو وباء يمكن أن يتسرب حتى إلى الذين يعتقدون أنفسهم في حصانة منه.
والمرء إذ لا يتمنى أن يمسك الإرهاب بتلابيب دول أخرى في أوروبا ، فإنه لا  يمتنع عن التفكير في أنه يمكن أن يتمدد ويتمدد ، ويضرب بمفاجأة وغدر في أي مكان آخر ممن يظنون  سكانه أنفسهم في مأمن.
من هنا لا بد للمرء أن ينتظر هبة قوية وشاملة ضد الإرهاب، لا في دول أوروبا رغم ما يبدو لها من أنها تملك حصونا عالية ضده ، بل في البلدان الحاضنة في الشرق الأوسط وشمال إفريفيا وإفريقيا السوداء ، ما يفترض مواجهة دولية ، بالإمكانيات التي تقدر عليه ، وليست بلدان مثل تونس أو الجزائر أو ليبيا قادرة عليه وحدها ، وبإمكانياتها مهما عظمت ، بل بتعاون دولي متعدد الأطراف والجوانب لا مندوحة عنه.
إن ترك بلدان معينة في مواجهة منفردة مع الإرهاب ، ما هو إلا إتباع مثل النعامة التي تدفن رأسها تحت الأرض  معتقدة بذلك أنها تضمن سلامتها، إن السلامة من الإرهاب لا يمكن أن تقوم إلا بتحرك دولي مشترك ، وبالإمكانيات الكبيرة التي تتطلبها مواجهة هذه الآفة الوباء، وإلا فإن عواصم أوروبية أخرى ستكون معرضة وربما بوتيرة أكبر لدماره.

قرأت لكم : محمد كريشان يعلق على تعيين الصيد كرئيس حكومة

قرأت لكم
الصيد
بقلم محمد كريشان
تونس… و«الصيد» الثمين!
محمد كريشان
JANUARY 6, 2015

«الصيد» باللهجة التونسية المحلية تعني الأسد. لهذا تندر بعض التونسيين بعد تكليف الحبيب الصيد بتشكيل الحكومة الجديدة بالقول: كنا نخشى «التغول» فإذا بنا نواجه «صيد» مرة واحدة!! وكلمة «التغول» هذه ظهرت مع إعراب البعض في خضم الحملة الانتخابية البرلمانية ثم الرئاسية عن الخشية من أن تجد تونس نفسها برئيس دولة من حزب «نداء تونس» ورئيس حكومة من نفس الحزب، مما قد يعيد البلاد إلى غول هيمنة حزب واحد على مقاليد الحكم كما كان الشأن دائما منذ استقلال تونس عام1956.
خطر «التغول» هذا حاول الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي تبديده أول أمس بتعيين شخصية مستقلة من خارج حزبه لتشكيل أول حكومة تونسية في الجمهورية الثانية منعا لأن تصبح الرئاسات الثلاث في تونس (الدولة والبرلمان والحكومة) من نفس اللون السياسي. غير أن تكليف الحبيب الصيد بقدر ما أبعد استمرار الخوض في هذا الخطر المفترض طرح كلاما آخر عن خطر من نوع جديد تبدو مؤشراته أكثر مثولا للعيان. هذا الخطر الجديد، بنظر هؤلاء، هو عودة ما يسمى بالنظام الرئاسوي أي النظام الرئاسي المبالغ في إيلاء مكانة خاصة لرئيس الدولة الذي هو في هذه الحالة قائد السبسي إبن المدرسة البورقيبية التي أفرزت «المجاهد الأكبر».
بصورة أوضح، يخشى البعض من أن الرئيس التونسي الجديد بتعيينه شخصية، لم يعرف عنها أنها كانت يوما شخصية سياسية بارزة أو صاحبة رؤى ومواقف متميزة، يكون إختار شخصية تنفيذية بالدرجة الأولى ستعمل جاهدة على تطبيق ما يراه رئيس الدولة الذي كان بإمكان حزبه الفائز بالانتخابات الأخيرة أن يختار أحد قيادييه لتولي هذا المنصب. بتفصيل أكثر، ستكون مرجعية رئيس الحكومة الجديد هو رئيس الدولة نفسه وليس حزبه أو كتلته النيابية، إليه سيعود في كل كبيرة وصغيرة باعتباره زعيم الحزب صاحب الفضل في تعيينه حتى وإن كان الباجي قائد السبسي قد ترك رسميا هذا المنصب فلا أحد يخفى عليه أن له القول الفصل في كل قراراته.
ومع أن الرئيس التونسي الجديد أراد من خلال ما قام به توجيه رسالة طمأنة بأن لا نية له أو لحزبه الاستحواذ على كل شيء، إلا أن العصفور الآخر الذي ضربه بنفس الحجر هو جعل الخيوط تعود مرة أخرى إلى مقر الرئاسة في قصر قرطاج بعد أن تحولت طوال السنوات الثلاث الماضية إلى مقر رئاسة الحكومة في القصبة، حتى لا نقول إلى حي «مونبليزير» مقر حزب حركة «النهضة». لكن توجها من هذا القبيل، إذا ما تأكد فعلا بعيدا عن قراءة النوايا، لن يكون سهلا على الإطلاق لاعتبارات دستورية وسياسية وشعبية أبرزها أن :
ـ الدستور التونسي الجديد الصادر مطلع العام الماضي كان واضحا تماما في تحديد صلاحيات كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة مع ترجيح واضح لكفة هذا الأخير. وقد ولدت هذه الصيغة بعد جدل طويل حول طبيعة النظام السياسي في تونس لقطع الطريق أمام رئيس مطلق الصلاحيات كما كان زمن الحبيب بورقيبة وزاد استفحالا مع زين العابدين بن علي. من هنا من الصعب أن تــُـفرض معادلة أخرى إلا تلك التي يرتضيها رئيس الحكومة لنفسه بحيث يقبل أن ينسق كل شيء مع رئيس الدولة وهو ما لم يكن قائما مع الرئيس منصف المرزوقي وما لا يمكن تصوره إذا ما كان الرئيسان من حزبين مختلفين.
ـ هناك على ما يبدو أجواء من عدم الارتياح أو التذمر بدأت تظهر من خلال تصريحات مسؤولين ونواب برلمان سواء من حزب «نداء تونس» أو من أحزاب أخرى، باستثناء حركة «النهضة» المرتاحة على ما يبدو لما جرى. المتحفظون من حزب الرئيس كانوا يفضلون صراحة أن يكون رئيس الحكومة من قيادييهم البارزين الذي سيعمل صراحة على تنفيذ برنامج هذا الحزب، أما المتحفظون الآخرون فكان بودهم أن يكون رئيس الحكومة الجديد من غير طينة رؤساء الحكومات الذين دأب بن علي على اختيارهم فقط لتسيير وتنسيق عمل الحكومة وفق ما يراه هو ليس إلا.
ـ المزاج الشعبي العام لم يعد يقبل في العموم رئيسا مطلق الصلاحيات بعد أن ذاق لعقود ويلات ذلك، وإن كان ذلك لا ينفي وجود شرائح معينة ما زالت تحن إلى صورة الرئيس القادر على أن «يملأ كرسيه» كما يجب بعد أن ساءهم أن يؤول منصب الرئيس في السنوات الثلاث الماضية إلى ما آل إليه من هون، إما بفعل صاحبه نفسه أو بفعل من تعامل معه بكثير من التجاوز في حق المنصب والرجل معا.
في كل الأحوال لن يملك الرئيس الباجي قائد السبسي ولا رئيس الحكومة الجديد في نهاية المطاف سوى التحرك ضمن ما حدده الدستور المنظم للحياة السياسية فمن رأى إعوجاجا ما في هذا السياق فليقومه مبكرا بالتنبيه إليه بأعلى صوت داخل مجلس النواب وفي الإعلام وإذا اقتضى الأمر المحكمة الدستورية. في الأثناء لينتظر الجميع مآلات الأمور بأعين مفتوحة…. جدا.
٭ كاتب من تونس