Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 8 يناير 2015

بكل هدوء : انتظارات

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في انتظار تشكيل الحكومة،،ماذا ينتظر تونس؟
تونس / الصواب / 08/01/2015
ينتظر التونسيون على أحر من الجمر تشكيل (الحكومة الدائمة) وشروعها في العمل ، بعد أربع سنوات من المؤقت ، وثلاثة أشهر من حكومة تصريف الأعمال ، ليس لها حق اتخاذ القرارات الحاسمة ،  وهي الحكومة التي لم يعد ممكنا  المواصلة معها باعتبار انعدام الصلاحية الفعلية لديها.
وبقدر السرعة في تشكيل حكومة الحبيب الصيد ( بل عفوا حكومة الرئيس الباجي قائد السبسي ) بقدر ما يبدأ التعامل مع القضايا الحارقة التي انتظرت 4 سنوات دون مبادرة، وتراكمت تفاعلاتها السلبية ، و ووضعت  البلاد  في حالة   من الشلل الكامل، ودفعت إلى  التعود على بذل المجهود الأدنى والمطالبة الأعلى ، بحيث للمرء أن يتساءل كيف يمكن لهذه الحكومة أن تعود بالبلاد ، إلى وضع طبيعي ترتفع فيه قيمة العمل إلى مرتبة التقديس ، وتنخفض فيه المطلبية إلى حدودها الدنيا والمعقولة.
بقدر ما يمكن للمرء أن يتوقع احتمالات العودة إلى حياة طبيعية ، تنصرف فيها الجهود إلى الإنتاج ، وخلق الثروة التي تم توزيعها قبل توفيرها خلال أربع سنوات ، انصرفت فيها الجهود لا لتوفير فرص العمل ، بل لترميم  وضع من يتمتعون بدخل.
ولعل ما ينتظر الحكومة المقبلة ، هو العودة إلى طبيعة الأشياء لامتصاص تدريجي ، لتأثيرات زيادة في المداخيل ، لم يقابلها لا ارتفاع في الإنتاج ، والأهم من ذلك قابلها  انخفاض في الإنتاجية.
لكننا ما زلنا لم نصل إلى تلك المرحلة.
فما زالت البلاد تتلمس طريقها نحو تشكيل حكومة جديدة ستتسلم المقود ، هنا لا بد من الوقوف عند أمرين اثنين :
أولهما كم من الوقت سيتطلب هذا التشكيل ، ولعل المتوقع أن لا يتطلب الأمر شهرا أو شهرين ، كما حدد الدستور كحد أقصى ، ولكن ربما أسبوعين اثنين ، ربما أقل ، والمشاورات الجارية تبدو  حاليا أنها سلسة ، وإذا لم تثر قيادات نداء تونس إشكالات ، فإن الوقت اللازم للتشكيل لن يطول كثيرا ، أما إذا تواصلت التجاذبات والمطامع كل للحصول على منصب وزاري أو على الأقل منصب كاتب الدولة ، فإن المخاض سيتمدد ، ولقد فاز بعد عدد من قيادات النداء بمواقع مؤثرة حول الرئيس ، وضمن محسن مرزوق بالخصوص موقعا عال جدا ، قد يجعله مستقبلا  جالسا على قاعدة إطلاق جاهزة لاحتمالات عليا ، وإذ جلس محمد الناصر على الموقع الثاني بروتوكوليا أي رئاسة البرلمان ، وإذ ضمن بوجمعة الرميلي موقعا مهما هو موقع المدير التنفيذي للحزب ، وإذ تربع ابن رئيس الدولة على موقع استراتيجي بالسيطرة على الهياكل  في الحزب الأغلبي ، فإن بقية القيادات ما زالت تضع أيديها على قلوبها ، في انتظار ما سيتكرم عليها أو لا يتكرم قائد السبسي / الصيد، ويبدو أن الطيب البكوش سينال موقعا مهما إما كنائب لرئيس الحكومة أو وزير دولة يجمع عدة مواقع ، ولم لا وزيرا ممثلا لرئيس الدولة مكلفا بالمهام الصعبة ، أما البقية فهم على قائمة انتظار حارقة للأعصاب.
لكن وثانيهما ، وباعتبار طبيعة النظام الجديد القائم على أساس الجمهورية الثانية ، فإن السؤال يقوم حول الاستعداد الفعلي لانتقال السلطة في حالة الشغور.
وليس هذا مرتبطا بسن الرئيس الجديد ، فذلك يبقى في عالم المجهول ، ولكن باعتبار طبيعة الحكم ، ولمن سيؤول.
ما من شك في أن الاحتياط سيكون سيد الموقف ، فلا مجال للمغامرة مطلقا ، ففي أواخر ماي 1983 سافر الرئيس بورقيبة في زيارة رسمية إلى الجزائر مرفوقا بالوزير الأول محمد مزالي وتغيبا عن البلاد ثلاثة أيام ، وفي تلك الحقبة كان الوزير الأول هو الخليفة المعين لرئيس الدولة ، وقد اعتبر ذلك في حينه خطأ سياسيا فادحا بغياب الرئيس وخليفته المعين عن البلاد، وهذا الخطأ كما هو الشأن في البلاد الديمقراطية ليس له أن يتكرر ، وإذا لم يكن الدستور الجديد اقتضى الخلافة الأوتوماتيكية ، فإنه حدد شغورا وقتيا  يتولى بموجبه رئيس الحكومة الرئاسة وقتيا  لمدة لا تزيد عن 60 يوما على الأقصى،  أو شغورا نهائيا  يتولى خلاله رئيس مجلس نواب الشعب الرئاسة لمدة ما بين 45 و90 يوما انتظارا لإجراء انتخابات  رئاسية جديدة .
في هذه الحالة والدستور لا ينص على ذلك فإن نائب رئيس المجلس النيابي يتولى أوتوماتيكيا رئاسة المجلس، ولكن وفي حالة شغور المنصبين( وهو احتمال مستبعد جدا ولكنه قائم) فإن نائب رئيس المجلس يتولى الرئاسة الوقتية  للبلاد ، أي وباعتبار الوضع الحالي فإن الشيخ عبد الفتاح مورو (النهضة ) يصبح رئيسا للجمهورية وقتيا حتى انتخاب رئيس جديد.
السؤال هل قرأ نداء تونس صاحب الأغلبية النسبية حسابا لكل هذه الاحتمالات المستبعدة والتي وفي أحوال خاصة تبقى واردة.
إن الدستور التونسي الجديد بقدر ، كماله الذي يكاد يكون مثاليا من حيث المبادئ العامة  والحريات والحقوق  ، يبدو قاصرا من حيث ميكانيكيات الحكم وأدواته ، ولذلك فليس مستغربا أن يتم اللجوء إلى تعديله خلال فترة الخمس سنوات الأولى من العمل به ، بتحويل المجلس النيابي  من مجلس تشريعي إلى سلطة تأسيسية فرعية ، وباعتباره سيد نفسه فإن قدرته على ذلك وعلى إدخال أي تغيير يريده تبقى كاملة غير منقوصة ، مع احترام الشكليات والاغلبيات الضرورية طبعا.


                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق