Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 30 مايو 2018

الموقف السياسي : ما هو مستقبل الشاهد بعد الخطاب ؟

الموقف السياسي          

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الشاهد في وجه العاصفة
تونس / الصواب / 28/05/2018
فضل يوسف الشاهد أن لا يستسلم، لا للإقالة، ولا للمثول أمام البرلمان في امتحان عسير ليس مضمون العواقب، كما كان الأمر مع الحبيب الصيد، بل اختار المواجهة، وراهن على موقع الهجوم بقطع النظر عن النتيجة.
دخل الشاهد في حرب حقيقية أختار هو نفسه موعد انطلاقتها، وهو لا يعرف ولا يعرف غيره متى نهايتها وماذا ستكون نتيجتها.
هل موعد اندلاع الحرب المعلنة ، هو الموعد الأفضل ؟ هل كان يمكنه الانتظار ، هل الساعة مواتية ، وهل هي سابقة لأوانها ، وهل إذا تأخرت تكون دخلت موقعا قاتلا بالنسبة له؟
أسئلة من السابق لأوانه الجواب عنها ، ولكن المؤكد أن مستشاريه ، وله من المستشارين العدد الأوفر والأقدر ، نصحوه بأنه ليس أمامه غير المواجهة إذا كان يريد أن تكون له حظوظ أي حظوظ   للبقاء في موقعه   ، ولو دارت عليه الدوائر وفقد المقعد غير المريح الذي يجلس عليه.
اختار التوقيت الذي بدا له ولمستشاريه مناسبا ، لإطلاق صاروخه ، كما اختار الموقع الذي يريد أن يصيبه برمايته ، أي حافظ قائد السبسي ، الرجل الأقل شعبية سواء لدى الجماهير ، ووفق اعتقادنا حتى داخل حزبه " نداء تونس "، الذي جاءه بمباركة من والده رئيس الجمهورية في محاولة للتوريث ، وبمساعدة يوسف الشاهد نفسه الذي نظم له "مؤتمر" سوسة المطعون فيه ، والذي نال ثمنا مجزيا على خدماته بتعيينه رئيسا للحكومة ، دون أن يكون مؤهلا لذلك أو على الأقل الأكثر تأهلا لذلك.
**  
جاءت الكلمة ، بعد الإعلان عنها في مختلف القنوات ، وظن الكثيرون أنه سيعلن الاستقالة من منصبه ، و" كفى الله المؤمنين شر القتال" ، غير أن الرجل بدا أن لا نية له في ذلك ، بل بدا مصمما على دخول معركة يعرف أنها غير متكافئة ، وأنه ليس لعبة يأتون بها ، ويغسلون أيديهم منها متى يريدون ، المقصود هنا ، الرئيس نفسه وابنه " ابن أبيه " كما يسمونه.
تماما في نفس الوقت الذي يقال فيه من مصادر صحفية  أجنبية ، أن رئيس الدولة  قد يكون  ينوي اللجوء للفصل 74  من الدستور في فقرته الثالثة  أو غيره ، التي تقول :
وإذا تعذر إجراء الانتخاب ( في باب الرئاسة ) في موعده بسبب خطر داهم، فإن المدة الرئاسية تمدد بقانون.
ويحق للمرء أن يتساءل عن المخرج الممكن في هذه الحال، ومؤولو البلاط على قدرة كبيرة لإيجاد المخارج المحتملة، طبعا  خصوصا وأن الخطر الداهم لم يحدد الدستور طبيعته، ما زال الوقت بعيد نسبيا فالانتخابات التشريعية والرئاسية مقدرة لأواخر 2019.
من الناحية الشكلية ووفقا لمن اتصلت بهم من المتخصصين في تحليل الخطاب السياسي ، فإن الشاهد وبصورة عامة اعتمد ولا شك ، جهابذة في فنون الاتصال ، من حيث السير في أغوار ما كان يريد تبليغه ، وسار بمستمعيه خطوة بخطوة إلى العقدة، وهي بالذات مهاجمة حافظ قائد السبسي ، وتحميله مسؤولية إلى حيث وصل معه حزب نداء تونس من  تراجع ، ثم التنبيه لخطر كل ذلك لا فقط داخليا ، ولكن أيضا من ناحية المعاملات المالية والاقتصادية مع شركاء ومقرضي تونس.
ومن هذه الناحية فإن الشاهد عموما أفلح في تبليغ رسالته ،والتنبيه للخطر الداهم على الدولة الذي يمثله  ابن رئيس الجمهورية.
هذا من حيث مبنى الخطاب ، ولكن كما يقول الاتصاليون ، فإنه لا يكفي أن تبلغ ما تريد ، ولكن كيف يتقبله المتلقي ومدى الاقتناع به.
Il ne s’agit pas d’exprimer une idée, mais il s’agit de savoir comment elle est perçue          
ومن وجهة نظري ولست لا اختصاصيا لا في تحليل الخطاب السياسي  ، ولا اتصاليا أو اختصاصيا في علوم الاتصال ، وأعتبر نفسي   صحفيا ، وربما محللا صحفيا  لا غير ، فإن وجهة نظري تتمثل في أن الكلمة أي كلمة الشاهد ، جاءت أطول مما ينبغي ، لخطاب موقف حاسم ، وأنها دخلت في تفاصيل ما كان له أن يدخل فيها ، شوشت على الموقف الحاسم.
**
ما هو المنتظر بعد هذا الخطاب وأقول قصدا الخطاب، فهو ليس كلمة عابرة:
بحساب الربح والخسارة، هل يكون الشاهد قد ربح اللعبة ( الطرح) أم خسرها، أو أنه بقي بين بين:
من وجهة نظري فإن الشاهد لم يرد أن يكون ضحية ، اللعبة السياسية غير الأخلاقية التي تجري في تونس ، فقد جيء به ليكون سببا في استبعاد سلفه الحبيب الصيد ، الأشد إخلاصا بين المخلصين للرئيس الباجــــــــي قائد السبسي ،  وأيضا لوضع حافظ قائد السبسي  على حساب آخرين في موقع القيادة  في نداء تونس، فكان مسقطا،  وبعد أن  استنفدوا دوره  أي الشاهد  جاء الوقت لرميه كالنواة على حافة الطريق ، ولم يكن يوما ينفذ سياسته ، بل سياسة من أتى به لغير سابق تأهيل خاص.
الحبيب الصيد ترك نفسه ينساق دون رد فعل جدير برجل دعي لأكبر الأدوار ، فوفقا للدستور فإن رئيس الحكومة الذي يستمد سلطته من السلطة العليا أي المجلس النيابي ، لم يجدوا له من مخرج إلا سحب ثقة ذلك المجلس منه.
الشاهد لم يرض بهذا الدور، وقرر أن يقاوم، وخطابه مساء الثلاثاء يدخل بامتياز، في هذا الإصرار على المقاومة، مهما كانت النتيجة.
هنا السؤال  من يقف أو سيقف  معه ومن يقف أو سيقف  ضده:
-        يقف ضده بوضوح اتحاد الشغل ، العاجز عن فهم وتمثل ظروف المرحلة وصعوبتها ، فهو كمثل ما كانت عليه نقابة الـ س.ج. ت . الفرنسية بعيد الحرب العالمية الثانية، وفي ظرف الجمهورية الرابعة الشبيه دستورها بدستور الجمهورية الثانية في تونس، أو على الأصح الشبيه دستورنا بدستور الجمهورية الفرنسية الرابعة.
المطالبة ولا غير المطلبية ، أما اقتصاد البلاد وتوازناتها فلا أحد يلتفت إليها، وهو ما سارت عليه الحكومات المتعاقبة منذ 2011 ، حتى جاء الشاهد ، وتحت ضغط الأحداث والإكراهات الاقتصادية بدأ منذ ميزانية 2017 وخاصة 2018 في استيعاب الدرس.
-        تقف معه بوضوح مشوب بالحذر النهضة على أساس، ما يمكن أن تحصده من مقاعد إضافية في حكومة تدعو لإعادة هيكلتها.
كما تقف معه المؤسسات المالية الدولية ، والمستثمر الأجنبي وحتى الداخلي ممن يرون جدية في التعامل مع الواقع السيء المعاش في تونس،  ومحاولة الخروج منه.

-        موقف ستفصح عنه الأيام بعد أن رمى الشاهد حجرا في البركة الآسنة لنداء تونس ، فهل سينتصر الباجي لابنه على الشاهد ، لحزب بات شبحا لنفسه ، ولعل الظاهرة الأولى المنتظرة هي ما إذا كان وزراء النداء سيستقيلون أو تستقيل أكثريتهم من الحكومة القائمة ، وعندها تكون الضربة القاضية ، إذ كيف سيأتي الشاهد من النداء بوزراء لهم مصداقية لتعويض المغادرين ، أما الظاهرة الثانية فهي موقف كتلة نداء تونس التي يرأسها الوفي بين الأوفياء  سفيان طوبال لابن رئيس الدولة ، هل ستدعى للتصويت ضد الشاهد إذا جد الجد ، وطلب ( بضم الطاد) سحب الثقة من رئيس الحكومة ، أم إنها ستشهد انقساما آخر غير الانقسامات السابقة .
-        fouratiab@gmail.com


         


الأربعاء، 23 مايو 2018

عالميات : المظلمة الكبرى وتداعياتها على الغرب والعالم

عالميات

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
لا هوادة .. ولا اطمئنان  ،،
 لمن أسسوا للجريمة ؟؟
تونس / الصواب /22/05/2018
عندما أعلن عن القضاء على داعش والقاعدة وأنصار الشريعة في العراق وفي سوريا أو كاد ، ساد شيء من الاطمئنان في الغرب  إلى أن خطر " الإرهاب " قد ولى ، وانتشر شيء من الاطمئنان في العواصم الغربية بالخصوص ، بعد سلسلة من العمليات التي تسببت في مقتل المئات ، فقد اعتبرت الدول الغربية  حتى وقت قريب ، أنها آمنة داخل حدودها لا يهددها مهدد ، وإن بقي الهاجس كامنا بعد 11 سبتمبر 2001 وهجوم المركز التجاري في نيويورك ، والذي لم يقع لليوم الإفصاح  عن عدد ضحاياه وإن كان التقدير أنهم لا يقلون عن 3 آلاف ، ثم جاء الباتكلان في باريس وهجوم الشاحنة في نيس والهجوم المماثل في ألمانيا ، وغيرها من العمليات الإرهابية  في لندن والولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى ، آخرتها في باريس ، حصلت فعلا أو أنها كانت بصدد التخطيط.
وفيما عدا الأعمال الإرهابية في عدة مناطق في العالم العربي وإفريقيا وآسيا بعضها يكاد يكون يوميا ، ولكن خاصيتها دورية منتظمة أو أقل انتظاما.
ولعل الغرب الذي كان يعتقد أنه يعيش آمنا داخل حدوده ، أخذ يساوره الشك ، وبدأ ينتابه الخوف ، وإذا كانت حوادث المرور تحصد عددا من الأرواح أكثر عددا ، فإن العمليات الإرهابية ، أنتجت نوعا جديدا من الخشية ، وأخذ الفرد يسأل نفسه سواء كان من أجهزة الأمن أو من المواطنين وهو يغادر بيته في الصباح ، إن كان سيعود له مساء ، وإن عاد إن وجد به زوجة وأولادا أم لا؟
خاصية الإرهاب ، أنه لن يتم القضاء عليه لا في يوم ولا شهر ولا سنة ، ولا حتى عقد أو أكثر ، وأخذ الغربيون قبل غيرهم ، يوطنون أنفسهم على أن أمرا ما يقض مضاجعهم ، وأنهم يعيشون معه والهلع يأكل منهم ، ويحيل حياتهم إلى جحيم دائم.
سؤال لا يبدو أن الغرب لم يسأله في هذا الخضم : ما هو سبب ما يتهدد حياتهم  واطمئنانهم ؟
وهل من سبيل لعودة الأمن والسلام إلى ديارهم ، وقد ظنوا أن انقضاء الحرب العالمية الثانية  ، بعشرات ملايين القتلى هي آخر الأحزان.
السبب يكمن في أنه في ذات يوم في سويسرا في مؤتمر انعقد تحت رئاسة الصحفي الموتور تيدور هرتزل سنة 1889  ، وتم فيه الإختيار على أن تكون فلسطين وطنا قوميا لليهود ،  بعد أن ساد الشك هل يكون هذا " الوطن " في أوغندا  أو في الأرجنتين .
في ذات يوم أيضا بذل فيه يوم 17 نوفمبر 1917 وزير خــــــــــــارجية بريطانيا " بلفور" وعده ، بتمكين اليهود من " وطن " قومي في فلسطين .
في ذات يوم من سنة 1920 وضعت فيه عصبة الأمم فلسطين وديعة لدى بريطانيا في ما سمي بالانتداب ، كما لو أن رؤوس الخرفان وضعت وديعة لدى قطيع من الذئاب.
في ذات يوم قررت فيه الجمعية العامة سنة 1947 تقسيم فلسطين ، وإعطاء ما لا تملك لمن لا حق له أن يملك ، وتمكين اليهود الذين شجعت بريطانيا على هجرتهم الكثيفة إلى فلسطين ، ثم تسليحهم وتدريبهم ، ليعلنوا دولتهم في 14 ماي 1948 فتسارع لبريطانيا وروسيا وأمريكا وتركيا  وغيرها للاعتراف بها.
في ذات أيام انهزم  فيها العرب أمام الجحافل الصهيونية في 1948 وفي 1956 وفي 1967، واستبيحت مقدساتهم .
كلهم وآخرهم المهتز نفسيا ، ترومب ، لم يقرؤا حسابا لردة فعل ما بين 1.6 مليار و2 مليار من المسلمين ، إجترح فيهم القلب ، وانجرحت فيهم النفس ، وتم الشعور لديهم بأن العالم يكرههم وهم يمثلون بين ربع وثلث سكانه ، وأنه يستهدفهم ، فلجئوا للسلاح الوحيد المتاح لديهم ، أو لجأ بعضهم ، أي " الإرهاب " كرد فعل عن المسئولين عن مصيبتهم وهوانهم ونكبتهم  ، واغتصاب أرضهم ، وتدنيس مقدساتهم .
من هنا فإن ما يسمى الإرهاب ، سيبقى حاضرا يهدد ويتهدد بقض المضاجع ، ومنع الراحة  ، وطرح سؤال حارق ، ماذا فعلنا لنستحق كل هذا الواقع على رؤوسنا ، وهل من نهاية له  وعودة الحق لأصحابه ، ولكن الجواب الواضح على لسان قادة أوروبا :" إن الخطر الصفر ، لم يعد واردا ، وإن كل يوم سيفرض قسطه من العمليات التي لا يعرف أحد كيف يتم تجنبها ".
متى يتفطن الغرب  والمجتمع الدولي قاطبة ، الذي ارتكب أكبر مظلمة في التاريخ المعاصر ، أنه لن ينال سلاما ولا أمنا ، ما دام يغمض عينيه عن الجريمة التي ارتكبها ، وكيف له أن يصلح تبعاتها.






الثلاثاء، 15 مايو 2018

اقتصاديات : البعد الأبعد

إقتصاديات

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
نحو اضـــــطرابات عالمية ،
 وتونس  في عين الإعصار
تونس / الصواب /14/05/2018
يخطئ من يظن أن الأصل في قرار الرئيس الأمريكي ترامب ، هو احتمالات وصول إيران لتصنيع قنبلتها النووية ، كما يخطئ من يظن أن تونس مفلتة من تأثيرات قرار أمريكي له سلبياته الواضحة على البلاد ، مضافا إلى وضع اقتصادي رغم كل ما يقال فهو سيء  جدا ، والقرار الأمريكي لن يزيده إلا سوء وعمقا.
ومما لا شك فيه أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، والدول المشتركة معها في توقيع الاتفاق  حول تعهد إيران بعدم مواصلة بناء قنبلتها الذرية، لم تتخذ الاحتياطات الكافية من وجهة نظر موضوعية ، وذلك على الأقل من ناحيتين :
الأولى هي ناحية عدم ضبط حد للأسلحة الباليستيكية ، فإيران مسموح لها أو غير ممنوع عليها صنع صواريخ بعيدة المدى ، يمكن أن تتهدد سماء الولايات المتحدة وما هو أقرب ، يوم تصل لصنع قنبلتها ، وهي للواقع على قاب قوسين أو أدنى من ذلك حسب الخبراء.
والثانية هي ناحية ترك المساحة واسعة لتوسع جغرافي يتهدد الموازنات ، الشرق أوسطية وحتى الدولية ، بحيث إن لطهران اليوم تواجد استراتيجي وليس تكتيكي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وهي تسيطر على الحكم الفعلي في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ، وتحاصر العالم السني ، الذي يمثل إسلاميا حوالي 88 في المائة من مجمل سكان العالم من المسلمين ، بالصورة التي تعيد للأذهان أيام الإمبراطورية الساسانية  قبل الإسلام ، والإمبراطورية الصفوية في مواجهة الخلافة العثمانية  خلال القرون الخمسة أو الستة الماضية ، فضلا عن الزحف نحو الشرق بواسطة شيعة باكستان وأفغانستان ، والتخوم الممتدة للإتحاد السوفياتي السابق ، ومجاهل الصين في كيسيانغ أو المناطق التي كانت تسمى  كيسيانغ بعدد من المسلمين لا يعرف أحد حقيقة حجمهم.
ويدفع هذا إلى حيرة أمريكية أوروبية إسلامية سنية في المشرق  آسيوية ، ليس مقدورا عليها خاصة ، وأنها تمس في العمق الوجود العربي السني ، ولكن أكثر من ذلك تتهدد إسرائيل ، وهو ما  لا يطيقه الغرب بما فيه أمريكا وأوروبا بشرقها وغربها.
**
المنتفع الأول من اتفاق 2015 بين الخمسة وإيران ، هي الاتحاد الأوروبي ، فقد كانت دول ورجال أعمال فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى بالذات ، هي التي انفتحت أمامها أسواق إيران ، التي من الله عليها بفتح ضخ البترول ، وعائداته الضخمة ، فطفقت تشتري من الغرب ما كان محرما عليها سنوات الحصار ، وكان حصان السبق لدول الاتحاد الأوروبي فيما بقيت الولايات المتحدة غير مستفيدة بنفس الحجم من مضخة إيرانية جديدة ، وإذ أصاب الهلع المحافظون الجدد الذين قادوا ترامب إلى الانتصار عكس ما كان منتظرا ، فإنهم أرادوا حصد ثمار انتصارهم ، أولا بالتخويف من إيران التي رأوا فيها ما يهدد الهيمنة الأمريكية،  وما يفرض توازنات جديدة في منطقة استفردت بها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ، وثانيا بأن الولايات  المتحدة لم تستفد كما كان متوقعا من اتفاق ، رأى فيه المحافظون الجدد نواقص ، تبدو بعد عرضها فعلية ، واعترف بها الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيسة الحكومة أنجيلا  ماركل ورئيسة الوزراء البريطانية ، مع المناداة بعدم الخروج من الاتفاق بل بالعمل على العودة لمائدة المفاوضات لاستكماله ،  وهو ما ترفضه محقة الدولة الإيرانية.
غير أن الرئيس الأمريكي تنكر لتوقيع الدولة الأمريكية في سابقة سياسية ، حيث عادة ما تعتمد مقولة استمرار الدولة وقراراتها.
بل لعل الأدهى والأمر أن الرئيس الأمريكي وهو يعلن إعادة الحصار الكامل على إيران ، فرضه أيضا على من يتعامل تجاريا مع إيران ، وبالتالي فرض على شركائه الأوروبيين عدم شراء البترول الإيراني ، وهو الرئة التي تتنفس بها طهران ، وفي نفس الوقت منعهم من الاتجار مع الدولة الإيرانية ، وهو ما يصيب الاستثمارات الأوروبية في مقتل ، كما يضرب بقوة المبيعات المختلفة ، والصفقات الكبيرة مع إيران ، ومنها مائة طائرة إير باص  فرنسية وملايين السيارات الأوروبية المفترض تصنيعها في إيران  وغيرها ، وفي وقت أخذ فيه الاقتصاد الأوروبي ، وخاصة الفرنسي في التعافي بعد طول أزمة ، تأتي هذه الضربة الأمريكية التي لا مفر منها،  لتهز العالم ، وتبرزه كتابع تسيره الولايات المتحدة وتفرض عليه تنفيذ وإتباع قوانينها.
**
وكما هو سائد فإنه وباستثناء البلدان البترولية المستفيدة في غالبها من القرار الأمريكي وفي مقدمتها روسيا التي تعاني بشدة ، فإن بقية العالم سيتلقى ضربة موجعة نتيجة ارتفاع متوقع لأسعار برميل البترول ، نتيجة لاحتمال كبير بشح البترول الإيراني ، ثم بسبب الاضطراب المتوقع في الشرق الأوسط والذي ظهرت بعض بوادره في جريمة الدولة التي ارتكبتها إسرائيل يوم 15 ماي ، بالقتل المبرمج لـ55 من الفلسطينيين.
هذا أيضا ما سيكون له تداعيات دولية ، والذي تقف وراءه أمريكا .
توصيف الحال ، وبعيدا عن أي محاولة للتوظيف ، سيكون له تأثيرات على تونس، التي تشكو وضعا غاية في السوء ،وهي مهددة اليوم ، لا فقط بعدم الحصول على القسط الرابع من قرض صندوق النقد الدولي  رئة التنفس الباقية ، بل نتيجة لذلك للمطالبة بجدولة الديون ، والكف عن السداد ، وهو أمر غاية في الخطورة ، لم يحصل مثيل له منذ الاستقلال ، كل ذلك نتيجة عدم انضباط فاضح للحكومات المتعاقبة بالتزام تعهداتها ، نتيجة ضغط اجتماعي غير مسئول ، وغياب أجهزة دولة لا قرار لها ولا حول ولا قوة وأكاد أقول لا وجود فعلي ، وإذا أضيف له ، ارتفاع في أسعار البترول ( مجدول 54 دولار في ميزانية 2018 للبرميل ، يفوق حاليا 70 دولارا ومتوقع أن يصل إلى ما بين 90 و100 دولار إن لم يكن أكثر ) فإن البلاد بواقع حوالي 70 يوم توريد ، ستجد نفسها في عجز عن توريد الضروريات ، ومواجهة احتمال اللجوء لطبع نقد بلا قيمة ، وتلك حال التسيب الذي عرفته البلاد منذ2011 ، ولم تعرف الحكومات المتعاقبة كيف تواجهه بالشجاعة اللازمة .



جريمة حرب جريمة دولة

جريمة دولة .. جريمة حرب ..

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
مجتمع دولي نائم ،،
 ومجتمع عربي مصاب بالعمى والصمم
تونس/ الصواب / 15/05/2018
عندما كانت أوبرا عائدة تعزف في الأقصر ، احتفاء بتدشين قناة السويس في نوفمبر 1869 ، لم تكن ظهرت بعد معالم المؤامرة التي كانت تستهدف العالم العربي ، باعتباره قلب العالم وأكثر مواقعه حساسية  ، ومكمن أكبر المطامع ، لموقعه الإستراتيجي وثرواته الضخمة التي كانت معلومة من الدول الأوروبية، بعد ذلك بعشرين سنة أخذت تتكشف خيوط المؤامرة عندما عقد الصحفي السويسري هرتزل مؤتمرا لليهود نادى بإقامة وطن للإسرائيليين في فلسطين ، بعد أن كان تم التفكير بداية في إقامته إما في أوغندا أو في الأرجنتين، وكان الدفع من قبل بريطانيا وفرنسا في اتجاه فلسطين ، لزرع جسم سرطاني غريب في منطقة عربية تتميز بموقعها الاستراتيجي وبثرواتها الواعدة ، يكون حارسا للمصالح الغربية ، في أفق انتهاء الفترة الاستعمارية بطريقتها المباشرة للاحتلال ، لم تمض سوى 20 سنة أخرى حتى صدر وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور في 2 نوفمبر 1917 بإقامة وطن لليهود في فلسطين ، انتهت الحرب العالمية  الأولى بهزيمة تركيا مع ألمانيا المستولية على فلسطين ، فوضعت تلك الإيالة تحت يد الانتداب البريطاني ، ليقع تهجير اليهود من كل أصقاع العالم لتنفيذ وعد بلفور، وبمساعدة الاستعمار البريطاني تم الاستيلاء على أراضي العرب الفلسطينيين تحت أنظار وأسماع المندوب البريطاني ، ولم تأت عشرون سنة أخرى حتى جاء التقسيم ، فأعطى من لا يملك ، ( الأمم المتحدة ) لمن لا حق له أن يملـــــــــــــــك ( إسرائيل) أكثر من نصف فلسطين  وبعد حرب الخزي التي دخلتها 7 جيوش عربية  ، غير أن المؤامرة تواصلت ، فقد احتلت حكومة النكبة منتصف ماي 1948بقيادة بن غوريون ، أكثر بكثير مما قررت الأمم المتحدة ، فيما تم تقطيع أوصال ما بقي بين مصر ( غزة) والأردن ( الضفة الغربية ) ، 20 سنة أخرى ووضعت إسرائيل يدها على كامل فلسطين التاريخية بعد حرب الأيام الستة وهزيمتها المدوية في 5 جوان 1967، وقتها فقط أخذ الفلسطينيون أمرهم بيدهم ، وتولت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات أمر حركة تحرير بلا وكالة للعرب ، وحققت بعض النتائج ، وأصبحت القضية ملء الأفواه وموضوع المحافل الدولية ، وما تزال ، رغم كل شيء ورغم الولايات المتحدة التي اتخذت مكان  الزعامة بدل بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي في حجب الحق الفلسطيني ، فإن القضية الفلسطينية ستبقى حية ، ما دام هناك شعب مستعد لكل التضحيات ، متحديا إرادة تكاد تكون دولية ، ولا مبالاة عربية وإسلامية تجاه أكبر مظلمة عرفها التاريخ ، وإذ لم تتقدم قضية الدولتين ولا أوجدت الحل فإن ، الزمن كفيل بالحل طال الزمن أو قصر ، وإسرائيل التي باتت معتمدة على هجرة يهودية أخذت بالشح ، ستواجه مدا  ديموغرافيا على مدى متوسط أو  طويل لا قدرة لها على صده أو الوقوف في وجهه، ولن ينفع قياداتها أن تكون دولــــة جريمة ، قائمة على جريمة حرب فاضحة ، غير لائقة بطبيعة المرحلة ، المتمسكة ظاهريا بحقوق الإنسان ، بزعامة من يدعون حمايتها.
فما دام الشعب الفلسطيني وأحرار العالم ، على قدرة على تقديم التضحيات الكبيرة مثل التي أقدم عليها يوم أمس وما سيليه من أيام ، فإنه طال الزمن أو قصر ، فلا أمل  للإسرائيليين في سلام  على أرض هي عربية فلسطينية منذ عشرات القرون، وهم إذ يراكمون جرائم الدولة فإن روح كل شهيد ستلعنهم ، وسيستيقظ الضمير العالمي يوما من الأيام ، كما استيقظ يوما على  أشباههم من  مجرمي النازية ولفظهم ، وركنهم في مزبلة التاريخ ، بعد أن مالأهم وسكت عن جرائمهم .

الجمعة، 11 مايو 2018

الموقف السياسي :في انتظار أن تفصح الانتخابات البلدية على نتائجها الحقيقية

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
قراءة في نتائج الانتخابات البلدية
** ضبابية مفرطة بالنسبة لتوزيع الرئاسات         وتشكيل المكاتب  و اتخاذ القرار
 وأين سنجد الأغلبية الحقيقية بعد انتخاب الرؤساء
تونس /الصواب /11/05/2018
اختارت تونس منذ 2011 أن تعتمد نظام اقتراع يقوم على النـــسبية مع أعلى البقايا ، وإذا كان ذلك مبررا بالنسبة لمجلس سيتولى التأسيس وكتابة الدستور ، فإنه لم يكن مبررا مطلقا لا  بالنسبة للبرلمان ، ومهمته الحكم واتخاذ القرارات وهو في حاجة لأغلبية واضحة وفاعلة  ، وأكثر من ذلك لبلديات سنجد اليوم أنفسنا أمام إشكال لتولية رئيس لها ، أو لتحقيق حد أدنى من الانسجام والقدرة على اتخاذ القرار  داخلها ، لاحتمالات انعدام وجود أغلبية مقررة.
واليوم فإن البلديات المنتخبة مؤخرا ستجد نفسها في وضع تناقض تماما مع النتائج المعلنة، فيكون الناخبون قد اختاروا أغلبية، وتكون الرئاسات أو القرارات في تناقض مع ما اختاره أولئك الناخبون.
ووفقا لنظام الاقتراع الذي كان معتمدا منذ الاستقلال وحتى الثورة، فقد اعتمد النظام الجديد نظام اقتراع يقوم على النسبية مع اللجوء لأعلى البقايا في انتخابات 2011 و2014، مع إضافة عتبة 3 في المائة تسقط القائمة إذا لم تحققها.
وبذلك فإن الانتخابات الأخيرة اعتمدت نظام اقتراع أعرج، سيشكل عبئا كبيرا على المجالس البلدية الجديدة منذ بدء عملها وبمناسبة انتخاب رؤسائها.
وباعتبار النظام القديم، فإن القائمة التي تحرز على المرتبة الأولى ، كانت تفوز  أوتوماتيكيا بكل المقاعد في بلدية معينة ، ما يعطيها أريحية في تسيير أعمالها ويكون رئيس المجلس البلدي هو طبيعيا رئيس القائمة المنتخبة.
ولكن وباعتبار نظام الاقتراع الذي لا يصلح بالذات للانتخابات البلدية خاصة باعتماد التصويت على القائمات ، فإن السير البلدي سريعا ما سيصطدم بأوضاع عسيرة على الحل، بل تكاد تكون مستعصية ، أو تكون فيها الأغلبية في جانب،  والقرارات خاصة التعيينية في جانب آخر.
وفي إحصاء حاولنا القيام به اعتمادا على النتائج المعلنة ، فإنه لو كان تم اعتماد التصويت على القائمات بالأغلبية  مثلما كان عليه الأمر قبلا  ، لتم تصعيد 140 قائمة نهضاوية تقريبا ومائة قائمة ندائية تقريبا ، بما يعني أن 110 قائمات لن تكون لا  من هذا اللون ولا من ذاك ، بل تنتسب إلى مشروع تونس حيث حصل على المرتبة الأولى ولو بأربع  مقاعد  في بعض الدوائر ، أو حزب آفاق أو وخاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب أو الجبهة الشعبية أو الحزب الدستوري الحر أو الحزب الاشتراكي الذي ترشح في دائرة واحدة أو حزب المبادرة ، و كذلك عشرات من القائمات المستقلة  الفائزة بعدد كبير من المقاعد في دوائرها ما يؤهل البعض منها لاستلام رئاسة المجالس البلدية ، وهي قائمات فائزة لا يعرف المراقب انتماءاتها ولا توجهاتها أو توجهات غالبها ، بحيث إن المجالس البلدية التي تم تصعيدها عبارة في كثير من الأحيان عن حمص وزبيب ، فيما إن عدد منها اقتصرت تركيبتها على حزبين اثنين متساويين في عدد المقاعد بحيث يستحيل فرز رئيس لها لا في دورة أولى ولا في دورة ثانية ولا حتى في دورة مائة، إن لم يتنازل أحد الطرفين طوعا عن الرئاسة ، أو قرروا تقاسم الفترة بينهما مثلا عامين ونصفا تكون فيها الرئاسة لهذا الطرف وعامين ونصفا للطرف الثاني.
هذا فضلا عن المساواة في عدد المقاعد ، ففي حالات كثيرة رصدناها وجدنا تساويا بين النهضة والنداء في عدد المقاعد ، ولكن وجدنا تساويا حتى بين 3 قائمات وأربعة بحيث يكاد يستحيل فض الاشتباك بينها.
نظريا فإن قائمات النهضة فازت بالعدد الأوفر من المقاعد بـ2135 ، ونداء تونس بـ 1595 مقعدا ، ولكن من المؤكد كذلك أنه وفي السباق نحو الرئاسة ، ويقدر المراقبون أن مستشاري البلديات  الاتحاد المدني وحزب مشروع تونس وبني وطني  والحزب الدستوري الحر وربما  حزب آفاق سينضوون بصورة أو بأخرى تحت راية نداء تونس ولكن بتفاهمات معينة ، وهؤلاء تتراوح أعداد مقاعدهم بين 350 و400  حسب المصادر فإنهم سيعززون صفوف نداء تونس ،إضافة إلى المجهول من بين المستشارين البلديين من "المستقلين "  الحقيقيين الذين لا يعرف عددهم أحد ، ويقال إن عددا منهم لا يمكن حصره هم من المنسلخين من نداء تونس ، وربما يعاودهم الحنين إليه ، وربما يكونون موتورين منه ، وفي الحالة الأولى سيصوتون لفائدة الندائيين أو يحتفظون بأصواتهم عندما يحيــــن وقت التصويت على الرئاسات ، وفي المقابل يقدر عدد من المراقبين إن حركة الشعب ربما تصوت إن جماعة أو بأغلبيتها لفائدة النهضة ، كما قد يهز الحنين عددا المنتخبين في التيار الديمقراطي (205) إلى أيام الترويكا ويصوتوا لفائدة النهضة  وليس ذلك عاما ، ، وتتمزق أو يتمزق منتخبو الجبهة الشعبية (259) بين الاحتفاظ بأصواتهم وبين سد الطريق أمام النهضة ومريديها في المجالس البلدية
. وتبقى العين مركزة على ثلاث مدن كبرى هي تونس العاصمة وصفاقس وسوسة ، وتلك وربما غيرها تحتاج إلى تحليل منفرد.


الأربعاء، 9 مايو 2018

عالميات : هل يدفع ترومب العالم إلى حافة الحرب، واقتصاد العالم إلى الإنكماش

عالميات


يكتبها عبد اللطيف الفراتي
العالم على صفيح ساخن ،، بعد موقف ترومب
وأثره في العالم  ومن ضمنــــه تونس وغيرها
تونس / الصواب/ 09/05/2018
عندما قرر الرئيس الأمريكي ترومب سحب توقيع بلاده على الاتفاق الخماسي مع إيران لوقف برنامجها النووي غير السلمي ، كان يدري ويعرف أنه سيجر العالم كله إلى احتمالات خطيرة ، وبعكس ما يقال من أنه يتصرف خارج الرغبة السائدة في أمريكا ، فإن الواضح أن ذلك غير صحيح ، فالرئيس الأمريكي أي رئيس لا يتصرف من إرادته المنفردة ، بل هناك مؤسسات تحكمه وتحكم القرار الأمريكي.
ولقد قضيت فترة معينة في أمريكا ، لدراسة كيفية اتخاذ القرار الأمريكي ، وأنا أعرف جيدا ، أن المؤسسات التي رفعت ترومب للسلطة هي التي تدفعه لاتخاذ قراراته ، وهو لا يتحرك من عدم.
ومسعى ترومب واضح ، وهو ليس مندفعا ، ولا مجنونا كما يبدو للكثيرين تسويقه عنه ، بل إنه أتى في لحظة أراد فيها الأمريكان أن يستعيدوا فيها مكانتهم بعد أن بدا لهم أنها تآكلت ، تحت ضغط سياسة بوتين ، التي استعادت لروسيا التي تعتبر نفسها وريثة للإتحاد السوفياتي  مكانتها، فاندفعت في زمن تراجع فيه تأثير بارك عالميا .
إذن للمرء أن يتوقع أن أمر ترومب ليس مؤقتا ، وأنه على ما يبدو من اضطراب أعماله ينطلق من منطق داخلي  خاص به وينال وفاقا شعبيا في بلاده ، يحبه فيه الأمريكان ، ولذلك لا ينبغي أن تعيد الولايات المتحدة  انتخابه للرئاسة  بعد ثلاث سنوات.
لكن إلى أين سيسير بالولايات المتحدة وبالعالم  ، وما هي حدود "جنونه " ، وما هي تأثيرات ذلك.
أولا : فالرئيس الأمريكي سيخضع بموجب انسحابه من اتفاق الخمسة مع إيران ، سيخضع الدولة الإيرانية لحصار حاد ، لا يشملها وحدها بل يشمل كل الدول التي ستتعامل معها ، أو تبيعها سلعها ، وبالنسبة لفرنسا مثلا وهي ليست وحدها فإنها ستخسر صفقة بيع المائة طائرة إير باص الموقع عليها ،  وسيصيب صناعتها للطيران بضربة قاصمة ، كما سيصيب مشروعات ضخمة أخرى لصناعة السيارات  وغيرها ، كانت فرنسا اتفقت مع طهران على إنشائها في بلد فارس بضربة قاصمة أخرى ، في وقت أخذ فيه الاقتصاد الفرنسي يتعافى منذ أن تناوله بالعلاج الرئيس ماكرون  ويحقق بعض الانتعاش ، فالولايات المتحدة بعد سحب توقيعها ، ستفرض على من يتعامل مع إيران نفس فروض الحصار التي تفرضها على طهران ، وبالقياس فإن بلدان العالم في مجال للمقارنة بين علاقاتها التبادلية مع واشنطن ومع طهران لا تشك لحظة في من تختار.
 ثانيا : ستجد طهران مرة أخرى نفسها  بين فكي حصار قاس ، لم تخرج منه إلا بشق الأنفس منذ توقيع اتفاق الحد من محاولات إيران الحصول على السلاح النووي ، وقادة إيران ليسوا في وارد السقوط في مغامرة صدام حسين قبل قرابة 30 سنة ، بالدخول في مواجهة مع واشنطن ، تسعى إليها  كل من إسرائيل والسعودية.
ثالثا : بالعكس فإن السعودية والدول البترولية ستكون مستفيدة من الحصار الجديد على إيران ، لأن المتوقع أن غياب البترول الإيراني ، سيلهب أسعار البترول في السوق العالمية ، ويقدر المراقبون أنها أي الأسعار  ستنتفض من ما بين 60 و70 دولار للبرميل حاليا ، ربما إلى 90 دولارا أو حتى أكثر فتتضخم فاتورة البترول ، ما يصيب النمو الهش الملاحظ دوليا بهشاشة كبيرة ، في المستقبل ، في ما إن الولايات المتحدة لها احتياطي كبير من البترول  يجعلها قليلة التأثر بهذه الناحية كما إن نسبة البطالة فيها تتراوح بين 4 و5 في المائة فقط  ، ولعل هذا الذي سيحدث سينقذ دول الخليج من أزمتها المالية والاقتصادية ، وعجز موازناتها المحتد باعتبار ارتفاع عائداتها  المتوقعة ، باستثناء قطر ، التي ستشهد ولو ارتفع ثمن بترولها وغازها ، شحا في مصادر تموينها الذي كان يأتيها أساسا من تركيا ، وخاصة إيران  بعد أن تم غلق حدودها البحرية من جهة السعودية وتوقف تزويدها من السعودية والبحرين والإمارات ومصر وحتى الأردن والكويت وربما سوريا ولبنان لأسباب سياسية للبعض وجغرافية للبعض الآخر ، فسيصيب الحصار الأمريكي لطهران  ، قطر في صعوبات إضافية على تلك القائمة حاليا ، من حيث تزويدها بالسلع التي توقف مددها عبر حدودها البرية مع جيرانها وباتت تعتمد المصادر الجوية والبحرية.
رابعا وبالنسبة لبلادنا ، فإن هذا الحصار الأمريكي الجديد ، سيرفع فاتورة البترول بالنسبة إلينا ، كما سيقلص من طلبات الصناعات الأوروبية مثل صناعة الطيران وصناعة السيارات التي تعتبر تونس من مزوديها  ببعض مصنوعات الصناعات الميكانيكية والإليكترونية والأنسجة ، وتونس التي حصلت فيها "ارتعاشة" انتعاشة اقتصادية  إيجابية طفيفة في الأشهر الأخيرة ، ربما تواجه مجددا تراجعا، وأوضاعا أصعب مما نرى اليوم ، وتلك قصة أخرى  تحتاج لمزيد المعطيات والتحليلات.


الثلاثاء، 8 مايو 2018

الموقف السياسي : انتخابات بلدية فاشلة بانهيار النداء

الموقف السياسي


يكتبه عبد اللطيف الفراتي
انتخابات بلدية فاشلة :
من سيستوعب الدرس ، ومن يدفن  رأسه في التراب؟
** هل يستقيل من يجب أن يستقيل كما في الديمقراطيات الحقيقية؟
تونس/ الصواب/ 07/05/2018
يقاس نجاح الانتخابات بنسبة المشاركة من عدمها في التصويت  لا بالنتائج ، ووفقا لهذا المقياس ، فإن انتخابات الأحد الماضي لا يمكن بحال أن تعتبر ناجحة ، بل هي فاشلة بامتياز ، وحتى لا نثقل على القارئ بالأرقام فإننا نكتفي برقم واحد ، وهو أن نسبة المصوتين من الجسم الانتخابي المفترض الذي قوامه 8 ملايين مواطن في سن التصويت ، لم يتجاوز عددهم أو نسبتهم  21 في المائة ، أي إن قرابة 6 ملايين تونسي  في سن التصويت ، لم يعتنوا بالذهاب لمكاتب الاقتراع المبثوثة في كل مكان.
يعني هذا أن الأصوات التي حصل عليها كل مرشح "ناجح" ، وباختلاف الموقع ينبغي قسمتها على 5 للتدليل على قيمته الفعلية.
أي ومن الناحية العملية والفعلية ، فإن النتيجة بالنسبة للنجاح في الحصول على مقعد ، وإن كانت  تجعله يتمتع  بالشرعية السياسية،  فإنه لا يتمتع بأي مشروعية فعلية.
هذا بالذات يبرز أمرا لا ينبغي إغفاله ، وهو أن الطبقة السياسية المتمثلة في الأحزاب وخاصة منها الأحزاب الموصوفة  بالكبرى ، لا تعدو أن تكون قد أعلنت إفلاسها ، فهي لم تستطع أن تقوم بتعبئة شعبية كفيلة بدفع المواطنين المسجلين وغير المسجلين ، إلى القيام بعناء التحرك لاختيار ممثليهم في المجالس البلدية ، وهذا عزوف يعتبر وفقا لمقتضيات العلوم السياسية إفلاسا ليس بعده أو قبله إفلاس، إفلاس في تأطير المجتمع ، وإفلاس في الدفع للتجميع والحشد ، وإفلاس بالإقناع بتوجهات معينة ، فضلا عن أن فشلا ذريعا صاحب فترة ما بعد الثورة ، ولنسميها تجاوزا ثورة (بلا فكر ولا قيادة ) ، في إدارة دواليب الحكم ، بحيث تراجع المستوى المعيشي للمواطنين ، فافتقد الناس الأمل للمستقبل ، وحتى توقع الخروج من أزمة خانقة ضاق بها المواطنون ذرعا ، سواء زمن الترويكا أو حكومة "الكفاءات" أو حكومات التوافق.
وإذ غاب الأمل أخذ المواطن لا يرى للانتخاب أي صلاحية ، في رؤية وضعه يتغير،  بل بعد أن فقد الأمل في أن يتحسن  ، لذلك ليأت من يأت ففي الثمانين في المائة الذين هم في سن التصويت ، والذين انسحبوا من أداء واجبهم وحقهم ، أدركوا عن خطإ أو صواب أن صوتهم لن يغير شيئا بالنسبة لحياتهم .
لنستثن أحزابا اعتبرت صغيرة ولم يكن لها يد في الإفلاس  العام ، ولا المستقلين الذين استبعدوا عن قصد أو غير قصد طيلة السنوات الأخيرة ، فلم يقع لا سماعهم ولا تشريكهم ، فالأحزاب "الكبيرة" التي شاركت في الحكم والمنظمات التي تدعى جماهيرية أو قومية ،  وحتى تلك التي دعيت للحكم ولم تشارك ، تتحمل كلها ما آل إليه الوضع ، وما انحدر إليه الأمر.
وبالتالي :  فهي التي يجب أن تدفع الفاتورة.
والفاتورة في السياسة هي الاستقالة امتثالا  لاملاءات القواعد ، التي صوتت سلبا ، إما بعدم الحضور للتصويت ، أو صوتت إيجابا بحجب ثقتها الفعلية عن أحزاب ، أظهرت عجزا وتراخيا في علاج أوضاع ازدادت سوء خلال سبع سنوات ، فالمرء لا يأكل ديمقراطية ، ولا يشرب حرية صحافة ، ولا يتنفس انتخابات نزيهة، هذا هو التفسير لما حصل الأحد الماضي.
يستوي في ذلك من جاء أولا ومن جاء ثانيا ومن جاء ثالثا أو رابعا.
ولا نريد هنا أن نثقل على القارئ ، ولكن لنقل ببساطة أن النهضة خسرت قرابة نصف عدد مصوتيها بين 2011 و2014 و2018 ، وأن نداء تونس الذي وضع فيه من يسمون أنفسهم بالحداثيين ثقتهم ، خسر أكثر من ثلث أصواته بين 2014 و2018.
لنقل أن ذلك قد لا يبدو مهما جدا  بالنسبة لحزب إيديولوجي مثل النهضة يعتمد مرجعية دينية ، كما هوشأن الأحزاب العقائدية تحت أي سماء ، وسواء كانت العقيدة دينية ، أو وضعية  ، ولكنه في غاية الأهمية بالنسبة لحزب زمني  temporel مثل نداء تونس أثار اهتماما غير مسبوق في ظرف سنتين /
ولعل للمرء أن يتوقف عند هذا الحزب ، الذي تشقق ، وانكسر ، وانفرط عقده ، تحت ضغط إرادة توريث ، لم تنجح تحت أي سماء ، فانصرف عنه من بناه ، وتركوه بكل كفاءاتهم لقمة سائغة لمطامع نجل لرئيس ، كان همه خلافة بورقيبة وتوريث ابنه تلك الخلافة على عجزه عن قيادة حتى مركب صغير ، وليس بارجة ضخمة كان يمكن أن تمخر عباب البحر ، وتشكل أملا ، فانفرط العقد وتناثرت حباته  ووصل إلى ما وصل إليه من حال محزن ، ولو كانت  تلك الحبات مجتمعة لحققت له الأولوية ، ولأمكنه بالكفاءات العالية التي عمرت ردهات مقره  انطلق بها ، أن ينفذ برنامجا طموحا وعمليا رسم خطوطه رجال من أصحاب الكفاءة والتجربة .
 والسؤال اليوم هل من تسبب لهذا الخراب أن يرحل كما تقتضي التقاليد، أم إنه سيواصل تهديم حزب تجمعت حوله كل آمال الحداثيين في فترة ما؟
**
 من يراهن ..؟
غدا تبدأ عملية البيع والشراء  والمساومة ، "لتوافق"  جديد يتنكر للنتائج الهزيلة للانتخابات البلدية ، وتقام بورصة أعطيني ونعطيك ، ولمن ستؤول رئاسة بلدية تونس ، وربما غيرها من البلديات ، وهذه المرة بثقل أكبر للنهضة.
 هذا إن لم يكن الأمر ذاهبا لتكرار تجربة تركيا ، السيطرة على بلدية إسطنبول من قبل رجب طيب أردوغان  بالانتخاب طبعا ، ثم الوصول بتؤدة  إلى رئاسة الجمهورية "اللائكية" التركية ، وانتهاء  بإقامة نظام استبدادي ديني ، يضع 50 ألفا في السجون ، ويطرد من وظائفهم 150 ألفا ممن يعتبرون مناوئين للحكم من جامعيين وقضاة ومعلمين وصحفيين إلخ....