Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 9 مايو 2018

عالميات : هل يدفع ترومب العالم إلى حافة الحرب، واقتصاد العالم إلى الإنكماش

عالميات


يكتبها عبد اللطيف الفراتي
العالم على صفيح ساخن ،، بعد موقف ترومب
وأثره في العالم  ومن ضمنــــه تونس وغيرها
تونس / الصواب/ 09/05/2018
عندما قرر الرئيس الأمريكي ترومب سحب توقيع بلاده على الاتفاق الخماسي مع إيران لوقف برنامجها النووي غير السلمي ، كان يدري ويعرف أنه سيجر العالم كله إلى احتمالات خطيرة ، وبعكس ما يقال من أنه يتصرف خارج الرغبة السائدة في أمريكا ، فإن الواضح أن ذلك غير صحيح ، فالرئيس الأمريكي أي رئيس لا يتصرف من إرادته المنفردة ، بل هناك مؤسسات تحكمه وتحكم القرار الأمريكي.
ولقد قضيت فترة معينة في أمريكا ، لدراسة كيفية اتخاذ القرار الأمريكي ، وأنا أعرف جيدا ، أن المؤسسات التي رفعت ترومب للسلطة هي التي تدفعه لاتخاذ قراراته ، وهو لا يتحرك من عدم.
ومسعى ترومب واضح ، وهو ليس مندفعا ، ولا مجنونا كما يبدو للكثيرين تسويقه عنه ، بل إنه أتى في لحظة أراد فيها الأمريكان أن يستعيدوا فيها مكانتهم بعد أن بدا لهم أنها تآكلت ، تحت ضغط سياسة بوتين ، التي استعادت لروسيا التي تعتبر نفسها وريثة للإتحاد السوفياتي  مكانتها، فاندفعت في زمن تراجع فيه تأثير بارك عالميا .
إذن للمرء أن يتوقع أن أمر ترومب ليس مؤقتا ، وأنه على ما يبدو من اضطراب أعماله ينطلق من منطق داخلي  خاص به وينال وفاقا شعبيا في بلاده ، يحبه فيه الأمريكان ، ولذلك لا ينبغي أن تعيد الولايات المتحدة  انتخابه للرئاسة  بعد ثلاث سنوات.
لكن إلى أين سيسير بالولايات المتحدة وبالعالم  ، وما هي حدود "جنونه " ، وما هي تأثيرات ذلك.
أولا : فالرئيس الأمريكي سيخضع بموجب انسحابه من اتفاق الخمسة مع إيران ، سيخضع الدولة الإيرانية لحصار حاد ، لا يشملها وحدها بل يشمل كل الدول التي ستتعامل معها ، أو تبيعها سلعها ، وبالنسبة لفرنسا مثلا وهي ليست وحدها فإنها ستخسر صفقة بيع المائة طائرة إير باص الموقع عليها ،  وسيصيب صناعتها للطيران بضربة قاصمة ، كما سيصيب مشروعات ضخمة أخرى لصناعة السيارات  وغيرها ، كانت فرنسا اتفقت مع طهران على إنشائها في بلد فارس بضربة قاصمة أخرى ، في وقت أخذ فيه الاقتصاد الفرنسي يتعافى منذ أن تناوله بالعلاج الرئيس ماكرون  ويحقق بعض الانتعاش ، فالولايات المتحدة بعد سحب توقيعها ، ستفرض على من يتعامل مع إيران نفس فروض الحصار التي تفرضها على طهران ، وبالقياس فإن بلدان العالم في مجال للمقارنة بين علاقاتها التبادلية مع واشنطن ومع طهران لا تشك لحظة في من تختار.
 ثانيا : ستجد طهران مرة أخرى نفسها  بين فكي حصار قاس ، لم تخرج منه إلا بشق الأنفس منذ توقيع اتفاق الحد من محاولات إيران الحصول على السلاح النووي ، وقادة إيران ليسوا في وارد السقوط في مغامرة صدام حسين قبل قرابة 30 سنة ، بالدخول في مواجهة مع واشنطن ، تسعى إليها  كل من إسرائيل والسعودية.
ثالثا : بالعكس فإن السعودية والدول البترولية ستكون مستفيدة من الحصار الجديد على إيران ، لأن المتوقع أن غياب البترول الإيراني ، سيلهب أسعار البترول في السوق العالمية ، ويقدر المراقبون أنها أي الأسعار  ستنتفض من ما بين 60 و70 دولار للبرميل حاليا ، ربما إلى 90 دولارا أو حتى أكثر فتتضخم فاتورة البترول ، ما يصيب النمو الهش الملاحظ دوليا بهشاشة كبيرة ، في المستقبل ، في ما إن الولايات المتحدة لها احتياطي كبير من البترول  يجعلها قليلة التأثر بهذه الناحية كما إن نسبة البطالة فيها تتراوح بين 4 و5 في المائة فقط  ، ولعل هذا الذي سيحدث سينقذ دول الخليج من أزمتها المالية والاقتصادية ، وعجز موازناتها المحتد باعتبار ارتفاع عائداتها  المتوقعة ، باستثناء قطر ، التي ستشهد ولو ارتفع ثمن بترولها وغازها ، شحا في مصادر تموينها الذي كان يأتيها أساسا من تركيا ، وخاصة إيران  بعد أن تم غلق حدودها البحرية من جهة السعودية وتوقف تزويدها من السعودية والبحرين والإمارات ومصر وحتى الأردن والكويت وربما سوريا ولبنان لأسباب سياسية للبعض وجغرافية للبعض الآخر ، فسيصيب الحصار الأمريكي لطهران  ، قطر في صعوبات إضافية على تلك القائمة حاليا ، من حيث تزويدها بالسلع التي توقف مددها عبر حدودها البرية مع جيرانها وباتت تعتمد المصادر الجوية والبحرية.
رابعا وبالنسبة لبلادنا ، فإن هذا الحصار الأمريكي الجديد ، سيرفع فاتورة البترول بالنسبة إلينا ، كما سيقلص من طلبات الصناعات الأوروبية مثل صناعة الطيران وصناعة السيارات التي تعتبر تونس من مزوديها  ببعض مصنوعات الصناعات الميكانيكية والإليكترونية والأنسجة ، وتونس التي حصلت فيها "ارتعاشة" انتعاشة اقتصادية  إيجابية طفيفة في الأشهر الأخيرة ، ربما تواجه مجددا تراجعا، وأوضاعا أصعب مما نرى اليوم ، وتلك قصة أخرى  تحتاج لمزيد المعطيات والتحليلات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق