Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 31 ديسمبر 2015

بكل هدوء : في خضم الحرب العالمية الثالثة والارهاب منطلقها

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في خضم الحرب العالمية الثالثة
تونس / الصواب / 31/12/2015
ونحن اليوم على أبواب سنة جديدة ، فإنه لا مناص من الاعتراف بأننا نعيش في خضم حرب عالمية ثالثة ، بعد الحرب العالمية الأولى التي انطلق أوارها في 28 جويلية 1914  وقتل فيها 9 ملايين فرد ، والحرب العالمية الثانية التي اندلعت في 30 سبتمبر 1939 ومات فيها 60 مليون فرد.
وإذا كان معروفا باليوم وبالســــــــــاعة موعد اندلاع الحربين العالميتـــين الأولى و الثانية ، فإن المراقب لا يستطيع اليوم أن يحدد موعد اندلاع الحرب العالمية الثالثة التي يخوضها العالم ، في الغالب دون شعور منه.
فقد اعتبرت الولايات المتحدة أن 11 سبتمبر 2001 هو منطلق الحرب العالمية الجديدة على إثر الهجوم غير المسبوق على الأرض الأمريكية ، سواء على البرجين التوأمين  لمركز التجارة العالمي (أكثر من مائة طابق) والذي أسفر عن 2977 قتيلا من 93 جنسية مختلفة ، أو على البنتاغون وزارة الدفاع الأمريكية التي تعتبر المكان الأكثر حراسة في العالم ، وفي فرنسا تم الإعلان عن أن البلاد في حرب من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم 23 نوفمبر 2015 بعد العمليات الانتحارية الأربع التي أسفرت عن 130 قتيلا و500 جريح .
ولقد أعقب الهجوم على الولايات المتحدة التي كانت تعتقد أنها محصنة داخل حدودها ، بعيدا عن أن يمسها سوء ، حربان في أفغانستان والعراق كانت نتائجهما كارثية على أمريكا ذاتها وعلى العالم إذ كان من نتيجتهما ، ليس هزيمة أمريكية محققة فقط ، بل إطلاق ردود فعل تمثلت في تدويل للإرهاب ، الذي اعتبر اليوم حربا عالمية ثالثة ، وليس أدل على ذلك من أن الاستنفار العام قد أنطلق في كبريات العواصم الأوروبية والعالمية ليلة رأس السنة الميلادية من باريس إلى بروكسيل ، ومن نيويورك إلى موسكو ومن تونس إلى أنقرة تحسبا من أي عمليات مرتقبة ومفاجئة .
وإذا كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية قامت على فرضيات استعمارية، وباتجاه تقسيم الغنيمة المتمثلة في البلدان المتخلفة أو إعادة قسمتها ، وكذلك تقسيم أوروبا بين معسكرين ، انطلاقا من حقائق تقوم على ثورات سبقت أو لحقت بدايات تلك الحروب ، ابتداء من نظريات ماركسية أو إسلامية ( الخلافة العثمانية في تركيا وتصفية إمبراطوريتها) إلى نازية فاشية، فإن الحرب العالمية الثالثة ،  ومنذ انهيار العقيدة الماركسية بسقوط جدار برلين سنة 1989 ، قد اتخذت لها نظرية جديدة كانت كامنة ووجدت منطلقا لها بتشجيع أمريكي ، قبل أن ينقلب السحر على الساحر.
وتقول الباحثة الفرنسية  الدكتورة مريم بن  مراد ، أن هذه الحرب المتسعة الأرجاء ، تقوم على إيديولوجية ، وهي بالتالي تعبيرا ثوريا ، ولو كان رجعيا ومتراجعا ، وهو يمثل ثورة بأساليبه دون عقيدته ، يستهدف نشر الإسلام "في نقائه الأصلي " كما تخيله بن لادن ، وكما خلفه البغدادي الأكثر تطرفا.
ولذلك كما يبدو فإنه لا يستهدف فقط بلاد الإسلام ، أو التي ينتشر فيها الإسلام  ، بل البشرية قاطبة ، على اعتبار أن النبي محمد جاء حاملا لرسالة لا لقومه فقط،  مثل بقية الرسل والأنبياء  بل للإنسانية قاطبة ، واعتبارا إلى أن الخلافة هي شرط قيام الدولة الإسلامية.
ومن هنا فإن "رسالة " داعش (دولة الإسلام في العراق والشام) ، لا تتمثل فقط في العودة بالإسلام وفق المذهب الحنبلي الصارم أصلا والذي زاده بن تيمية ثم محمد بن عبد الوهاب صلابة على صلابته إلى منابعه وأوامره ونواهيه ، بل وأيضا حمله إلى مناطق لم تكن مسلمة إن "لهدايتها " أو ردا على "عدوانها " في العالم العربي والإسلامي من فلسطين إلى العراق وسوريا ، ثم إفريقيا الساحل ، وامتدادا إلى ليبيا ولم لا تونس والجزائر، فضلا عن مصر عبر سيناء.
وللواقع فإن ما يدعو له البغدادي ، إنما هو امتداد لما يعتبره الثورة التي شرع فيها محمد بن عبد الوهاب في نجد ،  القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ، والذي جاءت العائلة السعودية لتفرضه في الجزيرة العربية ، وتنجح في إقامة دولته وتركيزها بالكامل في سنة 1932 على يدي الملك عبد العزيز آل سعود.
ولكن وكما عرفه الإسلام دوما فإن الانشقاقات هي العملة السائدة ، واليوم وإن كان من نصب نفسه خليفة على المسلمين ، ينطلق من نفس المنطلقات التي اعتمدتها العائلة السعودية ،  فإنه يعتبر  أن العائلة السعودية انحرفت عن الحنبلية الوهابية ،  ولذلك حقت محاربتها هي الأخرى ،  وحقت محاربة المسلمين المنحرفين عن دينهم وفقا للرؤية الحنبلية الوهابية ، وأنهم عادوا كما بشر بذلك سيد قطب إلى الجاهلية الأولى ، فقد عاد المسلمون إلى الجاهلية وينبغي إعادة إسلامهم.
من هنا فإن الكثير من المفاهيم قد انقلبت على نفسها ، ومدلول الثورة قد استعمل في محله وفقا للنظرة التي يبشر بها اليوم البغدادي ، وهي القيام على السائد وتغييره.
وبإعلان الدولة الإسلامية بحوالي 20 إلى ثلاثين ألف مقاتل مدربين تدريبا جيدا ومسلحين بأعتى الأسلحة  ، انطلقوا بتأييد قطري  تركي  رسميا  وجانب من السعوديين ، ويضعون أيديهم على ثروة هائلة ، فإنهم وهذا ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان ، فإنهم ومن الناحية النظرية يقيمون دولة بكل مقومات الدولة كما تحدده النظريات في العلوم السياسية بالسيطرة على أرض ، ووجود السكان ، وتنظيم جيش وإدارة محكمتين.
وبهذه الصفات من نفس "ثوري " وفكر ولو رجعي وأرض وسكان وثروات طائلة، وجيش له عقيدة ثابتة ، يمكن للبغدادي أن يشن حربا عالمية ثالثة ، ليست لها مواصفات لا الحرب العالمية الأولى ولا الحرب العالمية الثانية ، ويبدو أنه نجح في هذه المرحلة  في بث الرعب ، وخلخلة المجتمعات ، وإنهاء حالة الاسترخاء والعيش في ظل أمن وأمان ، وتلك هي خصائص الحروب  وأهدافها ، وخصائص الحروب العالمية عندما تكون شاملة متسعة الأرجاء .
بدأت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وانتهت سنة 1918 ، بفائز ومهزوم ، وانطلقت الحرب العالمية الثانية  سنة 1939 وانتهت  سنة 1945  بمنتصر ومهزوم ، أما هذه الحرب العالمية الثالثة فإنها لم تبدأ في وقت معلوم ومحدد ومتفق عليه ، ولا تبدو لنهايتها آفاق محددة ، فهي حرب غير مألوفة ATYPIQUE.

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

الموقف السياسي: إلى أين هم ذاهبون محسن مرزوق وأنصاره؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
نداء تونس إلى أين ؟
الصواب / تونس/ 21/12/2015
في نفس اليوم الأحد الذي عقد فيه الرئيس السابق  منصف المرزوقي والمجموعة المصاحبة  في قصر المؤتمرات بالعاصمة ، لعله مؤتمرا تأسيسيا ، باسم حراك الإرادة ، ليس مفهوما إن كان على أنقاض حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، أو على أنقاض حراك الشعب الذي ولد ميتا ، في نفس ذلك اليوم انعقد في الحمامات اجتماع سوف لن تتضح أبعاده إلا في 10 جانفي 2016.
ولن نطيل الحديث عن المبادرة الأولى التي جمعت عدا عددا من قدامى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بعد التنظيف من أسماء كانت لامعة ، جمعت  بعض المستقلين وآخرين من أحزاب أخرى وخاصة الجمهوري والتكتل ،  ولو ليس من الصف الأول ، مما سيزيد ضعفها ضعفا وهزالا ، وتجتمع بذلك " قوى " هي في حد ذاتها لا تمثل وزنا كبيرا ،  وفقا لنتائج الانتخابات الأخيرة في خريف 2014.
ولكن سنتطرق ببعض الإسهاب  لاجتماع الحمامات ، الذي لم يفصح عن هويته ، ويكتفي منظموه بالقول عن انسلاخ من الهياكل التي تمسك بتلابيب حزب نداء تونس الذي يرفض حتى الآن تسمية نفسه بالحزب ، بل يكتفي باعتبار نفسه حركة.
وفي إطار السرية المطلقة المحيطة "بتحرك " الخارجين عن هياكل الحزب الحركة ، واعتبار أنفسهم هم الشرعيين ، وأن الذين يسيطرون اليوم على المقرات ليست لهم شرعية ، فإن للمرء أن يتساءل عن الأهداف التي يسعى وراءها "المنسلخون " .
ولعل استنتاجا يبدو سائدا اليوم ، يقوم على أن التاريخ يعيد إنتاج نفسه ، فالذين يسمون أنفسهم منسلخين ومستقيلين من القيادات المتحكمة في نداء تونس ، لا مستقيلين من الحزب نفسه ، يسعون لتكرار تحرك بورقيبة  والأربعة  المرافقين له  في شهر مارس 1934وهم :
-        الدكتور محمود الماطري رئيس
-        الحبيب بورقيبة أمين عام
-        الطاهر صفر أمين عام مساعد
-        امحمد بورقيبة أمين مال
-        البحري قيقة أمين مال مساعد
وقد انتخبوا بعد مؤتمر انعقد في قصر هلال في 2 مارس من تلك السنة بحضور 37 من المؤتمرين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد ، في عملية لسحب البساط من تحت أرجل قيادات الحزب الدستوري الذي كان أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي سنة 1920 ، وفي حركة تجديد ، اعتبرت أن الشرعية مع المنشقين ، وفي إطار ما اعتبره وقتها المنشقون من أنهم يمثلون القيادة الشرعية ، في تحد سافر للقيادات التاريخية.
وإذا كان المحيطون ببورقيبة أو بالأحرى محمود الماطري أول رئيس للحزب المنشق ، الذي خرج على القدامى في ما اعتبر أيامها الحزب الحر الدستوري ( القديم ) قوقعة فارغة.
ولعل المنسلخين يكررون اليوم ما فعله " أجدادهم " المُحدَثين أو هكذا يسعون للظهور ، على أساس أنهم ينتمون للإرث البورقيبي ، بينما الآخرون ينتمون للإرث الثعالبي ، دون التنكر للإرث البورقيبي.
ولكن هل يمكن أن يكرر التاريخ نفسه ؟
لعل هذه هي إستراتيجية مجموعة مرزوق – الحاج علي – العكرمي وغيرهم ممن يسعون لسحب البساط من تحت أرجل ، لا فقط حافظ قائد السبسي / نبيل القروي / رؤوف الخماسي ومن يسير معهم وهم كثيرون.
وإذ ينسب كل شق لنفسه إمساكه بغالبية التنسيقيات ( الأجهزة الجهوية للحزب) فإن حقيقة اللعبة تجري في العاصمة تونس ، وبين قيادات الصف الأول والثاني ، الحائز أغلبها على ثقة الرئيس المؤسس رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، وبالتالي على تأييده وتأييد ابنه ، فالسلطة هنا ، والمنافع هنا.
ويدخل المنسلخون في مغامرة ، لا تبدو لغير المدركين لحقيقة التوازنات مثلما هو حالنا ، سليمة العواقب ، ولكن من يستمع إليهم وإلى حجتهم ،يراهم واثقين من أنفسهم ومن نتيجة مسعاهم.؟؟
وقبل نصف شهر على عقد ما يشبه المؤتمر الذي يخططون له في 10 جانفي ، في نفس فترة المؤتمر الذي دعا له ونظمه حافظ قائد السبسي ، لا تبدو معالم الصورة واضحة ، وإن كانت الكفة تبدو مائلة إلى جهة من يسمون أنفسهم بالشرعيين ،  أي المجموعة التي بيدها أجهزة الحزب ومقراته .
ولكن يبقى هناك سؤالان مركزيان:
أولهما من أين يأتي تمويل هذه التحركات في فنادق فاخرة ومكلفة .؟
وثانيهما ماذا سيكون تأثير كل ذلك على الساحة الوطنية ، وإلى ماذا سيؤدي إليه هذا الانقسام على قاعدة العمل السياسي في البلاد ، و على الأغلبية النسبية التي تعتمد عليها حكومة الحبيب الصيد؟

السبت، 19 ديسمبر 2015

بكل هدوء: الثورة التونسية

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
ثورة 17 ديسمبر
أو ثورة 14 جانفي
تونس / الصواب / 19/12/2015
احتفلت سيدي بوزيد منفردة بذكرى "ثورة" 17 ديسمبر ، التاريخ الذي أحرق فيه طارق البوعزيزي الاسم الحقيقي للشهير بمحمد البوعزيزي ، بما أسمي بثورة 17 ديسمبر 2010.
وستحتفل البلاد في بقية الأنحاء بذكرى هذه الثورة في 14 جانفي المقبل ، ويصر سكان سيدي بوزيد على أن الاحتفال ينبغي  أن يكون على اتصال باندلاع الثورة لا بانتصارها.
وهناك من يقول أن المرحلة الأخيرة للكفاح الوطني انطلقت في 18 جانفي 1952 واعتبر ذلك اليوم هو عيد الثورة ، ولم يقع اعتماد انتصارها بنيل تونس استقلالها في 20 مارس 1956.
وبالقياس فإن اندلاع ثورة هو التاريخ المعتمد للثورة.
لكن الثورات الشهيرة في العالم لم تعتمد هذا المقياس ، فالثورة الفرنسية الأشهر في تاريخ الثورات في العالم ، تم اعتماد موعد نجاحها في 14 جويلية 1789 باحتلال سجن الباستيل للاحتفال بها ، كما إن الثورة البلشفية في روسيا تم اعتماد تاريخ 7 أكتوبر (7 نوفمبر بالتقويم الجولياني المعتمد لدى الكنيسة الأورثوكسية في روسيا) وهو موعد انتصار البلاشفة بقيادة لينين ، كموعد للاحتفال بالثورة. وكذلك بالنسبة للثورة الإيرانية ، التي اعتمد موعد التأريخ لها ، بوصول الإمام الخميني إلى طهران ،  وسقوط النظام الشاهنشاهي.
وإذ احتفلت سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر بعيد الثورة في غياب الرئاسات الثلاث ، لعله بهدف عدم تكريس ذلك التاريخ رسميا كعلامة دالة على الثورة التونسية ، واكتفت الرئاسات الثلاث بتمثيل من درجة ثانية للحضور في تلك الاحتفالات ، وسيبقى أهل سيدي بوزيد مصرين على أن الثورة واحتفالاتها تبقى مرتبطة بموعد اندلاعها ، غير أن بقية الولايات في تونس وعددها 22 لا يبدو أنها متحمسة لذلك ، واحتفالاتها مرتبطة بموعد انتصار الثورة في 14 جانفي 2011 ، التاريخ الرسمي المعتمد ، والذي يعرف احتفالات في بقية أنحاء البلاد.
ولعل التنازل الرسمي الوحيد عدا إرسال موفدين من درجة ثانية لسيدي بوزيد في 17 ديسمبر ، تمثل في استقبال رئاسي لوفد نيابي وشعبي عن الولاية ،  من قبل رئيس الدولة ، تعبيرا عن اعتراف رئاسي بدور سيدي بوزيد الرائد في الثورة.
والظاهر أن سيدي بوزيد ستظل تحتفل كل 14 ديسمبر بالثورة التي تتبناها  باعتبارها عنصرا رئيسيا في اندلاعها ، فيما إن بقية البلاد ستبقى على احتفالها بموعد 14 جانفي ، الموعد الرسمي الذي يصاحبه يوم عطلة رسمية.
والحجة المعتمدة أن كل الولايات أسهمت في انتصار الثورة ، وبالتالي فليست هناك ولاية معينة تحتكرها ، وكانت آخر الدفعات  الكبيرة للثورة في مدينة العاصمة ،  بتلك المظاهرة الجبارة يوم 14 جانفي بالذات ، والتي قد تكون بعثت الرعب  والهلع في قلب الرئيس الأسبق ،  وسبقتها بيومين مظاهرة لا تقل عنها عدديا في صفاقس ،  عدا التضحيات الكبيرة من شهداء وجرحى في مدن سيدي بوزيد ومدن وقرى القصرين  وقفصة وقبلي ومدنين وولايات كثيرة أخرى ، ما زالت تبكي ضحاياها ، الذين سيعترف لهم بما قدموه من تضحيات ، بعد أيام أو أسابيع  عبر تكريم سيأخذ شكل تسمية أنهج وساحات أو نصب تذكارية ، و يعترف لأوليائهم باستشهاد أبنائهم وجبر للضرر الذي نالهم بفقدان  فلذات أكبادهم  ، وذلك في انتظار صدور قائمة الشهداء في فترة قريبة  على الرائد الرسمي كما ينص على ذلك القانون ، وتوقعا لصدور قائمة الجرحى ربما بعد أشهر ،   على إثر نهاية أعمال لجنة بودربالة الثانية التي تنكب منذ عامين ونصفا ، تحت رئاسة الهاشمي جغام أولا ، ثم بودربالة على القائمات المتاحة ، للتأكد من الحالات حالة بحالة ، وحتى لا تسند صفة شهيد الثورة  لمن هو ليس كذلك ،أو صفة جريح للثورة لمن هو جريح بالصدفة.

الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

عالمكيات: فرنسا خطر في الإنتظار

عالميات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
فرنسا : بروفة قبل الرئاسيات
هل يكون ساركوزي خسر السباق قبل بدايته ؟
تونس / الصواب / 16/12/2014
على مدى أسبوعين شدت فرنسا أنفاسها :هل يرتقي الحزب اليميني المتطرف " الجبهة القومية" إلى المستوى الذي يجعله مسيطرا على عدد من الأقاليم الثلاثة عشر ، بحيث يصبح له حضور كاسح على الساحة السياسية .
هذا الحزب الذي يبشر بتوجهات يمينية متطرفة ، من بينها فيما يهمنا عداوة شديدة ضد العرب والمسلمين ، وتحميلهم أسباب البطالة المستشرية في فرنسا والتي لم ينفع معها دواء أي كان من الأدوية التي وصفها "الطبيب النطاسي" الحزب الإشتراكي على مدى الأربع سنوات التي مرت على تولي الإشتراكي فرانسوا هولاند رئاسة الدولة الفرنسية ، فارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى ما يقارب 10 في المائة من قوة العمل المتاحة في فرنسا.
لم تحصل "الجبهة القومية على أي إقليم من الأقاليم الثلاثة عشر ، ولكنها احتلت في الدورة الأولى من الانتخابات على المرتبة الأولى بحيث أصبحت الحزب الأول في فرنسا من حيث عدد المقترعين لها ، بحوالي 28 في المائة من الأصوات متقدمة على الجمهوريين برئاسة ساركوزي ، وخاصة الاشتراكيين  بالرئاسة غير المعلنة للرئيس فرانسوا هولاند.
كان ذلك بفضل تحالف يميني يساري معلن وغير معلن ، أزاح هذه المرة "خطر" سيطرة متطرفة لأقصى اليمين، على عدد الأقاليم بعد أن جاء في المرتبة الأولى في الدورة الأولى من الإنتخابات.
وما زال "خطر" التطرف اليميني قائما ، فهناك انتخابات رئاسية متوقعة بعد 18 شهرا ، تعقبها مباشرة انتخابات برلمانية ، وفي أحسن الاحتمالات فإن الاشتراكيين ومرشحهم هولاند ، يبدون مهددين بالسقوط من الدورة الأولى ، لتحصل مواجهة مباشرة بين مرشح اليمين ( ساركوزي رئيس سابق  أو جوبي أو فيون رئيسا حكومة سابقين).
ومن هنا فإن نتائج  هذه الانتخابات الإقليمية التي لا تعطي الأقاليم صلاحيات حقيقية وفعلية كما هو الشأن في ألمانيا أو إسبانيا ، هي مذاق أول لانتخابات رئاسية وتشريعية مقبلة في أفق قريب جدا ، قد تجعل فرنسا تسقط بين يمين متطرف كما حصل في النمسا أو اليونان ، بعد يأس شعبي كبير من وصفات اليسار واليمين الفرنسي  ، عن حل إشكالات بلد عصي على الإصلاحات وما زال ينحدر يوما بعد يوم.
وإذا لم يكن هناك سباق داخل الحزب الاشتراكي بشأن مرشح 2017 للرئاسة ، فالرئيس القائم هو طبيعيا المرشح الوحيد ، إلا إذا حدث ما يمكن أن يعتبر حادث طريق بالمعنى المجازي ،  رغم المعرفة المسبقة بأن حظوظه في الفوز أقل من ضئيلة ، فكل عمليات استطلاع الرأي تنبئ عن أن شعبيته نزلت إلى من يسبق له مثيل بالنسبة لرئيس سابق ،  فإن السباق على أشده داخل اليمين بين الرئيس السابق وعدد من كبار الوجوه في الحزب الجمهوري الذي يرأسه حاليا ساركوزي، وتدل عمليات استطلاع الرأي أن الوزير الأول الأسبق جوبي هو النجم الصاعد اليوم ، لو حصلت انتخابات في المرحلة الراهنة ، هذا إذا كان هو المعين في انتخابات تمهيدية ، مقرر لها الحصول في شهر نوفمبر المقبل ، ويحاول ساركوزي في محاولة يائسة لتقديمها لشهر فيفري.
ولقد كان يمكن للرئيس السابق ساركوزي (2008/2012) أن يكون متأكدا من تعيينه مرشح حزبه ، لو أنه حقق الاكتساح الذي بشر به في الانتخابات الإقليمية الأخيرة  الأسبوع الماضي ، ولكن نتائج تلك الانتخابات لم تكن وفق مطامحه في نتائجها ، كان وفقا لتقديراته سيسيطر إن لم يكن على كل الأقاليم فإنه سينال 11 منها على الأقل ، ولكنه لم يحصل على النجاح إلا في سبعة منها ثلاثة بفضل ما قدمه له الاشتراكيون  من دعم  في أقاليم ثلاثة خوفا من أن تسقط  في أيدي اليمين المتطرف الذي يخشاه " المجتمع المدني " كما يخشى المجتمع المدني عــــــــندنا " النهضة".
واليوم فإن المستقبل في فرنسا يبدو على ضوء النتائج في الانتخابات الإقليمية الأخيرة ، في غاية الضبابية ، رئيس قائم حظوظه تبدو ضعيفة جدا في العودة لقصر الإيليزي ، ومعارضة يمينية منقسمة لم تحقق النتائج التي توقعتها ، واحتمالات كبيرة في أن تقتصر انتخابات الرئاسة في ربيع 2017 في دورتها الأولى على متنافسين اثنين ليس بينهما الرئيس الحالي الاشتراكي هولاند، بل سيدور السباق على زعيمة اليمين المتطرف " مارين لوبان" وأحد الثلاثة أو الأربعة من زعماء الجمهوري هل سيكون من بينهم ساركوزي أم لا ؟
وإذا كانت حظوظ أول سيدة ستدخل انتخابات رئاسية  في دورة ثانية ضعيفة جدا للوصول للإيليزي ، باعتبار أن الإشتراكيين والجمهوريين سيتحالفان ضد كل منطق لسد الطريق أمامها كما حصل سنة 2002 عندما حصل شيراك على 82 في المائة من الأصوات جديرة بأي بلد متخلف، فإن حظوظها في انتخابات برلمانية لاحقة وبعد أسابيع قليلة من الرئاسيات ستمكنها إذا تواصلت ديناميكيتها من لعب أدوار أولى في حياة برلمانية ، بدون أغلبية واضحة لا لليمين ولا لليسار.
ولا ينسى المرء أن حزب مارين لوبان قد حصل في مجالس الأقاليم بعد الانتخابات الأخيرة ، على358 مقعدا بحيث يكون له دور جد فاعل كمعارضة فيها.
كما لا ينبغي للمرء أن ينسى أن أول من جاء بحزب الجبهة القومية هو الرئيس الإشتراكي فرانسوا ميتران في انتخابات برلمان 1986 عندما اعتمد طريقة التصويت بالنسبية المطلقة ، ليسد الطريق على اليمين وخاصة على شيراك أيامها فانقلب السحر على الساحر.



الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

جائزة نوبل التي حط رحالها في تونس، كان يمكن أن تكون الثانية لولا العهد السابق

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
جائزة نوبل تحط الرحال في تونس
دمعة الفرحة والافتخار
تونس / الصواب/ 15/12/2015
دمعة الفرحة والافتخار نزلت على خدي وأنا أشهد ممثلي تونس يستلمون جائزة نوبل في ذلك الموكب المهيب في العاصمة النرويجية بحضور الملك والملكة ورئيسة الوزراء ، ومئات من الحضور في تلك الأزياء المراسمية الفخمة في بلد حافظ على طقوس تكاد تكون دينية لاحتفالاته حتى المدنية.
وكان لا بد للفائزين الأربعة التونسيين أن يخضعوا لتقاليد معقدة لاحتفالات تسليم جائزة نوبل للسلام التي جرت العادة أن يتم تسليمها في أوسلو ، بحضور الملك (هارالد الخامس حاليا  ) وزوجته (سونجا حاليا ) ورئيسة الوزراء ( إيما  سولبرج حاليا) ، تماما كما الحاضرين ، وقد أعطي الحق للفائزين الأربعة باصطحاب 10 من مساعديهم وممن يرون على حساب الدولة المضيفة ، ولكن أيضا ممن يسعون للحضور بعدد محدود على حسابهم الخاص بمعرفة الفائزين أنفسهم.
وتعتبر تونس خامس دولة عربية تنال جائزة نوبل ( بعد لبنان في الطب والكيمياء وهي الأولى التي افتتحت عربيا شرف نيل الجائزة منذ1949 ) ومصر ( في السلام والأدب والكيمياء) وفلسطين ( السلام) واليمن ( السلام ) وأخيــــــرا تونس ( السلام )،  وعموما فقد تمت دعوة قادة سابقين للمنظمات الأربعة التي رعت الحوار الوطني ، أي عمادة المحامين والإتحاد العام التونسي للشغل ، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
وممن حضروا بوصفهم رؤساء سابقين لمنظمات راعية الحوار عن الرابطة توفيق بودربالة ، الرئيس السابق والرئيس الشرفي ، ومختار الطريفي الرئيس السابق ، وسعد الدين الزمرلي الرئيس السابق والرئي الشرفي ، ولوحظ غياب منصف المرزوقي الرئيس بين 1989 و1994 والذي اعتذر عن الحضور وتقول ألسنة السوء أنه كان يعتبر نفسه الأحق بالجائزة وقد تم ترشيحه لها من جهات معينة في السابق ولكن لجنة الإسناد لم تعتمده.
أما عن اتحاد الصناعة التجارة فقد لوحظ وجود الهادي الجيلاني الرئيس السابق ، وهو الرئيس الوحيد السابق للإتحاد الباقي على قيد الحياة أطال الله عمره.
وعن اتحاد الشغل لوحظ وجود عبد السلام جراد ، ومن الطبيعي أن لا يكون إسماعيل السحباني الأمين العام الأسبق غائبا ، فقد تولى إنشاء منظمة نقابية أخرى، وحق عليه غضب القيادة.
ومن المحامين فإنه لم يلاحظ وجود  العميد شوقي الطبيب رغم أن الحوار الوطني انطلق على يديه ، ولا العميد الأزهر القروي الشابي ولا العميد البشير الصيد ولا  العميد عبد الستار الكيلاني وفق ما أكده محامون كانوا متواجدين.
ومهما يكن من أمر فإن بلادنا أصبح لها موقع قدم في مجال جائزة نوبل لعله يكون مفتتحا ، لجوائز أخرى في مجالات  أخرى ، بعد أن فوت علينا عهد السابع من نوفمبر فرصة الحصول على جائزة نوبل للأدب،  التي كان يمكن أن ينالها الدكتور محمد الطالبي  ، لو رشحته الحكومة التونسية في حينه ، بعدما بدا أن حظوظه وافرة ، ولكنها أحجمت على اعتباره معارضا لها.
ولعل الغائب الحاضر هو الحبيب بورقيبة ، فهو للحقيقة باني الدولة الحديثة ، وهو الذي أورثها معاني التوافق والتضامن الوطني ، منذ أن استقر له الأمر ، بعد إزاحة منافسه صالح بن يوسف منذ أواخر سنة 1956 ، في صراع دام لعل للمؤرخين أن ينتهوا إلى أنه كان صراع مواقع وزعامة أكثر من أي شيء آخر وأنه لم يكن قط صراع أفكار أو توجهات.

fouratiab@gmail.com

الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

عربيات . إعادة نشر لمقال من 2013 واستصراخ لضمير العالم

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
أزمة ضمير
تونس / الصواب / 08/09/2013
عندما اندلعت الثورة السورية قبل حوالي 30 شهرا، اعتبرها المواطن العربي حلقة من حلقات الربيع الذي أهل على الأمة العربية ، وسعى لإخراجها من ظلام الديكتاتورية إلى ضياء الديمقراطية.
 وإن شذ من العرب أولئك القومجيون الذين لم يكن يهمهم حال المواطنين السوريين، وهم يعيشون أقسى أنواع التعسف الذي استمر على مدى 40 عاما تحت حكم آل الأسد، وهو الاسم المستحدث لعائلة النعجة، فإن الغالبية العظمى من أحرار العالم وقفوا إلى جانب الشعب السوري، الذي استبسل في ثورته، على واحد من أعتى الأنظمة وأكثرها ديكتاتورية، لا يقاس بها لا الوضع في تونس ولا في مصر ولا في ليبيا.
واستكثر هؤلاء على السوريين ما ارتضوه لبلادهم، من كسر لأغلال والقطع مع الديكتاتورية.
وكان القوميون يعتبرون أن حكم آل الأسد ، يقف سدا منيعا أمام العدوان الصهيوني، فيما إن الحدود السورية مع إسرائيل ، لم تشهد إطلاق رصاصة واحدة منذ حرب 1973، وأنه بذلك لا يمثل خط الممانعة المنيع ضد المطامع الامبريالية الصهيونية.
ولقد حققت الثورة السورية انتصارات باهرة، رغم التقتيل وتهديم المدن على رؤوس أهلها، والانتقام من المدنيين، خصوصا مع بروز زعامات من المثقفين مشهود لها بالتحرر والنفس الديمقراطي.
وأدى تعسف النظام السوري الأسدي ، إلى انتقال الثورة السلمية إلى انتفاضة مسلحة في مواجهة آلة الدمار الحكومية القاسية.
غير أن الوضع أخذ باتجاه التغيير، بعد أن دخل على الخط جهاز القاعدة، متمثلا في جماعة النصرة، الممول خصوصا من قطر ولكن جهات خليجية أخرى، وتركيا التي لم تنس مطامعها في ارض الشام.
وإزاء تراجع الثورة السلمية، وصعود المتطرفين الدينيين للنصرة الذين يريدون فرض نمط مجتمعي معاكس لرغبة السوريين، بدأت بالنسبة للكثيرين أزمة ضمير.
ما الأفضل : أن يقوم نظام ديني متطرف شبيه بذلك الذي عرفته أفغانستان،أو أن يبقى الحكم الأسدي الديكتاتوري الدموي؟
وبالنسبة لكثيرين ممن وقفوا مع الثورة المدنية الديمقراطية، فإن الخيار واضح لا لبس فيه، وهو خيار الدولة المدنية، حتى وإن كانت بلبوس ديكتاتوري مجرم.
وإنه لمن المؤسف أن تنخرط حكومة بلادنا، في تأييد، مجموعة من الإرهابيين، من شذاذ  الآفاق ، توفدوا على سوريا المسالمة ، ليحولوها إلى حقل لتجارب شبيهة بما حدث في أفغانستان ، وما حاولوا تنفيذه في مصر، وما يحاولون ترتيبه لتونس وليبيا.
وتنتهي أزمة الضمير عندما، تصبح سوريا كل سوريا مستهدفة، سوريا معرة النعمان ، سوريا زنوبيا، سوريا نزار قباني، سوريا شكري القوتلي وصبري العسلي.
لا ألف لا للعدوان على سوريا، لمحاولة إخضاعها.
وليس هناك مجال للاختيار.
هنا لا موقف يعتد به إلا موقف واحد، هو الموقف مع سوريا الشعب السوري المعرض اليوم لعدوان خارجي، مهما كانت المبررات التي يتم سوقها، ويجري تقديمها، صحيح أن الحكم الأسدي يتحمل مسؤولية كبيرة في استهداف شعبه، ولكن لا مبرر مطلقا  لضرب سوريا والعدوان عليها.

fouratiab@gmail.com

السبت، 5 ديسمبر 2015

سانحة : إلى متى تنام الحكومات ، وتعرض الدولة لخطر الإفلاس

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
مسؤولية المواطن
الصواب / تونس/ 05/12/2015
تستعد رئاسة الوزراء  لإدخال تعديلات قيل إنها ستكون واسعة ، في سبيل "إعادة هيكلة الحكومة"، وربما تفطنت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والأحزاب المؤتلفة أخيرا إلى أن الفشل كان ذريعا ، وأنه إن لم يقع شيء فعلي ، في تخفيف الأزمة الموروثة عن حكومات مستخفة ، اشترت الزمن على حساب الشعب ، ونزلت به إلى ما تحت ما كان يقاسيه،  ولم تعند جميعها لمصارحة الشعب بما ينتظره ، فقد جاءت ساعة المحاسبة التي لم يعد منها بد، فالدولة مفلسة أو تكاد ، والموازنة المصادق عليها أو ستتم المصادقة تشكو من عجز لم تعرفه البلاد منذ الإستقلال ، حتى في نهاية حكم أحمد بن صالح ، ولا في آخر حكم محمد مزالي، وهي أي الحكومة مضطرة إلى قرارات موجعة ، تأتي بعد فوات الأوان والتقدير أنها إنما تؤخر الحسم فقط.
وإذ تسعى الحكومة لدفع الناس للإسهام في تمويل تجهيز الأمن و القوات المسلحة تطوعا ، فلن يغيب عن الذهن أن حكومة المهدي جمعة طلبت مددا شعبيا قبل أقل من سنتين ، فتسابق الناس وجمعت في صيغة قرض ما لم تكن تحلم به من سيولة. الحل ليس في ذلك ، وستحتاج الدولة وأقول الدولة عمدا ، ولا أقول الحكومة لأن الدولة هي دولتنا جميعا ، والحكومة هي للقائمين عليها بل الحل في الكف عن التسول ، والاتجاه الصحيح والواضح :
أولا : جمع الضرائب من كل من هو مطلوب منه ، والضرب بيد من حديد على المتهربين ، إن لدى هذا الشعب التونسي نافذة  واسعة (niche)  من التحصيل الضريبي لم تفتحها قط ، وحتى عندما  أقدم الوزير منصور معلى على  بدء فتحها في العام 1972 بقانون مالية محتشم ، سارعوا حكاما وخاضعين متهربين لإغلاقها ، ثم عوقب بعزله.
فكلنا نعرف أين تكمن حقيقة المداخيل وحجمها ، ونعرف أيضا مجموع الامتيازات الموفرة ، ونعرف أن الإدارة التونسية لا تسأل من أين لك هذا ، وهي ترى ثروات ضخمة تتشكل في لمح البصر، وإذ لا بد من تشجيع النجاح فإن الناجحين لا بد أن يؤدوا ضريبة وطنهم الذي وفر لهم الفرصة للثراء ، طبعا بمجهودهم وعبقريتهم ، ولكن أيضا بما توفر لهم من مناخ .
كفى تسولا ، من المعدمين أو أشباه المعدمين ، ولا بد من فتح باب حيث توجد حقيقة المداخيل سواء لدى رجال الأعمال المتلددين بدون ملاحقة ، ورجال المهن الحرة.
لا بد من فرض ـأداءات أيضا على القصور المشيدة والتي تفوق مساحة معينة ، والسيارات الفارهة ، وأحواض السباحة الفردية ، وعلى السفرات المتكررة لغير العمل ، وكثير من نوافذ الدخل الكثيرة التي لم نذكر ، لا بد من فرض الرقابة على شراء العقارات إذا فاقت قيمتها حدا معينا، ولا بد من رفع الأداء على المساكن ، هل يعقل أن يدفع المرء عن شقته واحد من 10 من الأداء البلدي لنقابة العمارة ولا يدفع المستحق عليه لقباضة البلدية ، ويدفع صاحب الفيلا الفخمة أقل مما يدفع صاحب الشقة ، ونريد الإضاءة العمومية ونريد الطرقات بغير حفر ، ونريد النظافة .
ثانيا : الحرب الحقيقية على إرهاب الحركة التجارية والصناعية الموازية ، المرتبطة لحد بعيد بالارهاب فكل منهما يغذي بعضه البعض ، إن الحرب لا ينبغي أن تقوم على الإرهاب وحده بل وأيضا على صنوه النشاط الموازي ، الذي يمثل لا أقل من نصف النشاط في البلاد تحت "حس مس".
ثالثا : لا بد أن يعم الشعور بأننا في مأزق ، وقد وجب على المواطن أن يستهلك تونسيا متى توفرت السلعة والخدمة التونسية ، وأن نكف عن ترف لسنا في مستواه وماذا لو قرر الفرد منا العدول عن السياحة الخارجية ، واكتفينا لسنتين أو ثلاثا  بسياحتنا الداخلية ، نقوم بأودها وننقذها وننقذ أبناءنا من شر البطالة ، ولكن على أصحاب الفنادق أن يعاملوا سائحيهم من التونسيين نفس معاملة السائح الأجنبي وعلى الأخص من ناحية أسعار الاقامات.


السبت، 28 نوفمبر 2015

الموقف السياسي : الخلافة هل ستكون الخصومة القادمة بين داعش والرئيس التركي

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
عندما كانت في تونس دولة
تونس / الصواب / 25/11/2015
عندما كانت في تونس دولة ، مهما قلنا فيها فإنها هي التي أقامت كيانا حداثيا مستنيرا ، استقبل الرئيس الحبيب بورقيبة في أوائل أكتوبر 1985 السفير الأمريكي ، على إثر العدوان الإسرائيلي على حمام الشط ، وهدده بأن تونس ستقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة ، إذا حدث وصوتت بالفيتو على اللائحة المقدمة لمجلس الأمن والمُدينة لذلك العدوان ، وكان أن احتفظت أيامها  واشنطن بصوتها ما مكن من تمرير اللائحة القرار ، وكان الباجي قائد السبسي أيامها وزيرا للخارجية ، وكان هو رئيس الأركسترا الناجحة التي أضافت لتهديد الرئيس بورقيبة التونسي لمسة أخيرة  بالتحرك في الكواليس ، وإذ لم تكن تلك أول مرة احتفظت الولايات المتحدة بصوتها في أمر يهم إسرائيل ،  بعكس ما قيل وقتها وما تم ترويجه خطأ ، وما كتبه قائد السبسي في مذكراته، فإنه كان انتصارا للدولة التونسية،، والعبرة ،، العبرة أن الرئيس بورقيبة ، على ما يجمعه مع أمريكا من علاقات وشيجة، فإنه هدد بقطع العلاقات معها ، وكان يمكن أن يفعل، لأنه لا ينطق عن الهوى باعتباره رئيس دولة من المقام الأول.
مؤكد أن له أخطاؤه وهناته ، ولكنه عرف دوما بأن ما يعزم عليه ينفذه.
أقول هذا الكلام اليوم باعتبار أمر في غاية الأهمية ، وهو أن الدولة التي استقر قرارها منذ 3000 سنة باتت مهددة في كيانها ووجودها ، فالدواعش يريدون لها أن تذوب في خلافة هلامية وهمية ، وأن تمحي و تنتهي ، وهو ما لن نسمح به ولن يحدث ، والذين وقفوا ويقفون مع ووراء الدواعش بالمال والسلاح والتدريب واللوجيستية لن يمروا ولن ينالوا من دولتنا مهما أوتوا من قوة ، ومهما اعتقدوا أننا ضعفاء ، بعضهم لم يكن دولة مطلقا واليوم يأتون ليهددونا في عقر دارنا ، يأتون ليعتقدوا أن مسالمتنا ضعفا.
على قطر أولا دولة وأفرادا أن تمد السلطة التونسية  بقائمة الأموال التي تدفقت منها إلى تونس ، لمن ذهبت  ولمن أنفقت ، فهي الأولى التي جاءت منها الأموال واللوجيستية ، بدعوى مناصرة الدين الإسلامي ، ولا بد من معرفة ، دور السلطة هناك ، وتدل كثير من المؤشرات أن هناك تنظيمات فاعلة في هذا المجال ، تحركت بسخاء حاتمي للتمويل الإرهابي . ولا بد أن تقدم للمجتمع الدولي تقريرا وافيا عن الأموال التي أنفقتها على القاعدة والنصرة وما يسمى بالدولة الإسلامية.
والسعودية أيضا ،  التي تقول مؤشرات أخرى أن دولتها قد لا تكون مورطة في دعم الإرهاب التونسي مباشرة ، ولكنها تبقى  مورطة في دعم القاعدة والدواعش والنصرة  وغيرها ، بصورة فاعلة لإسقاط النظام السوري ، بينما الإرهاب لا يعرف حدودا ، فيما مجموعات وأفراد سعوديون يؤيدون بالفعل والمال هذه التنظيمات الإرهابية  حتى داخل بلادنا ، ووجب أيضا تقديم قائمات لمن ذهبت هذه الأموال مباشرة أو عن طريق سوريا وتركيا وليبيا.
ولن يغيب عن الذهن أن الدولتين تدينان بالمذهب الوهابي المتطرف ، وأن كلتاهما مع دول أخرى وقفت إلى جانب القاعدة والنصرة وداعش لدواعي معاداة الشيعة ،  التي أحكمت سيطرتها على العراق منذ الغزو الأمريكي لبغداد سنة  2003 وبالتالي معاداتها للعلوية الحاكمة في سوريا ، وهي الأخرى فرقة شيعية متحالفة مع طهران.
أما تركيا ثالث الأثافي فيبدو أنها يتقاذفها أمران اثنان :
 1/ الحنين لعودة الخلافة إليها ، ويضع رئيس الجمهورية  رجب طيب أردوغان  وفقا لما يتردد بإلحاح صورة للخليفة العثماني الأول وراءه ، بعد أن كان المكان مخصصا لمصطفى كمال أتاتورك ، باعث الجمهورية التركية على أنقاض الخلافة العثمانية.
2/ثانيهما العداوة المستحكمة ضد المذهب العلوي الذي تدين به السلطة السورية، وهو مذهب شيعي أقلي يحكم البلاد منذ أوائل الستينيات بالحديد والنار. ، وأيضا لحماية التركمان.
ومن هنا فإن تركيا ، تعتبر أكبر دولة مشجعة للإرهاب ، باعتبارها الممر الرئيسي للأفواج الوافدة من بلدان متعددة ، وجدت التشجيع غالبا في بلدانها أيام حكم الإخوان في مصر ،  و أجنحة من النهضة في تونس ، وبعد سقوط الدولة في ليبيا التي اصبحت عبارة عن مجمع عصابات.
وبالتالي باتت سوريا وقبلها العراق مجمع كل التطرف في المنطقة ، ومصدر انطلاق الإرهابيين نحو إفريقيا ونحو تونس والجزائر ومصر عبر ليبيا.
على أن للبلدان الثلاثة لأسباب مختلفة  تتولى ( مع غيرها) تمويل وتدريب ودعم داعش ،  وقبلها القاعدة و جبهة النصرة وفتح أبواب المرور لسوريا ومن سوريا أمامها .
تركيا  بالذات لا تغفر لنظام الأسد ضرب التركمان ( أتراك مقيمين في سوريا وفي تركمانستان التي كانت خاضعة للإتحاد السوفييتي) ،  فيمن ضرب ممن ثاروا عليه خلال الانتفاضة عليه في ربيع 2011 ضمن الربيع العربي ، كما رأت في قلاقل أكراد سوريا خطرا يتهددها ، من الأكراد الأتراك الذين قاموا على الدولة التركية ،  منذ سنوات طويلة والتحموا مع أكراد سوريا وأكراد العراق ، الذين أقاموا كيانا  في عداد الدولة المستقلة عن الدولة المركزية العراقية.
أما السعودية وإن اعتقد بعض المراقبين أن حكومتها لم تتورط ، أو لم تتورط كثيرا في تمويل وتسليح الجهات المتشددة  في سوريا ، فإنها لم تفعل شيئا لردع متطرفيها ، عن  مد يدهم دعما للقاعدة والنصرة وأخيرا داعش،  في إطار ما رأت في قيادات هذه المجموعات  من توجهات دينية متطرفة ، تتوافق مع طبيعة المذهب الحنبلي السائد لدى العائلة المالكة السعودية  ، ويدها المتنفذة  الوهابية هذه الوهابية الحاكمة إلى حد بعيد في الأسرة المالكة.
ومن جهتها فإن قطر المعتبرة دولة مؤتمرة بأوامر أمريكية أكثر من غيرها في المنطقة  منذ انقلاب حمد على أبيه  قبل 24 سنة ، فإن لها أجندتها الخاضعة للولايات المتحدة ، وهي بالتالي تلعب أدوارا معينة في زعزعة استقرار الدول العربية عبر ما اعتبر مخلب أمريكيا أكثر من أي طرف آخر في .
ولقد كانت داعش  التي تسللت من العراق في غفلة من الزمن ، مقبولة غربيا طالما إنها لم تكن تهدد مصالح الغرب ، ولكن منطق الخلافة والتمدد الجغرافي  أبرزها على حقيقتها ، ككيان أو ما يشبه الكيان الذي يسعى للانفلات من كل الضوابط ، بحيث لم تعد مهمته تقتصر على مجابهة النظام السوري ، بل أخذ بتصدير الإرهاب  والتطرف عراقيا وسوريا  ، وداخل وخارج المنطقة من السعودية إلى الكويت إلى تركيا ، مرورا إلى شمال إفريقيا وأخيرا إلى فرنسا ، مع اعتماد قاعدة قارة في بلجيكا ، بحيث بات خطر هذا التنظيم الذي يعتبر نفسه دولة خلافة ، تنافس  على ما يبدو ما يتجه له رئيس تركيا من حلم بإعادة الخلافة الى بلاده ، بعد قرابة قرن على سقوطها ، وأصبح الاتجاه لمحاربته عاما وشاملا ، ولكن مع فروق في التقييم وحرص جماعي على أمر يوحد كل الفرقاء.
فمن جهة تتجه الدول الأوروبية وأمريكا ، إلى محاربته  أي داعش والتنظيمات الأخرى مع إسقاط نظام الأسد الذي يعتبر "نظاما مارقا " ،  وإيجاد بديل له يكون مدنيا ، فيما روسيا التي دفعت بطيرانها بقوة إلى ساحة المعركة ، تتجه للقضاء على كل المقاومة لنظام الأسد ، دون تفريق  بين ما هو تطرف ديني ، وما هو مقاومة مدنية،  حفاظا على ذلك النظام ، باتفاق كامل في ذلك مع إيران وحزب الله اللبناني ، وذراعه العسكرية ،  المصنفة غربيا تنظيما إرهابيا.
وتركيا بالذات لا تنظر بعين الرضا إلى المنحى الروسي  في التدخل في سوريا ، الذي يقصف كل معارضي بشار الأسد بمن فيهم الثائرون التركمان، ولعل هذا ما يفسر إسقاط الطائرة الروسية  من قبل  طيران  أنقرة ،  وهي الطائرة التي ربما كانت تقوم بقصف مناطق أبناء العمومة من الجنس التركي ، داخل الأراضي السورية على الغالب.
السؤال هل سيتوقف التمدد الداعشي والديني المتطرف داخل سوريا والعراق ، ليبحث لنفسه عن مجال آخر ، يبدو أن تركيا اختارت له ليبيا ، ما يمثل خطرا على الساحل الإفريقي وخاصة على تونس والجزائر ومصر؟ والذي  أخذنا نحن نكتوي بناره الحارقة ، مادام تمدده الليبي في تصاعد ، وهو ما دعا السلطة التونسيين لغلق الحدود مع ليبيا وربما الاستعداد لفرض تأشيرة على الليبيين.