Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 31 ديسمبر 2015

بكل هدوء : في خضم الحرب العالمية الثالثة والارهاب منطلقها

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في خضم الحرب العالمية الثالثة
تونس / الصواب / 31/12/2015
ونحن اليوم على أبواب سنة جديدة ، فإنه لا مناص من الاعتراف بأننا نعيش في خضم حرب عالمية ثالثة ، بعد الحرب العالمية الأولى التي انطلق أوارها في 28 جويلية 1914  وقتل فيها 9 ملايين فرد ، والحرب العالمية الثانية التي اندلعت في 30 سبتمبر 1939 ومات فيها 60 مليون فرد.
وإذا كان معروفا باليوم وبالســــــــــاعة موعد اندلاع الحربين العالميتـــين الأولى و الثانية ، فإن المراقب لا يستطيع اليوم أن يحدد موعد اندلاع الحرب العالمية الثالثة التي يخوضها العالم ، في الغالب دون شعور منه.
فقد اعتبرت الولايات المتحدة أن 11 سبتمبر 2001 هو منطلق الحرب العالمية الجديدة على إثر الهجوم غير المسبوق على الأرض الأمريكية ، سواء على البرجين التوأمين  لمركز التجارة العالمي (أكثر من مائة طابق) والذي أسفر عن 2977 قتيلا من 93 جنسية مختلفة ، أو على البنتاغون وزارة الدفاع الأمريكية التي تعتبر المكان الأكثر حراسة في العالم ، وفي فرنسا تم الإعلان عن أن البلاد في حرب من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم 23 نوفمبر 2015 بعد العمليات الانتحارية الأربع التي أسفرت عن 130 قتيلا و500 جريح .
ولقد أعقب الهجوم على الولايات المتحدة التي كانت تعتقد أنها محصنة داخل حدودها ، بعيدا عن أن يمسها سوء ، حربان في أفغانستان والعراق كانت نتائجهما كارثية على أمريكا ذاتها وعلى العالم إذ كان من نتيجتهما ، ليس هزيمة أمريكية محققة فقط ، بل إطلاق ردود فعل تمثلت في تدويل للإرهاب ، الذي اعتبر اليوم حربا عالمية ثالثة ، وليس أدل على ذلك من أن الاستنفار العام قد أنطلق في كبريات العواصم الأوروبية والعالمية ليلة رأس السنة الميلادية من باريس إلى بروكسيل ، ومن نيويورك إلى موسكو ومن تونس إلى أنقرة تحسبا من أي عمليات مرتقبة ومفاجئة .
وإذا كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية قامت على فرضيات استعمارية، وباتجاه تقسيم الغنيمة المتمثلة في البلدان المتخلفة أو إعادة قسمتها ، وكذلك تقسيم أوروبا بين معسكرين ، انطلاقا من حقائق تقوم على ثورات سبقت أو لحقت بدايات تلك الحروب ، ابتداء من نظريات ماركسية أو إسلامية ( الخلافة العثمانية في تركيا وتصفية إمبراطوريتها) إلى نازية فاشية، فإن الحرب العالمية الثالثة ،  ومنذ انهيار العقيدة الماركسية بسقوط جدار برلين سنة 1989 ، قد اتخذت لها نظرية جديدة كانت كامنة ووجدت منطلقا لها بتشجيع أمريكي ، قبل أن ينقلب السحر على الساحر.
وتقول الباحثة الفرنسية  الدكتورة مريم بن  مراد ، أن هذه الحرب المتسعة الأرجاء ، تقوم على إيديولوجية ، وهي بالتالي تعبيرا ثوريا ، ولو كان رجعيا ومتراجعا ، وهو يمثل ثورة بأساليبه دون عقيدته ، يستهدف نشر الإسلام "في نقائه الأصلي " كما تخيله بن لادن ، وكما خلفه البغدادي الأكثر تطرفا.
ولذلك كما يبدو فإنه لا يستهدف فقط بلاد الإسلام ، أو التي ينتشر فيها الإسلام  ، بل البشرية قاطبة ، على اعتبار أن النبي محمد جاء حاملا لرسالة لا لقومه فقط،  مثل بقية الرسل والأنبياء  بل للإنسانية قاطبة ، واعتبارا إلى أن الخلافة هي شرط قيام الدولة الإسلامية.
ومن هنا فإن "رسالة " داعش (دولة الإسلام في العراق والشام) ، لا تتمثل فقط في العودة بالإسلام وفق المذهب الحنبلي الصارم أصلا والذي زاده بن تيمية ثم محمد بن عبد الوهاب صلابة على صلابته إلى منابعه وأوامره ونواهيه ، بل وأيضا حمله إلى مناطق لم تكن مسلمة إن "لهدايتها " أو ردا على "عدوانها " في العالم العربي والإسلامي من فلسطين إلى العراق وسوريا ، ثم إفريقيا الساحل ، وامتدادا إلى ليبيا ولم لا تونس والجزائر، فضلا عن مصر عبر سيناء.
وللواقع فإن ما يدعو له البغدادي ، إنما هو امتداد لما يعتبره الثورة التي شرع فيها محمد بن عبد الوهاب في نجد ،  القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ، والذي جاءت العائلة السعودية لتفرضه في الجزيرة العربية ، وتنجح في إقامة دولته وتركيزها بالكامل في سنة 1932 على يدي الملك عبد العزيز آل سعود.
ولكن وكما عرفه الإسلام دوما فإن الانشقاقات هي العملة السائدة ، واليوم وإن كان من نصب نفسه خليفة على المسلمين ، ينطلق من نفس المنطلقات التي اعتمدتها العائلة السعودية ،  فإنه يعتبر  أن العائلة السعودية انحرفت عن الحنبلية الوهابية ،  ولذلك حقت محاربتها هي الأخرى ،  وحقت محاربة المسلمين المنحرفين عن دينهم وفقا للرؤية الحنبلية الوهابية ، وأنهم عادوا كما بشر بذلك سيد قطب إلى الجاهلية الأولى ، فقد عاد المسلمون إلى الجاهلية وينبغي إعادة إسلامهم.
من هنا فإن الكثير من المفاهيم قد انقلبت على نفسها ، ومدلول الثورة قد استعمل في محله وفقا للنظرة التي يبشر بها اليوم البغدادي ، وهي القيام على السائد وتغييره.
وبإعلان الدولة الإسلامية بحوالي 20 إلى ثلاثين ألف مقاتل مدربين تدريبا جيدا ومسلحين بأعتى الأسلحة  ، انطلقوا بتأييد قطري  تركي  رسميا  وجانب من السعوديين ، ويضعون أيديهم على ثروة هائلة ، فإنهم وهذا ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان ، فإنهم ومن الناحية النظرية يقيمون دولة بكل مقومات الدولة كما تحدده النظريات في العلوم السياسية بالسيطرة على أرض ، ووجود السكان ، وتنظيم جيش وإدارة محكمتين.
وبهذه الصفات من نفس "ثوري " وفكر ولو رجعي وأرض وسكان وثروات طائلة، وجيش له عقيدة ثابتة ، يمكن للبغدادي أن يشن حربا عالمية ثالثة ، ليست لها مواصفات لا الحرب العالمية الأولى ولا الحرب العالمية الثانية ، ويبدو أنه نجح في هذه المرحلة  في بث الرعب ، وخلخلة المجتمعات ، وإنهاء حالة الاسترخاء والعيش في ظل أمن وأمان ، وتلك هي خصائص الحروب  وأهدافها ، وخصائص الحروب العالمية عندما تكون شاملة متسعة الأرجاء .
بدأت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وانتهت سنة 1918 ، بفائز ومهزوم ، وانطلقت الحرب العالمية الثانية  سنة 1939 وانتهت  سنة 1945  بمنتصر ومهزوم ، أما هذه الحرب العالمية الثالثة فإنها لم تبدأ في وقت معلوم ومحدد ومتفق عليه ، ولا تبدو لنهايتها آفاق محددة ، فهي حرب غير مألوفة ATYPIQUE.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق