Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

بعد الانسحاب الامريكي الموعود : سوريا في مفترق الطرق

عربيات


يكتبها عبد اللطيف الفراتي
سوريا التي تبعثرت أوراقها مرة أخرى
تونس / الصواب /24/12/2018،
بعد القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي ترامب ، بالانسحاب المعلن من سوريا ، ما هو حساب الربح والخسارة في هذا القرار .
المصفقون من العرب اعتبروا سوريا هي المنتصرة بعد سبع سنوات أو هي ثمانية من " الحرب الأهلية " المدمرة ، بنتيجتها التي تراوح حسب المصادر بيت 350 ألف و500 ألف من القتلى أي 2 في المائة من السكان ، و6 ملايين مهجر أي 25 في المائة من السكان ، مع دمار في المدن يساوي في أفضل الحالات 50 في المائة من المساكن مع ما يتبعها ،  فضلا عن بنية تحتية تحتاج إلى ترميم شامل.
عرب آخرون ممن وقفوا إلى جانب داعش والقاعدة والنصرة  في مقدمتهم قطر وربما السعودية  ، اعتبروها هزيمة لهم وانتصارا للعدو الألد طهران ، واستذكروا مئات آلاف مليارات الدولارات ، التي "استثمروها "  في تأييد كل أوجه التطرف عبر العالم العربي ،  تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى اليمن إلى  سوريا إلى العراق ، ويبدو أن هزيمتهم كانت فادحة اليوم.
ولعل للمرء أن يقول اليوم أن أحد أكبر المنتصرين هو بشار الأسد  ، والفرقة العلوية التي حكمت سوريا بالحديد والنار منذ بداية السبعينات ، وأن الخسارة كبيرة للشعب السوري الذي تطلع في تلك الأيام لثورة سلمية  في سنة 2011، تقوده مثلما كان مؤملا في  تونس وقتها إلى نظام ديمقراطي ، تسوده قيم الكونية وحقوق الإنسان ، ولكنه جوبه بقبضة حديدية من حكامه وفي مقدمتهم الفرقة العلوية الشيعية التي قوامها 6   في المائة من السكان ، ولكنها تحتكر السلطة في البلاد ، وإذ ربح الشعب السوري شيئا بعد كل هذه المعاناة ، وقد أصبحت بلاده أنقاضا ، فإنما ربح كونه لم يسقط تحت نير نمط مجتمعي ، لا علاقة له بحياة القرن الواحد والعشرين.
ولكن هل ربحت سوريا في حساب الربح والخسارة ، لنذكر أنها اليوم باتت هي ولبنان في قبضة نظام الملالي في طهران ، كما هو شأن العراق ، وربما كما سيكون شأن اليمن الذي  يعتبر اليوم حلبة صراع سني شيعي ، بواسطة طهران أيضا التي جاءت لنصرة الزيديين ،  وهم فرع آخر من فروع الشيعة ، التي تمثل  12 في المائة من مجموع عدد المسلمين في العالم  الذين يقدرون بمليار ونصف مليار ، ولكن أي الشيعة  تبدو  طموحاتهم كبيرة ، وفي مقدمتها السيطرة على الأماكن المقدسة أي مكة والمدينة والقدس.
فبعد أن استكملت إيران سيطرتها على العراق ، الذي تبلغ فيه نسبة  الشيعة الإثني عشرية 65 في المائة ، وبعد أن استكملت السيطرة على لبنان عبر حزب الله ، ها إن الولايات المتحدة تترك لها المجال واسعا للسيطرة على سوريا ، مباشرة ، أو عن طريق الأقلية العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد وغالب القادة الكبار السوريين.
غير أن ابتلاع سوريا من طرف طهران لن يكون بالأمر الهين ، وذلك لسببين اثنين :
1)  أنه إذا كان العراق يتميز بأغلبيته الشيعية التي ينصرف جزء من ولائها لحوزة قم وملالي طهران  أكثر من النجف وكربلاء وبغداد ، فإن غالب الشعب السوري هو من السنة ، وجزء منه من المسيحيين على مختلف نحلهم ، أضف إلى ذلك أن بها أقلية كردية نشيطة ، تطمح لحكم نفسها بنفسها ،  اكتسبت في ظل حرب السنوات السبع أو الثماني نوعا من الاستقلال الذاتي لن تفرط فيه ، وتعض علية بالنواجذ  ، وإن كان مهددا بعدوان تركي أردوغاني ، خوفا من عدواه على أكراد تركيا ، المتمردين على حكم أنقرة.
2)  ثانيهما أنه ولو بقي الحكم الأسدي متواصلا في سوريا ، فإنه سيسعى بحكم إيديولوجيته لعدم الصدام مع العالم العربي ، الذي يعادي جانب منه سقوط سوريا لا في خانة تركيا ذات مطامع عودة الخلافة ، ولا حكم طهران الشيعية التي تسعى لوضع الأماكن المقدسة الاسلامية تحت مظلة أهل البيت.
وفوق هذا وذاك فإن روسيا لا ترى في سوريا بلدا تحت جناح آخر غير جناحها وهي التي أنقذت الأسد وحكمه ، بتدخلها الحاسم منذ 2015 ، ما حال دون الدواعش والآخرين من دخول دمشق وإقامة دولة الخلافة ، التي كان يطمح لها أيضا أردوغان ، الذي يهزه الحنين للخلافة العثمانية التي سقطت منذ قرن ، وهناك أضغاث أحلام برجوعها ، تحت لافتة أنقرة ، بدل الآستانة .
fouratiab@gmail.com


الأربعاء، 19 ديسمبر 2018

الموقف السياسي : شهر كل الأخطار ، والنظرة القصيرة

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
المأزق التعليمي يستقطب وقتيا ؟  والأخطر في الطريق
تونس / الصواب / 19/12/2018
في حالة ما إذا تواصل الشد والجذب بين وزارة التعليم وجامعة التعليم الثانوي ، وهو في حقيقة الأمر بين الحكومة ككل ووزارة المالية خاصة ، وتلك الجامعة ( وربما قيادة اتحاد الشغل رجل هنا ورجل هناك) ، فما هو مرشح للحدوث خاصة إذا لم يوجد حل واستمرت المقاطعة ولو الجزئية لعدم إجراء الامتحانات لثلاثية أخرى أو  للثلاثيتين المتبقيتين   إلى آخر السنة .
وإذ عدنا القهقرى بالتنازل المذل عن إصلاح مهم للوزير الأسبق ناجي جلول
بما فيه اعتماد السنة النصفية بدل الثلاثيات تبركا  ، بما هو معمول به في فرنسا التي لا يعد التعليم فيها  في أحسن أحواله أو  متقدما ، فضلا عن إصلاحات أخرى تقدمية ، والحرب الإخوانية ضده ( أي الوزير ) ،  والهجمة  المعلنة من  غالبية من رجال التعليم المتشبثين بعدم الإصلاح  ، فذهب على مذبح الإرادة  الديماغوجية ، في بلد عصي على الإصلاح يعشق  القائم من الأشياء ولو اتضح فساده أو عدم مسايرته للعصر.
وإذا لم يجر تأدية امتحانات الثلاثي الأول مباشرة بعد العطلة الشتوية المرتبطة حقيقة ببابا نويل ورأس السنة الميلادية ، فإن الوضع لن يخرج على اثنين من الاحتمالات أحسن خياراتهما سيء.
الاحتمال الأول هو المتمثل في اعتماد سنة بيضاء أي بعبارة أخرى الاستمرار في السنة ، وهو أمر عدا تكاليفه الباهظة على ميزانية الدولة  حيث عليها أن تتدبر    ما تواجه به كلفة تزايد في عدد التلاميذ ة غير مبرمجة ولا محسوبة ، فضلا عن الظلم الذي يحيق بالتلاميذ والعائلات التي تتمنى أن ترى أبناءها يرتقون بصورة طبيعية من سنة إلى أخرى .
والاحتمال الثاني هو اعتماد الارتقاء الأوتوماتيكي ، أي ارتقاء كل التلاميذ مهما كان مستواهم التحصيلي من المعارف  ( بما فيه من قلة عدالة في الحظوظ ) ، وهو أمر ممكن حتى البكالوريا ، التي لا بد من اجتيازها والنجاح فيها ، لأنها مفتاح الولوج للتعليم الجامعي سواء في تونس أو الخارج.
ولقد تفطنت بعض العائلات التونسية نظرا لعدم استقرار سير التعليم في تونس ، للأمر فحرصت على إعطاء جرعات  إضافية من اللغة الفرنسية والحضارة الفرنسية  خلال سنوات الثانوي ، ومكنت أبناءها من اجتياز امتحان الباكالوريا الفرنسية في مستوى الثالثة ثانوي في نظامنا التعليمي التونسي   والنجاح فيها  مع ربح سنة كاملة ، هذا فضلا عما يسجل سنويا من هروب من المدرسة العمومية التونسية نحو القطاع الخاص أو المدارس الأجنبية ، نأيا بالأبناء عن اضطراب التعليم في المدرسة العمومية التونسية ، وإن كان هذا الأمر يبقى هامشيا باعتبار كلفته العالية التي لا تقدر عليها غالب العائلات.
ما هو الحل والحكومة تتعلل بالتزاماتها الخارجية التي لولاها لما أمكن خلاص أجور الموظفين طيلة سنوات ومنذ 2011 ، والنقابة تتعلل بضرورة معادلة مرتبات رجال التعليم ببقية الموظفين الحائزين على نفس الدرجات العلمية ، وهو أمر حق ، فرجل التعليم بقي من هذه الناحية في أسفل السلم مقارنة ببقية الموظفين المماثلين مستوى علميا ، والسلطة تتعلل بالتزامات لبقاء التأجير في مستواه أي في نفس النسبة بالقياس إلى حجم موازنة الدولة ، التي لا ينبغي لها أن تنزلق فوق ما انزلقت في الثماني سنوات الأخيرة ، ويهمس البعض من الاخصائيين  سرا ودون التصريح بذلك بأن رجال التعليم  نالوا زيادات مقنعة خلال الأربعين سنة الأخيرة تمثلت في تخفيض في ساعات العمل إلى حدود النصف في بعض الحالات ولو الشاذة ، ولكن الموجودة خاصة في الابتدائي ، وهو تخفيض في ساعات العمل له كلفته على الميزانية ، فيما إن عدد رجال التعليم يمثل النسبة الأعلى ومن بعيد بين الموظفين ، وأن كل زيادات تشملهم تكون تكاليفها عالية جدا ، وأن رجال التعليم في تونس يعملون مقارنة مع البلدان المتقدمة أقل بكثير من زملائهم فيها.
غير أن هذا لا يمكن الاحتجاج به أمام ضرورة  المساواة في الأجر بين مواطنين يحملون نفس الدرجات العلمية على الأقل في الوظيفة العمومية ، ما دامت بلادنا اختارت ومنذ الاستقلال النظام الأسوأ في التأجير ، وهو النظام التراتبي régime de carrière      المعمول به في فرنسا ، بدل نظام الكفاءة والمردود المعتمد في الدول المتقدمة ،  نحن نؤمن ونستعمل نظام ( مسمار في حيط )  المعتمد على الأقدمية والتدرج ولا يقيم وزنا إلا للشهادة العلمية ، لا للمجهود المبذول وارتقاء الكفاءة.
**
ولعل الخوف كل الخوف من الأخطر على الطريق ، البلد كله يبدو لي على كف عفريت ، ماذا تخبئه السنة الجديدة الوافدة ، وماذا يخبئه شهر جانفي شهر كل الأحداث في تونس ، لعل ما ينتظرنا أخطر من قضية أجور رجال التعليم التي يبدو أن 200 ألف من أساتذة ومعلمين وإطار إداري يلتفون حولها ، ماذا ينتظرنا وقد بلغ الاحتقان الأوج ، في غياب إحساس طبقة سياسية مهتمة بصراع الدنكيشوات ، بحقيقة ما يعتمل ، وهي غير عابئة بأن البلاد كلها تئن في غياب الدولة ومنطق الدولة، والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ؟؟؟؟؟؟؟؟
fouratiab@gmail.com

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

عالميات : فرنسا على خيط رفيع : هل ينقطع ؟

عالميات

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
فرنسا التي تعيش فوق إمكانياتها
في عين الإعصار
تونس / 11/12/2018
اليوم لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما سيكون عليه الحال في فرنسا  وخاصة في باريس يوم السبت المقبل ، وهل إن السترات الصفراء ستتجند لاستكمال ما بدأته من تخريب لا فقط للمقدرات الفرنسية ، بل لسمعة فرنسا العالية كدولة متقدمة تتمتع بمجتمع مدني عالي القدر والمقدار ، خاصة في ظل العملية الارهابية في سترازبورغ .
بعد خطاب الرئيس ماكرون مساء الاثنين ، وجزء التهديد (العصا ) وجزء التنازلات ( الجزرة ) ، وجزء المجاملة والاعتذار عما سبق أن بدر منه من "تعالي " ، المفروض أن تهدأ الأمور ، وينصرف الفرنسيون للإعداد للأعياد  المجيدة ، عيد ميلاد المسيح ، ورأس السنة ، ولكن الحذر واجب ، والقيادات الفرنسية تضع يدها على قلبها خوفا من احتمالات انفلات جديد.
التنازلات التي قدمها الرئيس ماكرون كبيرة تقدر بما بين 10 و15 مليار يورو، تتمثل في نقص في الموارد ، أو نفقات لم يكن محسوب لها حساب في الميزانية ، من شأنها أن تدفع الدولة الفرنسية لزيادة التداين ( 104 في المائة حاليا من الناتج) للمقارنة بتونس 72 في المائة من الناتج ، وخاصة أن ترهن المشاريع الإصلاحية التي خطط لها الرئيس الفرنسي  ، للخروج بالدولة الفرنسية عنق الزجاجة الذي تعاني  منه منذ 40 سنة ، ففرنسا بعكس ألمانيا وبريطانيا العظمى وحتى إيطاليا وإسبانيا عصية على الإصلاح .
فرنسا بعد السنوات المجيدة الوفيرة (1945/1975) التي حققت فيها نسب نمو عالية ، مكنت من فتح أبواب الجنة الأرضية  l’état providence  لمواطنيها، أخذت مثل الكثير من الدول الغربية تمر بفترة انحسار لطيب العيش ووراء ذلك سببان اثنان في نظرنا  :
أولهما ، أن الهبة السماوية التي كانت متمثلة في استغلال خيرات البلدان المولى عليها ، والتي استقلت في سنوات الخمسين والستين ، قد أخذت في النضوب ، فقد ارتفعت أسعار البترول والفوسفاط وبقية المواد الخام التي كانت تنالها تلك  البلدان بسعر التراب  من مستعمراتها السابقة ، فاهتزت التوازنات .
وثانيا السياسات السخية التي اتبعتها حكومات اشتراكية ، غير عابئة بالحقائق الاقتصادية ، فقد خفض الرئيس ميتران في بداية عهده سن التقاعد من 65 إلى 60 سنة وكان لذلك تأثير سيء على الصناديق الاجتماعية التي اضطرت ميزانية الدولة لإسعافها فضلا عن هبوط في انتاجية العمل ، في وقت ارتفع فيه مؤمل الحياة ، وقامت الحكومة الاشتراكية بتأميم المؤسسات المالية فانهار الوضع الاقتصادي ، وأمام هذا الوضع  الديماغوجي الذي رحبت به أغلبية الشعب الفرنسي ، فأعادت انتخاب ميتران لولاية ثانية ، اضطر هو نفسه لوضع حد لسياساته الاقتصادية الشعبوية ، وصرف رئيس حكومته موروا وعين مكانه لوران فابيوس  المتسم بالاعتدال في توجهاته الاشتراكية ، غير أن دق مسمار الرحمة في الاقتصاد الفرنسي ، جاء في عهد رئيس حكومة التعايش التي ترأسها الاشتراكي الآخر جوسبين  ، الذي أقدم على تخفيض ساعات العمل من 40 ساعة في الاسبوع إلى 35 ساعة ، ومنذ ذلك الحين اختل توازن الميزان التجاري الفرنسي ، الذي كان يسجل فائضا كبيرا ، فانهارت الصادرات  نتيجة قلة القدرة التنافسية ، واختل كل شيء وتبع ذلك اختلال موازنة الدولة المالية ، والاضطرار إلى اللجوء للتداين إلى حد بلوغ حجم الدين 104 في المائة إلى الناتج ، وارتهان مستقبل الأجيال اللاحقة ، إضافة إلى عجز الاقتصاد الفرنسي الذي كان في قمة ازدهاره حتى العام 1980 على خلق الكفاية من الثروة الكفيلة ، باستصفاء حجم معقول للاستثمارات ، ما أدى لتفاقم بطالة تحولت إلى وضع هيكلي ، كما العجز عن توفير رفاهة تعود عليها الفرنسيون وجاءت قرارات خلال الأربعين سنة الأخيرة لتكسر عودها.
**
في هذا الظرف جاء انتخاب الرئيس ماكرون قبل عام ونصفا ، والذي وعد بتقويم حالة الاقتصاد الفرنسي على مدى 5 سنوات ، باستعمال أدوات معروفة تحتاج إلى تضحيات وصبر غير أن ما فاته ،  هو أن الشعب الفرنسي ليس كمثال الشعب الألماني صبرا وجلدا ، وأنه عصي على الإصلاح تماما كشعبنا التونسي وبقية الشعوب المتوسطية ، ومن هنا جاءت حركة السترات الصفراء ، واضطر الرئيس ماكرون لتنازلات مؤلمة ، والتراجع عن إصلاحاته في العمق بالاستجابة إلى طلبات على المدى القصير ، ترهن برنامجا طموحا على المدى المتوسط والطويل ، وإبقاء فرنسا في وضعها السيء ، الذي تتدحرج "بفضله " من خامس قوة عالمية إلى ما دون ذلك.

الاثنين، 22 أكتوبر 2018

سانحة : فضيحة السعودية

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
مبروك للسعودية التحاقها بالدول المارقة
تونس / الصواب /22/10/2018
عندما دقت الطبول في الجزيرة والقنوات التركية والميادين وغيرها ، معلنة اغتيال جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول ، تريثت حتى أعرف حقيقة الحقيقة ، فكل تلك وغيرها لا تتمتع بأي مصداقية ، وإذ تعلمت منذ وقت طويل ، أن الخبر أي خبر في حاجة إلى تأكيد ، وأن الأخلاق المهنية الصحفية ، تحتاج مني إلى تثبت ، ففي موقعي لست في حاجة للجري وراء الخبر قبل أن أتأكد وأطمئن.
وإذ كنت أعرف من زمن طويل أن السعودية ليست رئيفة مع معارضيها ، فإني كنت أيضا معتقدا أن القيادات السعودية ليست من الغباء لملاحقة وقتل مثل أولئك المعارضين في وضح النهار وفي الخارج ، على شاكلة ما كان وما زال يفعله الإسرائيليون   وما كان يفعله القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد وابنه وقادة إيرانيون وروسيا وغيرهم ، وحتى قادة  قطر وتركيا  بمشاركة سعودية، وهم   الذين زرعوا الإرهاب في بلادنا  وفي غيرها ، ودفعوا طائل الأموال ، وقاموا بتسفير شبابنا وبناتنا لبؤر التوتر.
ولم أكن أثق لا فيهم ، ولا في إذاعاتهم وتلفزيوناتهم  والصحف المؤتمرة بأوامرهم، هم والذين يحركون قناة العربية والميادين والمنار والعالم وغيرها ، والذين لا تهمهم الحقيقة بل يهمهم فقط الكيد لبعضهم البعض ، فيتخذون من بسطاء الناس رهائن لدعاياتهم الممجوجة ، التي تقف وراءها أجندات سياسية ، أبعد ما تكون عن الموضوعية أو الحيادية أو خدمة الحقيقة.
وإذ كان التأكد مطلقا بأن السعودية بينها وبين حقوق الانسان ملايين من السنوات الضوئية ، فلعل ما أقدمت عليه في المدة الأخيرة يتجاوز حدود العقل لا فقط في فظاعته ، ولكن بالخصوص في غبائه ـ والاعتقاد الجازم لفاعليه بأنهم فوق المساءلة ، وأنهم بقوة بلادهم المالية ، ووضعها الدولي كتابع لأمريكا يستطيعون النجاة بجلودهم ، وقد انفضح أمرهم ، ولا نقصد التابعين المنفذين مقابل بضعة ملاليم ، والذين  تم تقديمهم اليوم قربانا على مذبح غبائهم ، بل الذين دبروا بليل من مواقعهم " العالية " وما هي بعالية ، جريمة انكشفت خيوطها ، و فضحتهم في "عليائهم " بكل زيفها، وغبائهم .
قتل خاشقجي ، ويحز في نفسي كإنسان ذلك القتل  ويحز في نفسي كحقوقي يقدس الحياة والروح البشرية  والسلامة الجسدية ، ولكن يحز في نفسي أيضا  وأكثر أني عرفته كزميل في جريدة الشرق الأوسط أو إحدى نشراتها ، كما تعاملت معه  من تونس ، عندما فتح صحيفة "الوطن" حيث اصطفاني كمراسل ، ولم يستمر طويلا فيها  ، واستبعدت مع من استبعد ممن كانوا يعتبرون مقربين منه ، ولم أكن مقربا   منه ولا صديقا  بل مجرد زميل ، ولكن لعله قدر  مهنيتي فقط فدعاني لأعمل معه.
فقدت الصلة بخاشقجي منذ مدة طويلة ، ولكن طريقة  تصفيته  ، تؤلم الحجر ، وهذا الصلف السعودي الرسمي  (لا أتهم الشعب السعودي فأنا أمج التعميم )، لا يدل على أن هؤلاء   القتلة هم القوامون على المقدسات الاسلامية ،  وتصرفهم هو هذا التصرف ، وسواء اعترفوا أو لم يعترفوا فسيماهم على وجوههم ،  تأكيدا ليس من أثر السجود.


الاثنين، 8 أكتوبر 2018

الموقف السياسي : تحديات السنة السياسية الجديدة


الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
سنة سياسية جديدة
هل تحمل متغيرات عميقة ؟
تونس / الصواب/07/10/2018
بدأت السنة السياسية الجديدة في أجواء مصابة بتطورات " موبوءة" لم تكن في الحسبان ، فمنذ أشهر بدا أن العلاقات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أي رأسا  سلطة تنفيذية برأسين ، قد اشتعل لهيبها ، فقد تمنى الرئيس الباجي قائد السبسي أن يستبدل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، برئيس حكومة على ذوق ابنه حافظ قائد السبسي ، الذي استعصى عليه الشاهد وعلى مطالبه ، مثلما كان الأمر قبل عامين ونيف عندما ساءت العلاقة بين رئيس الحكومة الحبيب الصيد ، وابن رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي ، غير أن الشاهد الذي تعلم من التجربة ،
 و استمرأ المنصب ، واستعد مبكرا  بعد تنصيبه  لكل طارئ ، وبعد الدور الذي لعبه في وضع ابن الرئيس على رأس الحزب الأول في البلاد  على شاكلة  أحزاب البلدان غير الديمقراطية ، وفي إطار تبادل الهدايا  دفع الشاهد حافظ قائد السبسي إلى قيادة حزب تم تغييب كبار مؤسسيه ، فنال كجزاء رئاسة حكومة قيل وقتها إنها ليست على مقاسه وأنه ليس من حجمها ، وسارت معه حركة النهضة في غير حماس إرضاء للوالد وعملا بالتوافق ، وما يتطلبه من تنازلات المفروض أن تكون متبادلة ، وبدا اليوم على لسان قيادات نهضوية ،  أن مسايرة عزل الحبيب الصيد كانت خطأ فادحا ، ما يفهم منه أن طلبات ابن الرئيس ليس لها نهاية ، وأنها ليست دائما مقبولة.
تمنيات رئيس الجمهورية بصرف رئيس حكومته الذي لم يعد من ذوق ابنه ، اصطدمت بصخرتين ، الأولى هي صخرة الشاهد نفسه الذي يبدو أنه استعد مبكرا للاحتمال ، وهو أعرف بتقلبات ابن الرئيس ، ومطالبه  التي ليست لها نهاية والتي اعتبرها شاذة وغريبة farfelus، أما الثانية فجاءت من الحليف التوافقي ، ظاهرها الحفاظ على استقرار الحكم ، وباطنها الدفع لانفجار نداء تونس  من الداخل ، أو ما بقي من نداء تونس من الداخل ، بعدما بدا من أن الشاهد ليس تلك اللقمة السائغة للبلع ، وبعد ما حملت كل الجهات سرا أو علانية أسباب الهزيمة في الانتخابات البلدية ومسؤوليتها  ، لحافظ قائد السبسي لولا طوق النجاة الذي وفره له  أبوه الرئيس.
في هذه الاجواء المتعكرة تدخل سنة سياسية جديدة ، تتسم بعلاقة منعدمة أو تكاد بين رئيس البلاد ورئيس حكومتها ، وتتسم بنهاية وفاق بين النهضة والنداء ، وفقا لاستنتاج رئيس الجمهورية ، وهو في الحقيقة وفاق متواصل ولكن قائم على عكازين اثنين ، أحدهما الشاهد الذي اعتمد على كتلة برلمانية تعتبر الثانية حاليا بعد تدحرج كتلة النداء إلى مرتبة ثالثة ، رئيس الجمهورية يعتبر أن رفض الغنوشي صرف الشاهد ، والانتصار له يعلن عن الخلاف الذي أعده حافظ ، وهو قطع لخيط التوافق ، والغنوشي فوق أنه لا يرغب في صرف  الشاهد والإبقاء على الاستقرار الحكومي ، يخشى من أن يأتي  الرئيس برئيس حكومة ليس من ذوقه ، ما دام السبسي لا يريد أن يفصح عن مرشحه مكان الشاهد ، ولعل أخشى ما تخشاه النهضة تعيين رجل مثل وزير الداخلية السابق لطفي  ابراهم ، الذي يعتقد أنه لا يخفي مناهضته للنهضة وتعامله مع أعدائها في السعودية والإمارات ، والذي تردد كثيرا أن تنحيته من موقعه من طرف الشاهد ، إن لم يكن بطلب صريح من قيادات النهضة ، فلعله استجابة خفية لها في غمزة  من الشاهد للإبقاء عليه في موقعه رغم إرادة الرئيس قائد السبسي ، ومما يزيد في هذا الاعتقاد التسريبات الأخيرة ، الصادرة عن هيئة الدفاع بشأن اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، وهي تسريبات أقل ما يقال فيها أن ردود  النهضة عليها لم تكن لا حاسمة ولا مقنعة وأنها حشرتها في ركن ضيق ، وهي إن كانت صدرت عن جهات قريبة من الجبهة الشعبية ، فإنها وفي هذا الوقت بالذات لم تشهد دفاعا من الشريك الآخر للنهضة في التوافق ، حيث تم تركها أي النهضة في الواجهة وحدها ، فهل جاء الوقت للعمل بمقولة لنائبة في مجلس النواب " تعري نعري " ما يعني أن لكل طرف له ما يكشفه إزاء الطرف الآخر ، وأن الستر هو سيد الموقف ، وبعد التسريبات ، هل ستتحرك العدالة للتأكيد أو النفي الجدي ، وهو ما يمكن أن يذهب إلى بعيد ، أو ينهي بصورة نهائية ما يتردد ، إذا أخذ القضاء بصورة جدية الأمر تقطع مع ما كان سائدا ربما لقلة الأدلة ، وربما لعدم ضم المعطيات  إلى بعضها البعض.
والبعض من اليائسين من القضاء ،  يقول إنه إن لم تحسم  العدالة ، فإن قناعة شعبية كافية للإدانة أو التبرئة حسب المواقع ، وإن عدالة السماء  تبقى هي الملجأ .
رسالة لطفي زيتون وهو القيادي في النهضة  إلى قيادة النهضة ، ومواقف منار إسكندراني تحمل صيحة فزع ، إذ مفادها أنه لا بديل عن التوافق مع رئيس الجمهورية ، خصوصا مع ما يتردد بصورة متناقضة ، من أن الإخوان المسلمين بمن فيهم النهضة ، بصدد خسران مواقعهم على الساحة الدولية ، مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من تداعيات قطرية ، فماذا لو رفع الغطاء المتعاطف خارجيا عن النهضة أو اعتبر دورها منتهيا؟
في هذه الأجواء تبدو السماء ملبدة بالغيوم ، و" الشيخ " الغنوشي يبدو أنه  لا غنى له عن السبسي على الأقل في هذه المرحلة  ، و" الشيخ السبسي " يبدو أنه لا غني له عن رئيس النهضة ، فيما تواصل النهضة في هدوء سياسة التمكين ، في انتظار أن تسفر الانتخابات المقبلة بعد حوالي عام عن نتائجها المتوقع أن تكون لفائدتها  ، بسبب تشتت ما يسمى بأحزاب "الإستنارة" ، المصابة بداء الانقسام  والتشرذم داخليا وخارجيا ، ماذا سيكون موقع يوسف الشاهد في كل هذا ، وهل هو قادر على مسك خيط رابط وناظم بين 51 نائبا ينتمون إليه ، مرشح أن يزيد عددهم في كتلة تنتسب له رغم كل محاولات النفي،  وتجد جذورها يوما بعد يوم على حساب  كتلة نداء تونس ، الذي يغادره كل يوم فوج جديد ،  كما لو كانوا يهربون من مركب غارق . هل يمكن أن يضحي السبسي  بابنه ، الشرط الأساسي المطروح لاستعادة حزبه وحدة صفوفه وقدرته على الفعل ؟
 التصور الأول والسائد أن الشاهد ليس من وزن لا السبسي ولا الغنوشي ، ولا يملك دهاء لا هذا ولا ذاك ، وهو عبارة عن ظاهرة إعلامية ستعود إلى حجمها الطبيعي  متى تفطن رئيس الجمهورية ،  وعاد إلى حقيقة الأوضاع عبر التغييرات في القمة التي سيدخلها على الحزب الذي أسسه ، بمحاولة استعادة شخصياته المرموقة المؤسسة les ténors   ، ولكن هل يبقى ذلك في مجال التمني ، وهل تعود النهضة لاستلام الحكم مجددا  بعد الانتخابات المقبلة ، ومع من ، وهل ستتواصل سياسات التمكين التي  مارستها  زمن الترويكا وبعدها. ؟
لا شيء بات يمنع ذلك.


الخميس، 27 سبتمبر 2018

سانحة : ..واختلطت الاوراق

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
لماذا تحدث الباجي قائد السبسي
تونس / الصواب / 26/09/2018
الحديث الصحفي أو الحوار الصحفي أو المقابلة الصحفية ، تخضع دوما في الأعراف الصحفية إلى أحد منطلقين اثنين :
أولهما أن يكون للصحفي فضول لتعميق معلومات أو تحاليل ، يقدر أن المسؤول أي متلقي الأسئلة ، سيميط اللثام عن عناصر جديدة يمكن أن تثير اهتمام المتلقي ، وعادة ما يكون (المسؤول ) هنا ، شاعرا بأن له ما يريد أن يقوله، ولذلك يقبل أن يضع نفسه تحت المجهر.
وثانيهما  أن يكون المسؤول ، وبكل المعاني في حاجة لتبليغ رسالة معينة .. خطاب معين .. فيعمد لاختيار الوسيلة الاعلامية ، التي يرى أنها الأفضل لتبليغ تلك الرسالة ، ويبادر بالتوجه إليها.
وفي حالة الحوار الذي أجرته قناة الحوار التونسي ، قبل ليلتين مع الباجي قائد السبسي ، فإننا نميل حسب الخبرة التي اكتسبناها طيلة نصف قرن من العمل الصحفي ، وإجراء مئات الأحاديث الصحفية ، إلى الاعتقاد ، بأن الباجي قائد السبسي هو الذي كان وراء المبادرة ، عادة وفي مثل هذه الأحوال لتبليغ رسالة معينة في زمن معين ، ولذلك كانت قناة الحوار التونسي هي الأداة الواقع اختيارها ، وكانت مريم بالقاضي هي المستجوبة التي  تم اللجوء إليها ، فأدت دورها كما ينبغي لمستجوبة ذات حرفية عالية ، وبإعداد مسبق جيد جدا ، وبـ،"صفاقة" إيجابية وجرأة واستقلالية تشكر عليها.
ولكن يبقى السؤال ، إذا كان  ثبت أن السبسي هو الذي "أغرى" بإجراء الحوار، وكان هو من طلبه أو على الأقل تمناه  وأوحى به ، فلماذا أولا وهل حقق به الهدف الذي قصده منه. ؟
لماذا أولا : الاعتقاد السائد عند الكثيرين من المتابعين للشأن السياسي ، أن الحوار لم يأت في وقته المبرمج  أصلا ، وبالتالي لم يكن ممكنا إلغاؤه بعد انطلاقة الرصاصة ، أي بعد الإعلان عنه وحتى عن موعده ، فبين موعد الاعلان عن البرمجة والبث ، سال الكثير من الماء تحت الجسر ، أي تغيرت معطيات كثيرة لم تكن في الحسبان ، منها أساسا أن أركان الخارطة السياسية قد تغيرت ، وأن التوازنات انقلبت رأسا على عقب ، ما شتت أوراق السبسي وبعثرها ، ومن هنا جاء الخطاب بمعنى المخاطبة على غير خيط رابط  مضطرب.
في تقديري أن الأصل ، وهذا ما لم يتفطن له مستشارو الرئيس ، أو ما لم يتفطنوا لانقلابه رأسا على عقب ، كان يقتضي الإعلان عن تفعيل الفصل 99 من الدستور ،  فما دام الشاهد لا يريد أن يذهب إلى حتفه مختارا ، بموجب الفصل 98 بطرح الثقة في حكومته ، فلنا أن ندفعه لذلك دفعا بالفصل 99 الذي يفعله الرئيس نفسه ، فيقع سحب الثقة منه في المجلس ويضطر إلى استقالة رفضها أو رفض تقديمها وأباها ،وكان السيناريو يقتضي أن يكون هناك عدد من الندائيين يكفلون حجب الثقة عن رئيس الحكومة ، بالتعاون مع الكواكب المحيطة  بالنداء ، مع قناعة قوية بأن النهضة وفي الأخير ، لن تقبل بمغادرة التوافق ، وستضطر في النهاية للاصطفاف مع السبسي لا مع الشاهد حفاظا على الوفا.
غير أن  تسارع  وطأة مغادرة مركب النداء ،  الذي أوشك على الغرق ، من أعداد كبيرة من الندائيين ( الاوفياء ؟) ، الذين أعلنوا صراحة دعوة ابن الرئيس للتخلي ، إضافة إلى الخطإ الاستراتيجي ، الذي ارتكبه حافظ بقرار تجميد الشاهد في انتظار تمريره على لجنة التأديب لفصله ، أفاض الكأس المليئة أصلا ، وباتت تنحية الشاهد مستحيلة ، سواء بسبب عدد المنسحبين من حول حافظ السبسي ، إلى الحد الذي تدحرجت معه كتلة حافظ أو كتلة النداء  من المرتبة الثانية إلى المرتبة الثالثة وما زالت تتدحرج على ما يبدو ،أو بسبب الموقف المصمم من النهضة على عدم الأخذ بخاطر السيخ الآخر وتنحية الشاهد.
عشية الحوار الخطاب المبرمج ، وربما قبله بأيام ، وجد السبسي الأب نفسه معلقا en porte à faux   ، واتضح له أن اللجوء من طرفه للفصل التاسع والتسعين يدفعه إلى مغامرة عير مأمونة العواقب بل انتحارية ، فتراجع بدون انتظام ، تاركا الأمر لفرصة أخرى عندما يرى الأمر مواتيا ( إن واتاه يوما )بقوله : لا لاحتمال اللجوء للفصل 99 ولكن لا  الزمخشرية ( هكذا ) اللا تعتبر  هنا خطأ لغويا   ما كان له أن يرتكبه فهناك لن الزمخشرية ،  ولا ..لا الزمخشرية ، ولكن هل تكون اختلطت عليه السبل ، عندما اختار ترضية ابنه على حساب تاريخه وعلى حساب حزبه وعلى حساب وطنه .
 فخسر على طول الخط..

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

الموقف السياسي : من الباب الصغير أو من النافذة المواربة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
من الباب الصغير ....
تونس / الصواب / 24/09/2018
" ...فقد بات في حكم الواقع اليوم أن يوسف الشاهد المصر على البقاء في رئاسة الحكومة ، بات مسنودا لا فقط من النهضة وخرج من قبضتها  أو ما يقوله أعداؤه من أسرها ، وبات مسنودا من كتلة ممن يصفون أنفسهم بالوسطيين المستنيرين ، وإن تشكلت من 34 نائبا في المنطلق ، فالمعطيات المتاحة لدينا تفيد بأن عددهم سيتعزز بـ19 نائبا على الأقل ، وذلك قبل بداية السنة البرلمانية الأخيرة في عمر مجلس النواب الحالي ، الذي سيترك مكانه بعد انتخابات في خريف 2019 ، إذا قدر لها وانتظمت. "
هذا ماكنت كتبته في مدونة الصواب بتاريخ 29 أوت 2018 تحت عنوان " السنة الأخيرة في المدة النيابية" ، لم أكن أرجم بالغيب ولكنها معلومات ترامت إلي من مصدر جد مطلع وجدير بالثقة الكاملة ، كما ينبغي لصحفي  يحترم مهنته ، أن يكون متأكدا وأن يزيد فوق التأكيد تأكيدا ، ولقد بلغتني تلك الأخبار قبل أسبوع على الأقل من نشرها ، ولكني حرصت على زيادة تأكيدها كما يقتضي شرف المهنة الصحفية التي درستها ( بتشديد وفتح الراء ) لفترة من الزمن.
**
قبيل انتخابات الرئاسة لسنة 2014 كنت عنونت مقالا لي نشرته هو الآخر على مدونة الصواب كما يلي : " أصوت للباجي مكرها لأني لا أثق في المرزوقي" كان ذلك قبل أقل من أسبوع على الدورة الثانية.
**
البارحة وأنا أشاهد أداء الباجي قائد السبسي أمام المذيعة الموهوبة مريم بالقاضي، للحقيقة أشفقت عليه ، هل هذا حقيقة هو الباجي قائد السبسي المناور الماكر  والداهية بكل المعاني السامية للمكر والدهاء السياسي ، الذي عرفته في الستينيات وفي السبعينيات وفي الثمانينيات ، عندما كنت أزوره في مكتبه في وزارة الخارجية ، فنتحدث في الشأن الدولي ، ويكون لسعة اطلاعه ،  وقدرته الفائقة على التحليل والتفكيك ، عونا لي لاستشفاف حقائق لم يكن يتسنى لي أن أعرفها أو أطلع عليها  بدونه أو بدون غيره وقتها  وقتها ، كما سبق لي التردد على مكاتب غيره من ووراء الخارجية على غرار محمد المصمودي ، وغير الخارجية كمحمد الناصر ومحمد الغنوشي والطاهر صيود وخاصة إسماعيل خليل والجنرال الموهوب عبد الحميد الشيخ والحبيب الشطي والأستاذ الكبير المعلم الشاذلي القليبي سواء في مناصبه الوزارية المختلفة أو في الجامعة العربية ، وحامد القروي والرشيد صفر والهادي البكوش والرئيس فؤاد المبزع ، وباستثناء الرئيس المرزوقي ، الذي لم أزره سوى مرة واحدة في مجموعة من أعضاء لجنة تقصي الحقائق بعد الإنتهاء من تقريرها   في أفريل 2012 ، وبعد جفوة أصابت تقريبا كل أعضاء الهيئة  المديرة للرابطة 1989/1994 مع رئيسها المرزوقي بسبب تفرده في اتخاذ القرار واتخاذ قرارات لم يسبق أي تشاور بش،ها داخل الهيئة حتى فضيحة مؤتمر ، 994  1مما حرمه على عكس كل سابقيه من صفة الرئيس الشرفي.
تساءلت  بيني وبين نفسي : هل إن ما أصاب الباجي البارحة ، هو لوثة شيخوخة ظهرت أعراضها حديثا عليه ، وكنت قد زرته صحبة توفيق بودربالة لتسليمه التقرير النهائي للجنة المستقلة لشهداء الثورة و مصابيها في أفريل الماضي،  وهي  المشكلة بقانون ، والتي شغلت فيها  موقع المقرر العام ، فأعجبت بالرجل ومدى وضوح وجلاء فكره وصحو عقله وسرعة بديهته ، أم  هل إنه ضعف المرء أمام ابنه عندما تتقدم به السن  ( الأب لا الابن)، فيعامله كالطفل المدلل الصغير  غير منتبه إلى أنه رئيس دولة  ،وليس في حضرة عائلته الصغيرة ، فينسى واجباته الكبيرة أمام أحاسيسه الصغيرة .
**
استنتاجاتي السريعة أن الرجل بات له هاجس واحد وهو مصير ابنه على رأس نداء تونس ، ذهب النداء وتشتت أكثر مما هو مشتت ، أو بقي ما لم تعد له حظوظ في البقاء ، وهو لذلك  أي الرئيس    يضع ماضيه ، وحاضره ومستقبله إن كان ما زال له مستقبل على كف عفريت ، مهمته اليوم كأب  ليس معروفا إن كان واع بما يفعل أو غير واع ، أن يضمن ـ يقول ذلك أو لا يقوله ـ التوريث لابنه لا توريث قصر أو ضيعة ـ إنما بلد بأكمله يرفض التوريث ، وفي سبيل ذلك يبدو مستعدا للتضحية بكل شيء بالحزب ، بالبلاد ، بالاستقرار وحتى بسمعته التي كان يمكن أن يدخل بها التاريخ من بابه الكبير، ولكن وفي زمن ضعف استبعد بكفه كل ذلك ، للخروج لا من الباب الصغير بل من النافذة ، الضيقة ، قاطعا بذلك خيط معاوية ، مع حركة النهضة التي استفادت منه أكثر مما استفاد معها ، دليل ذلك الانتخابات  البلدية الأخيرة  ونتائجها.
أما التوافق فإنه لم يسقط تماما  كما يعتقد البعض ، ولكنه تحول اتجاهه من الباجي إلى الشاهد ، ولكن بشروط أقسى و أمر، وبأدوات أقل مضاء وهذا الأخير ، أي الشاهد ليكون له حظ لا بد له من أداة ، هذه الأداة ، هل تكون حزبا جديدا مؤسسا على أنقاض النداء ، أم سيستولي الشاهد وأنصاره على النداء الذي تحول إلى قوقعة فارغة  ، بعد أن غادروه كما يسارع الركاب  بمغادرة سفينة تغرق  ،
هل كما فعل بورقيبة مع الحزب الحر الدستوري القديم  عام 1934، فاستعمل شعبه وهياكله في مؤتمر قصر هلال ،   يقدم  الشاهد  على تكرار المغامرة فيلجأ للاستيلاء على تلك القوقعة ، غير أنه ، أين بورقيبة وحذقه ليقوم  الشاهد مثله  بمثل ذلك العمل.
فقط إن للشاهد قوة لم يحسبوا لها جميعا  حسابها ، وهي إدارة عمومية تحت سلطته كرئيس حكومة ، شديدة  الكفاءة يمكن أن تخدم ركابه ، كما خدمت من قبل  ركاب الباجي قائد السبسي ، وما أسمتها النهضة الإدارة العميقة ، وهذه قوة ضاربة تستطيع أن تفعل المعجزات.
حقيقة أخرى كل هؤلاء المنسلخون من النداء ، ما هي حظوظهم غدا في انتخابات مقبلة ، و الاستشارات الانتخابية  المقبلة تدق الباب ، والنهضة تستعد لها منذ أربع سنين .
لنا عودة
fouratiab@gmail.com

الخميس، 6 سبتمبر 2018

بكل هدوء : تونس تستحق البكاء

بكل هدوء

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تعالوا نبكي على تونس؟؟؟؟
تونس / الصواب /06/09/2018
عندما يغيب المرء عن الوعي يعالجونه بالصدمة الكهربائية، وهذا ما حدث لي قبل أسبوع، عندما التقيت بوزير تونسي أسبق يعمل حاليا مستشارا لدى عدة حكومات خليجية، ويصل مجال نشاطه بصورة غير مباشرة إلى مصر، ويقيم غالبا في مسقط عاصمة عمان.
اعتاد منذ سنوات وبمناسبة زياراته لتونس أن يخاطبني فأجلس معه على قهوة في فندق شيراتون ، ونتجاذب أطراف الحديث ، ونقضي ساعة نجتر فيها ذكريات جميلة ،، ، هذه المرة خرجنا من دائرة الحديث العادي والسلامات ، فجلسنا من الساعة 11 إلى الساعة الثالثة و35 دقيقة ظهرا ، وفي هذه الجلسة بالذات تلقيت صدمة كهربائية أرجو أن تكون أيقظتني بالكامل ، ولكني تساءلت ماذا عساني أفعل ، غير أن أبكي على تونس ، ودعوني أبكيكم معي ، لأن الأمر أخطر من أتركه بين حنايا ضلوعي .
قال لي الحاج قلاعي الذي سبق له أن تولى الوزارة ،، إننا بصدد ترك القطار يفوتنا ، إننا نكبو حيث كنا متقدمين ، وهناك مجالان اثنان أشار إليهما ، إننا بصدد ترك الثورة التعليمية الحقيقية تفوتنا ، وكذلك فإن الثورة الرقمية قد فاتتنا بالفعل ، وهي مع ارتفاع مستويات التعليم ، وانفتاحه مفتاح ما تسجله البلدان من تقدم ورقي.
وأضاف إن البلدان التي أتيت منها لقضاء العيد أي الدول الخليجية بعكسنا في بقية العالم العربي ومصر والمغرب ، قد فاتتنا ولم تتركنا حتى في آخر القطار بل نجري ونلهث خارج القطار، للحاق بات أكثر فأكثر صعوبة.
ومن فاته قطار التعليم بمستواه الراقي ، المرتبط بما بعد الحداثة ، ومن فاته قطار الثورة الرقمية التي لم نعطها قيمتها الحقيقية بعد أن كنا من روادها ، فسيبقى خارج سباق الزمن .
وإني أقدر أن البعض سيقول هذا الوزير هو من بقايا حكم بن علي ،، ليكن ولكنه ينقل صورة حقيقية ، زادت قناعتي بها عندما قرأت قطعة للسيدة لمياء القلال وهي طبيبة وقيل لي إنها أستاذة في الطب ، ولكني تعودت وهي " صديقة" على الفايس بوك موسوعية المعلومات والثقافة وفق ما أطلع عليه من كتاباتها المركزة ، على الاهتمام بما تكتب ، وأنقل هذه القطعة وبلغتها الأصلية ، معتذرا عن عدم استرخاصها كما تقتضي مني الأخلاق الصحفية ، بسبب أهميتها .
 تقول السيدة لمياء القلال ما يلي :
Je découvre la stratégie nationale de l’Arabie saoudite dans le domaine de la science. C’est un peu la stratégie tunisienne vers la somalisation, enfin à l’envers quoi https://static.xx.fbcdn.net/images/emoji.php/v9/f83/1/16/1f60e.png😎
“La stratégie nationale pour le développement de la science, de l'innovation et de la technologie dans le royaume a été mise en place en 2006, elle a pour ambition de transformer l'économie saoudienne en une économie fondée sur la connaissance et compétitive au niveau mondial.
Cette vision est échelonnée en quatre plans quinquennaux :
-Le premier plan consistait en l’établissement d'une infrastructure solide pour la science, la technologie et l'innovation (2006-2011).
-Le deuxième plan vise à placer le pays aux premiers rangs de la région dans ces domaines (2011-2015).

-Le troisième à placer le pays au niveau des pays développés d'Asie (2015-2020).
-Le quatrième plan à placer le royaume au niveau des pays les plus avancés au monde (2020-2025).” Source Wikipedia
Sur ce, bonne suite de querelles électorales intra-inter-trans-partito-gouvernemento-présidentielles. Doucement mais sûrement, sur le droit chemin stratégique de l’autodestruction.
هذا النص يؤكد ما جاء خلال لقاء مطول مع الصديق السيد الحاج قلاعي ، وما أضيفه إليه أن كل بلدان الخليج الستة وفق ما قاله لي تتجه نحو نفس الأهداف وبنفس السياسات المرتكزة على الاهتمام بمستوى التعليم وبالثورة الرقمية ، وربما يمكن إضافة إليها كل من مصر والمغرب في المنطقة العربية ، وعدد من الدول الإريقية التي عرفت طريقها وفتحته على مصراعيه.أما نحن ، فإننا ما زلنا نتشدق بالديمقراطية والحرية ، وهما ضروريتان ولكن بالذات لخدمة البناء الاقتصادي والاجتماعي وهو ما يمر حتما عبر مدرسة ، كانت رائدة وتم هدمها خلال جانب من فترة بن علي ، ويجري هدمها حاليا بإضرابات غير مبررة تقلل من ساعات الدرس التي هي قليلة في حد ذاتها مقارنة بالبلدان المتقدمة حتى الأقل تقدما ، وتهرب (  بالضمة فوق التاء وبالشدة والكسرة تحت الراء) أطفالنا وشبابنا إما للدراسة في الخارج ، أو للدراسة في قطاع خاص لا تتوفر إمكانياته إلا لقلة قليلة من أبناء الشعب .
وهذا الكلام والتعليق لي شخصيا وليس للسيد الحاج قلاعي .
وإذ تساءلت لماذا لا تقع الاستفادة من خبرة رجل بات مستشارا دوليا ، كغيره ممن يحملون معارف عالية ، بسماعهم من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو الوزراء المعنيين ، فإني أقدر أنهم مشغولون أساسا بالمعارك السياسية ، والمنافسات واستعمال الحيلة وما يمكن أن يعبر عنه بالفرنسية بالكروش بياي ، وقد أصبحت طبقتنا السياسية من أكبر المختصين في هذه الأساليب التي لا تقدم ولا تؤخر.
وبينما ننام على آذاننا بحسب التعبير الفرنسي يتخطانا آخرون ويتجاوزوننا بسنوات ضوئية ، بينما تملؤنا أحاسيس من الرضا عن النفس ليس لها مبرر لا ماضيا ولا حاضرا ، فليست توحيدة بن الشيخ أول طبيبة عربية  تحمل دكتوراه وهي من مواليد 1912 ، بينما أول طبيبة مارست الطب بشهادة من جامعات بريطانيا في تلك السنة ، ولا فتحية مزالي هي أول وزيرة عربية  في سنة 1985، فأول وزيرة عربية كانت في حكومة عبد الكريم قاسم  في العراق سنة 1958 تلتها بعد أشهر وزيرة في مصر هي الدكتورة حكمت أبو زيد ولا أول قائدة طائرة في السبعينيات تونسية وقد سبقتها العديدات   في عدد من البلدان العربية أولها منذ العام 1928، ولعل العم جوجل يعطيكم الخبر اليقين  والأمثلة كثيرة.
للأسف نحن نعيش على ماض ليس دائما متسما بالدقة، بينما العالم وخاصة العربي يتجاوزنا ويتركنا وراءه.
عشرات ألوف من المبعوثين لاستكمال رسائل دكتوراه في أمريكا وغيرها، ويعودون لبلدانهم لمرتباتهم المجزية ، بينما لا يعود من مبعوثينا سوى القليل لتدني المرتبات ، بل يبدو أن عشرات الألوف من خيرة خريجينا يغادرون البلاد إلى غير رجعة ، والمعارك السياسية محتدمة ، وخصومات الكراسي لا تنتهي ، والبلاد لها الله.