Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 26 سبتمبر 2019

سانحة :بعد الانتخابات ...هل يأتي المأزق؟

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تداخل انتخابي
 6 أكتوبر تشريعية .. و13 أكتوبر استكمال الرئاسية
تونس/الصواب/ 26/09/2019
لن تتضح الصورة إلا مساء يوم الأحد 13 أكتوبر ، عندما تخرج تكهنات استطلاعات الرأي بشأن الرئيس المقبل لتونس ، وإن كان يبدو أن حظوظ قيس سعيد في الفوز بقصر قرطاج ، أكبر من حظوظ منافسه ، نبيل القروي.
وعلى أهمية المنـــصب الرئاسي ، في المخيال الــــشعبي ، فإن دستور 2014 قد " قصب" جناحيه ، ودفع به إلى دور ثانوي في الحكم ، وخصه بالشأن الخارجي والأمن القومي ، الذي يمكن التوسع فيه أو تضييقه ، بحسب طبيعة العلاقة التي ستقوم بين الرئيس ورئيس الحكومة.
وإذ كان الانسجام قد طال صلاحيات رئيس الدولة بعلاقة برئيس الحكومة خلال عامين ونصفا من العهدة الرئاسية المنقضية ، فإن ذلك كان بسبب انتمائهما لنفس الحزب ، أو على الأقل فإن رئيس الحكومة كان معينا من رئيس الدولة ويحمل نفس اتجاهه ، وحتى عندما ساءت العلاقة بين السبسي والشاهد ، وتنكر الأخير لصاحب الفضل عليه بدفع من ابن الرئيس المدلل حافظ قائد السبسي ، فإن الأمر تواصل على وفاق بسبب طبيعة التوجهات في السياسة الخارجية وفي مجال الدفاع الوطني والأمن القومي .
ولعل الدلائل إذا كانت تشير أن الحزب الأول الذي سينبثق عن الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر ، سيكون من حزب "قلب  تونس " أي نبيل القروي ، وإذا فاز قيس سعيد بالرئاسية في 13 أكتوبر كما تشير دلالات أخرى ، فإن البلاد قد تشهد خريفا وشتاء عاصفا مليئا بالرعد والبرق ، وهناك ثلاثة من السيناريوهات المتداولة ، إذا كانت نتيجة الانتخابات الأولى والثانية كما ذكرنا.
وفيما عدا ما إذا كانت نتيجة الانتخابات ستقود قيس سعيد إلى الفوز هو والحزام المحيط به اليوم ، على ما فيه من جهات متطرفة في الانتخابات التشريعية ، يعسر أن نراها منسجمة لاحقا ، ثم  الانتخابات الرئاسية ، فيكون الحزب الأول من محيط رئيس الجمهرية المنتخب ، وهو أمر مستبعد وفقا لللأرقام المتاحة ، وفي ما عدا إذا فاز نبيل القروي وحزبه " قلب " تونس بالاستشارتين الانتخابيتين وهو أمر مستبعد أيضا.
** فإن السيناريو  الأول يتمثل في فوز قيس سعيد بالرئاسية وحزب نبيل القروي بالتشريعية دون أن تتعدى كتلته 30 إلى 40 مقعدا في أحسن الأحوال.
وفي هذه الحالة فإن رئيس الجمهورية يدعو " قلب تونس " لتشكيل الحكومة ويعطيه مهلة 30 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة ، فإن تحقق تشكيل الحكومة ، فبها ، وندخل وقتها في الشد والجذب بين رئيس الجمهورية والحكومة ، ولكن وإذا لم ينجح " قلب تونس"  في توفر 109 أصوات في البرلمان ، تفشل المساعي ويضطر رئيس الحكومة المعين إلى إعلام رئيس الدولة بعدم قدرته على تشكيل الحكومة ، وهو أمر مستبعد ولكن قابل للتصور.
 **نمر إلى السيناريو الثاني ، في هذه الحالة تصبح أيدي رئيس الجمهورية محررة ، وله أن يختار من يراه الأفضل لتشكيل الحكومة ، فيختار ترشيح رئيس حكومة من خارج الحزب الأول المنبثق عن الانتخابات التشريعية ، وفي هذه الحالة ، فإن رئيس الحكومة المعين يتمتع بمهلة شهر قابل للتمديد لشهر آخر ، ولعله يكون عاجزا خلال هذه المهلة عن تشكيل الحكومة بالنظر للتشتت الذي سيشهده المجلس النيابي ، والتجاذب واختلافات المؤيدين اليوم لسعيد.
** عندها نمر للسيناريو الثالث المتمثل في تعيين رئيس الجمهورية لشخصية أخرى من اختياره ، تتمتع بفترة شهرين  هي الأخرى لتشكيل ، والغالب أنه إذا فشلت شخصيتان قبله فستكون حظوظ نجاحه في تشكيل حكومة بأغلبية 109 أصوات في البرلمان محدودة جدا إن لم تكن منعدمة .
عندها للمرء أن يتوقف عند أمرين اثنين
** أولهما حسبما قيل لي من جهات قانونية متعددة فإن رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد سيبقى رئيسا لحكومة  لتصريف الشؤون بصلاحيات محدودة ، ومن المحتمل أن تكون علاقاته مع رئيس الجمهورية المنتخب مضطربة.
** ثانيهما أن يكون رئيس الجمهورية مضطرا لحل البرلمان ، والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة في آجال ضبطها الدستور ، وحينها تطول المدة الانتقالية ، وتتوقف أجهزة الدولة عن العمل واتخاذ القرارات اللازمة لتسيير البلاد ، وتونس ليست لبنان التي رأت مثل هذه الحالة ، من انعدام السلطة ، ولا بلجيكا التي بقيت في مثل هذه الحال أكثر من أربع سنوات عرفت تنظيم عدة انتخابات برلمانية.
تلك سيناريوهات محتملة ، ولكن لعل الجهتين الفائزتين في الانتخابات  رئاسية وتشريعية تقدمان  مصلحة البلاد على خلافاتهما وللحديث بقية.



الجمعة، 20 سبتمبر 2019

الموقف السياسي :في انتظار التشريعيات الرئاسية محسومة والقروي خارج السجن ؟

الموقف السياسي                            

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
المجهول.. والمعلوم ؟
تونس / الصواب/19/09/2019
يعتقد الكثير من المراقبين السياسيين في تونس، أن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستفضي حتما إلى صعود قيس سعيد لكرسي الرئاسة ، ويبني هؤلاء توقعاتهم على عامل حسابي يعتقدون أنه سيكون حاسما ، وبالإضافة إلى قرابة 19  في المائة من الناخبين الذين صوتوا في الدورة الأولى إليه ، يضاف إلى هؤلاء والمعتقد أنهم كلهم سيكونون من أنصاره ، ومنهم  كتلة النهضة المعلنة  ممن صوتوا لعبد الفتاح مورو أي 13 في المائة  والمصوتون لصافي سعيد بـ7 في المائة ،  ولسيف الدين مخلوف بـ 6 في المائة  ، ومحمد منصف المرزوقي بـ4 في المائة والمرايحي  ، وعدد من أصحاب الصفر فاصل وهو ما يتجاوز 50 في المائة وبعض الأصوات.
غير أن هناك من يقول بأن المصوتين في الدورة الأولــــى ليسوا قطيعا ، تمكن قيادته ، فالأصوات لا يملكها أحد غير أصحابها ، وبالتالي ليس مؤكدا أن تصب أصوات المعلنين عن تأييدهم لقيس سعيد أو الداعين للتصويت له كلها إليه ، وإذ يبقى في هذا التحليل ، القليل للمرشح الثاني نبيل القروي ، فإن هناك عاملان اثنان يمكن أن يسفها هذه التوقعات ويدفعان بالثاني في الدورة الأولى إلى المركز الأول في الدورة الثانية:
أولهما التعاطف الكبير مع سجين المرناقية ، والشــعور الطاغي العام بــأنه ضحية " مؤامرة " لإبعاده عن كرسي الرئاسة ، ويمكن لهذا التعاطف أن يكسبه أصواتا من بين أصوات قيس سعيد أو أصوات "أتباعه " الداعين له من المقربين من فكره في الدور الأول.
وثانيهما احتمالات ضعيفة بأن يتضاءل عدد الممتنعين عن التصويت ، فترتفع نسبة المشاركين من حوالي 50 في المائة إلى أكثر من 60 في المائة ، وهو احتـــمال وارد ، ولكن لا شيء يدل على أن الوافدين الجدد يمكن أن يعطوا أصواتهم لنبيل القروي ، كما إن الاحتمال الثاني هو أن يتضاءل عدد المصوتين بسبب الملل والسأم بعد دورة أولى وانتخابات تشريعية ودورة ثانية ، فيهجرون مراكز الاقتراع ، وهذا ربما استفاد منه قيس سعيد أكثر من نبيل القروي ،  باعتبار انضباط أنصار النهضة ونضاليتهم ، وكذلك بعض المرشحين في الدورة الأولى الذين يعتبرون امتدادا لحركة النهضة بصورة أو بأخرى  ، وما يعتبره البعض من ذيولها مثل بولبيار ، الذي يسعى عن طريق الطعن لدى المحكمة الادارية  وهو الأخير في الترتيب لا دفاعا عن موقعه،   أو أملا في أن يكون من الاثنين الأولين ، وإنما لإسقاط نبيل القروي "لتجاوزات يراها في حملته"  ، حتى يرتفع عبد الفتاح مورو للموقع الثاني بدل نبيل القروي ،  ويكون مرشحا في الدور الثاني للتنافس على الرئاسة.
والاعتقاد السائد اليوم هو أن قيس سعيد سيكون الرئيس المقبل لتونس ، رغم كل ما يروج عنه من أنه علي يمين النهضة ، وأن من بين أنصاره أو حتى مساعديه المنتظرين ، أشخاص من جماعات حماية الثورة ، ممن كانوا في وقت من الأوقات مقربين من محيط منصف المرزوقي.
وإذ تعرفت شخصيا عن قرب على قيس سعيد ، ويقول البعض من أصدقائي أنهم فوجؤوا بأني من عضوية حملته ، بسبب فيديو تم تصويره لي معه بالصدفة  في مركز الاقتراع برياض النصر  حيث قمت بالادلاء بصوتي، فالواقع أنه في إطار جولته بين مراكز الاقتراع التقيت به ، وتجاذبت أطراف الحديث معه ومع شقيقه نوفل  بوصفهما من الأصدقاء ، وبوصفه هو بالذات  صديقا قديما عندما كان هو وشوقي قداس أقرب المساعدين لصديقي المتميز المرحوم عبد الفتاح عمر العميد الأسبق لكلية العلوم القانونية،  التي كنت أتردد عليها بوصفي الكاتب العام لجمعية النهوض بالدراسات القانونية ، وما أعرفه عن الرجل أنه موسوعة في القانون الدستوري ، وكنت كثيرا ما أستشيره في خلال عملي الصحفي فكان خير معين ، وعرفت فيه رجلا مستقيما على درجة كبيرة من النزاهة والثقة ، مع ميل شديد إلى التحفظ بصورة تجعله محافظا في أفكاره ، وأتفق في ذلك مع الدكتور فرحات الحرشاني الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري ووزير الدفاع السابق من حيث التقييم الإيجابي للأستاذ قيس سعيد ، ولكن ذلك غير كاف ، فلعله وجب عليه أن يطمئن المواطنين الموصوفين بالحداثيين ، بشأن طبيعة مدنية المجتمع وقيم الكونية والنمط المجتمعي ،  كما وجب عليه أن يخرج للناس في الاذاعات والصحف والقنوات التونسية مهما كان تحفظه عليها ،ولعله وجب عليه  كذلك وهناك شبه إجماع حول الاحتمالات الكبرى لانتخابه رئيسا ، أن يفصح عمن سيختاره كرئيس للحكومة ، وإن كان الأمر ليس بيده بل ، بالحزب الأول الذي ستنبثق عنه الانتخابات التشريعية ولكن بالخصوص وزيره للخارجية ووزيره للدفاع وهما وتعيينهما من اختصاصه مع الاسستشارة مع رئيس الحكومة ، فتلك التعيينات المبرمجة في فكره يمكن أن تضمن له انضمام عدد من الناخبين ، وتطمئن إلى عمق تفكيره وتوجهاته.
أما المرشح الثاني أي نبيل القروي فقد التقيته مرة واحدة ، وقد كان مزنوقا ( كلمة تدل على أكثر من الحرج ومصدرها الزنقة الغير مؤدية) فقد كان غادر كل من سفيان بن حميدة وسفيان بن فرحات القناة بعد أن كانا ببرنامجهما المرتبط بالحدث يستقطبان  الكثير من المشاهدين ، ويعتبر العمود الأساسي في المادة الاعلامية السياسية ، وكانت مريم بالقاضي تشاركهما وهي حديثة العهد بالتلفزيون ، غير أنها لم تكن لا بالقدرات التي تتمتع بها اليوم ولا بالمهنية وخاصة لا بالشعبية التي تحوزها حاليا في قناة الحوار، فقد دعاني الصديق برهان بسيس لمقابلة السيد نبيل القروي ، ولم يكن في تلك المرحلة يريد أو يسعى للظهور ، وفي الانتظار قدم لي السيدة
مريم بالقاضي الدكتورة في اللغة الفرنسية، ثم أدخلني إلى السيد نبيل القروي ، ووجدت في حضرته السيد محمد الغرياني الذي عرفته سفيرا بلندن قبل أن يصبح أمينا عاما للتجمع الدستوري المنحل أيامها ، وعرض علي صاحب القناة أن أنضم للفريق في القناة وأن أتولى ما كان يقوم به بكل كفاءة سفيان بن فرحات وسفيان بن حميدة ، بمشاركة كانت وقتها ثانوية للسيدة مريم بالقاضي ، ورغم المغريات التي لوح لي بها في كثير من اللطف discrétion  فقد تمنعت بكامل اللطف شارحا له أسبابي المتمثلة في :
1 – اعتقادي أني ربما أكون كاتبا صحفيا  ناجحا فإني أبعد أن أكون وجها تلفزيونيا.
2- أن طبعي المتحفظ والخجول يجعلني لست سريع البديهة بالصورة التي يتطلبها برنامج تلفزيوني يقوم على التدافع .
3- أني ودعت الحياة النشيطة وأني أكتفي بكتابة عدد من المقالات في صحف أجنبية أو تونسية ، حسب رغبتي دون أن أكون ملتزما بوقت ، فيما يتطلب العمل المطلوب مني حضورا وإعدادا لمدة ساعات طويلة لم أعد قادرا عليهما.
لاحظت بيني وبين نفسي أن نبيل القروي رجل دمث الأخلاق ، قادر قدرة كبيرة على المحاججة ، ورغم إلحاحه على أن القدرة على المواجهة التلفزيونية تكتسب عمليا بالتجربة ، وهو ما حاول إقناعي به كل منه ومن السيد محمد الغرياني وبرهان بسيس ، الصديق القديم الذي كان ذكيا في الدفاع عن مواقف الرئيس الأسبق المرحوم زين العابدين بن علي ، بعكس الآخرين حيث يستعمل فنيات ذكية في إيراد بعض النقد مع الدفاع عن رئيسه وقتها ، فقد امتنعت عن الاستجابة للعرض ، خاصة وأني رتبت حياتي على وقت للمطالعة ووقت للتلفزيون والانترنت ووقت للراحة والعائلة بعد أن حرمت من ذلك طيلة 40 سنة، طلب مني أن أغير رأيي وأن أتصل إن حدث ذلك ، ودعت الرجل الذي أوصلني حتى الباب ، وتركت معه في مكتبه السيد محمد الغرياني ، ولم أعد للإتصال.
لكن بالصدفة وفي اليوم الموالي وخلال إحدى الزيارات الدورية التي كنت أقوم بها للدكتور عبد الجليل التميمي مؤسس وراعي مؤسسة التميمي ، وجدت السيد محمد الغرياني صدفة هناك ، وعاد لمحاولة إقناعي بأن عرض السيد نبيل القروي يعتبر فرصة العمر ، على أساس حسبما قاله لي يومها ، أني تركت بصمة في الصحافة المكتوبة ، وجاء الوقت لأجرب مع الصحافة السمعية البصرية، وتوقف الأمر عند ذلك الحد.
تلك كانت المقابلة اليتيمة بيني وبين السيد نبيل القروي ، وقد ترك لدي انطباعا جيدا يومها.
**
في تقديري أن الحملة الانتخابية للدورة الثانية لا يصح أن تكون بدون الحضور المادي العلني للسيد نبيل القروي ، وعندي إحساس قوي بأنه سيخرج من سجنه إن لم يكن اليوم فعلى الأكثر غدا.


الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

الموقف السياسي: إلى المجهول ؟


الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
المجهول ؟
تونس / الصواب/ 17/09/2019
قالوا تسونامي .. وقالوا زلزال .. وقالوا انفجار بركان ..
كان ذلك هو رد الفعل الحيني عندما ظهرت أول مخرجات استطلاعات مغادرة 38 ألف من الناخبين فورا للخلوة بعد أداء الواجب والحق الانتخابي.
للحقيقة لم تكن المفاجأة عامة ، فمنذ أشهر كان الثنائي قيس سعيد / نبيل القروي يتصدران المشهد ، ومن هنا جاءت محاولة سن قانون انتخابي جديد يسعى على الاقل لإقصاء نبيل القروي وعيش تونسي من السباق درء لمخاطر مفاجآت أكثر من محتملة ، مر مشروع القانون .. أمام المجلس النيابي فصادق عليه بـ"الفورسابس " أو باستعمال الكلاليب ، وبإصرار من النهضة ورئيس الحكومة الشاهد .
وإذ شكك الكثيرون في مدى دستورية القانون المصادق عليه ، فقد جاءت المفاجأة بموافقة الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين ، على هذا القانون الذي اتفقت كلمة غالب إخصائيي القانون الدستوري على عدم دستوريته ، غير أن تحالفا مفاجئا بين نجل الرئيس آنذاك الباجي قائد السبسي ، والمتضرر الأول من هذا القانون ، دفع حافظ السبسي ويقال أمه ، إلى دفع الرئيس السابق  الذي لم يكن في كامل قوته سواء بسبب المرض المتمكن وسنه العالية ، لعدم ختم القانون  بالصورة التي أنقذت أبا خليل  ( نبيل القروي ) وعيش تونسي ، ووضعتهما من جديد على قاعدة إطلاق الصواريخ الانتخابية.
منذ ذلك الوقت بات مؤكدا عند الكثيرين أنه لا مندوحة من رؤية قيس سعيد ، البالونة المنفوخة للأقصى ( بشكل غير مفهوم عند الكثيرين )، ونبــــــيل القروي "  " فاعل الخير " في صدارة ترتيب المرشحين للمنصب الرئاسي ، ولم تنفع الشعبية المفاجئة للمرشح عبد الكريم الزبيدي الذي خرج من القمقم في آخر لحظة ، ولا القاعدة الصلبة التي كانت النهضة تعتقد أنها  تجلس عليها ولن يزحزحها عنها أحد  ، في تغيير المعادلة.
وحتى آخر لحظة ورغم صدور دفعة جديدة من استطلاعات الرأي ، تفيد بتقدم قيس سعيد والسجين بدون وجه حق نبيل القروي ، بقيت الآمال معلقة لدى النهضة من جهة وأنصار عبدالكريم الزبيدي من جهة أخرى في تغيير المعادلة .
لكن جاءت النتائج على غير توقعات أغلبية الناس ، فحصلت صدمة في البلاد ، واعتبر البعض أن تصدر قيس ونبيل ومرورها إلى الدور الثاني بمثابة الكارثة والتسونامي والزلزال وانفجار بركان لا يبقي ولا يذر.
وكان سبب رد الفعل هذا ، هو شعور غالب ، حتى بين بعض من صوتوا لهذا أو ذاك ، بأن البلاد تدخل في منطق جديد ربما يقود إلى مغامرة ، ولم يغب عن الكثيرين صدمة خريف 2011 عندما صعدت النهضة إلى الحكم ، وكانت النتيجة كارثية على اقتصاد البلاد وتوازناتها ، بما بقيت آثاره بارزة بعد 6 أو سبع سنوات ، خاصة بعد إفلاس الحكم الائتلافي لنداء تونس بمشاركة النهضة خلال السنوات الخمس الماضية ، وانهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس.
فلم يعرف  بين المترشحين للدور الثاني  ، برنامج مقبول بمصداقية معقولة  ، لا لقيس سعيد ولا لنبيل القروي يمكن للمرء  أن يطمئن  إليه  ، ولم يعرف من سيتولى معاضدة هذا أو ذاك من رجال اقتصاد واجتماع ،  لهم باع  وتصور قابل للبلورة والتحول إلى الانجاز.
ومن هنا جاء التخوف مما إذا كانت البلاد ستدخل إلى المجهول ، وما إذا كانت ثقة الممولين ، والمستثمرين على قلتهم ستتواصل دعما للمسار الديمقراطي المتفرد في العالم العربي ، وما إن ستكون هناك رؤيا واضحة أم لا ، وإن كانت البلاد قد فقد كل رؤيا واضحة منذ 2012 ، وباتت تتلمس طريقها في ظلام ، فالأمر سيكون أخطر بعد النتائج التي باتت معلنة رسميا.
**
 لكن ذلك هو الواقع اليوم ، لقد اختار الناخبون أي الشعب طريقه عندما اختار للدور الثاني رجلين بلا تجربة حكم سابقة ، ولا حتى تجربة إدارية بمعرفة دواليب الدولة.
للمشككين في شرعية ومشروعية نتيجة الانتخابات  بسبب ضعف نسبة المشاركة ، لا بد من القول ، إن ال 45 في المائة الذين تجشموا مشقة الانتقال للتصويت الأحد الماضي ، هم الذين يهمهم مستقبل البلاد أكثر من الذين آثروا التقاعس والبقاء في بيوتهم ، ثم ما أدراك ولو كانت نسبة المشاركة 60 أو حتى 80 في المائة أن تتغيرالمعادلة ، وأن لا يكون قيس سعيد ونبيل القروي في الطليعة.
**
ذلك هو واقع اليوم الذي لا مهرب منه ، والديمقراطي أو من يدعي أنه ديمقراطي لا مندوحة له بأن يعترف بنتائج ما أفرزه صندوق الانتخاب ، وأن يتعامل معه كحقيقة واقعة ، وأن يمر للسؤال المشروع اليوم ، وهو من سيكون رئيس الجمهورية من بين الاثنين المعروضين على الناخبين في الفترة المقبلة ، أيكون قيس سعيد أو نبيل القروي ، سؤال آخر حارق ، هل سيكون لنتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية تأثيرات على الانتخابات التشريعية المعينة ليوم 6 أكتوبر المقبل ؟
تلك أسئلة حارقة سنحاول الاجابة عنها في مقالات لاحقة .

السبت، 7 سبتمبر 2019

بكل هدوء : مترشحون وناخبون في الضباب المظلم

بكل هدوء


يكتبه عبد اللطيف الفراتي
... الوعي الغائب ؟
تونس / الصواب /06/09/2019
بعد تجربتين انتخابيتين  حقيقيتين وحرتين في 2011 و2014 ، عدا تجربة انتخابية بلدية  ، كان للمرء أن ينتظر وعيا جماعيا بمعنى الانتخابات وكيفية التقييم سواء للترشح فيها ، أو للأقتراع ، وبعد الهزيمة الفادحة للمجتمع المدني رغم أغلبية ناخبيه في العام 2011 بسبب تشتت صفوفه ، وبعد النتيجة النصف نصف التي حصلت في انتخابات 2014 رغم التراجع الكبير لدعاة المجتمع الديني ، كان مفترضا أن تقع يقظة حقيقية ، ويسود الطبقة السياسية الوعي بمدى ما بيدها من سلاح سلمي عبر صناديق الاقتراع ، غير أننا وجدنا أنفسنا على قدر كبير من الغباء في أوساط المنادين بمدنية الدولة ، وسنجد أنفسنا في  مواجهة نفس الغباء بالنسبة للناخبين.
ويمكن للمرء اليوم رسم صورة مجتمعية من ثلاثة ألوان في تونس :
أولها : مساحة المنادين بمدنية المجتمع وليبيراليته
وثانيهما :  مساحة المنادين بمدنية المجتمع ولكن يساريته حتى لا نقول ماركسيته التي أصبح دعاتها متخفين
وثالثها : مساحة أنصار المرجعية الاسلاموية .
ووفقا لكل الدراسات المتاحة فإن الصورتان الأولى والثانية تمثلان حوالي 75 في المائة من الشتات ، أما الصورة الثالثة فإنها تمثل في أحسن الأحوال 25 في المائة،
ويبدو أن تلك الصورة الثالثة والأقلية شعبيا ، تهدد إلا إذا حصلت معجزة ، بالسيطرة على الرئاسات الثلاث ، أو إنها تطمح لذلك : رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان .
وما يدور في أوساط معينة أو هذا هو الطرح فإن عبد الفتاح مورو سيكون مرشحا ليكون رئيسا للجمهورية ، وراشد الغنوشي ليكون رئيس مجلس نواب الشعب ، الذي تنبثق منه حكومة يكون رئيسها زياد العذاري.
هل هي أحلام يقظة أم  إن غباء أنصار مدنية المجتمع ، يمكن أن يسمح بذلك .
إن ترشح 26 شخصية نهائيا بعد طرح أكثر من ستين قدموا ترشيحاتهم ، لا يدل على ظاهرة صحية ، بل على ظاهرة مرضية ، قوامها أنانية مفرطة ، وغياب أي قدرة على التنازل والوفاق.
فمن بين الـ26 مترشحا نجد حوالي 6 ربما زائد واحد أو اثنين يمكن وضعهم في الصنف الثالث أو الصورة الثالثة ، أي من أنصار المجتمع الديني رغم قرارات المؤتمر الأخير لحزب النهضة بمدنية الدولة وفصل السياسة عن الدين.
أما البقية فيمكن تصنيفهم ضمن الصورة الأولى والثانية ، على ما بينهما من فوارق عميقة في تصور طبيعة المجتمع من مدني ليبيرالي أو مدني لنقل يساري،
هذا التشتت في أنصار الطبيعة المدنية للمجتمع من شأنه أن يلعب أدوارا سيئة في الانتخابات ، بحيث يمكن لأغلبية واضحة في المجتمع أن تجد نفسها في صف الأقلية في دواليب الحكم ، بسبب غباء مركب ، وأنانية مفرطة ، وحسابات خاطئة.
ولو استعرضنا أسماء المترشحين من أنصار المجتمع المدني ، لوجدنا الفوارق بينهم لا تكاد ترى حتى تحت المجهر ، هذا إذا كانت لهم برامج حقيقية مرقمة ودقيقة ، باستثناء المرشحة عبير موسي المقنعة ببرامجها الاقتصادية الاجتماعية الثقافية التربوية الصحية ، والتي لن أصوت لها شخصيا  ولا لحزبها، خوفا من العودة إلى مربع الديكتاتورية التي تربت في أحضانه.
أما البقية وبعد الاستماع لهم  بإمعان فهم لا يقدمون سوى أدبيات لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا تنبئ عن السياسات التي يمكن أن تنهض بالبلاد ، أو تضعها على طريق تنمية وبوادر نمو يمكن أن تخرج تونس مما فيه من تقهقر ، بالصورة التي تكفل مداخيل كافية لميزانية الدولة ، واقتطاعا لجزء من ذلك النمو للاستثمار بعد عودة الثقة ، وبالصورة التي تمكن من خلق فرص العمل لاستيعاب الأفواج الواردة لطلب العمل بما يقدر بـ60 ألف في السنة ، وربما البدء باستعياب البطالة القائمة.
و إذا كان هذا  هو الحال للمترشحين من أنصار المجتمع المدني ، فلعل النهضة هي الأخرى لا تتوفر على برنامج اقتصادي اجتماعي واضح ومرقم ، يجعل الصورة بالنسبة للمستقبل في ظلها غائمة إلا إذا اعتبرنا أسلمة المجتمع برنامجا.
وإذا كان هذا بالنسبة للمترشحين للرئاسة خاصة بين المنادين بمدنية المجتمع ، فما هو الحال بالنسبة للناخبين .
نظرة سريعة على مختلف استطلاعات الرأي  تونسية وأجنبية  مما تطلبه السفارات من أجل حكوماتها وتجريها شركات  أجنبية متخصصة ، لا يرقى الشك لمصداقيتها ولا لحياديتها ولا لمهنيتها ، فإننا سريعا ما نلاحظ أن على الأقل 10 وربما 15 من بين المترشحين تقل النسب  المفروض  أن يحصل  عليهاعن   3  في المائة  أو أقل وحتى صفر فاصل ، وبالتالي فإن 10 إلى 11 فقط يمكن القول إنهم حقيقة في السباق ،  من بينهم في أحسن التقديرات 5 فقط يمكن أن يكونوا بين الاثنين الأوائل،  أي المؤهلين الوحيدين للتسابق من أجل الوصول إلى منصب الرئاسة.
هذا على مستوى الغباء في  الترشح ولكن الأخطر هو مستوى عدم تقدير الأشياء حق قدرها بين الناخبين، وإذا اعتمدنا استطلاع مؤسسة إيفوب الفرنسية فإن 25 في المائة للأصوات ستذهب سبهللا ، أي إنها لن تكون محسوبة، وهي الأصوات التي لن يحصل أصحابها إلا على 3 في المائة أو أقل ، فلو إن هذه الأصوات ذهبت إلى الأوائل وفقا لما تردده بإجماع شركات سبر الآراء لكانت النتيجة في أعلى القائمة مختلفة ، وبالتمعن من تلك النسب نجد أن الغالب فيها هم من يسمون أنفسهم حداثيين ، بحيث يحرمون حداثيين مثلهم من أصوات ثمينة كان يمكن أن تغير المعادلة ، إنه تصويت ضائع تصويت مهدور ، يمكن أن يدفع مورو أو نبيل القروي أو عبير موسي إلى تصدر القائمة والوصول في الدور الأول إلى المرتبة الأولى أو الثانية ، ولنتوقع فرضا أن الاسمين الأولين بفضل سوء التقدير هذا سيكونان بين نبيل القروي وعبد الفتاح مورو ، فلمن سيصوت هؤلاء الحداثيون أو لمن يدعون بين الناخبين للتصويت  هل لعبد الفتاح مورو أو لنبيل القروي ، ؟ وما هو التصور لمجتمع الغد ، هل يكون مجتمعا خاضعا للتوجه الديني ؟ أو مجتمعا خاضعا لنوع من الانتهازية  والديماغوجيا البغيضة ؟