بكل هدوء
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
... الوعي الغائب ؟
تونس /
الصواب /06/09/2019
بعد تجربتين
انتخابيتين حقيقيتين وحرتين في 2011 و2014
، عدا تجربة انتخابية بلدية ، كان للمرء
أن ينتظر وعيا جماعيا بمعنى الانتخابات وكيفية التقييم سواء للترشح فيها ، أو
للأقتراع ، وبعد الهزيمة الفادحة للمجتمع المدني رغم أغلبية ناخبيه في العام 2011
بسبب تشتت صفوفه ، وبعد النتيجة النصف نصف التي حصلت في انتخابات 2014 رغم التراجع
الكبير لدعاة المجتمع الديني ، كان مفترضا أن تقع يقظة حقيقية ، ويسود الطبقة
السياسية الوعي بمدى ما بيدها من سلاح سلمي عبر صناديق الاقتراع ، غير أننا وجدنا
أنفسنا على قدر كبير من الغباء في أوساط المنادين بمدنية الدولة ، وسنجد أنفسنا
في مواجهة نفس الغباء بالنسبة للناخبين.
ويمكن للمرء
اليوم رسم صورة مجتمعية من ثلاثة ألوان في تونس :
أولها :
مساحة المنادين بمدنية المجتمع وليبيراليته
وثانيهما : مساحة المنادين بمدنية المجتمع ولكن يساريته حتى
لا نقول ماركسيته التي أصبح دعاتها متخفين
وثالثها :
مساحة أنصار المرجعية الاسلاموية .
ووفقا لكل
الدراسات المتاحة فإن الصورتان الأولى والثانية تمثلان حوالي 75 في المائة من
الشتات ، أما الصورة الثالثة فإنها تمثل في أحسن الأحوال 25 في المائة،
ويبدو أن تلك
الصورة الثالثة والأقلية شعبيا ، تهدد إلا إذا حصلت معجزة ، بالسيطرة على الرئاسات
الثلاث ، أو إنها تطمح لذلك : رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان .
وما يدور في
أوساط معينة أو هذا هو الطرح فإن عبد الفتاح مورو سيكون مرشحا ليكون رئيسا
للجمهورية ، وراشد الغنوشي ليكون رئيس مجلس نواب الشعب ، الذي تنبثق منه حكومة
يكون رئيسها زياد العذاري.
هل هي أحلام
يقظة أم إن غباء أنصار مدنية المجتمع ،
يمكن أن يسمح بذلك .
إن ترشح 26
شخصية نهائيا بعد طرح أكثر من ستين قدموا ترشيحاتهم ، لا يدل على ظاهرة صحية ، بل
على ظاهرة مرضية ، قوامها أنانية مفرطة ، وغياب أي قدرة على التنازل والوفاق.
فمن بين
الـ26 مترشحا نجد حوالي 6 ربما زائد واحد أو اثنين يمكن وضعهم في الصنف الثالث أو
الصورة الثالثة ، أي من أنصار المجتمع الديني رغم قرارات المؤتمر الأخير لحزب
النهضة بمدنية الدولة وفصل السياسة عن الدين.
أما البقية
فيمكن تصنيفهم ضمن الصورة الأولى والثانية ، على ما بينهما من فوارق عميقة في تصور
طبيعة المجتمع من مدني ليبيرالي أو مدني لنقل يساري،
هذا التشتت
في أنصار الطبيعة المدنية للمجتمع من شأنه أن يلعب أدوارا سيئة في الانتخابات ،
بحيث يمكن لأغلبية واضحة في المجتمع أن تجد نفسها في صف الأقلية في دواليب الحكم ،
بسبب غباء مركب ، وأنانية مفرطة ، وحسابات خاطئة.
ولو استعرضنا
أسماء المترشحين من أنصار المجتمع المدني ، لوجدنا الفوارق بينهم لا تكاد ترى حتى
تحت المجهر ، هذا إذا كانت لهم برامج حقيقية مرقمة ودقيقة ، باستثناء المرشحة عبير
موسي المقنعة ببرامجها الاقتصادية الاجتماعية الثقافية التربوية الصحية ، والتي لن
أصوت لها شخصيا ولا لحزبها، خوفا من
العودة إلى مربع الديكتاتورية التي تربت في أحضانه.
أما البقية
وبعد الاستماع لهم بإمعان فهم لا يقدمون
سوى أدبيات لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا تنبئ عن السياسات التي يمكن أن تنهض
بالبلاد ، أو تضعها على طريق تنمية وبوادر نمو يمكن أن تخرج تونس مما فيه من تقهقر
، بالصورة التي تكفل مداخيل كافية لميزانية الدولة ، واقتطاعا لجزء من ذلك النمو للاستثمار
بعد عودة الثقة ، وبالصورة التي تمكن من خلق فرص العمل لاستيعاب الأفواج الواردة
لطلب العمل بما يقدر بـ60 ألف في السنة ، وربما البدء باستعياب البطالة القائمة.
و إذا كان
هذا هو الحال للمترشحين من أنصار المجتمع
المدني ، فلعل النهضة هي الأخرى لا تتوفر على برنامج اقتصادي اجتماعي واضح ومرقم ،
يجعل الصورة بالنسبة للمستقبل في ظلها غائمة إلا إذا اعتبرنا أسلمة المجتمع
برنامجا.
وإذا كان هذا
بالنسبة للمترشحين للرئاسة خاصة بين المنادين بمدنية المجتمع ، فما هو الحال
بالنسبة للناخبين .
نظرة سريعة
على مختلف استطلاعات الرأي تونسية وأجنبية
مما تطلبه السفارات من أجل حكوماتها
وتجريها شركات أجنبية متخصصة ، لا يرقى
الشك لمصداقيتها ولا لحياديتها ولا لمهنيتها ، فإننا سريعا ما نلاحظ أن على الأقل
10 وربما 15 من بين المترشحين تقل النسب المفروض أن يحصل عليهاعن 3 في المائة أو أقل وحتى صفر فاصل ، وبالتالي فإن 10 إلى 11
فقط يمكن القول إنهم حقيقة في السباق ، من
بينهم في أحسن التقديرات 5 فقط يمكن أن يكونوا بين الاثنين الأوائل، أي المؤهلين الوحيدين للتسابق من أجل الوصول إلى
منصب الرئاسة.
هذا على
مستوى الغباء في الترشح ولكن الأخطر هو
مستوى عدم تقدير الأشياء حق قدرها بين الناخبين، وإذا اعتمدنا استطلاع مؤسسة إيفوب
الفرنسية فإن 25 في المائة للأصوات ستذهب سبهللا ، أي إنها لن تكون محسوبة، وهي
الأصوات التي لن يحصل أصحابها إلا على 3 في المائة أو أقل ، فلو إن هذه الأصوات
ذهبت إلى الأوائل وفقا لما تردده بإجماع شركات سبر الآراء لكانت النتيجة في أعلى
القائمة مختلفة ، وبالتمعن من تلك النسب نجد أن الغالب فيها هم من يسمون أنفسهم
حداثيين ، بحيث يحرمون حداثيين مثلهم من أصوات ثمينة كان يمكن أن تغير المعادلة ،
إنه تصويت ضائع تصويت مهدور ، يمكن أن يدفع مورو أو نبيل القروي أو عبير موسي إلى
تصدر القائمة والوصول في الدور الأول إلى المرتبة الأولى أو الثانية ، ولنتوقع
فرضا أن الاسمين الأولين بفضل سوء التقدير هذا سيكونان بين نبيل القروي وعبد
الفتاح مورو ، فلمن سيصوت هؤلاء الحداثيون أو لمن يدعون بين الناخبين للتصويت هل لعبد الفتاح مورو أو لنبيل القروي ، ؟ وما هو
التصور لمجتمع الغد ، هل يكون مجتمعا خاضعا للتوجه الديني ؟ أو مجتمعا خاضعا لنوع
من الانتهازية والديماغوجيا البغيضة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق