Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 31 أكتوبر 2014

الموقف السياسي : المشهد بعد الانتخابات والسيناريوهات المحتملة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
انقلاب في المشهد السياسي
من سيبقى .. من سيندثر؟
تونس / الصواب / 30/10/2014
من سيبقى ؟ من سيختفي ؟ من سيعود إلى حجم طبيعي ؟ من سيكون قد فاته القطار ؟ من  يكون انتهى سياسيا ، ومن سيطفو من جديد ؟
أحزاب وشخصيات مرموقة ، كانت تعتبر ذات وجود حاسم، وجدت نفسها " أوت " أي خارج الحيز الذي دارت فيه اللعبة ، لفظها الناخبون، عند استعراض قائمة من القائمات في دائرة معينة لم تحرز سوى على 7 أصوات ، هو بالضبط عدد المرشحين فيها.
حزب  آخر له قائمات مرشحة في كل الدوائر ، ومرشح للرئاسة  ، لم يحصل زعيمه في مكتب الاقتراع الذي ينتسب إليه،  والمفروض أنه في منطقة نفوذه بامتياز "son fief" سوى صوتين اثنين.
في المقابل فإن من يعتقد نفسه انتصر لا بد أن يكون أكثر تواضعا ، وأقل كبرياء وغطرسة ، فهو لم يصل إلى عدد المقاعد التي وصلتها النهضة سنة 2011 ( 85 مقابل 98 )، وهو قادر إلا "بالكورنو" وبصعوبة كبيرة على حيازة أغلبية مطلقة، بهشاشة مطلقة أكثر لتشكيل حكومة ثم المحافظة عليها.
وبعد هذا وقبله فإن الفائز الأول لا يستطيع أن يتبجح ، إلا بأنه نال من الأصوات أقل من 10 في المائة من عدد التونسيين، 1.200 مليون من بين 10.978 مليون ساكن  و39 في المائة من الأصوات الصحيحة ، و25 في المائة من أصوات المسجلين .
لا نرغب في أن ننزل بالمستوى ، ولن نطلق النعوت  الجارحة التي سادت بعد انتخابات 2011 ، ولا حتى  تلك الألطف منها  التي قيلت بعد انتخابات 2014، ولكن دعنا نقول كيف واجه العديد ليلتهم بعد أن ظهرت اتجاهات التصويت في الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين.
 و هناك أسئلة لا بد أن تطرح حول مصير منصف المرزوقي (المؤتمر) ومصطفى بن جعفر ( التكتل)  ونجيب الشابي ( الجمهوري ) ومحمد الحامدي (التحالف الديمقراطي) وسمير الطيب ( المسار)  ومحمد عبو (التيار الديمقراطي) و عبدالرؤوف العيادي (الوفاء) والطاهر هميلة (الاقلاع) والحركة الدستورية ( عبدالرحيم الزواري ) والمجد (عبد الوهاب الهاني) و المبادرة ( كمال مرجان) وغيرهم ، هل سيبقون متزعمين أحزابهم ، بل هل إن أحزابهم أو بعضها مرشح للبقاء أولا.
والقائمة تطول وتطول ، فستون فقط من الأحزاب شاركت في الانتخابات من 190 مسجلة وصاحبة ترخيص ، ما يفترض أن 120 حزبا لم تقدم لا قائمات لا كثيرة ولا قليلة بل غابت ، وتعتبر اليوم في حكم المنحلة، تضاف إليها أحزاب أخرى قد تصل إلى 45 كانت مشاركتها للمشاركة لا غير، ولم تنل شيئا  يذكر  لا من الأصوات ولا من المقاعد.
أحزاب ملأت الساحة بضجيجها ، وهي اليوم تكتفي باجترار مرارتها ، ومع المرارة فإنها مطالبة بإرجاع التمويل العمومي الذي نالته والذي لم تصل إلى عتبة الحفاظ عليه لنتائجها المخيبة للآمال.
في مثل هذه الحالة فإن الفشل يؤدي بطبيعته إلى تغيير في القيادة إن لم يكن  تلاشي الحزب. هذا على الأقل للذين يحترمون أنفسهم.
**
ولكن ورغم ذلك  تجد تونس نفسها أمام واقع يقوم على عدد من المعطيات:
-        أنه لم تتوفر أغلبية مطلقة ، بل ومن الصعب أن تتوفر بسهولة .
-        أن السناريوهات المحتملة تعتمد خيارات أحلاها مر إن كانت كلها أو بعضها ممكنة :
1/ سيناريو أغلبية مطلقة شديدة الهشاشة بجمع
( النداء  : 85 نائبا + آفاق : 8 + المبادرة :3  + الجبهة الشعبية : 15 +  مع احتمالات 3 أو 4 من أطراف أخرى)
المجموع : 114 نائبا
أي بأغلبية ضعيفة وهشة لا تكون قادرة على مواجهة التحديات الكبرى ، واتخاذ القرارات  الصعبة التي يستلزمها وضع معقد جدا، للخروج من الأزمة التي تركت  الحكومات المتعاقبة البلاد فيها ، هذا فضلا على أن هذه الأغلبية تترك الوضع معلقا،  باعتبار أنها ليست أغلبية  تقوم على الثلثين اللازمة لتمرير القوانين الأساسية ، ويمكن بذلك أن تمنع الحكومة من الحصول على قرار بشأن القوانين الأساسية ، أو التشكيلات الدستورية.
2/ السيناريو الثاني يقوم علـــى تحالف واسع برلماني  : ( بجمع نداء تونس 85 مقعدا + حركة النهضة 69 مقعدا + آفاق 8 مقاعد + المبادرة 3 مقاعد + 4 أو 5 مقاعد أخرى من الأحزاب أو المستقلين أي مجموع حوالي 170 مقعدا  ، ما يكسر احتمالات الثلث المعطل ، ويكون الثمن دخول النهضة في أجهزة الحكم ، وربما نيلها رئاسة المجلس النيابي ممثلة بالشيخ مـــورو أو علي العريض و 4 أو 5 وزارات ، كل هذا مع استثناء الجبهة الشعبية التي ترفض أن تكون في حكومة يجلس فيها حزب حركة النهضة ، ولما كان واجبا إعطاء مناصب وزارية لأطراف هذا التحالف الحكومي بما فيها المسار ( الحديث عن العميد فاضل موسى كوزير للعدل) ، فإن الحكومة ستكون موسعة جدا لإرضاء كل الأطراف.
3/ السيناريو الثالث يقوم على حكومة ترأسها جهة مستقلة ولكن سياسية ، وتتشكل من كل الأحزاب التي تقبل ذلك وتضمن عدم وجود ثلث معطل. وتجعل الأحزاب المشاركة فيها غير مسؤولة ولو نظريا، على أخطائها للدخول نظيفة في أي انتخابات مقبلة.
**
تبقى أن كل هذه السيناريوهات مرتبطة بمســـألة رئاسة الجمهورية ،  والموقف منها يشكل في كل الأحوال الدخول في ائتلافات مهما كان نوعها.
ويعتقد المراقبون أن الباجي قائد السبسي سيواصل على طريق الحرص على أن يكون رئيسا للجمهورية في المستقبل ، وبذلك يدخل التاريخ بتلك الصفة.
وحسابيا وليس الحساب دائما صحيحا في  مثل هذه الأحوال، فإنه يتوفر على قاعدة انتخابية صلبة يعتقد عن حق أو باطل هو وحزبه إلى أنها ستقوده للنجاح منذ الدورة الأولى ( 39 في المائة من مخزون التشريعيات ، مع حوالي 10 إلى 15 وافدة من الجهات القريبة منه مثل آفاق  ( حوالي 4  في المائة ) والمسار، الذي لا ينبغي بيع جلده قبل الأوان فهو حزب يجر مائة سنة من الوجود ،  ومجموع المستقلين وبعض الأحزاب الصغيرة القريبة منه أي من النداء ، هذا في انتظار انسحابات متوقعة قد تصب في طاحونته.
ويبقى موقف النهضة محددا بمخزون أصوات لا يقل عن 30 في المائة ، لمن يمكن أن تصرفها ، وهي في كل الأحوال لا يمكن أن تذهب كاملة للباجي إن دعت للتصويت له ، وجانب منها يذهب للمنصف المرزوقي حتى لو دعت النهضة للتصويت لغيره.
ولعل المنصف المرزوقي هو المنافس الوحيد الجدي للباجي ، وإن كان منطلقه ضعيفا باعتبار انهيار حزبه ، لكن المصوتين له يشقون كل قواعد الأحزاب ، ولكن أيضا  هل سيكفل له ذلك مواجهة متكافئة مع الباجي الذي كانت كل الدلائل تشير إلى احتمالات نجاحه في كل الأحوال.
والنهضة لا بد لها أن تضع في الاعتبار ، شرط نداء تونس  للقبول بمشاركتها في الحكم رغم الحاجة الملحة إليها ، وهو شرط الدعوة من طرفها لانتخاب زعيمها قائد السبسي  ، كما إن النهضة تخشى إن بقيت خارج الحكم ،أن يكون ذلك إيذانا بتهميشها  في أي انتخابات مقبلة ، وهو أمر تحتاط له وتقرأ له ألف حساب. 



قرأت لكم : مقال آمال موسى في الشرق الأوسط حول الانتخابات

قرأت لكم
للكاتبة الدكتورة آمال موسى
نتائج الانتخابات التونسية
 شد أذن «النهضة»
وثقة في الأحزاب الجديدة
في مقالها الأسبوعي في صحيفة الشرق الأوسط تحليل لنتائج انتخابات الأسبوع الماضي ، كتبت الزميلة والصديقة الدكتورة آمال موسى المقال التالي ، الذي ننشره بترخيص منها:
تبدو نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في تونس يوم الأحد الماضي، مليئة بالرسائل ومحفزة لإبداء ملاحظات عدة(.....)
كيف يمكن قراءة نتائج التصويت الانتخابي ، وكيف يمكن تفسير فوز حركة «نداء تونس» بأغلبية المقاعد وتراجع نسبة التصويت بالنسبة إلى حركة «النهضة» السياسية الإسلامية، التي فازت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 بالأغلبية النسبية؟
تتمثل أول ملاحظة حول الانتخابات التشريعية في أن نسبة التونسيين الذين قاموا بعملية التصويت ومارسوا حقهم وواجبهم الانتخابيين، قد بلغت 61 في المائة من مجموع المسجلين. وهي في الحقيقة نسبة متواضعة ولا تشي بوجود حماسة شعبية تجاه الفعل الانتخابي التشريعي.
الملاحظة الثانية، تتصل بنتائج الانتخابات؛ حيث إن الناخبين التونسيين عاقبوا الترويكا من خلال عدم التصويت لحزبي التكتل، والمؤتمر من أجل الجمهورية. كما أن الشريك الأساسي في الترويكا؛ أي حركة «النهضة»، وإن لم تتكبد خسارة كبرى، فإنها صمدت واكتفت بالتراجع النسبي؛ إذ لم تعد في صدارة الأحزاب، وافتكت منها حركة «النداء» مركز الصدارة والأغلبية النسبية لمقاعد البرلمان.
وفي الحقيقة وبالنسبة إلى حركة «النهضة» بالذات، فموضوعيا لا يمكن القول إنها سقطت انتخابيا أو تلقت ضربة قاضية؛ بل إن الأكثر دقة هو أن التونسيين قاموا بما يشبه عملية «شَدّ أذن» لحركة «النهضة» وإنزال عقاب رمزي ضدها. ومن ثم، فهي تراجعت دون أن تخسر كثيرا، ومن الصعب مقارنتها بالسقوط المدوي لشريكيها في الترويكا الحاكمة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
ويبدو لنا أن هناك جزئية مفصلية ومهمة تتصل بالأحزاب ذات الخلفية الدينية، وهي أن طبيعة علاقة قاعدتها الشعبية بها تختلف عن الأحزاب السياسية الأخرى ذات التوجهات التحديثية والليبرالية.. ذلك أن العلاقة مع الأحزاب الدينية تحتكم إلى الآيديولوجيا وليس إلى مدى قدرة الحزب على إشباع توقعاته الاقتصادية وغير ذلك.
وما حصل مع حركة «النهضة» هو أنها فقدت الذين صوتوا لها في الانتخابات الفارطة دون أن يكونوا من قاعدتها الشعبية ومن مريديها.. ذلك أنه بعد حدث الثورة وعودة حركة النهضة، ومن باب الشعور بتضحيات هذه الحركة ومعاناة مناضليها في السجون والمنفى، فضلا على أنهم لم يخوضوا تجربة الحكم، فإن كثيرين من خارج القاعدة الشعبية للحركة قاموا بالتصويت لفائدتها، وذلك نكاية في النظام السابق وأتباعه.
وأمام اعتبار من التونسيين أن حركة «النهضة» ارتكبت أخطاء جسيمة وأنها برهنت على خبرة سياسية متواضعة، وعدم قدرتها على تأمين الأمن والمحافظة على نمط الحياة الثقافي والاجتماعي التونسي، ناهيك باتهامها بالتساهل مع أصحاب الفكر الراديكالي والمتشدد، فإن الرصيد الشعبي الإضافي قد خسرته حركة النهضة في هذه الانتخابات، ولم يصوت لها إلا قاعدتها الشعبية المتضامنة معها والتي يفرض عليها الانضباط الآيديولوجي والحزبي ألا تمارس آلية العقاب إلا في مؤتمراتها الداخلية.
هذا فيما يخص التراجع النسبي لحركة «النهضة».
أما فوز حركة «نداء تونس» فهو نتيجة تستبطن وتظهر في الوقت نفسه رسائل قوية؛ أولاها أن الناخبين لا تعتقد غالبيتهم في الخطاب الثوري وفي القوى السياسية التي تركز في خطابها على مضمون الثورية. فـ«نداء تونس» خليط من دستوريين وتجمعيين وبعض عناصر من اليسار، يجمع بينهم رفض الإقصاء والدعوة إلى المصالحة الوطنية والتمسك بمبدأ هيبة الدولة. بل إن فوز «نداء تونس» هو في واقع الأمر فوز لرئيس الحركة السيد الباجي قائد السبسي الذي يرمز إلى المشروع التحديثي البورقيبي باعتبار أنه أحد رجالاته وتقلد وزارات عدة ويمتاز بخبرة سياسية وحنكة دبلوماسية. وهو ما يعني أن غالبية التونسيين الناخبين يفضلون أنموذج الدولة الوطنية الحديثة والمواصلة على النهج البورقيبي واتباع الإصلاح لا الثورة.
كما أن فوز «نداء تونس» في الانتخابات التشريعية، سيقوي من حظوظ الباجي قائد السبسي في الفوز بالانتخابات الرئاسية، خصوصا إذا تراجع عن تصريحاته قبيل الانتخابات التي تقول بأنه لن يتحالف مع حركة «النهضة». ويبدو لنا أن التراجع قد يكون ضرورة بالنسبة إلى الباجي قائد السبسي وهو الرجل البراغماتي والواقعي سياسيا.. ذلك أنه يمكن لحركة «النهضة» أن تلعب دور المعرقل أمام فوزه بمنصب الرئاسة في صورة عدم التحالف. ولا نعتقد أن المشهد السياسي كما بدأ يتشكل حاليا في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية، سيترك المجال فسيحا لحركة «نداء تونس» كي تهيمن على البرلمان وعلى مؤسسة الرئاسة دون أن يتطلب منها ذلك تغييرا في التكتيك والحسابات والتحالفات.
الواضح أن الانتخابات الرئاسية ليست معزولة عن التشريعية، وأن هناك روابط غير مرئية وتأثيرية غير ملموسة.
والأكثر وضوحا هو أن النخبة الحاكمة الجديدة أمامها تحديّات مرهقة وكثيرة؛ على رأسها ملف الإرهاب، وملف الاقتصاد المتأزم.


الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

سانحة : الفرز بين ما هو علماني وديني

سانحة 
يكتبها عبد اللطيف الفراتي 
بعد الانتخابات
الفرز بين  مرجعية دينية ومرجعية مدنية
تونس / الصواب / 29/10/2014
انتهت الانتخابات التي جرت الأحد 26 أكتوبر، بالفرز بين ما هو إسلامي وما هو علماني.
وإذ صوت الكثير من العلمانيين  لفائدة النهضة لتجنب عودة الدساترة  والتجمعيين " أعداء الثورة" ،  فإن الفرز أصبح أكثر وضوحا مما كان عليه الأمر غداة انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، ففي تلك المناسبة التي حصلت فيها النهضة على ما بين 37 و38 في المائة من الأصوات كان اتضح وقتها ، أن الكثيرين من المصوتين ، لم يكونوا نهضويين ، لا انخراطا ولا حتى إحساسا ، ولكنهم كانوا يبحثون عن الأصلح ،، ممن " يخافون ربي " وممن اكتووا بنار الفساد والسرقات والرشوة خلال الحكم السابق على الرغم ، مما كان يحققه من نسبة نمو نسبيا عالية تم افتقادها في السنوات الموالية ، ورغم أن النظام السابق ومنوال التنمية الذي اعتمده كان وصل إلى حدوده ، ولم يعد قادرا على الاستجابة لحاجيات المجتمع وتطلعاته.
ولكن وبعد 3 سنوات يكاد يوما بيوم على ذلك الموعد جاء الوقت ليتم التصحيح ، وتقف النهضة على حدود مخزونها الانتخابي المتراوح بين 25 و30 في المائة ، من المنضبطين المناصرين ، وهو مخزون غير قابل للانضغاط ، وسيبقى على حجمه ذاك إلا إذا حصل ما يدفع اجتماعيا لوضعه داخل حدود أقل.
غير أن البقية ليست بالضرورة علمانية (70 في المائة ) فزيادة على المتشددين والسلفيين ومن يقاطعون الانتخابات على أساس أنها لا تعترف بأن الحاكمية لله وليس للشعوب ، ولعل السؤال هو كيف يمارسها الخالق  ، أليس عن طريق البشر) ، فالغالب من الناس لا يدركون ولا يعرفون لفظ العلمانية ، بل إن الكثيرين يخلطون بين العلمانية واللائكية والالحاد ، ويعتبرون أن العلماني كافر ، حتى وإن كان شديد الايمان ومن يحافظ على أداء فرائضه.
والنهضة التي خسرت معركة ، ولو بفارق ضئيل ، هي إلى عودة في مناسبة أخرى بعد 5 سنوات  أو أكثر ، وربما أقل إذا فقدت الحكومة المقبلة مهما كانت تركيبتها  ثقة البرلمان لهشاشة التركيبة القائمة في مجلس نواب الشعب المنتخب ، واحتمال انفجار أي أغلبية في أي وقت ، وهو ما يؤدي حتما برئيس الجمهورية لحل البرلمان والدعوة لانتخابات  سابقة لأوانها ،  يمكن أن تكون نتائجها معاكسة للأغلبية الحالية حتى ولو كانت حركة النهضة من ضمنها.
وفي هذه الحالة هناك احتمال ، بأن يكون التصويت عقابيا ، لنداء تونس ، فيخسر أولويته حتى لا نقول أغلبيته النسبية ،  ووفقا للتفاعلات السياسية الحالية والاستقطاب الثنائي الهش خصوصا بفعل طبيعة نظام الاقتراع الحالي ، وعدم بروز قوة ثالثة ذات وزن بين القطبين ، فربما تعود الأغلبية للنهضة ، أغلبية نسبية بطبيعة الحال ، ويحصل تداول سريع ليس من مصلحة البلاد واستقرارها ، ولا لإعطاء الوقت اللازم لتنفيذ سياسات أو مشاريع كفيلة بإنقاذ البلاد ووضعها على سكة تنمية فعلية.
وفي هذه الفرضية ، فإن النهضة تكون سائرة على طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية ، كما تطورت إليها بلدان أوروبا الغربية ، مع لمسة دينية تفرضها طبيعة الدين الاسلامي ، وعدم حصول صدام فعلي بين الدين والمجتمع كما حصل في أوروبا الغربية بفعل تسلط الكنيسة ونظام الرهبنة والاكليروس.
بعد الانتخابات ، وقبول النهضة بالتداول على السلطة ، هل يمكن القول إن تونس هي عبارة عن مخبر تسامحي لعلاقة جديدة بين حزب إسلامي المرجعية ، ومجتمع جانب كبير أو الأكبر منه لا يجد نفسه في تلك المرجعية ، وبذلك تسقط مقولة الاستاذ راشد الغنوشي ، باعتبار أن "التدافع الاجتماعي " هو الذي سيحول المجتمع إلى مجتمع ديني أو متدين.
وبالتالي فإنه يبدو واضحا أن هذه الانتخابات لم تحسم الأمر ، ولعله غير قابل للحسم ولا صحة لمن يقول إن هناك 30 في المائة ممن يتمسكون بمرجعية دينية و70 في المائة يتمسكون بمرجعية علمانية.
ولعل النهضة يمكن أن تقضم ما بين 10 و15 في المائة من خارج مخزونها من الأصوات من بين من لا ينتسبون لمرجعية دينية في إطار انتخابات بعد 5 سنوات أو أكثر وممن يحسبهم البعض على العلمانيين.

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الموقف السياسي : بعد الانتخابات ما هو الآتي

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد الانتخابات
التوازنات الجديدة ..في الساحة السياسية
تدفع إلى السطح بالمرجعية المدنية
و قد تفرض تحالفا بين النداء والنهضة
تونس / الصواب / 26/10/2014
كما كان متوقعا فإن المشهد السياسي شهد انقلابا  سلميا حضاريا عميقا ، بعد الانتخابات التشريعية ليوم 26  أكتوبر 2014 ،  فقد تركت الأغلبية في المجلس التأسيسي المنتخب في 23 أكتوبر 2011 ، تركت مكانها لأغلبية جديدة أزاحت النهضة والمؤتمر والتكتل من موقعها ، في انتظار ما سيحصل من تفاعلات ،  تبرز واقع الأغلبية الجديدة التي ستترجم  النتائج الحاصلة إلى توازنات جديدة.
الأرقام غير مهمة جدا، والمهم هو طبيعة الواقع الجديد على الأرض :
أولا  : أنه وكما سبق أن كتبنا على أعمدة هذه المدونة ، فإن الرهان كان قائما ، على نمط المجتمع ، وهل ستتحكم فيه مرجعية دينية في المحـــــصلة أو مرجعية مدنية ( اقرأ مقال عن رهانات الانتخابات المقبلة  بتاريخ منشور مع هذا المقال).
وبالرغم من كل الماء الذي وضعته النهضة في طاحونتها ، على رأي المثل الفرنسي حتى لا نسوق مثالا آخر أبلغ قد يجرح شعور الكثيرين ، وذلك منذ شهر ماي 2012 عند كتابة الفصل الأول من الدستور ، وخاصة  التنازل عن وضع الشريعة كمصدر للتشريع ، والعودة إلى الفصل الأول كما تصوره الرئيس الحبيب بورقيبة في دستور 1959، ركيزة الدولة المدنية ، ثم التنازل عن اعتبار المجلس الاسلامي الأعلى كهيئة  دستورية ، وكل التنازلات الأخرى ، فقد بقي جانب كبير من المواطنين غير متأكدين من مدنية  مرجعية النهضة ، خصوصا  إزاء تصريحات متكررة لأقطاب منها ، منهم اللوز وشورو والوجه الجديد من صفاقس إمام جامع سيدي اللخمي أو اللخمي  الشيخ الجوادي.
ثانيا : أن الانتخابات الأخيرة بعد مرور 3 سنوات أبرزت كما سبق أن كتبنا عدة مرات ، أن مخزون أصوات النهضة  هو ما بين 25 و30 في المائة ، هؤلاء لا يتزحزحون عن موقفهم ، نجحت النهضة أو فشلت سياساتها ، ربما يضاف إليهم في فرص قادمة ( بعد خمس سنوات أو أقل في حالة حل البرلمان من قبل رئيس الجمهورية قبل الموعد )  كل الغاضبين من أداء من سيحكمون ، ومهما كانت التحالفـــــــات المقبلة ، وسواء كان رئيس الحكومة من نداء تونس أو من خارجــــه ، فسيتحمل نداء تونس ، عبء الغضب الشعبي المحتمل باعتبار ضخامة  التحديات ، وعدم القدرة على النجاح في مواجهتها .
ثالثا :  إن النجاح بأغلبية حزبية في هذه الانتخابات (84 إلى 85 مقعدا حسب المصادر أي أقل من الأغلبية النسبية التي حصلت عليها النهضة سنة 2011 بـ 89 مقعدا ) ، يجعل الحكومة المقبلة في حالة تأجيل تنفيذ بحسب إرادة الائتلاف الذي سيقوم ، أو جانبه الغير ندائي ، باعتبار أن نداء تونس لا يمكنه بمفرده أن يشكل أغلبية مطلقة وبالتالي حكومة منفردة اللون.
وحتى حكومة النهضة المؤتلفة مع المؤتمر والتكتل ، كانت في نفس الوضع ، غير أن تمسك منصف المرزوقي برئاسة الجمهورية ،  ومصطفى بن جعفر برئاسة المجلس التأسيسي ، لم يهددها في أي وقت من الأوقات ، وحتى عندما أخرج وزراء التكتل والمؤتمر إضافة إلى النهضة ( صوريا في أحيان كثيرة من الأحيان بالنسبة للنهضة) من الحكومة ، بقيت الأغلبية حفاظا على منصبي رئيسي الحزبين التكتل و المؤتمر، الحزبان اللذان دفعا الثمن الباهظ  لتأييد الـــنهضة  غير المشروط ، ولم يعد لهما وزن يذكر بعد انتخابات 26 أكتوبر، وباتا بين أحزاب ما يقارب الـ صفر فاصل ، التي كم تشدقوا بها.
**


هل يدخل النداء والنهضة في تحالف نيابي
(بـأكثر من 150 نائبا ) وعلى أي أساس ؟
صفحة تم طيها بين 2011 و2014 هي صفحة حكم النهضة التي كان يمكن أن تحكم منفردة لولا عاملين اثنين ، كان المجلس التأسيسي بأغلبية  تفوق 130 نائبا من 2017 قليل التأثير فيها ،
أحدهما هو المجتمع المدني وفي فرصة واحدة أو فرصتين  مصطفى بن جعفر، وفي فرصة وحيدة منصف المرزوقي ، ففي قضية الكتابة الجديدة للفصل الأول من الدستور بإقحام الشريعة ، وفي قضية إقحام إقامة مجلس إسلامي أعلى له حق فيتو على النصوص القانونية التي لا يراها تتماشى مع "شرع الله" ،  وقف المجتمع المدني بقوة فأسقط المشروعين النهضويين ، ما سمح بالقول بأن الدستور دستور 27 جانفي 2014 يعتبر عموما ركيزة للدولة المدنية لا الدولة الدينية.
ثم أن التطورات المصرية في يونيو / يوليو 2104 ، والتمرد الذي أنزل للشارع ملايين المصريين ضد الرئيس الأسبق مرسي ،  وهو تحرك جماهيري معترف بشرعيته ومشروعيته سواء باعتبار دستور الثورة الفرنسية الأول 1789 ودستور الثورة الفنسية الثاني 1793 وكذلك العهد الدولي لحقوق الانسان ، والذي قفز عليه الجيش المصري واستغله لإعادة نظام عسكري أسقطته ثورة 25 جانفي 2011 ، عشرة أيام بعد نجاح الثورة التونسية.
فقد عرفت النهضة كيف تستفيد من أخطاء الإخوان في مصر ، قبل وبعد إسقاط نظامهم التسلطي المنفرد ، وتحاشت الأخطاء الفادحة التي سقطوا فيها ، وفهمت أن الأغلبية النيابية لا تكفي ( خصوصا زمن غيابها فقد كان مرسي يحكم بدون برلمان) ، وأن المجتمع المدني والشارع لهما كلمتهما في الأمر، ولذلك انحنت النهضة بذكاء قائدها  للإرادة الشعبية ، سواء في  اعتصام باردو أو أمام  المظاهرات الثلاث التي جمعت مئات اللآلاف  في أوت 2014 خاصة ، وفي اعتصام النواب أمام المجلس ، والحركة الذكية لمصطفى بن جعفر ، بإيقاف أشغال المجلس التأسيسي ، وهي حركة جاءت متأخرة من جهة ومنفردة بعد كل السمع والطاعة للنهضة  حفاظا على كمشة من المقاعد بدون صلاحيات تذكر وبلا تأثير فعلي ، بعد أن استحوذت النهضة على قرار التسميات والتعيينات منفردة ، وبالتالي لم تفده أي مصطفى بن جعفر  ولم تفد حزبه في الانتخابات الموالية التي خرج منها حزبه بمقعد فريد (19 في سنة 2011)، فيما اكتفى المؤتمر بأربعة بعدما انشق منه ما انشق ، وبعد ما رفعت النهضة يدها من مد يد المساندة له ومدته بالمترشحين من صفوفها وفي مقدمتهم سمير بن عمر حرصا أيضا هذه المرة على إنقاذ نفسها أولا.
استفادت النهضة من الدروس ، واعتبرت أن النيابة وحدها غير كافية ، ولذلك كانت من الليونة ، ما جعلها تتأقلم مع التطورات ، بعكس ما حصل في مصر مع الإخوان ، الذين تصرفوا بعجرفة ، فكان مصيرهم المحتوم معروفا مسبقا ، وإذ حاولوا الانفراد بالقرار فإنهم خسروا كل شيء.
درس بليغ أعطته النهضة لمن سيحكم هذه البلاد ، وخاصة للحزب الأول الذي سيدعى لتشكيل الحكومة سواء من صفوفه أو بصورة ائتلافية أو بحكومة خبراء.
ولكنه وفي كل الأحوال فإنه سيتحمل وزر التحركات المقبلة للسلطة.
**
هل تصل المدة النيابية إلى غايتها أي لمدة 5 سنوات ؟
ما هو المتوقع بعد الانتصار الذي حققه نداء تونس ، وما ستكون آثاره ، وماذا سيحصل بعده:
1/ ينبغي انتظار من سيكون رئيس الجمهورية ، وإذا حصل وكان قائد السبسي فإن النداء سيحمل كل الوزر .
2/ إن قرارات غير شعبية وكثيرة وثقيلة مطلوبة من الحكومة التي ستعرفها تونس خلال السنوات القادمة ( ولا أحد يعرف كم ستدوم عام أو عامين أو ثلاثة أو لكل المدة ) بعد جمود مقصود سواء لحكومتي النهضة أو حكومة الكفاءات وكانت ثلاثتها تعمل على الانتظار.
3/ إن سببا رئيسيا في صعود نداء تونس لا يكمن في قوته الفعلية ، وإذا كانت النهضة تتوفر على مخزون قار من الأصوات بين 25 و30 في المائة حسب تقديرات الملاحظين ، فإن لا أحد يعرف تقديرات مخزون أصوات نداء تونس ، الذي التجأ إليه الكثيرون ، في إطار ما سمي بالتصويت المفيد ، غير مقتنعين به ، إما لزعامته أو لكثرة (ما ) فيه من دساترة وتجمعيين ، أو لعدم وضوح الرؤيا لديه ( وهو يشترك في ذلك مع كل الأحزاب وفقا لما استنتجناه من دراسة 25 برنامجا انتخابيا.) 
4/كيف ستكون التركيبة المقبلة البرلمانية والحكومية. وماذا ستعرفه من تحالفات.
أ/ بينما نادت النهضة منذ زمن بتحالف مع نداء تونس كان يرفضه الأخير، عاد الباجي قائد السبسي في آخر لقاء صحفي له مع نسمة لعدم رفض احتماله ، وأكده بعد ذلك في عدة مناسبات.
وإذا كانت الكتلة التحالفية بين الاثنين تبلغ  أكثر من 150 نائبا وهي كتلة أكثر من كافية نيابيا  ولكن هل هي كافية لترويض مجتمع مدني تعلم كيف يكون متمردا ، فمن من الآخرين يمكن أن ينضم ، الحزب الثالث الوطني الحر يرفض أي تحالف إن لم يكن رئيسه سليم الرياحي رئيسا للحكومة ، وهو أمر مستحيل كما سنرى لاحقا، والجبهة الشعبية من الأكيد أنها سترفض التحالف مع النهضة مهما كان الثمن،  وهي الأقدر على التعبئة من داخل المجتمع المدني، وآفاق ليبرالية جدا ولكنها يمكن أن تلتحق، فيما المبادرة يمكن أن تحكمها رغبة جامحة لفرض نفسها كقوة دستورية وحيدة للمستقبل ،  خصوصا إذا دعيت لحكومة مقبلة،فيما البقية لا يزنون مطلقا  من الناحية النيابية أي في المجموع أكثر من 170 نائبا من جملة 217 . كل هذا إذا لم تكن الرغبة جامحة أيضا لدى نداء تونس بالاستحواذ على الثلاث رئاسات الجمهورية في شخص الباجي قائد السبسي ومجلس نواب الشعب في شخص محمد الناصر والحكومة في شخص الطيب البكوش ، وعندها يكون قد ارتكب خطأ أكبر من ذلك ارتكبته النهضة سنة 2011 ، ودفعت ثمنه غاليا.
لكن وإذا شعرت النهضة من خلال استطلاعات الرأي أنها أصبحت قوة أولى  عتيدة ،  ألا تنكث العهد وتسقط الحكومة في أي وقت  بحجب الثقة ، فيضطر رئيس الجمهورية مهما كان لحل المجلس والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تفوز فيها النهضة.
ب/ يبقى أن المرء لا يمكن أن ينهي دون أن يقف عند انهيار المؤتمر والتكتل والجمهوري والتحالف الديمقراطي والمجد ووفاء والإقلاع والديمقراطيين الاشتراكيين ، والمسار وغيرهم .
المفروض أن تختفي عدة أحزاب  أو تتوحد ، ولكن السؤال كيف سيحافظ الكثيرون على ترشحهم للرئاسية ، وهم في التشريعية على هذه الحال من الهزال ، وفي مقدمتهم منصف المرزوقي ، الذي يبدو أن النهضة ستتخلى عنه  لتدعم  شخصا أخر  في نطاق صفقة مع الباجي ، ولكن أيضا الشابي  و الحامدي وبن جعفر وغيرهم ممن لم يجربوا حظهم في التشريعية ، خصوصا بعد ما أعلن الهاشمي الحامدي عن انسحابه.
مقابل هذا من هو الشخص الذي سيتفق بشأنه لرئاسة الحكومة ؟ هل يكون الزنايدي أم  النابلي أم مرجان أم سيقع الحفاظ على مهدي جمعة أو غيرهم ،  وفي هذه الحال هل تؤول الرئاسة ورئاسة الحكومة إلى الحراس القدامى الوافدين من حزب الدستور.
ثم سؤال أخير ، هل ستكون حكومة حزبية أم ائتلافية أم حكومة كفاءات . ؟

بكل هدوء : الرهان في الانتخابات هو نمط المجتمع ، مقال تم نشره يوم 4 أوت في المدونة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الرهان : نمط المجتمع
تونس / الصواب /04/08/2014
بدأت الحملة الإنتخابية تحتدم ، ويشتد سعيرها، وبدأت بعض الأحزاب في تسريب رؤساء قائماتها  للإنتخابات التشريعية، فيما طالت قائمة المرشحين للرئاسيات ، وفاقت الثلاثين اسما.
ورغم إفراغ المنصب الرئاسي من صلاحيات فعلية، في نظام أقره الدستور الجديد، واعتبر مزدوجا، لكنه للواقع يضع غالب المشمولات بين يدي رئيس الحكومة، إلا البعض مما لا يبدو أن يد رئيس الجمهورية فيها ليست مطلقة ، فإن السباق الرئاسي في انتخابات ستجري بعد التشريعيات ، هو الحائز على قصب السبق وذلك لاعتبارين اثنين:
أولهما لما رسخ في الوعي الجماعي من أن رئاسة الجمهورية  هي قطب الرحى في سلطة القرار بعد 50 سنة من حكم رئاسي إن لم نقل رئاسوي إلى حد الكاريكاتور.
وثانيهما أن الشعور العام رغم أهمية الانتخابات التشريعية يميل إلى اختصار مركز القرار بيد رئيس الجمهورية.
وسواء كان الأمر متعلقا بالإنتخابات التشريعية أو بالإنتخابات الرئاسية  فإنه لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن طبيعة الرهان في هذه المرحلة تتمثل في أمر أساسي رئيسي ، يسبق كل غيره من المظاهر ، وهو طبيعة نمط المجتمع، وهل نريده أن يكون متفتحا مسايرا لعصره، أو ماضويا ـ إن صحت الماضوية ـ في بلد له أن يفخر بأنه أول من منع الرق، وأول من أصدر دستورا وأول من حرر المرأة، وأول من فتح أبواب العلم للجميع ونشره على أوسع نطاق .
ذلك هو الرهان الحقيقي، الذي لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان، لأننا في مفترق طرق بين مستقبل، يحاول اللحاق بالحضارة الكونية ، ومستقبل مظلم بعيد عن كونية المعاملات وحريتها .
ولقد سبق لنا ، أن دافعنا وبشراسة على حق الإسلاميين في التنظيم، وما الحديث الصحفي الذي نشرناه في جريدة الصباح في 17 جويلية 1988  مع الأستاذ راشد الغنوشي بعد مخاض طويل ( والذي استشهد به زعيم النهضة أكثر من مرة حتى بعد 14 جانفي )، وبتواطيء بيني شخصيا وبين الأستاذ منصر الرويسي الذي كان أيامها مستشارا سياسيا للرئيس الأسبق بن علي إلا دليل على ذلك.
وما المقال الافتتاحي الذي نشرته شخصيا في جريدة الصباح أيضا في شهر أفريل 1989( بموافقة مدير الصحيفة أيامها الأستاذ الكبير الحبيب شيخ روحه وهيئة التحرير وكنت وقتها رئيس التحرير ) والذي دعوت فيه إلى اختيار نموذج المجتمع المدني لا المجتمع الديني  بقطع النظر عن أي حزب ، أيام كانت مترشحة  قائمات "مستقلة" يدعمها الاتجاه الإسلامي  تحمل اللون البنفسجي ، إلا دليل آخر وبعد 25 سنة على  ثبات في الموقف وتشبث بالمبدأ القائم على أن الأصلح للبلاد والعباد ، نمط مجتمعي منفتح قائم على هوية راسخة ، ولكن مفتوحة لا متزمتة عفا عليها الزمن.
ولعله تأتي الفرصة قريبا لنشر المقالين على أعمدة هذه المدونة "الصواب".


بكل هدوء : كيف كانت تكون نتائج الانتخابات لو تم اعتماد التصويت بالأغلبية على القائمات : حزبان فقط في البرلمان

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في ظل الاقتراع بالنسبية مع أعلى البواقي
ماذا كانت تكون  نتيجة الانتخابات
لو تم اعتماد طريقة التصويت
التي استمر العمل بها على مدى 55 عاما ؟
تونس / الصواب / 18/10/2014
منذ انتخابات 32 أكتوبر 2011 ، تم اختيار طريقة التصويت على القائمات بالنسبية بأعلى البقايا ، وكان هذا اختيار عياض بن عاشور لضمان تمثيلية أقرب ما تكون للعدالة ، وإن لم تكن هناك للواقع طريقة عادلة تمام العدل.
ولكن لو تم الاستمرار على طريقة كان معمولا بها منذ انتخاب المجلس القومي التأسيسي في مارس 1956 ، أي طريقة الاقتراع على القائمات بالأغلبية ، وتقتضي هذه الطريقة أن تفوز القائمة بكل أعضائها إذا احتلت المرتبة الأولى، معنى ذلك أنها تفوز مهما كان عدد المصوتين لفائدتها ومهما كانت النسبة التي حصلت عليها ، فمثلا وبفرضية مدرسية إذا ترشحت 30 أو 40 قائمة مثلما هو معمول به اليوم وحتى أكثر فإن القائمة الأولى مهما كان عدد الأصوات التي أصابتها ومهما كانت نسبة الأصوات التي فازت بها فإنها تلهف كل مقاعد الدائرة.
                                      
اعتماد التصويت الأغلبي على القائمات كان يفضي في انتخابات 2014 إلى فوز النداء بـ109 مقاعد والنهضة بـ 84 مقعدا ، ولا يتم تمثيل أي طرف آخر


وفي هذه الحالة من كان يمثل في البرلمان الجديد وفقا لما أتيح لنا من معرفة  نتائج الدوائر لا كلها ولكن 29 من 33 دائرة بما فيها بعض  دوائر الخارج.
نتائج التصويت الأغلبي على القائمات كان يفرز  من 203 نواب ( البرلمان يضم 217)  124 نواب لنداء تونس و84  مقعدا للنهضة ، فقط وكانت كل الأحزاب الأخرى مقصية من التمثيل.
وبما أن القائمة الأولى هي وحدها الفائزة فإن التوزيع للدوائر المتاحة كان يكون كما يلي:
نداء تونس :
الدائرة
عدد المقاعد
تونس 2
10
أريانة
8
بن عروس
10
منوبة
7
نابل 1
6
نابل 2
8
بنزرت
9
زغوان
5
جندوبة
8
باجة
6
الكاف
6
سليانة
6
سوسة
10
المنستير
9
المهدية
8
نابل 2
8
ص 2
8
ألمانيا1
1
الجملة
124


النهضة :

الدائرة
عدد المقاعد
تونس 1
9
صفاقس 1
7
القيروان
9
سيدي بوزيد
6
القصرين
8
قابس
7
قفصة
7
توزر
4
مدنين
9
تطاوين
4
قبلي
5
إيطاليا
3
فرنسا 1
4
العالم العربي وبقية العالم
2
الجملة
84


وبالتالي فإن المجموع العام هو 208 مقاعد وبقي النظر إذن في 9 مقاعد في دوائر لم نتعرف على من جاء من القائمات أولا فيها.وبالتالي أيضا فإن النسبة تكون كما يلي : نداء تونس : 75 في المائة والنهضة 25 في المائة