Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 26 مايو 2017

بكل هدوء : هل انطلقت رصاصة القضاء على الفساد، أم رصاصة كشف التآمر ؟


بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
من هنا البداية
ولكن من يستطيع أن يتنبأ بالنهاية ؟
تونس / الصواب /25/05/2017
بعد ما يقل عن 8 أشهر على تقلده " حقيقة السلطة " وفقا لمقتضـــيات الدستور ، يبدو أن يوسف الشاهد قد كسر الأغلال وانطلق على طريق أجندة لم تكن لا منتظرة ولا متوقعة ، ليس معروفا إن كانت نالت إن لم يكن موافقة الثنائي الحاكم فعلا  السبسي الأب/ الغنوشي وإن كانت كل الفرضيات تميل للقول بعلمهما ، دون استطاعة شيء لوقف سير دبابة الشاهد ، نظرا إلى أنه كان يمكن أن يخرج باستقالة مدوية تضع الجميع أمام مسؤولياتهم وبذلك خرج "الغشير" عن فروض الطاعة.
ضرب الشاهد عدة عصافير بحجر واحد ،
1/ دفع اعتصام تطاوين وسقوط قتيل إلى مرتبة غير متقدمة من الاهتمام الوطني ، فكف الحديث عنه ، ما يسمح بالحل الذي ترتضيه الحكومة بعيدا عن الأضواء.
2/ الشروع في محاسبة ، كم بشر بها الشاهد دون أن يتمكن من تحقيقها ، لقوة غير متوقعة من المتنفذين في كل الدواليب.
3/ اكتساب شعبية كبرى لم يكن يحلم بها ، وقد تؤهله مستقبلا لأدوار رئيسية  على رقعة الشطرنج الوطنية في ظل شيخوخة الرئيس الحالي بحيث يستحيل التجديد له ، وعدم وجود مرشح مقنع .
لكن بعد هذا سيبقى تساؤل حائر، لماذا اختار الشاهد هذا الطريق ، ولماذا لم يندفع على الطريق الطبيعي للملاحقة القضائية العدلية .
من المؤكد أن له أسبابه ، فقد تم البحث عن نص قديم يعود للعام 1978 ، لاعتماده في هذا التحرك  ومن مخلفات عهد بورقيبة ، و للتعمية سبق ذلك بدعوة لوزير العدل لتحريك الدعوى من قبل الاجهزة القضائية على خلفية ما جاء في تصريحات لصهر الرئيس الأسبق بن علي ، عماد الطرابلسي ابن أخت الرئيس الأسبق  بن علي القابع في السجن منذ 6 سنوات في جلسة استماع علنية نظمتها "هيئة الحقيقة والكرامة ".
يقول البعض إن ما خرج من هذه الجلسة كان بمثابة رصاصة الرحمة لمشروع قانون المصالحة العزيز على الرئيس السبسي ، ويقول آخرون إن سهام بن سدرين  رئيسة الهيئة ، لو لكانت تدري بتبعات تلك الجلسة والتصريحات التي صدرت فيها من قبل عماد الطرابلسي ، لاستغنت عنها لأنها قلبت الطبق على رأس الجميع بمن فيهم أصدقاؤها وأولو نعمتها.
ما لم يتضح لليوم هو ما إذا كانت التهم التي اعتقل من أجلها شفيق الجراية والمجموعة التي معه ، والتي تشير كل الدلائل أن دائرتها ستتوسع ، هل ستعتمد تهم الفساد فقط ، وهذا مقدور عليه في القضاء العدلي ، بدون اللجوء لمقتضيات قانون الطوارئ ولا قانون الإرهاب ، أم إنها تشمل تهم أخطر كالخيانة العظمى والتخابر مع جهات أجنبية وتهديد والنيل من الأمن الداخلي  وربما الخارجي للدولة والنيل منهما  والتآمر ، وفي هذه الحالة تصبح تهم الفساد على أهميتها تهم فرعية ، ولكنها تسمح بأن تطول التتبعات والملاحقات هذه التهم ، وتتمدد  وقتها في نفس القضية إلى كل المعتقلين اليوم وغدا ، وحشرهم جميعا في قضية واحدة.
الملاحظ اليوم أن  رئس الحكومة الشاهد الذي ربما كان قد أعد العدة باستشارات قانونية شاملة حتى لا ينزلق إلى خطإ قد يكون قاتلا ، قد أطلق حركة عرف متى يطلقها ، لكنه لم يعد يعرف إلى أي مدى ستصل ، وهل يمكن توقيف مسارها وهل ستأكل الأخضر واليابس ، وما إذا ستمتد إلى المعنيين الذين لا يعنيه شأنهم ، أم إلى أصدقائه هو وحلفاؤه ، وخاصة حلفاء رعاته من الأحزاب التي يتشكل منها فريقه الحكومي.
ثم إن كان السيل الجارف  سيمتد لا فقط لرعاة الارهاب ، والتهريب ، والتآمر ، بل لقتلة بلعيد والبراهمي ونقض من عرف منهم ومن خفي ، ووقتها وبقدر الشعبية التي سينالها ، بقدر الحرج الذي سيصيب الكثيرين في أدنى الاحتمالات.
أكيد أن ما أقدم عليه الشاهد سيجر إلى حلقة بعد حلقة في سلسلة طويلة ، وسيكشف لا فقط بؤر الفساد ، ولكن أيضا عفن الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والصحفية ، ويفضح كثيرا من الأشياء التي بقيت للآن تحت "ستر  ربي "

الثلاثاء، 9 مايو 2017

عالميات : انتخاب ماكرون ، وماذا بعد ؟

عالميات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الانتخابات الرئاسية الفرنسية
ضربة حظ
تونس / الصواب /09/05/2017
قبل ثلاثة أو أربعة أشهر لم يكن أحد ليتوقع أن تؤول الانتخابات الرئاسية الفرنسية لشخصية غير معروفة ، هي إيمانويل ماكرون ، فقبل عامين لم يكن رجل المال البارع في أحد بنوك الاعمال الفرنسية، ليذكر في عالم السياسة ، عندما استنجبه الرئيس (الذي أصبح سابقا) فرانسوا هولاند وأدخله في موقع ثانوي في ديوانه ، قبل أن يوكل إليه منصب وزير الاقتصاد والمالية ، رغم إعلانه أنه ليس اشتراكيا ، و من هنا فإن مسيرته ليصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية بدت مثل قصص الفتيات العاديات اللائي أصبحن أميرات أو ملكات.
**
وراء هذا الصعود غير المنتظر لرجل لم يسبق أن تم انتخابه لأي منصب تمثيلي لا في بلدية ولا في إقليم ولا في برلمان ، مواهب مؤكدة لرجل يتسم بذكاء مفرط ، ومثابرة فريدة ، ولكن حظا كبيرا أهله لأن يتولى أخطر منصب في بلاده ، وعبر العالم باعتبار المكانة التي تحتلها فرنسا على رقعة الشطرنج الدولية ، كرابع أو خامس قوة سياسية عسكرية اقتصادية.
فلقد دلت كل استطلاعات الرأي قبل سنتين أو أكثر ، وبعد الفشل الذريع لحكم هولاند والاشتراكيين ، على أن الأمر سيؤول إلى اليمين أي حزب الجمهوريين ، وكان المتوقع أن يكون مرشحهم الرئيس السابق ساركوزي، غير أن اعتماد الانتخابات الأولية التي شارك فيها عدة ملايين من بينهم مليون منن الاشتراكيين سدت المنافذ على ساركوزي ، كما سدتها على الرجل المفضل ورئيس الحكومة الأسبق جوبي ، ورفعت فرانسوا فيون الذي كان طيلة 5 سنوات رئيسا للحكومة ( أي طيلة ولاية ساركوزي ) بمثابة الخادم الأمين ، واتسم البرنامج المقدم من فيون بيمينية متطرفة ، غير أن ذلك لم يكن السبب في فشله بينما كانت كل استطلاعات الرأي تبشر بأنه سيكون مؤكدا الرئيس المقبل.
غير أن سببين  اثنين حالا ووصول فيون للمنصب الذي كان متاحا له:
أولهما الفضيحة المالية التي تورط فيها باستخدام زوجته وابنيه في عمل وهمي تم تأجيره على حساب ميزانية البرلمان أي المال العام ، وهي فضيحة أعلنتها وغذتها صحيفة لوكانار أنشيني القريبة من اليسار ، ويقال إن من تولى تسريبها هي وزارة المالية والاقتصاد ، وينبغي أن لا ينسى المرء أن الرئيس المنتخب ماكرون كان يشغلها إلى حد فترة غير بعيدة.
وثانيهما أن فرانسوا فيون بوصفه الناجح في الانتخابات التمهيدية لليمين اتخذ حزبه رهينة ، ورفض الانسحاب بشرف تاركا المجال للرقم الثاني أي جوبي وهو رجل أكثر توازنا ويتمتع بثقة كبيرة في أوساط اليمين والوسط الفرنسيين ، واستمر ـ أي فيون ـ  في حملة انتخابية ميؤوسة ، بينما كانت كل المؤشرات وكل عمليات استطلاع الرأي تبشر باحتمالات نجاح كبيرة للرجل ـ جوبي ـ  في مواجهة ماكرون ، لو ترك له مجال الترشيح وانسحب فيون ، الذي كان يأمل بالفوز لا فقط للوصول إلى رئاسة الجمهورية ، بل وكذلك الحصول على حصانة قضائية إزاء القضايا المرفوعة ضده.
**
الفائز اليوم بالرئاسة الفرنسية هو إيمانويل ماكرون ، في التاسعة والثلاثين  أصغر شخص وصل لرئاسة الجمهورية الفرنسية منذ قرنين ونيف أي منذ إحداثها على أنقاض الملكية في أواخر القرن الثامن عشر، ولكن أيضا فائز بلا حزب ، وقد سقط مرشحا  الحزبين التقليديين ، أي الحزب الاشتراكي الذي يجر وراءه تجربة 110 سنوات ، والحزب الديغولي الذي يعود تاريخه  لسنة 1945/1946.
كيف سيحكم ماكرون إذن وبأي أغلبية برلمانية.؟
فالنظام الرئاسي البرلماني الذي اختاره الجنرال ديغول لفرنسا منذ 1958  يجعل بعض السلطات كما عندنا أي الخارجية والدفاع بيد رئيس الدولة ، ولكن كل السلطات الأخرى بين يدي الوزير الأول وهو ليس رئيس حكومة ، هل يستطيع اليوم أن يضمن لنفسه كرئيس القدرة على تنفيذ برنامجه ، فيما قد يكون مضطرا لمعايشة مؤلمة تفرضها عليه انتخابات تشريعية لن تفصح عن مصيرها إلا بعد شهر من الآن، وهو يأمل أن يحقق أغلبية برلمانية عبر أنصاره وعبر مجتمع مدني في غالبه مناصر له، فيما اليمين الذي يعتبر أن الرئاسة سرقت منه ، نظرا لتعنت مرشحه فيون وإصراره على خوض معركة خاسرة بسبب تورطه في فضيحة مالية كبرى واتخاذه لحزبه والمتحالفين معه من الأحزاب الصغيرة رهينة على مذبح مشاكله الشخصية ، إذن فيما اليمين والحزب الجمهورية المنغرس في كل أنحاء البلاد بقيادة الشاب بروان على اعتقاد راسخ من أنه سيفوز بأغلبية واضحة كما تدل عليه استطلاعات الرأي ، ويفرض على الرئيس الجديد معايشة تجعل خيوط السياسة الفرنسية بين يديه ، وتمكنه من تنفيذ برنامجه الجريء مقابل برنامج ماكرون الذي لا يقل جرأة ولكنه يتسم بقلة الوضوح وإلى حد ما الايتوبية، وإذ يبدو أن الحزب الاشتراكي خارج اللعبة للأخطاء المرتكبة طيلة ولاية هولاند  وانقساماته الحادة ، فإن الرئيس الجديد يأمل أن يستقطب أعدادا من النواب القدماء سواء من الحزب الاشتراكي أو حتى من اليمين بحيث يشكل مع أنصاره ، ممن لا يتمتعون بتجربة في السلوك الانتخابي على  عدد كاف من النواب في البرلمان ، تمكنه إن لم يكن ، من أغلبية حكم فعلى الاقل من إقامة تحالف حكم ، يذكر بما كانت عليه الجمهورية الرابعة الفرنسية من قلة استقرار في الحكم ، وبالتالي ضعف النجاعة ، وفرض تنازلات من كل طرف  تفقد كل البرامج وهجها وحقيقة  منطقها.
فهل إن فرنسا مقبلة مع الرئيس الجديد على فترة تشبيب وحيوية إذا أمكنه الحصول على أغلبية برلمانية ، أم إنها مقبلة على زمن عواصف وزوابع، والامتحان الأول للرئيس الجديد سيكون متمثلا في اختيار رئيس حكومته ، فإن اختاره من اليمين فإنه سيفقد ثقة الاشتراكيين اللذين انضموا إليه ، وإن اختاره من اليسار الاشتراكي فسينفض من حوله اليمينيون الذين ناصروه، وإن اختاره من المجتمع المدني فسيخسر ثقة اليمين واليسار، ،علما وأنه تم انتخابه في الحقيقة بـ 45 في المائة من الجــــسم الانتخابي ، ( 66.1 في المائة من الأصوات الصحيحة والمحسوبة ) باعتبار أن 26  في المائة لم يذهبوا للتصويت  وقاطعوا الاقتراع و 12 في المائة وضعوا بطاقات  بيضاء  أو ملغاة في صناديق الاقتراع ، و هذه أضعف نسبة فعلية يحصل عليها رئيس منتخب في فرنسا منذ اعتماد التصويت بالاقتراع العام في الانتخابات الرئاسية في الستينيات.
وقبل اختتام هذا المقال لا بد من الملاحظة أن إيمانويل ما كرون عندما جاء إلى تونس ، قبل أن تبرز حظوظه الوفيرة بالفوز قبل سقوط فيون ، لم يحظ بقبول لائق في تونس ، ولم يتول رئيس الجمهورية  مجرد استقباله.