Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

الموقف السياسي : بورقيبة وعبد الناصر

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
عودة العمالقة
تونس/ الصواب / 28/09/2015
قبل أشهر قليلة دعاني الأستاذ نور الدين العرباوي أحد القياديين في النهضة على قهوة في أحد مقاهي شارع خير الدين باشا غير بعيد عن مقر حركته ، وكان الحديث معه شيقا ، وكانت ثقافته واسعة ،  وتسنى لي أن أتعرف على شخص يمكن أن تتبادل معه الحديث بكل أريحية بعيدا عن أي تعصب تلاحظه عند المتحزبين مهما كان انتماؤهم.
وانتهى الحديث مع القيادي النهضاوي بإهدائه لي كتابه " نهاية البورقيبية" ممهورا بتوقيعه ، وبالمناسبة قمت في إطار ترتيب مكتبتي خلال الصائفة الماضية ، وفصلت الكتب الممهورة بإهداء فوجدت  عددها 437 كتابا ، أعتز بها ، اعتزازا كبيرا من بينها عدة كتب من شخصيات كبيرة من وزراء ورؤساء منظمات وطنية وإقليمية ودولية ، ومؤسسات ثقافية واجتماعية واقتصادية من بينها كتابان للرئيس السابق منصف المرزوقي ، الذي فقد الصلة بالذين كانوا معه في الأيام الصعبة وخاصة في قيادة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان .
لا علينا ، شكرت الأستاذ العرباوي على استضافته وعلى هديته ، وقرأت كتابه ، الذي لم أكن مقتنعا بما جاء فيه ، حتى جاءت مناسبات زادتني اقتناعا ، وما أثارني ودفعني للكتابة اليوم في هذا المجال ، ذلك الفيض من المقالات التي رأيتها اليوم على موقع الفايس بوك بشأن الرئيس  جمال عبد الناصر، وربما مئات ما تم من ضغط على علامة التأييد إن عبر النقر على  جام أو عبر النقر على المشاطرة. بارتاج .
كان ذلك بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس الراحل عبد الناصر الذي وصف بأنه أشرف القادة العرب وأكثرهم نزاهة وأعظمهم إطلاقا، وبقطع النظر عن مشاطرة المعلقين من  عدم مشاطرتهم فإن الفكرة التي يخرج بها المرء تتمثل في أن عبد الناصر بعد 45 سنة على وفاته ، ما زال حيا في أذهان الناس ، علما وأن أصدقائي الافتراضيين وعددهم 5 آلاف لا ينتمون إلى توجه معين واحد ومن بينهم قوميون وإسلاميون ويساريون ومتدينون وعلمانيون وغيرهم .
غير أن ما أثارني هذه المرة  أن هذه الظاهرة تكررت فقد لاحظت نفس الشيء بالنسبة لبورقيبة في 3 أوت الماضي ، على أني كنت رصدت الظاهرة ولم أكن على قدرة على تسجيلها وقتها ، حيث أقعدني المرض عن ذلك وكنت أيامها في المستشفى.
وبعكس ما ذهب إليه صديقي نوز الدين العرباوي  ، فإن الظاهرة الملفتة هي أن البورقيبية لم تصل إلى نهايتها كما يبدو أن الناصرية كذلك، واسألوا الشيخ راشد الغنوشي ، الذي عاد فاعترف لبورقيبة بفضل قد يكون كبيرا أو صغيرا ولكن فضل على كل حال .
هكذا انتهيت إلى هذا العنوان لهذا المقال وهو عودة الكبار.
فالكبار يموتون بيولوجيا ولكنهم يبقون أحياء في ضمائر الشعوب ، وهم رغم سلبيات ارتكبوها  فإنهم يبقون عابقين بذكريات حية ذكية الرائحة ، خالدين لا تخبو لهم ذاكرة .

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

اقنصاديات : نحو هاوبة سحيقة ، إن لم ....

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
 من أجل ركائز اقتصاد متعافي
تونس / الصواب/ 28/09/2014
وافقت الحكومة على المذكرة التوجيهية للخطة الخماسية الجديدة، وذلك بعد أخذ ورد ، وبعد أن كانت جهات متنفذة في وزارة التخطيط ، قد رفضت الصيغة الأولية التي أعدها الوزير ياسين إبراهيم صحبة فريق بمعرفته ، واعتبرتها غير مهنية ولا احترافية ، واضطرت ذلك الفريق إلى العودة لمكتب الدراسات المتمثل في وزارة التخطيط لرسم المذكرة التوجيهية التي جاءت على غير ما يريد لا الوزير وفريقه ، ولا الإطارات العليا في الوزارة.
ولقد تسنى لي أن أطلع على النسخة المعتمدة أخيرا، بعد أن كان سبق لي أن واكبت المذكرات التوجيهية عند تحريرها منذ سنة 1972 وعلى الخصوص مرتين مع منصور معلى بكل الدقة التي يطلبها ، وخاصة مصطفى كمال النابلي الذي اشتهر بالجمع بين الدقة العلمية والإطلاع الواسع على تقنيات التخطيط بحكم دراساته ومتابعاته الدولية ، والذي يعتبر حجة دولية موضوعة للأسف على الرف.
ومن هنا فإن ملاحظاتى الأولى والأساسية هي أن المذكرة التوجيهية هذه المرة لا ترقى إلى مستوى المذكرات السابقة ، رغم أن المعطيات المتاحة كركيزة للعمل قد تطورت بقدر كبير.
ولم يكن تحليل الوضع الحالي مستجيبا لحقيقة التدهور الحاصل في كل المؤشرات  ، كما إنه لم يكن هناك الكفاية من تحديد التحديات التي تواجه النواحي الاقتصادية والاجتماعية بكل أبعادها.
ولعل ما ينبغي لنا اليوم هو أن نقف أمام ثلاثة عناصر بدونها لا يمكن تصور مستقبل معقول للبلاد.
** فمن جهة لا بد من الملاحظة وأن بلادنا كغيرها من البلدان لا يمكنها أن تبقى كما يعتقد البعض خارج إطار العولمة، ولعل للمرء أن يتوقف عن ذلك الحلم الذي ما زال يراود البعض بغلق الحدود ، والتقوقع على النفس ، في عالم تتجاذبه تيارات هوائية عاصفة ، ليس من قدرة على غلق نوافذها، بل لعله بات مؤكدا أنه وبمستوى الانفتاح ، بقدر ما يمكن تحقيق تنمية ، والذين بقوا على أحلامهم القديمة لا يدركون اليوم أنهم يدعون إلى تقهقر مؤكد ، وأن القدرة على المنافسة في أسواق مفتوحة هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق الارتفاع بمستوى الناس ، وتحقيق الرفاه.
** ومن جهة أخرى فقد جاء الوقت لاعتبار المؤسسة عمومية أو خاصة خاصة، هي مكمن خلق الثروة، وما دام في بلادنا 800 ألف موظف أو شبه موظف، وفقط 1.5 مليون في المؤسسة أي قوة الإنتاج الفعلية فإننا، لن تقوم لنا قائمة ، والمفروض أن يكون عدد العاملين المنتجين وأقول المنتجين للثروة  يفوق عددهم 3 أو أربعة أضعاف عدد الموظفين ( ولا أقول إنهم كلهم غير منتجين ولكن عددهم متضخم جدا) فإن إنتاجية البلاد في تدهور ، ومن هنا فإن المؤسسة ( طبعا ليست الإدارية ) هي مصدر الثراء لأي بلد.
 ونحن نقف على موضع إنقلبت قيه المقاييس.
** أما ثالثا فإننا في بلد بصدد رهن إمكانياته للخارج، فاستمرار تدهور قيمة الدينار العملة الوطنية يحمل لنا كل الأخطار ، ويحمل كاهلنا عبئا لا قدرة لنا على احتماله، لقد بلغت مديونية بلادنا 50 في المائة من الناتج ، وهذا في حد ذاته كان يمكن أن يكون محتملا ، ولكن سداد الدين وباعتبار انهيار الدينار ، يحمل بلادنا كل يوم دفع دينارات أكثر لقيمة تحسب بالدولار أو اليورو غالبا ، وسيأتي يوم إذا لم توقف السلطة وبنك مركزي يبدو عاجزا ، هذا الانفلات للهاوية فإننا سريعا ما سنكون دولة ولنقلها مفلسة بدينارات لم تعد لها قوة إبرائية تذكر ، لأنها غير قادرة على السداد تماما مثل اليونان التي ينبغي القول إن عملتها بحكم وجودها في نظام اليورو لا يمكنها أن تتدهور.


الجمعة، 25 سبتمبر 2015

بكل هدوء : نحو زمن مدرسي جديد خدمة لإصلاح التعليم

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التعليم في الطريق الصحيح ؟
الزمن المدرسي ثورة في الطريق
تونس / الصواب / 21/09/2015
هل إن التعليم  الابتدائي والثانوي يسير على الطريق الصحيح ؟ وهل إن الوزير بصدد إعداد العدة لاستعادة التعليم لصحته يعني لمستواه العالي والمتميز الذي عرف به ، قبل أن يطرأ عليه دمار سنوات 1995/2015 الذي يعتبر من وجهة نظر  الاخصائيين  أكبر دمار أصاب البلاد في  عهد الرئيس الأسبق بن علي.
ومن الناحية الشكلية ولكن المؤثرة في الناحية المضمونية ، فإنه سيصار على ما يبدو إلى تطوير الزمن المدرسي ، أي التوزيع الزمني للفترة الدراسية ، بالصورة الأنجع والأكثر تلاؤما مع مستوى تعليمي راقي ، وإذا صدقنا وزير التربية ، ويبدو أنه عازم على إدخال إصلاحات جذرية فإن الفترة الدراسية التي تتخللها فترات تعطل طويلة ، معتمدة على نظام فرنسي أكل عليه الدهر وشرب ، بالاستناد إلى الثلاثيات ، وتعداد عمليات التقييم (الامتحانات ) على حساب فترات التعلم والتحصيل المعرفي ، فيما كل الأنظمة التعليمية المتقدمة هي تلك المرتبطة بالنظام النصف سنوي ، مع تعطيلات متعددة ودورية لاسترجاع الأنفاس ، كل ذلك مع ربط الفترة الدراسية الأسبوعية بالسائد في البلاد حديثا أي أسبوع الخمسة أيام ، بما يلائم بين الزمن المدرسي والزمن التشغيلي في الوظيفة العمومية وحتى في جانب مهم من القطاع العام والخاص.
كما الذهاب سريعا إلى الحصة الواحدة أو شبه الواحدة ، بالحفاظ على المتعلم لفترة وحيدة أو شبه وحيدة يقضيها في المدرسة ، ما يقلل من التنقلات وكلفتها المادية والاجتماعية ، وينهي هذه الظاهرة المتمثلة في الاحتفاظ بالتلاميذ أحيانا لحدود الساعة السادسة مساء ، أي حتى الفترة الليلية ، للعودة للبيت في حالة من القوة المنهكة ، التي لا تساعد على المذاكرة ، مع ما يصاحب ذلك من أخطار على الأطفال وحتى على الشبان والشابات خاصة في المناطق الريفية.
ففي كثير من الأحيان ولبعد المسافات، يضطر المتعلم للبقاء طيلة اليوم في محيط المدرسة، دون القدرة على العودة للبيت في ساعة الظهيرة.
ولعل العائق الكبير أمام مثل هذه الإصلاحات ، هو عدم مسايرة عدد قاعات التدريس ، للفصول الدراسية ، ما اضطر إلى نظام التناوب على القاعات ، ما أثقل كاهل المعلمين ( أساتذة ومعلمين ومتعلمين) .
غير أن عقلنة التعليم المتوقعة ، والقائمة على الانتقال وفق النتائج لا الانتقال الآلي أو شبه الآلي ، مع ما يلاحظ من تقلص تدريجي ديمغرافي في عدد الشبان والأطفال نتيجة ، لنجاح تجربة التنظيم العائلي في تونس ، كفيلة بالمساعدة على الذهاب في هذا الاتجاه.
ويبدو أن الدراسات تجري على قدم وساق للتقييم الفعلي للأسطــــــــول المدرسي ( قاعات التدريس)، في الابتدائي والثانوي بدرجاته المختلفة.
ولعله ينبغي أن تمر ثلاثة أو أربعة أعوام قبل أن يتم تغيير الزمن المدرسي في اتجاه عقلنته باعتبار الإمكانيات المتاحة ، ولعل السنة الدراسية وربما الجامعية سيتم تمديدها الفعلي لعشرة أشهر من أول سبتمبر إلى آخر جوان، مع عطلة طويلة نسبيا (20 يوما في نصف السنة ) وعطل بمدة أسبوع كل شهرين ، مع عقلنة عمليات التقييم واعتماد الأنجح من أساليبها عالميا ويبدو أن للأردن تجربة ناجحة في هذا المجال.
كما إن الامتحانات الوطنية لا يمكن أن تتخذ ذريعة أو مبررا لإنهاء السنة الدراسية ، والتوقيف الفعلي للدروس منذ شهر جوان.
فكل يوم يمكن أن يزيد في الرصيد المعرفي، وبالتالي يرفع من مستوى المتعلم، وبالتالي التعليم عموما.
وعلى أهمية ذلك كله ، ودوره في توفير الإطار الملائم لتعليم ذي جدوى ، فإنه سيبقى  المضمون التعليمي ، هو الركيزة الأساسية لإعادة مستوى تعليم هذه البلاد، إلى المستوى المرموق الذي كان عليه، وذلك أمر آخر سنتعرض إليه في مقال مقبل.

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

سانحة : عودة للتخلف وإغراق فيه

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي                                                         
لن أكف ؟
تونس / الصواب / 21/09/2015
كان هذا العنوان قد استعملته في كلمته الوحيدة بمناسبة سانحة كتبتها بمناسبة عيد الفطر، وأعود فأنشر بمناسبة عيد الاضحى  سانحة مماثلة ، يحوم موضوعها ، حول فضيحة العرب والمسلمين بشأن تعيين أعيادهم ومواعيدها وتنظيم حياتهم الفوضوية .
والاستنتاج الأول والرئيسي أننا اليوم نجد أنفسنا خارج التاريخ، وخارج دائرة الحضارة.
وليس في ذلك استثناء.
لقد حاول بورقيبة أن يعيد أمة العرب وشتات المسلمين إلى دائرة التاريخ وعالم الحضارة ، فالتصق بالعصر ومكتسباته العلمية المؤكدة، ولكن برحيله سارعنا وبخطى عملاقة للجري للوراء.
بورقيبة أدرك وأدرك معه الكثيرون ، أن العلوم الصحيحة قطعت أشواطا كبيرة ، وأن على العرب والمسلمين أن يضعوا أنفسهم في إطارها، ولذلك أقدم وفي شجاعة نادرة على  ربط حياتنا بالحقائق العلمية التي لا يأتيها الشك لا من أمام ولا من خلف، فقرر  ـ وكان قراره صائبا بلا أدنى شك كالحقائق العلمية الصلدة ـ أن يكون موعد أعيادنا  محددا مسبقا ، لا بالصدفة ، ولكن بالعودة لما وفرته العلوم من إمكانيات ليس من شك في دقتها.
ومن هنا  انتظمت حياتنا في نظام محدد، فبتنا نعرف مواعيد أعيادنا كما نعرف قبل أشهر وحتى سنوات مواعيد صلاتنا ، فنعتمدها دون أن يخامرنا شك في صحتها ، والصلاة عماد الدين.
وما إن غابت إطلالة بورقيبة ، حتى عادت بلادنا تعاني الجهل وما زالت ، فعدنا القهقرى ، بخطى واسعة ، وارتأى " أولو الأمر " منا العودة للرؤيا ، واعتمدت قرارات أجنبية ، لا تتسم بأي منطق ، وتقودها أحيانا اعتبارات سياسية في بلادها نتبعها مغمضي العيون.
فقط وحتى لا أطيل ليست ولادة القمر ولا احتمالات رؤيته رؤية العين ورؤية العلم هي الممكنة في هذا العصر ، بل إن تسيير الصواريخ والأقمار الصناعية والمركبات المأهولة وغير المأهولة والتي تبلغ قصدها باللحظة والثانية والواحد من الألف من الثانية بعد سفرات تمتد سنوات   الممكن والمنجز فعلا.
وبعد هذا يقال لنا إننا أمة تريد أن تلحق بركب الحضارة، إنها أمة تتخلف وتزداد تخلفا يوما بعد يوم ، إلا من رحم ربك  من أبنائها من الذين فتح العلم عيونهم و بصيرتهم.


                                                           

الخميس، 17 سبتمبر 2015

قرأت لكم
 يتم النشر بترخيص من مدير أسواق العرب الدكتور غابريال طبراني ، فالمقال وإن كان صدر عني فهو مخصص للمجلة المذكورة.

بكل هدوء  
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
نحو حسم معركة المحاسبة والمصالحة في تونس
تونس/ أسواق عربية /04/09/2015
تحتدم في تونس معركة كبرى لا تبدو معالمها واضحة لدى العدد الأكبر من المواطنين التونسيين.
وتجري المعركة للواقع بين رئاسة الجمهورية، وكل من يدور في فلكها، من أحزاب مؤتلفة تمتلك في البرلمان لا أقل من 80 في المائة من الأصوات، وبين معارضات تجمع حولها جانبا مهما من الجمعيات الأهلية ومن مجتمع مدني.
ولعل الجانب الأكبر من هذه المعركة يتلخص في لي ذراع بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي " والحقوقية " سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت في 2013 من قبل قبل المجلس التأسيسي اعتمادا على قانون العدالة الانتقالية.
وللواقع فإنه لم يكن هناك احتكاك بين الشخصين قبل ربيع 2011 أي أسابيع قليلة بعد نجاح الثورة التونسية في طرد الرئيس السابق زين العابدين بن علي من منصبه الرئاسي، ودفعه إلى منفى ذهبي في المملكة العربية السعودية.
فعندما دعي الباجي قائد السبسي لتولي الوزارة الأولى ( كما كانت تسمى أيامها) على إثر استقالة  الوزير الأول محمد الغنوشي الموروث عن عهد الرئيس بن علي، ورث  في ما ورث وزيرا للداخلية هو فرحات الراجحي ، غير أن رئيس الحكومة الجديد آنذاك وهو رئيس الدولة حاليا ، لم يقنعه أداء وزيره فما كان منه إلا أن أقاله بعد شهر من تعيينه ، فيما تؤكد جهات عديدة أن الوزير كان واقعا تحت تأثير السيدة سهام بن سدرين السياسي، وأنه ارتكب أخطاء كبيرة ، كحل البوليس السياسي أي العين الساهرة للسلطة ، وطرد أكبر الكفاءات التي تحتوي عليها وزارة الداخلية ، مما عرى البلاد من كل قدرة على متابعة الخفايا ، وهو ما يصل بالبعض لاعتبار ذلك أحد أسباب استشراء الإرهاب.
وقد أخذت السيدة سهام بن سدرين في نفسها من قائد السبسي، باعتباره أطرد رجلا واقعا تحت تأثيرها، فناصبا بعضهما العداء.
غير أن تأثير السيدة بن سدرين لم يتوقف عند الوزير الراجحي، بل كان ممتدا لزعامات كثيرة من حزب النهضة الإسلامي، على اعتبارها أنها كانت من أشد المدافعين عن الإسلاميين أيام الرئيس السابق بن علي، وفي فترة محاكماتهم وملء السجون بمن ينتمون إليهم، ولذلك كان تأثيرها وفقا لبعض المحللين الجديين كبيرا عندما تولوا الحكم بدء من أواخر 2011 حتى ما بين بداية إلى أواخر 2014 وفقا لاختلاف التقييمات.
ومن هنا فإن قانون العدالة الانتقالية الذي صدر عن المجلس التأسيسي الذي كان الإسلاميون فيه يحتلون أغلبية نسبية، جاء موافقا لهواها، وتم من خلال المجلس نفسه انتخابها هي ومجموعة ذات وزن من المقربين إليها في عضوية "هيئة الحقيقة والكرامة" المكلفة بمحاسبة رجال الأنظمة السابقة بداية من الرئيس الأسبق   الحبيب بورقيبة الذي يرى فيه الكثيرون ما يشبه القداسة، قبل تحقيق المصالحة على شاكلة ما جرى في المغرب أو في جنوب إفريقيا أو في دول شرق أوروبا.
ومن هنا رأى البعض عن حق أو باطل، أن السيدة بن سدرين جاءت بهدف الانتقام من رجال عهود اضطهدوها هي وغيرها من المعارضين، لعل من بينهم رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي الذي شغل منصب مدير أمن ثم منصب وزير الداخلية في فترة طويلة من الستينيات، كان فيها التعذيب وسوء معاملة المعارضين سائدة على نطاق واسع.
ومن هنا فإن فعل التراكم المتمثل في إقالة السبسي أيام كان رئيسا للحكومة إبان الثورة للوزير المقرب منها، وأيضا الرغبة منها حسب القانون في محاسبة رجال النظام البورقيبي ثم نظام بن علي لفترة تتجاوز 55 سنة، قد فتح الباب لضغائن كبيرة، زادتها رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة حدة، بمحاولة الاستحواذ على أرشيف رئاسة الجمهورية، في حركة اعتبرت في حينه غير قانونية رفضتها المحكمة الإدارية، والتخوفات من أن تقدم الهيئة على إذلال مسؤولين سابقين أحياء وأموات، من بينهم اليوم وزراء ومدراء كبار، كل ذلك خلق أجواء موبوءة ، وفتح الباب لتقديم رئيس الجمهورية لمبادرة تشريعية ، للتصديق برلمانيا على قانون للمصالحة في مجال "الجرائم الاقتصادية والمالية " ، مما يسحب من هيئة الحقيقة والكرامة الكثير من صلاحياتها بل ويصيبها في الصميم، وفي نفس الوقت سعت جهات متنفذة  عادة لزعزعة الهيئة من الداخل ، فاستقال عدد من أعضائها وأطرد واحد منهم بحيث بات النصاب فيها مهتزا بما قد يضطر لحلها ، وتشكيل هيئة جديدة يكون رئيس الجمهورية راضيا عنها.
وإذا مر مشروع قانون رئيس الجمهورية بسلام أمام المجلس التشريعي وتم التصديق عليه  ولو كما يطالب البعض بإدخال تغيرات غير جوهرية عليه ، وكل المؤشرات تشير إلى احتمال حصول ذلك باعتبار أن أحزاب الائتلاف الحكومي ستصوت له بأغلبيتها الواسعة، وإذا انتهت المناورات الجارية لسحب الثقة من السيدة سهام بن سدرين، وقد  تم تقديم مشروع لائحة  للبرلمان وقعها 70 نائبا لإخضاعها لتحقيق برلماني بتهمة تجاوزات مالية وسلوكية، فإن السبسي يكون قد حقق انتصارا آخر، رغم أن المجتمع المدني يقف بقوة ضده وضد مشروع قانونه ، هو وأحزاب المعارضة التي لها حضور شعبي رغم ضعفها في البرلمان.
وإذا تم لرئيس الدولة ما يريد وما يسعى إليه من إزاحة السيدة سهام بن سدرين حتى لا تكون شوكة في حلقه، فإن ذلك لن يثير في الغالب رد فعل شعبي كبير، وسيتناساه الناس المهمومون أساسا بلقمة العيش في بلد يتقهقر اقتصاديا، ووصل إلى مرحلة الانكماش والركود الاقتصادي بكل ما تعنيه من تردي الأحوال المعيشية وتفاقم البطالة.



قرأت لكم : لي ذراع بين المصالحة والمحاسبة


الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

بيئيات - الخطر الداهم

بيئيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الطاقات المتجددة ،، تمنع الإنحباس الحراري
ولكنها مهددة بانخفاض أسعار الطاقات الأحفورية*
تونس / الصواب /15/09/2014
خلال ثلاثة أشهر ، ستنعقد في باريس أكبر ندوة في تاريخ البشرية ، للعمل على الحد من الانحباس الحراري ، الذي يتهدد البشرية بأعظم الأخطار في مستقبل منظور ، ويهدد أجزاء كبيرة من العالم بأن تغمرها المياه ، نتيجة ذوبان المحيطات المتجمدة ، وهجرة مياهها إلى المناطق المنخفضة ، ومنها بعض المناطق في تونس ذاتها ، عدا بلدان بأكملها يهددها ارتفاع منسوب المياه.
ويستهدف قادة العالم في قمتهم المقررة في باريس ، إلى خفض درجة الحرارة على الكرة الأرضية بنقطتين اثنتين للحفاظ على الوضع على حاله بعد ما بين 30 و50 سنة في انتظار أيام أفضل.
ولعل أكبر تحد اليوم أمام كل مخططات مكافحة الانحباس الحراري ، هو ذلك الذي يتمثل ، ليس فقط في انهيار أسعار المحروقات الأحفورية من بترول وغاز، بل احتمال مزيد الانهيار نتيجة وفرة إنتاج متوقعة ، فإضافة إلى أن الولايات المتحدة باتت تحقق أو تكاد كفايتها الذاتية بفضل استغلال غاز الشيست ، الذي نحجم عن استغلاله أسوة بفرنسا ، وتقوم حملة مضللة للحيلولة دون استعماله ، فإن التطورات التكنولوجية مكنت من الذهاب بعيدا  في التنقيب ، وإيجاد مواقع جديدة لم تكن قابلة للاستغلال، ففي مصر وحدها تم الكشف في عرض البحر عن مخزون ضخم من الغاز ، لعله ثاني أهم مخزون في العالم بعد المخزون القطري ، ما سيحول وهذا من حظ الرئيس السيسي مصر ، إلى دولة غنية.
وعلى أهمية هذا قطريا فإنه سيمثل ولا شك كارثة إزاء اللجوء إلى الطاقات المتجددة ، التي وإن كانت إلى ماض قريب تمثل ، المستقبل نظرا لتهاود أثمانها رغم الاستثمارات الثقيلة التي يتطلبها وضع تجهيزاتها ، فإن انهيار أسعار البترول والغاز ، لا يشجع اقتصاديا على التوجه إليها ، إذ لعله يجعلها بمثابة القريب الفقير بالمقارنة مع أسعار بترول وغاز رخيصين في أثمان كل منها ، فينصرف الصناعيون والباحثون عن توفير طاقات جديدة ونظيفة غير ملوثة ، وغير منتجة لثاني أكسيد الكربون المتسبب الرئيسي في الانحباس الحراري ورفع درجة الحرارة على سطح الأرض بكل سلبياته الكثيرة.
ومن هنا فإن إرادة حقيقية من دول العالم ، وخاصة تلك الملوثة ، وهي بالذات الدول الغربية المتقدمة والصين والهند، لا بد أن تتوفر رغم الحسابات الاقتصادية القصيرة النظر ، للمواصلة على اعتماد الطاقات المتجددة كالشمس والريح ومساقط الأنهار ، مهما انهارت أسعار البترول والغاز ، فالقضية ستصبح لا مجال فيها للاختيار، أو على الأصح اختيار المستقبل على الحاضر، والقضية هي ماذا سنترك لا فقط لأبنائنا بل ماذا سنوفر لأنفسنا، وكيف سنحمي من دفق مياه ستأكل سواحلنا بكل ما فيها من مباني ومرافق.





*الأحفورية هي الترجمة المعتمدة للكلمة الفرنسية fossile  والتي تعني العائدة لما قبل التاريخ وأحيانا لملايين السنين

السبت، 12 سبتمبر 2015

سانحة . إهمال الإحتفال بذكرى الزعيم الوطني الهادي شاكر، في صلب تهميش مدينة وجهة.

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
في إطار مزيد التهميش للجهة
الزعيم المنسي .. الهادي شاكر
تونس /  الصواب / 13/09/2015
في منفى برج لوبوف كان أحد المنفيين القلائل إلى جانب بورقيبة ، الذي كان معه في دار عياد يوم الانشقاق عن الحزب القديم ذات يوم في أوائل مارس 1934 ممثلا عن صفاقس مع شخص آخر ضاع بعد ذلك في الزحمة كان رجل اسمه الهادي شاكر ،،، في  حصن سان نيكولا  في مرسيليا كان أيضا إلى جانب القلة من المجاهدين من أجل استقلال الوطن وفي مقدمتهم بورقيبة، كان دوما في الصفوف الأولى ، زعيما وطنيا حتى عندما عز ذوو العزيمة ، وكذلك كان فاعلا في مؤتمر دار سليم ، الذي سيصفه بورقيبة بعد الاستقلال بمؤتمر الغدر، ثم إنه هو الذي ترأس مؤتمر 18 جانفي 1952 في اليوم ذاته الذي ألقي فيه القبض على بورقيبة ، فيما سيسمى المعركة  الحاسمة ، وسيقتاد مباشرة إلى السجون والمنافي ، كغيره من كبار الزعماء على مستوى الوطن ، لا على مستوى جهوي أو محلي.
أيضا سيكون هو الممول الرئيسي لتحركات بورقيبة في المشرق  بعد منتصف الأربعينات ،للدعوة من القاهرة للقضية الوطنية وكسب الأنصار لها ، أيام عز الأنصار ، وأيام قام جهد مصري عراقي باكستاني كبير من أجل تحقيق استقلال تونس ، بعكس ما يدعيه البعض.
أذكر الرجل بطوله الفاره  ووجهه تحت الطربوش الأحمر القاني ، وبياض بشرته مع امتلاء قليل  ما يكسبه مهابة وحضورا ، أذكره عندما كان يرافقنا الوالد إلى مكتبه ومحل تجارته في نهج المرابطين ليرشق على صدورنا أنا وشقيقي المرحوم محمد نيشان الحزب الدستوري فنخرج معتزين بعد التهنئة بمناسبة ما ، وخاصة مناسبة عيد العروبة في سنة 1947 ، ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية ، الذي كانت جامعة الحزب الدستوري  في صفاقس التي كان يرأسها بكل اقتدار تحتفل به سنويا تعبيرا عن عروبة تونس وإسلامها، إضافة إلى  وطنيتها التي لا تكتمل إلا باستقلالها الكامل والناجز.
**
كان زعيما وطنيا من الدرجة الأولى، وكانت أدواره على مستوى البلاد تتجاوز المحلية الضيقة وترقى إلى مستوى عال من الوطنية، المشوبة بإرادة كبيرة للتضحية.
يوم 13 سبتمبر في الصباح الباكر كنا شقيقي محمد في الحافلة في اتجاه المدينة ذهابا إلى المستودع الميكانيكي ، قصد تعلم شيء من الميكانيك كان الوالد يحرص على أن نناله ، في العطلة الصيفية ، لنكون قادرين بعكسه على إصلاح أي عطب يطرأ على سيارتنا البيجو 202 ، وللتحضير للحياة العملية ومقتضياتها، هناك علمنا باستشهاد الهادي شاكر ، وبدل المستودع ومثل الجميع كان المقصد الجامع الكبير ، مركز الثقل في مدينة صفاقس ، كنا نذرف الدمع سخيا مثل المئات الذين كانوا متجهين مثلنا والدموع منهمرة على الخدود ، هناك كان الشيخ أحمد دريرة أحد أقرب مساعدي الهادي شاكر يقف خطيبا ، معلنا عن آخر المعلومات الواردة عن الاغتيال في نابل ، ويقطعها بـ"الله أكبر الله أكبر " عدة مرات فتتقطع القلوب حزنا وتأثرا ، وأحمد دريرة جارنا بطريق تونس من الجهة الثانية من سكة الحديد، ولعله كان يتخفى عندنا  في بيتنا ، حيث  كان مهددا  بالموت هو الآخر خاصة منذ أن تم اغتيال عون الاستعمار الشيخ أحمد بلقروي في وضح النهار وعلى بعد بضع عشرات الأمتار من المقر الرئيسي للجندرمة الفرنسية بالقصبة.
**
جاء الجثمان بعد أن مر على ريف قصر الريح موضع تجمع أهل الشيخ أحمد بلقروي حيث عقد احتفال احتفاء بقتل الزعيم الوطني بتواطئ مع الإقامة العامة الفرنسية في تونس والمراقب الفرنسي العام في صفاقس وزميله في نابل ، حيث كان يقضي الشهيد عقوبة بالإبعاد ، تحت مسؤولية السلطة الفرنسية ، ودلت وثائق جديدة يبدو أن نور الدين حشاد عثر عليها مؤخرا  في باريس في إطار بحوثه حول اغتيال والده في 5 ديسمبر 1952 أي قبل 9 أشهر على اغتيال الهادي شاكر تبرز أن  الحكومة المركزية في باريس قد تكون متواطئة في اغتيال الهادي شاكر بعد أن كان اتضح بما لا يدع مجالا للشك في تورطها في اغتيال فرحات حشاد ، كما أبرزت الأبحاث التي قام بها الإخوة من الجزائر أن فرانسوا ميتران وزير الداخلية في الحكومة الفرنسية في سنة 1956 ( رئيس جمهورية فرنسا بين 1982 و1996) كان هو صاحب الأمر بقتل المجاهد الجزائري بن مهيدي الذي حير فرنسا  بدون محاكمة.
و انعقدت جنازة مهيبة لرجل محبوب، باعتباره زعيما وطنيا من جهة ولدماثة أخلاقه العالية من جهة أخرى ، سار فيها الآلاف وربما أكثر من ذلك ولعلها كانت أكبر جنازة في تاريخ المدينة.
**
بعد 10 أشهر ، اضطرت فرنسا على لسان رئيس حكومتها منديس فرانس ، أن تعترف أمام الباي محمد الأمين  ملك "الإيالة"التونسية بالاستقلال الداخلي ،،، رفع الحجر عن حزب الدستور الجديد ، وكان من القرارات الأولى للديوان السياسي الذي لم يكن بورقيبة المقيم في المنفى في وارد حضوره ، أن اختار يوم 13 سبتمبر ليكون عيد الشهداء، غير أن بورقية لم يعترف قط بذلك القرار ، وغير الموعد ليوم 9 أفريل ، وإن حضر الاحتفال بالذكرى الثانية لاغتيال الزعيم الهادي شاكر في جنانه الواسع بطريق العين حيث توافد الألوف على المدينة ، وشهدوا الحفل الذي خطب فيه بورقيبة ، وبكى بحرقة على "من أسماه أخوه " في حركة مسرحية لم تخف على أحد.
وكان معروفا أن بورقيبة لم يكن يكن أي ود لثلاثة أشخاص هم المنجي سليم ، والحبيب ثامر ، والهادي شاكر ، الذين كانوا وراء كف يده عن التصرف في الأموال المتأتية للحزب في القاهرة ، وتكليف الحبيب ثامر بتحصيلها وإنفاقها وتوزيعها بين مستحقيها الكثيرين في مصر وبقية البلدان التي قامت فيها دعوة لمناصرة القضية الوطنية ، وكان مؤتمر دار سليم هو الذي اتخذ القرار ، وكان وراءه على ما يبدو كل من صالح بن يوسف والمنجي سليم والحبيب ثامر  والهادي شاكر ، الذي كان هو الممول الرئيسي عدا ما كان يتأتى من الجامعة العربية والحكومة المصرية وعطايا بقية العرب أو باكستان، باعتبار علاقات الشراكة لتجارة العائلة الشاكرية  مع عدد من كبار رجال الأعمال المصريين بعضهم من أصل تونسي. وهو ما كان ن يرتكز على تجارة عائلة شاكر ، التي اهتزت أحوالها وباتت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس.
**
واليوم وبعد 63  سنة على اغتيال الزعيم الوطني الهادي شاكر ، بهامته العالية ليس ماديا فقط بل وسياسيا يحق للمرء أن يتساءل ، هل إن هذا التجاهل للرجل وتضحياته ، ومنها تضحية الدم ، فقد بذل حياته في سبيل الوطن ، هل هي محض صدفة واستصغارا لتضحيات كبرى ، أم إنها تدخل في مخطط بورقيبة ومن جاء للحكم بعده في تهميش هذه المدينة وهذه الجهة واستصغار شأنها ، وإهمالها على مدى سنوات الاستقلال ، ومحاولة ترييفها ، وانعدام إنجازات الدولة فيها ، سواء على الأصعدة الإنتاجية من مصانع أو منشآت كبرى ، أو على صعيد الهيكل الأساسي ، أو مؤسسات الدولة الخدمية التي نقلت خارج المدينة ، مثل إدارة شركة صفاقس قفصة التي نقلت إلى مدينة قفصة لفترة قصيرة، قبل أن تستقر في العاصمة ، أو إدارة الديوانة التي نقلت إلى سوسة ، علما وأن ميناء صفاقس يعتبر أكبر ميناء تصدير في البلاد.


الخميس، 3 سبتمبر 2015

اقتصاديات : ما هو الانكماش الاقتصادي الذي دخلته تونس؟

اقتصاديات

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تونس تدخل في حالة انكماش اقتصادي
تونس / الصواب /04/09/2015
يتم تعريف الانكماش الاقتصادي بأنه وفي الحسابات القومية يسجل نمو سلبي على مدى ثلاثيتين متلاحقتين في الاقتصاد الوطني للناتج، وإذ كانت نسبة النمو المعلنة والصحيحة للثلاثية الثانية من العام الحالي هي 0.7 في المائة فإن نسبة النمو في الثلاثية الأولى من العام الحالي قياسا إلى الثلاثية الرابعة من سنة 2014 اتسمت بالسلبية ، كما إن نسبة النمو للثلاثية الثانية من العام الحالي قياسا إلى الثلاثية الأولى اتسمت بالسلبية ، أي أقل من صفر في المائة .
ومن هنا يتفق الخبراء على أن البلد الذي يدخل في مثل هذه الحالة يصاب بالانكماش الاقتصادي ، وهي حالة تنذر بكل الإخطار ويصعب الخروج منها.
ويحدث الانكماش أو الركود حسب تعريف موسوعة ويكيبيديا عندما يصاب الاقتصاد بكساد أو ركود ما يؤدي إلى تراجع مؤقت لأوجه النشاط الاقتصادي ويحدث ذلك دائما حسب نفس المصدر فهو قلة الطلب الداخلي أو الخارجي على السلع والخدمات إما بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين أو بسبب تدني حجم السيولة النقدية نتيجة لإحجام البنوك المركزية عن ضخ المزيد من النقد خوفا من ارتفاع عال لنسب التضخم.
والسبب الرئيسي للانكماش الاقتصادي هو عدم التلاؤم بين الإنتاج والاستهلاك.
فمنذ بداية شهر أوت أخذ الحديث يتم باحتشام حول وصول البلاد إلى حالة انكماش اقتصادي خطيرة العواقب ، ولقد أحجمنا عن الحديث بصورة مفتوحة عن ذلك ، وإن كنا نبهنا في مقال سابق على أعمدة هذه المدونة إلى أن تونس تغرق .. تغرق.
واليوم نحن فعلا في حالة انكماش اقتصادي ، وهو وضع يصعب الخروج منه ، ويقتضي من  السلطة  الحكومية والنقدية أن تكون واعية به وبأخطاره ، وأن تجند كل السيولة الممكنة والمتاحة للقيام بمشروعات كبرى لإعادة العجلة إلى الدوران، وبما أن المتاح أمام الحكومة وحتى البنك المركزي من تلك السيولة ضعيف جدا ، فيمكن العودة لفكرة الدكتور رضوان المصمودي التي عرضها الأسبوع الماضي على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، لتنظيم دعم دولي مالي كاسح للبلاد على غرار ما حصل مع مصر لإخراجها من هذا الوضع الاقتصادي الصعب.
هذا الدعم قد تم الوعد به في مجموعة الثمانية في ربيع 2011 إبان رئاسة الباجي قائد السبسي للحكومة، والذي تمثل في وعود مغرية من قبل المانحين الدوليين ولكنه بقي حبرا على ورق ، بسبب ضعف إرادة وقلة كفاءة الحكومات المتعاقبة في تونس منذ أواخر 2011.
هل تكون تلك هي القشة التي تنقذ الوضع؟
احتمال وارد ولكنه ضعيف باعتبار، ما تشكو منه تونس من تردي الخدمات الإدارية وضعف مردودها، وكثرة أعوانها بلا "بركة".
إنها حالة صعبة ، تمر منها البلاد لأول مرة في تاريخها المعاصر ، ولكنها قابلة للمعالجة متى صح العزم.