قرأت لكم
|
يتم النشر بترخيص من مدير أسواق العرب الدكتور غابريال طبراني ،
فالمقال وإن كان صدر عني فهو مخصص للمجلة المذكورة.
بكل هدوء
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
نحو حسم معركة المحاسبة والمصالحة في تونس
تونس/ أسواق عربية /04/09/2015
تحتدم في تونس معركة كبرى لا تبدو معالمها
واضحة لدى العدد الأكبر من المواطنين التونسيين.
وتجري المعركة للواقع بين رئاسة الجمهورية،
وكل من يدور في فلكها، من أحزاب مؤتلفة تمتلك في البرلمان لا أقل من 80 في المائة
من الأصوات، وبين معارضات تجمع حولها جانبا مهما من الجمعيات الأهلية ومن مجتمع
مدني.
ولعل الجانب الأكبر من هذه المعركة يتلخص في
لي ذراع بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي " والحقوقية " سهام بن
سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت في 2013 من قبل قبل المجلس
التأسيسي اعتمادا على قانون العدالة الانتقالية.
وللواقع فإنه لم يكن هناك احتكاك بين
الشخصين قبل ربيع 2011 أي أسابيع قليلة بعد نجاح الثورة التونسية في طرد الرئيس
السابق زين العابدين بن علي من منصبه الرئاسي، ودفعه إلى منفى ذهبي في المملكة
العربية السعودية.
فعندما دعي الباجي قائد السبسي لتولي
الوزارة الأولى ( كما كانت تسمى أيامها) على إثر استقالة الوزير الأول محمد
الغنوشي الموروث عن عهد الرئيس بن علي، ورث في ما ورث وزيرا للداخلية هو
فرحات الراجحي ، غير أن رئيس الحكومة الجديد آنذاك وهو رئيس الدولة حاليا ، لم
يقنعه أداء وزيره فما كان منه إلا أن أقاله بعد شهر من تعيينه ، فيما تؤكد جهات
عديدة أن الوزير كان واقعا تحت تأثير السيدة سهام بن سدرين السياسي، وأنه ارتكب
أخطاء كبيرة ، كحل البوليس السياسي أي العين الساهرة للسلطة ، وطرد أكبر الكفاءات
التي تحتوي عليها وزارة الداخلية ، مما عرى البلاد من كل قدرة على متابعة الخفايا
، وهو ما يصل بالبعض لاعتبار ذلك أحد أسباب استشراء الإرهاب.
وقد أخذت السيدة سهام بن سدرين في نفسها من
قائد السبسي، باعتباره أطرد رجلا واقعا تحت تأثيرها، فناصبا بعضهما العداء.
غير أن تأثير السيدة بن سدرين لم يتوقف عند
الوزير الراجحي، بل كان ممتدا لزعامات كثيرة من حزب النهضة الإسلامي، على اعتبارها
أنها كانت من أشد المدافعين عن الإسلاميين أيام الرئيس السابق بن علي، وفي فترة
محاكماتهم وملء السجون بمن ينتمون إليهم، ولذلك كان تأثيرها وفقا لبعض المحللين
الجديين كبيرا عندما تولوا الحكم بدء من أواخر 2011 حتى ما بين بداية إلى أواخر
2014 وفقا لاختلاف التقييمات.
ومن هنا فإن قانون العدالة الانتقالية الذي
صدر عن المجلس التأسيسي الذي كان الإسلاميون فيه يحتلون أغلبية نسبية، جاء موافقا
لهواها، وتم من خلال المجلس نفسه انتخابها هي ومجموعة ذات وزن من المقربين إليها
في عضوية "هيئة الحقيقة والكرامة" المكلفة بمحاسبة رجال الأنظمة السابقة
بداية من الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي يرى فيه الكثيرون ما يشبه
القداسة، قبل تحقيق المصالحة على شاكلة ما جرى في المغرب أو في جنوب إفريقيا أو في
دول شرق أوروبا.
ومن هنا رأى البعض عن حق أو باطل، أن السيدة
بن سدرين جاءت بهدف الانتقام من رجال عهود اضطهدوها هي وغيرها من المعارضين، لعل
من بينهم رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي الذي شغل منصب مدير أمن ثم
منصب وزير الداخلية في فترة طويلة من الستينيات، كان فيها التعذيب وسوء معاملة
المعارضين سائدة على نطاق واسع.
ومن هنا فإن فعل التراكم المتمثل في إقالة
السبسي أيام كان رئيسا للحكومة إبان الثورة للوزير المقرب منها، وأيضا الرغبة منها
حسب القانون في محاسبة رجال النظام البورقيبي ثم نظام بن علي لفترة تتجاوز 55 سنة،
قد فتح الباب لضغائن كبيرة، زادتها رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة حدة، بمحاولة الاستحواذ
على أرشيف رئاسة الجمهورية، في حركة اعتبرت في حينه غير قانونية رفضتها المحكمة
الإدارية، والتخوفات من أن تقدم الهيئة على إذلال مسؤولين سابقين أحياء وأموات، من
بينهم اليوم وزراء ومدراء كبار، كل ذلك خلق أجواء موبوءة ، وفتح الباب لتقديم رئيس
الجمهورية لمبادرة تشريعية ، للتصديق برلمانيا على قانون للمصالحة في مجال
"الجرائم الاقتصادية والمالية " ، مما يسحب من هيئة الحقيقة والكرامة
الكثير من صلاحياتها بل ويصيبها في الصميم، وفي نفس الوقت سعت جهات متنفذة
عادة لزعزعة الهيئة من الداخل ، فاستقال عدد من أعضائها وأطرد واحد منهم
بحيث بات النصاب فيها مهتزا بما قد يضطر لحلها ، وتشكيل هيئة جديدة يكون رئيس
الجمهورية راضيا عنها.
وإذا مر مشروع قانون رئيس الجمهورية بسلام
أمام المجلس التشريعي وتم التصديق عليه ولو كما يطالب البعض بإدخال تغيرات
غير جوهرية عليه ، وكل المؤشرات تشير إلى احتمال حصول ذلك باعتبار أن أحزاب
الائتلاف الحكومي ستصوت له بأغلبيتها الواسعة، وإذا انتهت المناورات الجارية لسحب
الثقة من السيدة سهام بن سدرين، وقد تم تقديم مشروع لائحة للبرلمان
وقعها 70 نائبا لإخضاعها لتحقيق برلماني بتهمة تجاوزات مالية وسلوكية، فإن السبسي
يكون قد حقق انتصارا آخر، رغم أن المجتمع المدني يقف بقوة ضده وضد مشروع قانونه ،
هو وأحزاب المعارضة التي لها حضور شعبي رغم ضعفها في البرلمان.
وإذا تم لرئيس الدولة ما يريد وما يسعى إليه
من إزاحة السيدة سهام بن سدرين حتى لا تكون شوكة في حلقه، فإن ذلك لن يثير في
الغالب رد فعل شعبي كبير، وسيتناساه الناس المهمومون أساسا بلقمة العيش في بلد
يتقهقر اقتصاديا، ووصل إلى مرحلة الانكماش والركود الاقتصادي بكل ما تعنيه من تردي
الأحوال المعيشية وتفاقم البطالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق