Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 26 أبريل 2014

سانحة : تواتر المناورات هل يؤدي لاستقالة الحكومة، والدخول في مأزق سياسي زيادة عن المأزق الاقتصادي

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
حتى يكون التونسيون في مستوى الحدث
أم إنهم يدفعون حكومة جمعة للإستقالة؟
تونس / الصواب /27/5/2014
لا أحب أن أعطي دروسا، كما لا أحب مطلقا أن أصدر أحكاما ، وأبغض ما أبغض أن أجلس ناصحا ، وليست لدي شخصيا أدوات النصح.
ولكني هذه المرة وأنا بين الناس ، أو حتى أقل من الناس ، أشعر بمعاناتهم ، أنظر للمستقبل من زاوية داكنة ، وبمنظار سوداوي ، إن لم نتدارك نفسنا ولا أقول أنفسنا ، لأننا في مركب واحد وعلى شفير الغرق.
وضع لا يحسدنا عليه أحد ، المرتبات قد تنقطع ، والدولة بدأت فعلا في التأخير في صرف مستحقات مزوديها ، وهي أول الخطوات على طريق المنحدر ، معنى ذلك أن مؤسسات معينة ستضطر لتسريح عمالها ، بعد عدم القدرة على دفع مرتباتهم ، ومعنى ذلك مزيد البطالة ، ومعنى ذلك عدم تنفيذ المشروعات ، ومعنى ذلك العجز عن تحقيق نسب نمو لا عالية ولا حتى متهاودة ، ومعنى ذلك عجز عن توفير مناصب شغل.
ومع هذا رئيس حكومة متردد  متردد في تحميل كل جهة مسؤوليتها بشأن هذا الوضع المتدهور، ومع هذا رئيس حكومة متردد أمام اتخاذ قرارات يزيد تأخير اتخاذها من تعقيد وضع ليس في حاجة إلى تعقيد إضافي.
وبعد ثلاثة أشهر من استلامه السلطة تقريبا ، ما زال لم يحزم أمره على اتخاذ قرارات حازمة و لازمة ، لا بد أن نكتوي كلنا بجمرها ، وكل تأخير إنما هو مزيد الغرق، إنه رئيس حكومة لا يسعى لانتخاب ولو كان يسعى لفهمنا تردده ، ولكنه يخشى من ردة فعل سيأتي يوم ما ستتخذها البلاد ، في مزيد أوجاع وضع صعب.
وإذ يبدو تردد رئيس الحكومة مفهوما (  لا يريد أن يغضب أحدا) فهو ليس مبررا بالمطلق ، لأن البلاد تسير بسرعة كبيرة إلى حتفها ، وأنا أزن كلماتي.
فليس هينا أن تعجز حكومة أي حكومة عن دفع مستحقات مزوديها ، أو مرتبات موظفيها ، أو أنها تلجأ لطبع المزيد من الدنانير (وهي مطبوعة فعلا ومخزنة في دهاليز البنك المركزي) توسلا للدفع بعملة القرود كما يقول الفرنسيون ، ولكن ليس هينا أيضا أن تكون حكومة محايدة مبدئيا في وضع مواجهة مع المجتمع الذي تنبثق من رحمه ومن وفاقه.
مهدي جمعة يواجه اليوم الطبقة السياسية كلها  والطبقة النقابية ـ إلا من رحم ربك  ممن عقولهم داخل رؤوسهم -، فتونس وهي التي عاشت حقبة فوق طاقة إمكانياتها ، تريد اليوم أن تواصل العيش على نفس النسق ، وبالقدر الأدنى من العمل المنتج ، وهي لا تقبل بتضحيات فرضها الواقع المرير.
نحن اليوم في مفترق طرق إما أن نكون و جميعا في مستوى المسؤولية لتقديم التضحيات ومن جميعنا لتقويم وضع ساء أكثر من اللزوم ، أو ندفن رأسنا في التراب مثل النعامة وليأت ما يأتي من عظائم الأمور ، بما فيها تحلل هياكل المجتمع ، وعلى رأسها الدولة ، ليس فقط بما تمثله من رمزية ، ولكن وخاصة بالوظائف العادية للدولة أي دولة.
والمطلوب المطلوب اليوم اليوم، هو أن تقدم الحكومة على إنقاذ الدولة ، باتخاذ القرارات الجريئة اللازمة ، للعودة لعيش البلاد في مستوى إمكانياتها ، مع إدخال حد من العدالة والإنصاف ، وأن تعي القيادات المختلفة أن المسألة ليست لا لعبة للتلهي ، ولكن مصير بلاد وصلت إلى قاع الزقاق ، وينبغي تعبئة عامة وكاملة ، لمعرفة كيفية الخروج.
تونس منحدرة إلى بئر عميقة ، وليس من شعور بذلك ، والحكومة وكأنها حكومة سياسية تنتظر وفاقا (لن يأتي) حتى تحزم أمرها وتتخذ قراراتها ، وهي تواجه مناورات من نوع أحكام تهم شهداء الثورة ومصابيها ، ومن نوع دخول من دخول 61 إسرائيليا ، مما يعيق عن مواجهة المصائب الحقيقية ، التي لن يشعر بها المواطن على ما يبدو إلا يوم يتخلف عنه مرتبه ، أو يوم ترتفع نسبة التضخم لا إلى 6 في المائة كما هي الآن بل إلى رقمين وأكثر من رقمين.
رئيس الحكومة حمل الناس ، وفي مقدمتهم المؤسسين مسؤوليتهم ، ذلك جميل ولكن أين مسؤوليته اليوم ، في موجهة وضع هو في النهاية المسؤول عن تماديه أو إيجاد الحلول له.
ما يستشفه المرء أن رئيس الحكومة ما لم يعلنه وما لم يصرح به وما هو مقروء في درجة ثانية من تشفير الخطاب السياسي ، أنه إذا كان يراد هذه المرة أو في مرة مقبلة ، سحب الثقة من وزراء معينين ، فإنه سيستقيل هو وحكومته ،  ويترك الأمر لطبقة سياسية عامة ، ومجلس تأسيسي خاصة  أقل ما يقال فيه أنه ليس في مستوى المرحلة ، لأن المرحلة اليوم هي أخطر من أن يشعر بها من لا يشعر.

الأربعاء، 16 أبريل 2014

سانحة : أحكام صادمة،، وحقائق صادمة أكثر

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الأخطاء المتلاحقة
بشأن المحاكمات الكبيرة
تونس/ الصواب /14/4/2014
في حياة الشعوب تأتي فترات فارقة، تحتاج لطي صفحة وفتح أخرى، هذه الفترات تمر عبر ملاحقة القائمين على النظام السابق فيما يوصف بالبائد، بقصد القطع مع ماض يوصف عادة بالبغيض.
فبعد الحرب العالمية الماضية، جاءت محاكمة زعماء النازية  فيما اشتهر بمحاكمات نورمبرغ، ولم تكن تلك المحاكمات التي عقدها الغالبون ضد المغلوبين، مثالا لا في العدالة ولا في الانصاف ولا في التقيد بالمعايير التي كانت قائمة في البلدان الديمقراطية التي نظمت تلك المحاكمات.
وفي فرنسا تمت محاكمة الماريشال بيتان  ومساعديه، ممن تورطوا مع المحتل الألماني، في محاكمة سياسية لم تتوفر فيها مقتضيات المعايير السليمة  للمحاكمات العادلة.
وبعد الثورة المصرية سنة 1952 تراءى للرئيس جمال عبد الناصر، محاكمة وجوه النظام الملكي السابق، غير أن الجهاز القضائي المصري الذي كان يتمتع بسمعة دولية، رفض في رفق أن يتورط، فأنشئت محكمة ثورية ترأسها أيامها أحد الضباط الأحرار  البكباشي عبد اللطيف البغدادي، وهي محكمة تحررت من كل مقتضيات القضاء العادل، وبالخصوص لم يتم فيها العقاب على أساس جرم سبق أن نصت عليه وعلى عقوبته نصوص سابقة الوضع.
وفي تونس وبعيد الاستقلال اضطر الرئيس بورقيبة عديد المرات للجوء إلى قضاء استثنائي تمثل في محاكمات تولتها إما محاكم أمن الدولة أو محاكم شعبية تولت محاكمة اليوسفيين أو وجوه النظام الملكي أو قتلة الهادي شاكر قبل محاكمة أحمد بن صالح أو المتورطين في مؤامرة 1962. ويبدو أنه في تلك الفترة كان القضاء العدلي  برؤوسه وهاماته العالية عازفا عن التورط في محاكمات سياسية.
أما في العراق وبمجرد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين وتأسيره ، فقد جرت محاكمات سياسية لأعلى القيادات السياسية، صدرت فيها أحكام عديدة بالإعدام، لعل أبرزها حكم إعدام الرئيس نفسه وهو حكم تم تنفيذه وقامت حملة ضده لسببين اثنين:
أولهما أن حكم الإعدام بات مرفوضا وغير مقبول وخاصة في القضايا السياسية
وثانيهما أن الحكم الصادر، لم تتوفر فيه مقتضيات المحاكمات العادلة والشفافة والمنصفة ، بل اعترته تجاوزات وخروق لم تعد مقبولة هذه الأيام.
**
وفي تونس وبعد الثورة التونسية التي توجها هروب الرئيس الأسبق  زين العابدين بن علي، لم يكن مقبولا أن لا تتم محاكمات لرؤوس النظام كله، كان ذلك مطلبا شعبيا لا يمكن الحياد عنه أو تجاهله، وليس أقرباء الشهداء والجرحى فقط الذين كانوا يطالبون بذلك ، لإماطة اللثام على من تولى قتلهم أو جرحهم، والقصاص "العادل" منهم، بل كان هناك توجها شعبيا ، لتحديد المسؤوليات السياسية لانخرام وضع كامل في البلاد على مدى عشريتين .
ولما كانت الثورة بلا رأس أو رؤوس ولا تنظير، فقد استمر النظام السابق بشكل من الأشكال.
وقد اضطرت حكومات متعاقبة للمسايرة، دون حرص حقيقي من وجهة نظرنا لعقاب المتهمين.
وكانت الحكومات تسعى لتخفيف الاحتقان الشعبي، والإيهام بأن المحاسبة قادمة.
وما يجهله أو يتجاهله اليوم الكثيرون اليوم هو أنه بحكم تورط أمنيين وحتى عسكريين في الأعمال السابقة لنجاح الثورة أو حتى بعد نجاحها ، فإن القانون التونسي ينص على أن يتم التحقيق وتتم المحاكمة في المحاكم العسكرية ولا العدلية.
تلك حقيقة يتجاهلها البعض اليوم، رغم المعرفة التامة بها والنصوص التي اعتمدت أيامها في ربيع 2011 .
غير أن الخرق الأول هنا يتمثل في أنه وبحكم الدستور السابق والقوانين المنبثقة عنه ، فإنه وباعتبار تورط رئيس الدولة وبعض وزرائه في هذه القضايا، فإن المحكمة التي كان يجب أن تتعهد في الواقع ، هي المحكمة العليا، المؤهلة وحدها للنظر في قضايا متورط فيها رئيس الدولة ووزراء من حكومتها، بما يجر إليها أي تلك المحكمة كل المتورطين بالتبعية في تلك الجرائم.
وإذ يقول البعض بأنه وما دام دستور 1959  قد تم إلغاؤه،  فإن النص الذي أنشأ المحكمة العليا والقانون المتعلق به، قد سقط ، والواقع أن القانون الدستوري في القانون المقارن يجمع على أن إلغاء دستور، لا يلغي القوانين المنبثقة عنه، وإلا أصيب البلد أي بلد بفراغ قانوني فظيع.
ومن هنا جاء الخطأ الأول فأحيلت القضايا كلها للمحاكم العسكرية، تبعا لتورط أمنيين وعسكريين ، وهو موقف صحيح، لو لم يكن هناك تنصيص على محكمة عليا منشاة وكان يكفي تشكيلها مجددا.
وبالتالي فإن تكليف القضاء العسكري بمهمة محاكمة المتورطين في قتل وجرح شهداء ومصابي الثورة، بدل القضاء العدلي، هو صحيح بقدر ما لم يقع اللجوء للقانون الدستوري والقانون عامة بتشكيل محكمة عليا تتشكل بالمناسبة.
**
لن نطيل هنا الحديث عن أطوار تلك المحاكمات، في طورها الابتدائي ثم في طورها الإستئنافي ( على الأقل للبعض منها) ، ولكن بدا غريبا أن تقع عمليات إطلاق سراح لرؤوس من النظام السابق، في أولى القرارات الصادمة.
ذلك أن المحاكم العسكرية لا يمكن إلا أن تتقيد بنصوص سابقة الوضع، وفي حالات كثيرة، فقد تم تسريح متهمين من وزراء وغيرهم على أساس من أن القانون التونسي لا يتحدث مطلقا عن جرائم سياسية، فهي كم مجهول لديه، وبالتالي فلا يمكن محاكمة أي كان بتهمة الفساد السياسي، قد يكون البعض مورطا في فساد مالي أو في فساد اقتصادي، ولكن أن يتهم أي كان بالفساد السياسي فقد كانت تلك تهمة لا تستقيم.
وبالتالي وفي ما عدا قضايا قليلة متعهدة بها المحاكم العدلية للفساد المالي، وهو خطأ لأن الوزراء لا مجال لمحاكمتهم إلا أمام المحكمة العليا، فإن القضايا الخاصة بالشهداء تحولت بقدرة قادر للقضاء العسكري الذي بت في البعض منها إستئنافيا، في انتظار الباقي.
ولا نريد هنا أن ندخل في متاهات نقاش مدى جدية الأحكام، فالسلطة التقديرية للقاضي هي عماد العمل القضائي، ولكننا نريد أن نقول وبإيجاز شديد:
1/ أن الأحكام الصادرة آخر الأسبوع الماضي كانت صادمة لا فقط لأهالي الضحايا من شهداء وجرحى فقط، بل صادمة للرأي العام، الذي رأى فيها وكأنها وأد للثورة التي لم تستكمل مراحلها، ووصل الأمر للبعض أن قال بأنه ليس ممكنا الحديث عن تصحيح أو استكمال مسار الثورة، بل عن ثورة جديدة محددة الأهداف قائمة على قيادة فعلية ونظرة نظرية وفعلية محددة.
2/أنه وفي كل الأحوال فإن أحكام المحاكم (الفعل المحكوم فيه la chose jugée) أمرها يقوم فقط على الطعن القانوني في درجات التقاضي المختلفة.
3/أن المطالبة اليوم بإقامة محاكم خاصة وسحب القضايا من القضاء العسكري، هو دعوة لإنشاء قضاء استثنائي، بينما المفروض أن دولة القانون لا تعرف معنى لمحاكم استثنائية. بما في ذلك القضاء العسكري إلا في ما بين عسكريين.
4/أن ما بقي هو الطعن عبر التعقيب، علما وأن محاكم التعقيب هي محاكم قانون، تنظر في مدى احترام القانون أي في الشكل وليس في الأصل، أي إن للنيابة العسكرية أن تطعن في مدى احترام القرار القضائي، لمنطوق القانون ونصوص الإحالة.
5/ أن المطالبة بإعادة المحاكمة يذكرنا بالزمن السيء في آخر حياة بورقيبة السياسية، الذي لم يعجبه الحكم الصادر بحق الشيخ راشد الغنوشي فدعا لإعادة محاكمته طلبا لإصدار حكم بالإعدام، وكانت المحاكمة معينة ليوم السبت 7 نوفمبر 1987 لولا أن حم القضاء واستبعد من مركزه الرئاسي، ولو حصلت تلك المحاكمة لصدر حكم بالإعدام، ولحرمت البلاد من رجل ، مهما اتفقنا أو اختلفنا معه، فهو رجل يمثل جزء من تاريخ تونس المعاصر ومن فكرها.
**
بقي أن القانون أي قانون في العالم يسمح بمراجعة حكم، إذا تم توفير عناصر جديدة، واعتقادنا جازم بأن هناك عناصر فعلية كثيرة يمكن لو صدقت الإرادة الكشف عنها، وبالتالي المطالبة بمراجعة الأحكام الصادرة.
غير أن الأحكام الصادرة هي أحكام اتصل بها القضاء، وهي نافدة اليوم ، مهما كان الموقف بشأنها. وليس الرأي العام هو من يعطل القرار القضائي مهما كان سواء منصفا أو غير منصف، وإن كان هذا الحكم بالذات قد يكون وراءه ما وراءه، قبل وخلال وبعد المحاكمة.
**
 وإذ لا يمكن للمرء أن يستغرب ردود الفعل سواء الشعبية، أو لضحايا أو أقارب الضحايا، فلعل للمرء أن يتوقف عند أمرين اثنين:
أولهما ردة فعل النواب ولحد علمي فإن النص الذي حرره النواب في الدستور الجديد الذي لم يجف حبره بعد  وفي فصليه  109 و110 جدير بهم العودة لقراءته.
ثانيهما : أنه ومهما خوله القانون للسلطة التنفيذية، وخاصة من صلاحيات رئيس الجمهورية بشأن القوات المسلحة، فإنه من الفجاجة وحتى قلة  الذوق، أن يصدر ما صدر من قرار، لا مفهوم ولا مبرر.



اقتصاديات : بعد 70 يوما من قيامها هل استفاقت الحكومة الجديدة من سباتها، واتجهت لاتخاذ القرارات المستوجبة؟

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
 تونس ...مركب بين الأمواج العاتية
تونس/ الصواب/15/4/2014
70 يوما أو تزيد مرت على تشكيل حكومة الكفاءات من التقنوقراط، وعندما تقف أمام الفرديات من الوزراء، يفتح المرء فمه فاغرا، للمستويات العالية جدا للوزراء أو على الأقل غالبهم، وللتجارب في مجال الاقتصاد الجزئي ، وفي تسيير المؤسسات.
غير أن هذه الحكومة التي كانت مدعوة للحسم السريع، مرت عليها فترة السماح القصيرة بذاتها باعتبار المرحلة، دون أن تقدم على الخطوات المنتظرة منها، لتقويم حال مركب تتقاذفها أمواج عاتية.
وباعتبار الوضع الذي ورثته هذه الحكومة وهو وضع لا يمكن أن يوصف  إلا بالكارثي ، فقد كان منتظرا منها أن تأخذ الثور من قرونه، وتصارح الشعب، وتدعوه إلى شد الأحزمة، والقبول بتضحيات لم يعد منها بد، حتى لا يغرق المركب بمن فيه.
ورغم ذلك فإن هذه الحكومة وخاصة رئيسها ما زال يسودهما التردد، بينما إن كل يوم يمر يزيد، في إغراق المركب.
ولقد كان مفترضا أنه وبعد تقييم للوضع لا يفوق الشهر على أكثر تقدير، فالأمور بوضوح ساطع، وتونس تتراقص على أمواج عاتية، والمسؤوليات في ذلك ليست في حاجة لمن يحددها فهي محددة فعلا، وبعد التقييم فقد كان على هذه الحكومة أن تبدأ بمصارحة الشعب ووضعه على بينة من أمره بعد سنتين من حكم لا نريد أن نصفه.
وبعد المصارحة ، تأتي مرحلة القرارات الصعبة الموجعة، والحكومة لم تصارح الشعب حتى الآن وبعد مرور شهرين، ولا يبدو أنها تتحرك من منطلق إصلاح وضع ،سيء وصعب وحرج باعتراف الحكومة نفسها.
ولقد استمرأ الشعب وضعا، تعيش فيه البلاد فوق إمكانياتها، وتعيش فيه العائلات فوق طاقة احتمالها، وليست الدولة وحدها مستدينة وتزداد مديونيتها، بل أن العائلات هي نفسها غارقة في جبال من الديون العالية.
إذن الحكومة والتي كان الأمل معقودا عليها، لم تبدأ بمصارحة الشعب بوضع ليس صعبا ولا حرجا جدا كما تقول، بل أبعد من ذلك، والحكومة وبعد أكثر من شهرين ما زالت لم تتخذ القرارات التي يستوجبها الأمر.
وفي كل هذا تغيب المصلحة العامة للناس، فيندفعون بلا شعور نحو حافة الهاوية إن لم يكن لقاعها المظلم.
ومن هنا فإن تحرك الحكومة هذه الحكومة على القيمة الفردية لأعضائها أو غالبهم وأما ترددها، فإنها تزيد في فترة الانتظار، انتظار ماذا.
قد يفهم المرء ما أقدمت عليه حكومات النهضة من جمود في معالجة وضع استلمته مترديا في أول العام 2012 نتيجة أحداث الثورة، وكان عليها أن تجد له الحلول بشجاعة رجال الدولة لا رجال السياسة، وهو أمر على ما يمكن للمرء أن يتفهمه لا أن يجد له المبررات، علما وأن حكومة النهضة كانت عينها على انتخابات تريد أن تفوز فيها بأي ثمن، ولكن المرء لا يفهم ولا يتفهم ولا يمكن أن يجد المبررات لحكومة ليس لها في الانتخابات دور ولا إمكانية.
حقيقة أن المواجهة صعبة، والقرارات التي تأخرت كثيرة عسيرة على الهضم، واتحاد الشغل بالذات والمركزيات النقابية، ما زالت ليست في مستوى خطورة اللحظة،والقواعد العمالية تدفعها مطلبية في بلد فيه مخزون عال من البطالة بعكس كل منطق ، ولم يفهم بعد ولم يحاول أحد إفهامه ، بأن من يعمل اليوم ويتناول أجرا هو محظوظ.
كما أن الحكومة لم تفعل شيئا لتمرير قرص الدواء الحر للطبقات الشعبية باتخاذ القرارات المناسبة والسريعة لإبراز إرادة المساواة في معاملة المواطنين، عبر تفعيل القوانين الخاصة بفرض الضريبة التصاعدية وملاحقة المتهربين، كما ملاحقة الإثراء السريع غير المشروع وضرب التهريب أكبر مصدر لضرب الاقتصاد الوطني.
لقد جاء زمن التضحية كل بقدر ما هو عليه اليوم من ضرورة المصارحة. والتضحية ليس من العمال والعاطلين فقط، بل بالخصوص للذين ينعمون أكثر من غيرهم، ليس من منطلق الصراع الطبقي ولكن من منطلق العمل على إقرار معاملة متساوية بين المواطنين، ووضع العبء كله على الطبقات المسحوقة والطبقات الوسطى إن كانت ما زالت هناك طبقات وسطى.
ولكن هل من مستمع وهل هناك حكومة في مستوى التوقعات، أم هي حكومة تصريف أعمال لا غير، في بلد ما زال لم يع بعد أنه داخل الدوامة، وأنه قد يفاجأ يوما بأن الأجور قد تصرف وقد لا تصرف، وبأن الغلاء الفعلي قادم ، قادم قادم، وبأن شظف العيش ينتظرنا.
أسباب كلها تدفع للتساؤل إلى متى حكومة إنقاذ تبقى على هذا الجمود وهي ليست معنية لا بانتخابات ولا بحكم على المدى المتوسط أو الطويل؟؟


الأحد، 6 أبريل 2014

بسانحة: بورقيبة شمعة لن تنطفئ

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بورقيبة العظيم يعود .. بقوة
تونس/ الصواب /6/4/2014
تحدى بورقيبة الأسطورة ، كل محاولات وضعه في سجن  النسيان.
بورقيبة هذا الطود الشامخ في تاريخ البلاد السخي بالرجال والنساء، لم يستطع أحد أن يطوي ذكره، أو أن يدخله عالم النسيان.
رغم محاولات يائسة لم ينس التونسيون بورقيبة، بل كان وفاؤهم له في عظمة ما تركه لهم الرجل من بصمات على جبين تاريخهم.
تاريخ لن ينسى الرجل ولن يغمطه حقه من التقدير الدائم.
وسواء محاولات الرئيس السابق بن علي، أو لاحقا النهضة أو جزء من النهضة والكواكب المنطفئة التي تدور في فلكها، فلقد أبرزت هبة شعبية كبرى، أن الرجل لم يمت ، وأنه يمثل شمعة ، ليس فقط لم تنطقئ وإنما شمعة مضيئة وستبقى مضيئة أبد الدهر شأن الرجال العظام، القلائل عبر التاريخ، التاريخ الإنساني قاطبة.
رجل ملأ حياة بلاده بفعله وتأثيره على مدى قرن من الزمن (1900 –التاريخ الفعلي والحقيقي لمولده – 2000 موعد مغادرته الدنيا تاركا وراءه إرثا، لم يتسن لرجل أن ترك مثيلا له في تاريخ البلاد، الممتد على مدى ثلاثة آلاف سنة أو تزيد.
وإذا لم يكن من سبب حقيقي ومقبول ، لوضع بورقيبة في سجنه الأخير على رأي مسرحية رجاء فرحات ، على مدى 13 عاما خلال شيخوخة طالت ، من قبل بن علي، فإن حقد الغنوشي وجماعته على الرجل يبقى  مفهوما ولكن غير مقبول ولا مبرر بمقاييس السياسة، وبمقاييس الأخلاق ومعاملة الموتى.
ورغم 26 أو 27 سنة من محاولات الطمس، فإن بورقيبة الذي لم يغادر بصورته ولا بفعله الأعماق لدى هذا الشعب، المخلص الوفي ، فإن شخصية الرجل انطلقت من قمقمها ، قوية متمردة على ما أريد له من أن يدخل طيات النسيان، فكان الإحياء الشعبي ليوم مماته في غاية التلقائية والروعة ، ليس فقط في المنستير التي حج إليها لا فقط أنصاره، وليس فقط من زامنوه، بل شباب وحتى أطفال، نكرة أسماؤهم، ولم يعيشوا زمن بورقيبة اعترافا له بالجميل، وتخليدا لذكره، وفي كل يد العلم الأحمر والأبيض الذي لم يكن بورقيبة يترك فرصة دون أن يقبله، بوصفه رمز الدولة التونسية، التي استعاد لها الوجود، وفرض لها السيادة، وحررها، وحرر أبناءها من ربقة الجهل والغرق في أعماق التخلف.
ذاك هو بورقيبة الذي لم يتنكر له شعبه العظيم ، فاحتفى بذكرى وفاته وسيحتفي أحب من أحب وكره من كره، بمناسبتين أخريين هما يوم مولده – رسميا 3 أوت – ويوم التحام انتصار الشعب بانتصاره في 1 جوان.
مات بورقيبة قبل 14 سنة ، ولكن ذكره بقي حيا ، وسيبقى حيا في قلب هذا الشعب، وهو وإن لم يخل حكمه من هنات، فإن الناس لن ينسوا أنه وعلى مدى 27 سنة ، غير كما لم يغير أحد من قبله، ولن يأتي من يغير أحد بعده حياة هذه البلاد، بالعمق الذي فعله، ترك آثارا عميقة، سيزيدها الزمان عمقا.
ملاحظتان فقط:
-        ألم يأت الوقت لإعادة تمثال بورقيبة راكبا صهوة الجواد إلى مكانه في الشارع الذي يحمل اسمه، بدل تلك الساعة القبيحة المنظر التي فرضت على أذواقنا فرضا منذ 26 سنة؟
-        ألم يحن الوقت لاستعادة وجود ذلك المقرئ الذي يجلس طيلة النهار أمام قبره ، لتلاوة القرآن ترحما على روحه، بعد إلغاء قيل لنا في المنستير  قبل أيام إنه جاء بقرار من النهضة بعد استلامها للحكم.؟
-        fouratiab@gmail.com


الثلاثاء، 1 أبريل 2014

عالميات: زلزال سياسي بعدانتخابات بلدية بفرنسا

عالميات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال في فرنسا
تونس/ الصواب /1/4/2014
على مدى أسبوعين اثنين 23 و30 مارس 2014  جرت انتخابات بلدية في فرنسا، تسببت في زلزال سياسي بأعلى مقاييس ريشتر.
فقد عرف الحزب الاشتراكي الفرنسي وشركاؤه في الأغلبية الحاكمة ، أكبر هزيمة انتخابية محلية منذ الحرب العالمية الثانية، واستفاد كل من اليمين الجمهوري ممثلا في أحزاب الديغوليين والوسط، وكذلك حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة والعنصرية، من انحسار اليسار.
ولأول مرة يحرز اليمين المتطرف على رئاسة 14 بلدية  أي الأغلبية في تلك البلديات بصورة تطلق يديه فيها ، لينفذ سياساته العنصرية خاصة ضد العرب والمسلمين، و1200 مقعد مستشار في عشرات البلديات الأخرى ، ليصبح له تأثير فيها وإن كان أقليا.
أما الديغوليون فقد اكتسحوا في موجة زرقاء قرابة ثلثي بلديات البلاد، وباتوا يشكلون فيها أغلبية واسعة تجعلهم يسيطرون عليها، ومنها كل البلديات التي يتجاوز عدد سكانها المائة ألف باستثناء باريس و سترازبورغ وقرونوبل.
وحصل الاشتراكيون وشركاؤهم في الحكم من الخضر والإيكولوجيين على القسط الأقل ، وانحسر تأثيرهم الذي كان كبيرا، وظهروا بمظهر المهزومين.
ورغم أن هذه الانتخابات تهم البلديات، وليس لها وزن وطني، فالأغلبية البرلمانية المنبثقة هي والأغلبية الرئاسية عن انتخابات ربيع 2012، فإن حجم هزيمة الأحزاب الحاكمة، أفقدتها توازنها، أظهرت أن الشعب الفرنسي أصبح رافضا للسياسات المنتهجة من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ، الذي حملته موجة عارمة من الكراهية لسلفه ساركوزي، ولم يحمله للحكم برنامج انتخابي مغر، ولذلك فما مرت أسابيع قليلة على انتصابه للحكم حتى أخذت شعبيته في التدهور، إلى أن وصلت إلى حد لا سابقة له في تاريخ الجمهورية الخامسة، وانخفضت إلى حد أدنى حتى من سلفه ساركوزي الذي كان يعتقد أنه لامس القاع شعبيا.
ذلك أن هولاند الذي ينحدر من وسط اليسار، ولكنه اعتمد برنامجا يساريا جمع حوله الشيوعيين والخضر، لم يقدر على تنفيذه سواء بسبب قناعاته، أو بسبب عجز حكومته وعدم اتضاح معالم الطريق أمامها، وترددها بين جرعات من الليبرالية وأخرى من الاشتراكية ، قد زادت من تردي أحوال الناس، وهي أحوال تركها سلفه ساركوزي سيئة أصلا، فزادت تدهورا وترديا، فقد بلغت مديونية الدولة 93 في المائة من الناتج، (51 في المائة في تونس) ، ونسبة عجز الموازنة 4.3 في المائة،(6.8 في المائة في تونس) بينما الطبيعي هو 3 في المائة، وانفجرت أرقام البطالة فيما إن وعوده الأولى كانت تقوم على افتراض بالبدء في تقليصها، هذا فضلا عن تدهور كبير في الطاقة الشرائية، وانعدام آفاق تطور الاستثمار، أي دفع نسب النمو ( إيجابية برقمين اثنين في الولايات المتحدة وكل دول أوروبا الغربية باستثناء فرنسا حيث لا تكاد تصل إلى 1 في المائة).
ومن هنا جاءت نتائج الانتخابات البلدية على صورة كارثية بالنسبة للأحزاب الحاكمة، ورغم أن هذه الانتخابات لا تعتبر انتخابات يمكن أن تهز الأغلبية الحكومية، فقد اعتبرت الطبقة الحاكمة الفرنسية، الانذار في غاية الخطورة، خصوصا وأن انتخابات أخرى تنتظر الفرنسيين في شهر ماي المقبل وتهم هذه المرة انتخابات أوروبية لنواب يحتلون مقاعد فرنسا في البرلمان الأوروبي ، وثالثة تنتظر الفرنسيين بعد عام وهي انتخابات جهوية وإقليمية.
وتحسبا من كل ذلك، فإن الرئيس الفرنسي الاشتراكي هولاند ، قد أقدم على التخلي عن رئيس حكومته  هيرو) وهو من وسط اليسار الاشتراكي، واستقدم شخصية من اليمين الاشتراكي، كان نافس هولاند على الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكنه سقط في الاستفتاء الداخلي داخل الحزب الاشتراكي.
فهل يكون "فالس" هو البلسم الشافي، لقد ضبط له "هولاند" خارطة طريق واضحة المعالم، عليه أن يتبعها، غير أن المراقبين في فرنسا، يرون فيها من التناقضات ما يجعلها غير قابلة للتنفيذ ،وبينما تجد فرنسا نفسها في حالة انفلات في عجز الميزانية تماما مثلنا في تونس، تتلقى بشأنه التحذيرات تلو التحذيرات من الاتحاد الأوروبي، فإن خارطة الطريق المرسومة، وبدل أن توجد الـ50 مليار يورو الموعودة لاقتصاد نفقات الدولة وترشيدها، فإن خارطة الطريق الجديدة ، ستؤدي إلى تفاقم عجز لم يستطع لا "هولان" ولا "هيرو" خلال العامين الماضيين القضاء عليه ولا حتى تقليصه، ورفع ذلك العجز وفقا للقرارات المنتظرة من خارطة الطريق إلى 70 أو 80 مليار يورو.
وإذ ينظر هولاند لانتخابات أوروبية وافدة بعد شهرين بعين الحذر والترقب، فإن ما يؤرقه هو انتخابات العام المقبل الجهوية والإقليمية، وإذا استمر الواقع على ما هو عليه حاليا، فإنه ربما وجد نفسه بعد ثلاثة أعوام وبمناسبة الانتخابات الرئاسية في 2017، في موقع شبيه بموقع ساركوزي قبل عامين، ويغادر سدة الحكم بعد ولاية واحدة.
والملخص هو أن فرنسا تعيش فوق مستوى إمكانياتها الحقيقية ، وأن الحكومات المتعاقبة ومنذ أزمة 2008، لم تهتد إلى طريق العلاج الصحيح، الذي يتطلب كما هو الشأن في تونس،  مصارحة الشعب بحقيقة الوضع، واتخاذ القرارات الجريئة المريرة والموجعة، لإخراج البلاد مما هي عليه ، كما حصل في ألمانيا أو بريطانيا، وتلك هي ضريبة الديمقراطية والتشبث بكراسي الحكم.