Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 1 أبريل 2014

عالميات: زلزال سياسي بعدانتخابات بلدية بفرنسا

عالميات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال في فرنسا
تونس/ الصواب /1/4/2014
على مدى أسبوعين اثنين 23 و30 مارس 2014  جرت انتخابات بلدية في فرنسا، تسببت في زلزال سياسي بأعلى مقاييس ريشتر.
فقد عرف الحزب الاشتراكي الفرنسي وشركاؤه في الأغلبية الحاكمة ، أكبر هزيمة انتخابية محلية منذ الحرب العالمية الثانية، واستفاد كل من اليمين الجمهوري ممثلا في أحزاب الديغوليين والوسط، وكذلك حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة والعنصرية، من انحسار اليسار.
ولأول مرة يحرز اليمين المتطرف على رئاسة 14 بلدية  أي الأغلبية في تلك البلديات بصورة تطلق يديه فيها ، لينفذ سياساته العنصرية خاصة ضد العرب والمسلمين، و1200 مقعد مستشار في عشرات البلديات الأخرى ، ليصبح له تأثير فيها وإن كان أقليا.
أما الديغوليون فقد اكتسحوا في موجة زرقاء قرابة ثلثي بلديات البلاد، وباتوا يشكلون فيها أغلبية واسعة تجعلهم يسيطرون عليها، ومنها كل البلديات التي يتجاوز عدد سكانها المائة ألف باستثناء باريس و سترازبورغ وقرونوبل.
وحصل الاشتراكيون وشركاؤهم في الحكم من الخضر والإيكولوجيين على القسط الأقل ، وانحسر تأثيرهم الذي كان كبيرا، وظهروا بمظهر المهزومين.
ورغم أن هذه الانتخابات تهم البلديات، وليس لها وزن وطني، فالأغلبية البرلمانية المنبثقة هي والأغلبية الرئاسية عن انتخابات ربيع 2012، فإن حجم هزيمة الأحزاب الحاكمة، أفقدتها توازنها، أظهرت أن الشعب الفرنسي أصبح رافضا للسياسات المنتهجة من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ، الذي حملته موجة عارمة من الكراهية لسلفه ساركوزي، ولم يحمله للحكم برنامج انتخابي مغر، ولذلك فما مرت أسابيع قليلة على انتصابه للحكم حتى أخذت شعبيته في التدهور، إلى أن وصلت إلى حد لا سابقة له في تاريخ الجمهورية الخامسة، وانخفضت إلى حد أدنى حتى من سلفه ساركوزي الذي كان يعتقد أنه لامس القاع شعبيا.
ذلك أن هولاند الذي ينحدر من وسط اليسار، ولكنه اعتمد برنامجا يساريا جمع حوله الشيوعيين والخضر، لم يقدر على تنفيذه سواء بسبب قناعاته، أو بسبب عجز حكومته وعدم اتضاح معالم الطريق أمامها، وترددها بين جرعات من الليبرالية وأخرى من الاشتراكية ، قد زادت من تردي أحوال الناس، وهي أحوال تركها سلفه ساركوزي سيئة أصلا، فزادت تدهورا وترديا، فقد بلغت مديونية الدولة 93 في المائة من الناتج، (51 في المائة في تونس) ، ونسبة عجز الموازنة 4.3 في المائة،(6.8 في المائة في تونس) بينما الطبيعي هو 3 في المائة، وانفجرت أرقام البطالة فيما إن وعوده الأولى كانت تقوم على افتراض بالبدء في تقليصها، هذا فضلا عن تدهور كبير في الطاقة الشرائية، وانعدام آفاق تطور الاستثمار، أي دفع نسب النمو ( إيجابية برقمين اثنين في الولايات المتحدة وكل دول أوروبا الغربية باستثناء فرنسا حيث لا تكاد تصل إلى 1 في المائة).
ومن هنا جاءت نتائج الانتخابات البلدية على صورة كارثية بالنسبة للأحزاب الحاكمة، ورغم أن هذه الانتخابات لا تعتبر انتخابات يمكن أن تهز الأغلبية الحكومية، فقد اعتبرت الطبقة الحاكمة الفرنسية، الانذار في غاية الخطورة، خصوصا وأن انتخابات أخرى تنتظر الفرنسيين في شهر ماي المقبل وتهم هذه المرة انتخابات أوروبية لنواب يحتلون مقاعد فرنسا في البرلمان الأوروبي ، وثالثة تنتظر الفرنسيين بعد عام وهي انتخابات جهوية وإقليمية.
وتحسبا من كل ذلك، فإن الرئيس الفرنسي الاشتراكي هولاند ، قد أقدم على التخلي عن رئيس حكومته  هيرو) وهو من وسط اليسار الاشتراكي، واستقدم شخصية من اليمين الاشتراكي، كان نافس هولاند على الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكنه سقط في الاستفتاء الداخلي داخل الحزب الاشتراكي.
فهل يكون "فالس" هو البلسم الشافي، لقد ضبط له "هولاند" خارطة طريق واضحة المعالم، عليه أن يتبعها، غير أن المراقبين في فرنسا، يرون فيها من التناقضات ما يجعلها غير قابلة للتنفيذ ،وبينما تجد فرنسا نفسها في حالة انفلات في عجز الميزانية تماما مثلنا في تونس، تتلقى بشأنه التحذيرات تلو التحذيرات من الاتحاد الأوروبي، فإن خارطة الطريق المرسومة، وبدل أن توجد الـ50 مليار يورو الموعودة لاقتصاد نفقات الدولة وترشيدها، فإن خارطة الطريق الجديدة ، ستؤدي إلى تفاقم عجز لم يستطع لا "هولان" ولا "هيرو" خلال العامين الماضيين القضاء عليه ولا حتى تقليصه، ورفع ذلك العجز وفقا للقرارات المنتظرة من خارطة الطريق إلى 70 أو 80 مليار يورو.
وإذ ينظر هولاند لانتخابات أوروبية وافدة بعد شهرين بعين الحذر والترقب، فإن ما يؤرقه هو انتخابات العام المقبل الجهوية والإقليمية، وإذا استمر الواقع على ما هو عليه حاليا، فإنه ربما وجد نفسه بعد ثلاثة أعوام وبمناسبة الانتخابات الرئاسية في 2017، في موقع شبيه بموقع ساركوزي قبل عامين، ويغادر سدة الحكم بعد ولاية واحدة.
والملخص هو أن فرنسا تعيش فوق مستوى إمكانياتها الحقيقية ، وأن الحكومات المتعاقبة ومنذ أزمة 2008، لم تهتد إلى طريق العلاج الصحيح، الذي يتطلب كما هو الشأن في تونس،  مصارحة الشعب بحقيقة الوضع، واتخاذ القرارات الجريئة المريرة والموجعة، لإخراج البلاد مما هي عليه ، كما حصل في ألمانيا أو بريطانيا، وتلك هي ضريبة الديمقراطية والتشبث بكراسي الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق