Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 27 مارس 2014

سانحة: ما هو مستقبل حمادي الجبالي بعد المغادرة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
غموض في النهضة
تونس/ الصواب /27/3/2014
غداة الانتخابات العامة التي جرت في 23 أكتوبر 2011، كان حمادي الجبالي يعتبر الرقم الأول في حركة النهضة ، بعد زعيمها ( البعض يقول مرشدها) راشد الغنوشي، بوصفه الأمين العام أهم مركز في الحركة.
وكان الجبالي يعتمد في هذا الموقع المتميز على  تأثيره الطاغي في الحركة، ومما يستمده من موقعه ككاتب عام، ومن احتمالات تعيينه رئيسا للوزراء.وأيضا للعلاقات الواسعة خارج الحركة.
لكن الذين اقتربوا منه ـ وأنا أحدهم ـ كانوا معجبين بالقدرة الفائقة على الاقناع التي يتمتع بها، وما يظهر عليه من اعتدال نسبي، بالقياس إلى موقعه في حركة سياسية ذات مرجعية دينية.
بين ديسمبر 2011 و6 فيفري 2013 الفترة التي قضاها على رأس الحكومة ، فقد حمادي الجبالي الكثير من تأثيره داخل صفوف النهضة، والمؤكد أن جهات داخلها وفي أعلى المستويات دفع لذلك، فمنصب رئيس الوزراء جد مغر، والمتكالبون عليه كثر، وسيدفع هو ثمن ما أسمي بالتنازلات الموجعة تحت الدفع القوي للمعارضة والمجتمع المدني الحقيقي والفاعل، لا ذلك الذي أنشأته الحركة ولم يكن فاعلا على الساحة العمومية.
ولعل حمادي الجبالي، وبعد سنة ونيف من الحكم اقتنع بأن الحركة التي يشغل فيها خطة الأمين العام لم تكن مهيأة للحكم، وأن النصائح التي تلقاها من الكثيرين قبل الانتخابات وبعدها بتجنب إقحام النهضة في الحكم وليس لها رجاله، والتي أجاب عنها بأن القواعد لن ترضى بأن تفرط في انتصارها النسبي ، قد دفعته إلى قناعة متوفرة، بأن الحكم ليس لعبة يمكن أن يلعبها أي كان.
لذلك ما إن جاءت الهزة الكبرى في 6 فيفري بحصول أول اغتيال سياسي الشهيد شكري بلعيد ، حتى استنتج ما ينبغي له استنتاجه، وهو ضرورة تخلي النهضة عن السلطة، حتى لا يزيد اهتراؤها، ومن هنا جاءته فكرة تعويض الحكومة النهضاوية بمشاركة "أحزاب" هي الأخرى فاقدة للقدرة على التعامل مع السلطة، بحكومة كفاءات.
وإذ وافق أحد شركاء الحكم على ذلك، فإنه لا النهضة ، ولا المؤتمر المتشبثان بالكراسي، رفضا استنتاجا منطقيا، فما كان منه وهو الصادق مع نفسه، إلا أن نفذ وعيده باستقالة مدوية، أبرزت انقساما في الحزب الذي اعتبر طويلا الأكثر انضباطا.
والقريبون من النهضة يعتقدون بأن ذلك مثل كسرا عميقا وشرخا في النهضة، التي واصلت الحكم، ولكن بغير قدرة على تلمس طريقه، وبدون قدرة البتة على استقراء مقتضياته، ومن هنا فإن حكومة علي العريض التي استمرت بين 9 أو 10 أشهر بدون ولا وزير واحد يدرك معاني الاقتصاد الكلي ، قد فشلت لا في تحقيق شيء فقط، وإنما  فشلت في الخصوص بالإمساك بحقيقة دواليب الحكم وخاصة منذ 25 جويلية   2013، يوم حصول الاغتيال الثاني في تونس باستشهاد محمد البراهمي. وعبر زيادة إقحام البلاد في متاهات لا يعرف أحد كيف تستطيع البلاد الخروج منها وخاصة اقتصاديا.
منذ ذلك الوقت أي بعد 6 أشهر على مغادرة حمادي الجبالي لكرسي رئاسة الحكومة ، بدا أنه هو الذي كان على حق ، وأن النهضة فقدت خيوط السيطرة، وهي التي لم تخرج من السلطة بشيء من ارتفاع الهامة ، بل ستضطر للمغادرة تحت تأثير قوة مضادة، وبصورة رغم ما يقال ليس فيها الكثير من الكرامة.
لكن حمادي الجبالي مع فقدانه لمنصب رئيس الحكومة فعليا منذ 6 فيفري، فقد في الواقع موقعه المؤثر في النهضة، كأمين عام بلا صلاحيات فعلية، ومما يقال أنه تم تهميشه ، للحد الذي بات معه يحس بغربة فعلية في حزبه الذي أعطاه حياته.
من هنا وبين فيفري 2013 و5 مارس 2014، كان حمادي الجبالي في حالة تأجيل تنفيذ، موجود في الموقع الثاني في الحزب الرئيسي في البلاد ـ حتى إشعار آخر ـ ، ولكنه غائب غيابا تاما عن الساحة.
هل يكون وقع تحت طائلة انتقام نتيجة عدم انضباطه، انضباطه لمن وهو الأمين العام ، أعلى الدرجات بعد زعيم الحزب، أي  إنه كما هي العادة وقعت التضحية به ، لأنه ارتفع بظله على الزعيم ،ونال شعبية لم يكن له أن ينالها.
لقد استقال من الأمانة العامة، ولكن ما بقي في الظل هو إن كان استقال أيضا من الحزب، ثم ماذا ينوي بعد ذلك ، هل هو مخزون النهضة لمنصب رئاسة الجمهورية، أم إنه طلق حزبه ، وله وجهة أخرى غير معلنة للآن ، علما وأن الذين غادروا النهضة لحد الآن، حاربتهم ولم تترك لهم مكانا على الساحة.


الأربعاء، 26 مارس 2014

بكل هدوء: تونس/ مصر / الخليج/ ومصالح البلاد

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
المصالح وبعد ..
تونس/ الصواب / في 25/3/2011
قرأت في مذكرات تشرشل الذي قاد بريطانيا ضمن التحالف العالمي ضد النازية وحقق انتصارا ساحقا في الحرب العالمية الثانية ، ليس لبريطانيا أصدقاء دائمين، وليس لها أعداء دائمين، ولكن لها مصالح دائمة.
وقد أراد الزعيم العجوز أحد أكبر الذين خلدهم التاريخ ، أن يقول إن المصالح هي التي تقود الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس.
وهذه المقولة جديرة بأن توضع في مدخل كل باب لأي حاكم.
صحيح أن للمبادئ مكان في السياسة، ولكنها وفي السياسات الدولية، مرتبطة بالإمكانيات ولا يمكن أن تسير في خط متعارض مع المصالح، بل تحاول أن تجعلها متناسقة مع تلك المصالح، ولعل أكبر مثال على انعدام الرؤية وحتى البصيرة ، مثال الموقف التونسي الرسمي والشعبي في سنة 1990، في تبرير احتلال الكويت، الممول الأول لتونس، والذي توقف دفقه على تونس منذ ذلك الحين.

ونجد اليوم أن بلادنا تنتهج نفس الأخطاء ، في علاقاتها الإقليمية وحتى الدولية، بحيث تقطع عن نفسها موارد كان يمكن لها أن تحقق تدفقاتها المالية.
إن ما حدث في مصر خلال الصائفة الماضية، جدير بان يقع النظر إليه من أكثر من زاوية، ولايمكن فصله عن السلوكات والتصرفات اللاإنسانية والمتعارضة مع حقوق الإنسان بكل مرجعيتها العالمية.
إن يوم 30 جوان 2013 هو زلزال ولا شك، وهو يندرج تحت حقوق أسست لها الثورة الفرنسية التي تعتبر أم الثورات سواء في دستور 1789 أو دستور 1793 وكذلك نظرت ( بتشديد الظاء) لها ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من حيث حق الشعوب في التمرد، l’insurrection le droit à   ، وما حصل في ذلك اليوم من خروج الملايين للشوارع طلبا لإسقاط حكومة الإخوان، هو حق من حقوق الشعب المصري، هذا دون تبرير البتة لما تبعه من توظيف ذلك من العسكريين، أو ما تبعه بعد ذلك من عمليات متبادلة لإراقة الدماء بغزارة، تبقى الدولة القائمة هي المسؤولة الأولى عنها،  ولو كانت هي ضحيتها بنفس القدر هي والطرف الآخر المتسبب فيها.
لكن ذلك يبقى شأنا داخليا مصريا، يحتاج إلى تنديد من هذا الطرف أو ذاك وخاصة شعبيا ومن أحزاب أو جمعيات ، ولكنه ليس شأنا حكوميا، فالدولة لها طبيعة مختلفة، وهي مؤتمنة على مصالح مواطنيها، وعليها أن تقيس في النهاية تحركاتها بالنتائج المترتبة عنها، أو المتوقع أن تترتب عن مواقفها.
و حتى الأحزاب الحاكمة فعليها أن تكون حذرة لأن مواقفها تحسب على الحكم، وتنتج ردود فعل يمكن أن تكون كارثة على البلاد.
وللمرء أن يتفهم مواقف النهضة أو المؤتمر التصعيدية ضد ما جرى في مصر، ولكن ذلك ينبغي أن تكون تعبيراته محسوبة بالمصلحة العامة للبلاد والعباد.
وكما حصل في سنة 1990 من خطإ إستراتيجي انطلق من حسابات خاطئة، بأن الممول الأول للبلاد قد انتهى أمره، وغادر الخريطة، وأن الديون المترتبة لتونس لفائدته ، سيقع إستصفاؤها للبلاد ولن تستردد أو تسدد، وهي حسابات نبهنا في الإبان إلى خطئها، لأن  التوازنات الدولية بالأساس لن تمكن من ابتلاع دولة مثل دولة الكويت، فإنه وبقطع النظر عن تحليل عدد من الأحزاب للتطورات التي حصلت في مصر، في الصيف الماضي، لم تكن لتدفع السلطة أي الدولة لاتخاذ مواقف يمكن أن يكون لها تأثيرات على مصالح البلاد، اعتمادا على ما تمليه المبادئ إذا كانت هناك مبادئ مبررة، فالتمرد أيضا هو من مبادئ حقوق الإنسان أيضا.
والنتيجة أن رئيس الحكومة مهدي جمعة وعند زيارته الأخيرة إلى منطقة الخليج، لم يكفه أن تقع مجابهته بالماضي القديم لحكومة بن علي، والتأييد غير المنطقي من الشيخ راشد الغنوشي لصدام حسين في سنة 1990، بل كانت مواقف الحكم التونسي ممثلا في رئيس الدولة بالذات ، والحكومة أيضا ، والأحزاب الحاكمة التي ينبغي لها أن تكون متحفظة، ومراعية لمصالح البلاد ، منخرطة في حملة ضد مصر، جهلا وعدم إدراك بما تمثله مصر، إستراتيجيا بالنسبة لدول الخليج وبالنسبة لكل العالم العربي وللشرق الأوسط وإفريقيا ، وإذا تركنا جانبا المصالح التونسية مع الدولة المصرية، بعد أن ارتفعت المبادلات معها  في السنوات الأخيرة إلى مليارات الدنانير، وباتت قطاعات عديدة لدينا ولديهم متشابكة،  ناهيك وأن عديد الباعثين العقاريين عجزوا عن تسليم المحلات لأصحابها، بسبب تأخير في الحصول على عدادات الغاز والكهرباء المستوردة في غالبها من القطر المصري ، إذا تركنا جانبا هذا المظهر وهو مهم ، وقد تم بناء أسسه على مدى سنوات طويلة استمرت حوالي عقدين أو أكثر كما كان الشأن مع تركيا ، فإن مظهرا آخر لم يتفطن إليه رجال الدولة في بلادنا تبعا لقصر النظر المصابين به وعمى الأوان في أعينهم ، فانحدروا بعيدا عن أي روح مسؤولية ، إلى تجريح وتنديد حتى في المحافل الدولية، بعكس ما ذهبت إليه دول نحتاجها في هذه المرحلة الصعبة من حياتنا ، ونحتاج إلى دفق أموالها، حتى فقط من أجل سد الثغرات في موازنة للدولة نقتات ونعيش منها، وهكذا كانت القيادات من قصر النظر بحيث فوتت على نفسها فرصا، لتمكين البلاد من  احتمالات للنهوض أو على الأقل الخروج من كبوتها، إن مصر الدولة بقطع النظر عن كل شيء آخر، رقم إقليمي وحتى دولي لا بد من قراءة حسابات دقيقة له. وهو بملايينه من العسكر في الخدمة أو الاحتياط يشكل قوة إقليمية قد تحتاجها السعودية، وقد تحتاجها الكويت، وقد تحتاجها الإمارات وقد تحتاجها البحرين، وقد تحتاجها عمان ، وقد تحتاجها يوما حتى قطر، التي تحركها اليوم أيد أمريكية لبث البلبلة عربيا.
وللتتمادى تونس في رفع شعار "رابعة" الماسوني الأصل، ولتواصل رفع صور الدكتور مرسي، وقد تدرك النهضة أو لا تدرك ، و قد يدرك المرزوقي أو لا يدرك أنهما بذلك ، يجعلان البلاد تدفع ثمنا باهظا للمواقف المراهقة والتي لا تقوم على أساس من إدراك مصالح البلاد.



من الذاكرة 2: الأخطاء القاتلة وذيولها بعد 24 سنة

من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
أيام الأخطاء القاتلة ( الحلقة الثانية )
تونس / الصواب/ 22/3/2014
في اليوم الموالي ( 5 أوت 1990) وبعد الظهر حسب الموعد، كنت في بيت إسماعيل خليل، وهو رجل مهاب، دبلوماسي بأتم معنى الكلمة، اقتصادي كما ينبغي لاقتصادي أن يكون، متحفظ كما ينبغي لوزير في دولة يدرك أنها ليست دولة ديمقراطية، ولكنه عميق في صداقاته ويستطيع أن يكون صريحا عندما يريد، وعندما يكون واثقا في الطرف المقابل.
استقبلني في صالونه المطل على البحر في سيدي بوسعيد، أجمل المدن، وأجمل الضواحي، التي تذكرني دوما بمدينة بلوفديف البلغارية.
لم تكن بعد فرضت حراسة على مداخل البيت وعلى زواره، فقصر سيدي بوسعيد لم يكن جاهزا وقته،ا وبالطبع لم تسكنه عائلة بن علي بوصفه ملكا خاصا ولكن تم بناؤه على أكتاف الجيش وبمعداته وسلعه، ولعله كان باسم محمد بن زين العابدين  بن علي النجل الصغير .
تحدثنا قليلا في الصالون في حديث أذكر أنه وجهه نحو الطقس، وكل الكلام الذي يعرف بأنه لا يفيد شيئا عندما،لا يراد الخوض في عمق الأشياء.
وفجأة وقف إسماعيل خليل واصطحبني إلى فيراندا كبيرة أعتقد أنها لم تكن مسقوفة، وهناك تحدثنا بكل حرية، تحرجت عن سؤاله ما إذا طلب منه التزام بيته، وعدم الذهاب إلى الوزارة التي ما زال يشغل فيها منصب الوزير، ولكني استنتجت أن الأمر كذلك، كما استنتجت أنه رافقني إلى الخارج حتى يكون حرا ، فلعله كان يشك في أن يكون بيته مبثوثا بالميكروفونات ، وربما حتى بأجهزة الكاميرا.
تحدث بصراحة، واكتفيت بحديثه دون أن أحاول إحراجه، وفهمت كل شيء، كما فهمت أنه ستقع إقالته ، ولكني لم أجرؤ على سؤاله، وفهمت أن موقفنا في جريدة الصباح هو الموقف الصحيح، موقف بعيد عن أن يكون شعبويا.
بقي إسماعيل خليل وزيرا للخارجية دون أن يمارس مهامه الوزارية حتى يوم 26 أوت 1990، ثم "سقط" بلاغ قصير على التيليكس، يفيد بأن وزيرا جديدا عين مكانه ، هو الحبيب بولأعراس  الذي كان مرشحا باعتبار أن موقفه كان ملائما في هذه المسألة لموقف رئيس الدولة ، إن لم يكن هو الذي أوحى به  إليه ودفعه نحوه دفعا.
الحبيب بولأعراس ، رجل عميق الثقافة، انضم لفترة إلى صالح بن يوسف ، وكان أقرب المساعدين إليه، قبل أن يعيد حساباته وينضم إلى بورقيبة، لكنه حافظ منذ تلك الفترة على ميوله القومية العربية، والناصرية ، التي كانت منغرسة عند صالح بن يوسف، وهو إلى هذا رجل متجذرة لديه الديمقراطية، وكان لفترة ما من المناصرين للزعيم أحمد المستيري.
إسماعيل خليل غادر الحكومة، وانكفأ على نفسه ، حتى جاء زمن وقع الاحتياج فيه إليه هو وقاسم بوسنينة ، بعد ذلك بأسابيع قليلة.
وإذا عرفنا قصة إسماعيل خليل، فلعله يجدر بنا أن نتعرف على قصة قاسم بوسنينة، ولماذا جاء وقت الحاجة إليه، قاسم بوسنينة هو أحد قلائل خطب في مجلس النواب هو  والمرحوم مصطفى المصمودي وغيرهما قلائل  ، في رفق وبكلمات بسيطة  بأن المسار الذي سارت فيه البلاد  تجاه الكويت هو مسار خاطئ، وأنه لا ينبغي لعن المستقبل، ثم إن قاسم بوسنينة كان ولمدة طويلة سفيرا لتونس في جدة ثم وبعد نقل السفارات في الرياض ، وكانت له علاقات متينة، مع أفراد من العائلة المالكة هناك، ومن بينهم عميد العائلة الابن الأكبر للملك عبد العزيز ، والذي رفض استلام الملك بعد وفاة أبيه، وله مكانة كبيرة بين إخوته الخمسين من الأمراء من الجيل الأول، كما إن له تأثيرا كبيرا داخل أوساط الحكم وهو الذي زهد فيه.
دارت الأيام دورتها، وجاء منتصف جانفي 1991 ، وبين يوم وليلة اندلعت الحرب قاسية، بعكس كل ما توقعه صدام حسين، الذي ظن وأقنع الكثيرين بمن فيهم القادة التونسيين آنذاك بأن أمريكا لن تتجرأ لا هي ولا حلفاؤها الثلاثين على شن الحرب، فيما إنها جمعت 500 ألف من الجنود على الحدود العراقية شمالا وجنوبا وغربا، أرضا وبحر وجوا.
يوم 28 فيفري تم دحر القوات العراقية خارج التراب العراقي، وتحت خيمة في قرية صفوان جنوب العراق، تم توقيع وثيقة  استسلام مهين وقعه جنرالات صدام حسين، لم يعترف به لاحقا، وحصل ما سمي بتحرير الكويت في نفس مناسبة عيد استقلال الدولة الكويتية.قبل ذلك ب 28  سنة.
ابتلعت السلطة التونسية القائمة الموقف الذي جاء على عكس توقعاتها، فقد قيل مرارا وتكرارا أن الكويت خرجت من الجغرافيا ودخلت  التاريخ، كما إن الرئيس السابق بن علي عندما وجه مبعوثيه، سواء من السلطة القائمة أو من زعماء المعارضة إلى العواصم العربية، للتبشير بموقفه ضد التدخل الأمريكي، أي للإبقاء على الكويت تحت سيطرة بغداد، غفل قصدا عن إرسال مبعوث للحكومة الكويتية  المستقرة بالطائف ، على أساس أنه لم تعد هناك حكومة كويتية ولا دولة كويتية، ولا هم يحزنون..
ولقد علمت لاحقا أن الكويتيين غفروا كل شيء، إلا هذا الإغفال الذي كان يساوي إنهاء وجود دولتهم.
إذن وبعد الهزيمة الدبلوماسية التي منيت بها تونس، نتيجة الحسابات الخاطئة، والعزلة العربية والدولية  التي وجدت نفسها فيها ، كان لا بد من القيام بشيء معين قصد ترقيع ما انفتقت خيوطه، واعتقد القائمون على الدبلوماسية التونسية التي تبعثرت أوراقها، وفقدت كل تأثير ووجود، بعدما كانت فاعلة بل شديدة الفاعلية زمن بورقيبة.
اختار المحيطون ببن علي رجلين اثنين ليتوليا رتق الفتق:
أولهما إسماعيل خليل ، الرجل الذي وضع على الرف وأطرد من وزارته بصورة مهينة، ليكون القادر على إعادة ما يمكن إعادته في العلاقات مع الولايات المتحدة، وهي علاقات تدهورت أيامها إلى أبعد الحدود، وباتت تونس تعد في صف الأعداء الذين لا رجاء منهم، بينما تونس تعتمد في التحديات التي تواجهها على واشنطن إلى أكبر الحدود، ألم يأت الأسطول السادس إلى مشارف المياه الإقليمية التونسية  في جانفي 1980، لمواجهة محتملة مع ليبيا القذافي والجزائر، التي لم تكن محكومة فعلا بعد الوفاة المفاجئة للرئيس بومدين.
إسماعيل خليل كانت له حظوة في الولايات المتحدة، فقد اشتهر باعتدال مواقفه، ثم إنه من الذين عملوا طويلا في البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهو رجل ينال ثقة وافية في واشنطنّ، وكان دوما يعتبر حكيما، وقد تم اللجوء إليه في أكثر من مناسبة، وخاصة سنة 1986 عندما أوشكت البلاد على الإفلاس في آخر فترة حكم محمد مزالي، وهي في كل الأحوال لم تصل آنذاك إلى سوء الأحوال التي وصلتها حاليا.
كان محل ثقة لدى الإدارة الأمريكية، وقد وصل الليل بالنهار من أجل ، إنجاح رفع الحصار السياسي الدبلوماسي عن تونس ونجح في ذلك إلى الحدود التي يسمح به ما وصل إليه الأمر.
أما الثاني فهو قاسم بوسنينة لما له من دالة على أعداد من كبار المسؤولين السعوديين، وخصوصا الأمير محمد عميد الأمراء من أبناء الملك عبد العزيز، وصاحب الكلمة المسموعة لدى إخوته ، لنزاهته ونظافة يده.
كانت الاتصالات الأولى غير مشجعة، ففي الرياض وفي غيرها من العواصم الخليجية، مضافة إليهما مصر وسوريا ، كانت كلها شطبت بالقلم الأحمر لا على تونس فحسب ، ولكن أيضا  على الحاكمين فيها، ألم يتوجه بن علي بصفعة قوية للرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، عندما لم يكتف بمقاطعة القمة التي دعا إليها  في القاهرة للنظر في شأن الاحتلال العراقي للكويت، بل دعا لمقاطعتها.
وإزاء هذه الحسابات الخاطئة من أجل ترضية شعبوية زائفة وجد بن علي نفسه، بعد استعادة الكويت لسيادتها و رجوع حكومتها، معلقا في الهواء، وقد انعزل عن العالم.
وكان عليه أن يقوم بمساع مذلة للخروج من عزلته وعزلة تونس.
ولم يدرك قط مدى أهمية الخطإ الذي ارتكبه، فقد جفت منابع المدد المالي الذي كان يأتي من الكويت،  والذي كان الأعلى قبل الموقف التونسي الغير مدروس.
وإني لأذكر يوما كنت فيه في زيارة لمحمد الغنوشي الذي كان آنذاك وزيرا للمالية  وقدم لي جدولا بقيمة المدد الذي جاء تونس بين 1963 و1990 ما بين هبات واستثمارات وقروض، وكانت الكويت التي راهنت على تونس، في مقدمة الدول والمؤسسات المالية الدولية المانحة. وهو جدول توليت نشره آنذاك في جريدة الصباح طبعا دون ذكر المصدر.
ولم يكن محمد الغنوشي وحده من الوزراء من كان يقف ضد سياسة الرئيس الأسبق بن علي من طرف خفي، في هذا الشأن بل إن عددهم كان مهما إلا أنه لم يتجرأ أحد على مواجهته بالحقيقة ، وبالضرر الذي نال تونس وما زال يضر بها، وقد تمثل اليوم بعد 24 سنة فيما بدا من قلة استعداد لإسعاف تونس أو مد يد المساعدة إليها على غرار مصر.
ولله في خلقه شؤون ، ومنها قصر النظر وغياب البصر والبصيرة.



الأحد، 23 مارس 2014

الموقف السياسي: الجولة الخليجية وأسباب الفشل

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
قمة الحسم في الكويت
ودوامة الموقف  الخليجي من تونس ومساعدتها
تونس/الصواب /22/3/2014
خلال يومين أو ثلاثة تفتتح القمة العربية في الكويت.
ولا ينتظر المراقبون كما هي العادة نتائج لا هامة ولا غير هامة، خاصة في ظروف العالم العربي الحالية من تشتت، لم يسبق أن بلغ هذه الدرجة من الحدة. غير أن هذه القمة تتخذ أهميتها من تطورات محتملة للشأن الخليجي ، الذي هو شأن عربي على كل حال.
فالكويت وأميرها يسعيان لرأب صدع  ما تشقق من مجلس خليجي للتعاون، ارتفعت فيه الخلافات إلى أكبر الحدود بين دوله الست، ويكاد أن يشهد فصل واحد من مكوناته وهو قطر.
وإذا "لم تعد دولة قطر" إلى « الجادة »، وفقا لرغبات وتمنيات  4 دول من أعضائه الستة، أي السعودية والإمارات والكويت والبحرين، فإن قطر التي انسحب منها سفراء 3 دول مهددة بمقاطعة موجعة من شركائها الأربعة بمن فيهم الكويت، واحتمالا مسقط، وقطر وهي أحد أهم الدول المصدرة للغاز في العالم ستجد نفسها محاصرة، جنوبا وغربا وشمالا، ولن يفيدها كثيرا الجار الإيراني الذي هو محل محاصرة منذ سنوات ، وإن خفت بعض الشيء في الفترة الأخيرة.
وإذ لا ينتظر شيء معين من هذه القمة عربيا، فلعلها ستكون بامتياز قمة خليجية في إطار عربي شامل، يراد منه أن يكون إلى جانب مجلس التعاون الخليجي بدون قطر.
في هذه الفترة بالذات اختار رئيس الحكومة أن يقوم بجولة خليجية توسلا للحصول على هبات أو قروض تمكنه من تحويل الموازنة الافتراضية غير القائمة على أسس محاسبية التي تركها له علي العريض قبل استقالته ، إلى موازنة بالمعنى الصحيح، فوفقا لتصريحات الرئيس الجديد للحكومة التونسية ، فإن إيرادات الميزانية تحتاج إلى 5 مليار دينار للقدرة على تحقيق توازنها( حجم الميزانية 28 مليار دينار) أي إن 17 في المائة من مقدرات الميزانية غائبة، ولا يعرف كيف يمكن توفيرها.
كل هذا إذا كانت  الموارد الأخرى صحيحة وحقيقية، وأن الضرائب ستوفر حجم المقدرات المخطط لها، في وقت تم بناء الميزانية على أساس نسبة نمو بـ4 في المائة، فيما إن هذه النسبة لن تتجاوز بحال 2.6 في المائة، وفقا للأرقام الرسمية التي تشكك فيها جهات عديدة، على اعتبار أنها متفائلة أكثر من اللزوم.
وجهتان كان رئيس الحكومة الجديد يؤمل منهما كل خير : الوجهة الخليجية والوجهة الأمريكية في أفريل المقبل، توسلا إلى سد ثغرة كبرى في الميزانية التي تنفق منها الدولة على أجور الموظفين وعلى الدعم وسداد الدين وأخيرا وفي درجة أخيرة الاستثمار العمومي إن بقي شيئا.
الوجهة الخليجية، لم تنتج شيئا ، وعدا وعود ضبابية باستثمارات لم تتحدد مجالاتها، ولا مواعيدها، وهي وفي الأحوال العادية تتطلب سنوات بين القرار والانجاز، فإن مهدي جمعة ، عاد من هذه الجولة بخفي حنين.
**
 لماذا سارعت الجهات الخليجية بضخ 20 مليار دولار في مصر حتى الآن ، بعد هبة الشعب المصري في تمرد 30 جوان 2013 ، وإنهاء حكم الإخوان المسلمين، وحل حزبهم واعتبار جماعتهم جماعة إرهابية ، ولم تسارع لمثل ذلك مع تونس، التي أنهت على الأقل نظريا حكم النهضة ( التي انطلقت في البدايات من رحم التنظيم الإخواني وفكره).
وراء ذلك سببان رئيسيان كلاهما له تفرعات عديدة.
السبب الرئيسي الأول هو ، أن مكانة تونس في المنطقة الخليجية قد تدحرجت بصورة غير قابلة للإصلاح منذ 2 أوت 1990 ( انظر مقال من الذاكرة في هذه الدفعة من موقع الصواب ).
فقد ارتكبت السلطة القائمة آنذاك حماقة، لم تحسب نتائجها، منطلقة من تحليل خاطئ للقيادة السياسية، قائم على أن الاجتياح العراقي للكويت، غير ملامح المنطقة، باعتباره خطوة نحو الوحدة العربية.
وفي تلك الحسابات ، اعتبرت الكويت في الموازنة قد مرت بحساب الأرباح والخسائر بلغة المحاسبين، وأنها دخلت في حساب الخسائر النهائية، أي إنها انتهت كدولة، لذلك وجب الوقوف إلى جانب صدام حسين، وتأييد مغامرته على أساس أن حساباتها رابحة، وأنه لا أمريكا ولا غيرها يمكن أن تغامر بحرب لاستعادة وضع انتهى.
غير أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، فقد تجشم الشيخ راشد الغنوشي الذي كان ما يزال في بداية منفاه، السفر إلى بغداد تعبيرا عن تأييده لاجتياح العراق للكويت وضمها ، وتغيير اسمها إلى اسم "النداء"، أسوة ببقية المعارضات في تونس وفي الخارج التي سارعت في غالبها لتأييد صدام حسين.
وإني لأذكر كيف كان زعماء من النهضة عبروا لي أيامها عن عدم موافقتهم على موقف الشيخ.
ولقد جاء إلى تونس أيامها الشيخ الدكتور إسماعيل الشطي رئيس الإخوان المسلمين الكويتيين، وعبر عن غضبه من موقف الغنوشي والترابي المتفرد.
إذن فتونس التي كانت تعتبر الأقرب إلى الكويتيين، والتي اتخذها حكام الكويت نموذجا للتعاون العربي – العربي ، فتدفقت أموالهم فيها، هبات وقروض واستثمارات، وكانوا يفخرون بأن الرأسمال الكويتي في السياحة يمثل 7 في المائة من الفندقة التونسية ، عدا الأنشطة السياحية الأخرى، وأنه لا يوجد سد ولا جسر ولا كلم من الطرق السيارة ولا مركزية إنتاج للكهرباء ولا ميناء ولا أبراج نقل الطاقة إلى أطراف البلاد ولا غيرها لم تنل قسطها من التمويل الكويتي العام والخاص.
ودلت الأرقام على أن تدفق الأموال الكويتية إلى تونس بين 1963 و1990 كان الأهم قبل أمريكا وفرنسا والدول الأوروبية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من الدول والمؤسسات المالية العالمية.
هذا هو الواقع الذي عبرت عنه صحيفة الصحافة الحكومية في عددها يوم الخميس الماضي بقولها في عنوان بالبنط العريض:"الوفد الحكومي فوجئ بمستوى تردي العلاقات مع دول الخليج"، وتضيف الصحيفة الحكومية:
"علمت الصحافة اليوم من مصدر مطلع، أن رئيس الحكومة مهدي جمعة والوفد المرافق له وجدوا صعوبات كبرى، خلال زيارتهم الأخيرة لعدد من دول الخليج العربي.
وقال ذات المصدر أن الوفد وجد علاقات تونس مع هذه الدول في وضعية متردية جدا ، وأضاف إن بداية التردي تعود إلى فترات سابقة لكنها ازدادت تأزما في السنتين الأخيرتين،،، وأن تردي مستوى هذه العلاقات جعل من الصعب جدا التحصل على ما كانت تصبو إليه".
وأضافت الصحيفة" أن اللقاءات التي جمعت الوفد  التونسي بالمسئولين خاصة في المملكة العربية السعودية والكويت أكدت أن على الدبلوماسية التونسية إذابة جليد العلاقات وأن رصيد ثقة هذه البلدان في تونس تقلص إلى حد كبير ، وأن وضع تونس لا يمكن مقارنته بمصر، التي حافظت على علاقات جيدة بدول الخليج، وهي علاقات ساعدتها على تجاوز أزمتها الاقتصادية وإيجاد بدائل لتمويل الميزانية وبعض مشاريعها الإستراتيجية".
هذا هو الواقع الذي منع الوفد التونسي من أن يحقق نتائج في الزيارة الخليجية، وعاد خالي الوفاض ، في وقت تونس في أشد الحاجة إلى مدد سريع وعاجل، لا لمشروعاتها الاستثمارية، وإنما بالخصوص في هذه المرحلة للخروج من عنق زجاجة ضيق جدا ماليا، لا يمكن معرفة كيفية، تجاوزه، وهو يتهدد الوضع المالي للبلاد، واحتمالات توفير ما تواجه به إنفاق مخطط لا موارد للاستجابة إليه، رغم إلحاحه السريع.
**
أما السبب الثاني فهو:
وجوب العودة إلى طبيعة الواقع ، فمصر تمثل قوة إقليمية كبرى، وبالتالي فهي يمكن أن تكون سندا فعليا لدول الخليج، الغنية بمواردها الطبيعية وخاصة البترول، ولكن أيضا السياحة والمعادن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ولكن الفقيرة إلى العمق الإستراتيجي السكاني ، وهي دول في حاجة إلى من يستطيع أن يدافع عنها في حالة ما تعرضت إلى أخطار معينة، تعتقد عن خطإ ّأو صواب أن مأتاها المحتمل، هو الشرق أي إيران الشيعية الفارسية الصفوية، ومصر بسكانها الـ-94 مليونا ( 8 مليون منهم يعيشون خارج مصر أعداد كبيرة منهم في منطقة الخليج ـ) يمكن أن تشكل بجيشها الذي يعد في الأحوال الطبيعية مليون، وفي حالة دعوة الاحتياط ما بين 2 و3 مليون ، سندا فعليا لهذه البلدان ، ولذلك وإضافة إلى أن مصر وقفت في الأوقات الصعبة خاصة سنة 1990 إلى جانب الخليجيين ، فإن لها مقدرات فعلية لتكون سدا منيعا في الدفاع عن المنطقة، في انتظار وصول مدد خارجي يهمه إبقاء الحال على ما هو عليه بالنظر إلى طبيعة ثروات هذه البلدان التي تمثل شريان الحياة للولايات المتحدة وأوروبا وأقصى الشرق بما في ذلك الصين واليابان والعمالقة الجدد.
ومن الطبيعي أن لا تكون تونس في مثل هذا الموقع الإستراتيجي، الذي تحرص الدول الخليجية على سلامته المالية.
**
وإذ قدمت تونس على لسان رئيس حكومتها ، ما يكون ولا شك ردده على مسامع القيادات الخليجية من تأييد للمملكة العربية السعودية في إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية بقوله:"نحن نقرأ هذا القرار بإيجابية ، لأن لدينا نفس الموقف في تونس، بأن لا مكان للإرهاب ، ونحن مع المملكة في هذا القرار، ووفقا لما تناقلته جريدة الرياض السعودية ، وهي صحيفة رسمية، ولم يصدر بشأنه تكذيب فإن رئيس الحكومة التونسية أكد " أن لا مكان للإرهاب " واصفا القرارات السعودية الأخيرة باعتبار تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية بأنها إيجابية، مضيفا إننا نقرأ القرار بإيجابية لأن لدينا نفس الموقف في تونس ونعتبر أي خروج على القانون نحن مدعوون لمقاومته ، ومرة أخرى : نحن منسجمون مع المملكة في هذه القراءة، وأن لا توظيف لأي إيديولوجية.
هذا ما حصل في السعودية وربما قيل كلام مثيل له في باقي العواصم الخليجية باستثناء الدوحة، غير أن تصريحا في تونس للمساعد الأول لمهدي جمعة هو نضال الورفلي الناطق الرسمي باسم الحكومة ، بدا وكأنه تراجع غير معلن بصراحة عن الموقف السابق،
وجاء في التغطيات الصحفية على لسان الورفلي ما يلي :
" وبخصوص تصريح مهدي جمعة لصحيفة الرياض، الذي مفاده نحن منسجمون مع السعودية أن هذه القراءة التي أشار إليها رئيس الحكومة ليست في التصنيف وإنما المقصود بها هو أن كل منظمة خارجة عن القانون وليس لها سند قانوني فهي منظمة غير قانونية ، وفي هذا الإطار يتنزل تصريح رئيس الحكومة"
وقد زاد هذا الموقف من الناطق الرسمي الغموض غموضا، وإذا لم يكن جمعة قد ذكر جماعة الإخوان المسلمين بالاسم في إطار انسجامه مع قرار السعودية، فإن المفهوم المنطقي أن القرار يذكر جماعة الإخوان دون تحديد، وبالتالي فالمقصود هو جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ومهما يكن من أمر فإن هذا التردد من قبل رئيس الحكومة مفهوم ، على اعتبار أن رئيس الجمهورية، وحتى على منبر المنظمة الأممية قد طالب بإطلاق سراح الدكتور مرسي، وباعتبار التأييد المطلق من النهضة للإخوان المسلمين، ورفع علامة رابعة( وهو في نفس الوقت شعار الماسونية)، وبالتالي فهو ممزق بين الرغبة في نيل دفق مالي من دول الخليج، ووضع داخلي معقد، تجد فيه النهضة نفسها في موقف مؤيد للجماعة  وضد الحكم القائم في مصر حاليا الذي تؤيده 5 من 6 دول خليجية ، ويعتبر فيه زعيمها  التونسية زعيما للجماعة الدولية ، للحد الذي وصل فيه الأمر، في الاحتفال الذي أقامته النهضة بعيد الاستقلال التونسي في 20 مارس  أن رفعت شعار رابعة ،  وأيضا صور الدكتور مرسي الرئيس السابق في تحد واضح وتناقض مع ما ذهب إليه رئيس الحكومة في تصريحه في الرياض، والمعدل على ما يبدو على لسان الناطق بلسان الحكومة.
ووفقا لما جاء في مقال جريدة الصحافة الحكومية السابق الذكر ، فإن الانطباع الحاصل عند دول الخليج ، هو أن الحكومة التونسية الحالية هي نسخة مكررة من حكومتي الترويكا، وأن الوفد الحكومي وجد على ما يبدو صعوبة في الإقناع بغير ذلك.
ومن هنا فلا أمل يمكن أن تقوم باعتبار الماضي البعيد نسبيا ، والحالي المعقد  علاقات طبيعية مع دول الخليج، ولا دفق مالي منتظر طالما التمزق على هذه الحال، بين رئيس للدولة وحزب طاغي الوجود في الساحة على موقف، وحكومة ساعية لإيجاد حلول ليس لها من حل في المستقبل المنظور ولكن رئيسها متردد بين مقتضيات خليجية ، وسياسات داخلية متضاربة.






من الذاكرة : تونس لا تتذكر،، ولكن الخليجيين يتذكرون؟؟؟

من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
أيام الأخطاء القاتلة
تونس/ الصواب / 22/3/2014
في 2 أوت 1990 كنت في ثاني أيام إجازتي السنوية، كانت تلك الأيام مدلهمة، والأخطار تتهدد المنطقة، والخلاف بين العراق والكويت على أشده، ولكن ما من أحد كان يتوقع أن تقدم دولة أيا كانت قوتها على اجتياح دولة أخرى، واحتلال أرضها، وطرد قيادتها، وإلحاقها، خصوصا إذا كانت تشترك معها في معاهدة دفاع مشترك، وتنخرط معها في منظمات إقليمية ودولية، ابتداء من جامعة الدول العربية، إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى منظمة الأمم المتحدة، وغيرها كثير من التنظيمات.
كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا، وكنت في بيتي على شاطئ البحر، أمني النفس بالنزول إلى الشاطئ، عندما أخبرت الإذاعة عن اجتياح صدام للكويت، واحتلالها، وخروج حكومتها منها.
حزمت أمري على الذهاب مباشرة إلى العمل في دار الصباح، ووطنت النفس لا  لقضاء وقت ممتع من خلال إجازة أستحقها، بل على عمل يتواصل فيه الليل بالنهار،  بعد ساعة كنت في مكتبي بالجريدة في الشارع الذي كان اسمه شارع 7 نوفمبر، وتحول حاليا إلى شارع محمد طارق البوعزيزي.
بسرعة التحق بالجريدة كل أركانها، وفي مكتب الحبيب شيخ روحه  المؤسس والرئيس المدير العام الذي جاء على عجل، والمدير العام وقتها رؤوف شيــــخ روحه ، والرجل المثقف والمرجع في المؤسسة منصف شيخ روحه وكان يدير أيامها أحد أكبر البنوك في البلاد، وكان في المكان صالح الحاجة نائب رئيس التحرير وعبد السلام الحاج قاسم نائب رئيس التحرير أيضا، ورئيس تحرير لوتون مصطفى الخماري. وثلاثتهم كان لهم موقف متميز بالنسبة للبقية.
تم تدارس الوضع بسرعة وتم الانتهاء إلى أن الموقف لا بد أن يعتمد الشرعية الدولية، وتولى الحبيب شيخ روحه على ما أذكر التذكير بموقف بورقيبة وعبد الناصر عند إعلان استقلال الكويت في سنة  1963، وما ذهب إليه الرئيس العراقي آنذاك الجنرال عبد الكريم قاسم من مطامح في إلحاق الكويت ببلاده، على أساس حق تاريخي، وكان موقف الزعيمين الكبيرين متفقا  حول ضمان استقلال دولة الكويت والدفاع عن سيادتها.
هذا الموقف المبدئي  هو الذي اعتمدته جرائد دار الصباح  في سنة 1990، على ما كان فيه من تعارض مع الموقف الحكومي المعلن أو غير المعلن، والموقف الشعبي الكاسح، وعلى ما أذكر فإن الحبيب شيخ روحه قبل وخلال هذه المناسبة، كان يؤكد دوما على أن النخبة تسير في مقدمة الركب، ولا تسير خلفه ، وأن عليها أن لا تساير التيار الشعبي عندما يكون خاطئا.
كانت الحكومة برئاسة زين العابدين بن علي، قد اختارت طريقها، وكان تأثير القوميين العرب أو من هم كذلك كاسحا،  على مواقف الحاكم الفرد ، وأستطيع أن أذكر هنا الحبيب بولأعراس الذي كان يشغل مستشارا للرئيس السابق وقتها ، وصالح البكاري الذي كان محرر خطابات زين العابدين بن علي ، وخاصة أمين عام الحزب آنذاك عبد الرحيم الزواري ، الذي كان يعضده في موقفه بحماس مدير عام الشؤون السياسية في وزارة الداخلية سعيد ناصر رمضان.
تم إحراق علم الولايات المتحدة في مظاهرة قادها أمين عام التجمع الدستوري الديمقراطي عبد الرحيم الزواري، وهو الذي سيعين لاحقا وزيرا للخارجية، غير أن الولايات المتحدة عملت بقوة على إسقاطه ، وهو ما حصل بسرعة.
في المقابل وفي القاهرة، وبمناسبة انعقاد مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية، في دورته العادية وهو مجلس انتهى إلى التنديد ، انعقدت جلسة طارئة لمجلس وزراء الخارجية العرب ، كان يمثل فيها تونس وزير الخارجية آنذاك إسماعيل خليل، وهو أحد الأدمغة السياسية والاقتصادية المرموقة في البلاد وفي المحافل الدولية، كان من جهة بلا تعليمات من حكومته، وكان من جهة أخرى معتقدا بأن الموقف الطبيعي لأي حكومة تحترم نفسها هو أن تكون ضد اجتياح دولة لدولة أخرى بل احتلالها بالكامل، ومن هنا جاء الموقف التنديدي الذي اتخذته تونس في مجلس وزراء الخارجية العرب الطارئ، بالتنديد بالخطوة التي اتخذها صدام حسين، والتي سيبدو لاحقا أنه لم يستشر بشأنها حتى أعمدة نظامه التوتاليتاري. والذي سيؤدي إلى كارثة عظمى ستصيب العراق، وستصيب التوازنات الدولية،
لكن هذا الموقف الذي كان يراه إسماعيل خليل الموقف الطبيعي، باعتماد تقاليد الدبلوماسية التونسية ، وباعتماد منطق الأشياء، وباعتماد التجربة التاريخية لحادثة قفصة في جانفي 1980  التي كان يراد بواسطتها احتلال تونس وإخضاعها ، بقرار من العقيد القذافي ، وبتواطئ جزائري لا يعرف للآن مستوى القرار فيه، وإن بدا أن الرئيس بن جديد كان غائبا عنه، هذا الموقف لم يكن ليعجب القيادة العليا في تونس، ولذلك كان رد فعلها سريعا وحاسما، وبدا مع التغليف غير المقنع، وكأنه رغم كل ما قيل آنذاك مؤيد لصدام حسين على حساب دولة الكويت، أو على الأقل ممالئ له.
من هنا تم إعلامي عن طريق عبد الحفيظ الهرقام الملحق الصحفي أو المستشار الصحفي لرئيس الدولة ، أن هناك بلاغا للنشر سيوجه لوضع الأمور في نصابها .
جاءني بلاغ الرئاسة في مقر  الجريدة بعد ساعة ، بعد أن أفادني المكلف بالصحافة آنذاك بشأنه  أنه سيأتي سريعا، جاء به رجل من الحرس الرئاسي وصل على عجل على دراجة نارية من الدراجات الكبيرة، وأصر على أن يبلغه لي شخصيا  بحسب ما صدر إليه من تعليمات. فتم اصطحابه إلى مكتبي.
استلمت البلاغ، وصدمني أي صدمة، وما كنت أنتظر لبلادي أن تخرج عن التقاليد المرعية، ولا عن الشرعية الدولية، ولا على مواقفها السابقة والمبدئية التي عرفت بها.
يومها وصل إسماعيل خليل من القاهرة، ولاحظ أنه وهو الوزير لم يستقبله أحد،  وفي اليوم الموالي كنت أحاول الحصول عليه تليفونيا في الوزارة ولكن دون جدوى، وحصلت على رقم بيته من أحد معارفه، وأخذت لنفسي موعدا معه في بيته، وقد أخذ يسري خبر بأنه قد طولب بأن يلازم مسكنه ، ولا يذهب لوزارة الشؤون الخارجية التي يشرف عليها .
في اليوم الموالي صدر البلاغ الصادر عن الرئاسة في صحيفة الصباح، و"المصحح" لموقف إسماعيل خليل، ومنذ الصباح الباكر اتصل بي عبد الحفيظ  الهرقام، والرجل أعرفه منذ زمن لما كان يشتغل في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، ثم إنه لقرابته بوزير الإعلام والثقافة عبد الرزاق الكافي(ابن بلده القيروان)  فقد ألحقه بديوانه ، وهو رجل دمث الأخلاق على قدر واسع من الثقافة ولكن تنقصه جرأة السياسيين.
عندما عين زين العابدين بن علي وزيرا  للداخلية طلب من صديقه آنذاك ، عبد الرزاق الكافي أن يدله على شخص جيد، يتولى خطة ملحق صحفي لديه، فأشار عليه بعبد الحفيظ الهرقام ، الذي التحق بوزارة الداخلية، وقد زرته في مكتبه مرة واحدة.
ثم وعندما تم تعيين زين العابدين بن علي وزيرا أول، اعتقد كثير من المراقبين السياسيين في البلاد وكنت منهم ، أن بورقيبة وقع بيده تنازلا عن خطته كرئيس للجمهورية.
و هو ما سيحصل فعلا بعد شهر يكاد يكون يوما بيوم منذ تعيين بن علي رئيسا للوزراء.
وسيصاحب عبد الحفيظ الهرقام زين العابدين بن علي إلى الوزارة الأولى ، ثم إلى رئاسة الجمهورية بوصفه الملحق الصحفي أو المستشار الصحفي، وليس الناطق الرسمي.
وخلال فترة تولي بن علي لمنصبه كرئيس للحكومة، وفي يوم تنصيبه في مجلس النواب كان عبد الحفيظ الهرقام هو الذي أدخلني إليه بطلب منه في جلسة قصيرة، ليس هذا مجال الحديث عن مضمونها.
إذن وفي يوم نشر البلاغ الوارد من رئاسة الجمهورية عن احتلال العراق للكويت، خاطبني عبد الحفيظ الهرقام معبرا عن استيائه للمكان الذي تم فيه النشر في الصفحة الأولى من الجريدة، وليس في صدرها كما حصل لنشر الموقف التونسي الذي عبر عنه إسماعيل خليل قبل ذلك بيوم ، وبدا لي يومها أن عبد الحفيظ كان يؤدي واجبا ثقيلا، من ذلك أن غضبه لم يكن في مستوى ما كنت أنتظر، فلم يستعمل الكلمات التي تعودت على سماعها في الكثير من المرات، التي تعرضت فيها لغضب المسؤولين، فهو رجل لطيف بطبعه، ولكنه بدا لي وقد أكون مخطئا غير مقتنع بما كان يسوقه لي، وبيني وبين نفسي فكرت بأنه ربما لم يكن مقتنعا بالموقف التونسي، بعد سنوات ذلك هو الانطباع الذي حصل لي، وكم يتحمل كبار الموظفين من عنت، في تبليغ ما قد  لا يؤمنون به وتفرضه عليهم مواقعهم، والله أعلم .
ما أعرفه جيد أن عبد الرزاق الكافي لم يكن من المؤيدين للموقف الرسمي وقتها، رغم أنه لم يعلن ذلك.وما أعرفه أيضا أن العديد من الوزراء الذين كانوا يحملون عقولهم في رؤوسهم لم يكونوا موافقين ولكن لم يجرؤ واحدا منهم عن التعبير عن رأي مخالف.
                                               (يتبع)



الاثنين، 10 مارس 2014

بكل هدوء : ماذا ينتظرنا، وماذا ينتظر أبناءنا بعد جيلنا الذي خان الأمانة

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التحديات الكبرى
تونس/ الصواب/ 10/3/2014
بعد عرض لرئيس الحكومة، للحقيقة لم يصارح فيه الشعب بالحقيقة كل الحقيقة، وحاول في نفس الوقت أن لا يخيف، وأن لا يحمل المسؤولية لسابقيه ، ليس فقط في حكومات النهضة بل لما قبلها ولا حتى للنظام السابق، جاء عرض وزير الاقتصاد والماليةK الذي وإن كان في ظل تقسيم أدوار  قد  اتسم بالحذر، غير راغب في أن  ينزلق أكثر من اللزوم في وصف سوداوي لوضع ، ليس صعبا فقطا بل سوداويا.
12 مليار دينار تمثل حوالي 40 في المائة من الميزانية(عبر الاقتراض) ، بعد تحيينها المقبل، لا نعرف كيف ستأتي، هذا إذا سلمنا بأن الموارد الذاتية التي حددتها الحكومة السابقة ، ممكن تعبئتها، في ظل تقهقر اقتصادي واضح، وصفه الوزير الأسبق للمالية، حسين الديماسي  بأنه يتمثل في نسبة نمو خلال السنوات الثلاث الماضية، لا تفوق جملة 0.8 في المائة، بعكس كل الأرقام الخاطئة التي يجري الإعلان عنها.
إن تونس للواقع تجر وبصعوبة تراجعا اقتصاديا ، يتراكم منذ سنوات، ولكنه احتد بالذات منذ 2008، وازداد احتداده في العام 2011، وتعاظم احتداده في العامين 2012 و2014، نتيجة سياسات خاطئة، وانعدام الرؤية والشجاعة.
في سنوات الوفرة كانت مظاهر النجاح تبرز، عبر توازن الموازنات واستمرار جر الدولة للماكينة الاقتصادية ، وتوفير الشغل للجميع من المتقدمين الجدد لطلب العمل، ولكن منوال التنمية وصل حدوده القصوى منذ أزمة 1986/1987، وأخذ يلهث منذ منتصف التسعينيات، وبات واضحا أنه في حاجة إلى هزة عندما وصل عدد العاطلين حدود 13 في المائة من طاقة العمل أو ما بين 300 إلى 350 ألفا في سنة 2010، ليستقر ما بعد ذلك لما بين 700 و800 ألف بطال ، ما يعني أن القدرات الكفيلة بإنتاج الثروة باتت معطلة وغير فاعلة.
وضع لا بد من القول أن الحكومة المؤقتة الخامسة في 3 سنوات، ليست لا هي ولا أي حكومة أخرى مسلحة فعلا لمواجهة وضع على هذه الحالة من التدهور، وإذا نجح مهدي جمعة وفريقه، في الحفاظ على الوضع على حالته الكارثية دون أن يزداد الأمر حدة وتراجعا، فإنه يكون بذلك قد حقق أمرا كبيرا ونجاحا مشهودا، ولكن بتضحيات كبيرة من الشعب، لا يراد أن يتم الإفصاح عنها ولكنها وافدة بدون شك.
العام الحالي سيمر مهما كانت الأحوال والتضحيات المرتقبة، بكل ما ستجر إليه من قرارات موجعة، من الممكن أن تؤدي إلى اضطرابات متوقعة، والأمل أن لا تؤدي إلى مزيد من الإنخرام، ولكن كيف سيكون العام المقبل، عام 2015 .
المنتظر أنه  لن يكون أفضل حالا ، فكل المؤشرات لا تدعو إلى إنتظارات متفائلة، ولعل الأمل الوحيد هو  أن تعود آلة الإنتاج إلى دورانها، بالعمل ، والعمل وحده، فلا ينبغي أن ننتظر مددا من الخارج، وحتى المدد إن جاء فإننا نحن ، وأجيالنا المقبلة سندفع ثمنه غاليا، من مستوانا المعاشي المتدهور، ومن قدرتنا الشرائية المتراجعة، وربما من مواردنا العامة والفردية التي إن لم تتقلص بصورة فعلية، فإنها ستتقلص هذا مؤكد في قيمتها، وطاقتها على توفير احتياجاتنا.
كان هناك وقت ، كان الفرد منا يحلم والحلم جائز وكان قابلا للتحقيق، بأن أبناءنا، سيعيشون أفضل مما عشنا، ولكن هذا الحلم وهذا الأمل تبخر اليوم ، ولعلنا نحن وجيلنا إذا عشنا كما كنا نعيش وليس أدنى من ذلك ، فإن ذلك سيعد إنجازا كبيرا في حد ذاته.