اقتصاديات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
إنذار خطير،
الأشهر والسنوات العجاف
تونس/
الصواب/5/03/2014
أخذت الحكومة
لأول مرة منذ ثلاث سنوات، الثور من قرونه، وأعلنت في مصارحة صادمة للشعب الحقائق الفعلية ، وانتهت اللغة الخشبية القائلة بأن كل
شيء على أحسن ما يرام، وأن البلاد تحقق نسب نمو عالية، فيما كانت المركب تغرق. بمن
فيها أي نحن المواطنون.
وللحقيقة فإن
الغرق لم يكن وليد يوم وليلة، بل جاء بالتدريج ونتيجة سياسات اقتصادية ، وربما غير
اقتصادية لا مسؤولة، في ظرف ثلاث سنوات والسنة الحالية هي
الرابعةـ تكبلت البلاد فيها بـ25 مليار
دينار، رفعت نسبة المديونية إلى الناتج من حوالي 37 في المائة إلى ما يفوق أو
سيفوق 50 في المائة، فيما الحكومة الحالية المنبثقة من الوفاق الوطني، تواجه خزائن
خاوية، ولولا المدد الخارجي لقروض لن تسهم في أي نمو للبلاد، ما دام إنفاقها يتجه
للإستهلاك، أي لدفع مبالغ أجور في الوظيفة العمومية تبلغ 10 مليار دينار من مجموع موازنة للعام
الحالي لا تفوق 28 مليارا، ودعما وتعويضا 4.8 مليار دينار بزيادة 270 في المائة
خلال 3 سنوات لولا ذلك المدد الاقتراضي لوجدت نفسها عاجزة عن الإنفاق في أول
مجالات سيادة أي دولة تعتبر نفسها دولة قائمة الذات أي رواتب موظفيها.
أخذت تتضح
معالم الصورة ، فالسنوات الثلاث الماضية لم تشهد نموا فعليا بعكس ما كان يقال لنا
، وكنا قلة على إطلاع عليه، ورفعنا عقيرتنا بالإصداع به فيما حكومة النهضة، ترفع
صوتها مؤكدة إنجازات لم تقم إلا في خيالها.
وعندما قلنا
هنا وفي غير هذا المكان وقال غيرنا ، أن الميزانية المعلنة لسنة 2014، ما هي إلا
ميزانية افتراضية، لأن أرقامها خاصة من ناحية الموارد لا توجد إلا على الورق،
جوبهنا بأننا نريد بث الأكاذيب والتقليل من إنجازات فعلية، لم تكن تعشش إلا في أذهان
مطلقيها.
وسيرى
المواطنون مدى الخراب الاقتصادي والمالي الذي تركته حكومة النهضة، عند عرض
الميزانية التكميلية بعد أسابيع قليلة، أو لعلها الميزانية الجديدة للعام 2014،
لأن الحكومة السابقة تركت المكان والبلاد للواقع بدون ميزانية.
ورغم
الاقتراض الواسع ومن الخارج، ما يكبل أبناءنا وأجيالنا المقبلة، فإن رئيس الحكومة،
أنذر بأن الميزانية ستبقى عاجزة بمبلغ 5 مليار دينار، من سيوفرها وكيف سيوفرها
وبأي ثمن.
رئيس الحكومة
في خطابه المتلفز مساء الاثنين حرص أن لا
يدين حكومة سبقته، أو على الأصح حكومات سبقته، وكان عضوا في آخرتها، ورئيس الحكومة
لم يصارح الشعب بحقيقة الوضع السيء جدا
جدا الذي عليه المالية العمومية، والاقتصاد الوطني، واكتفى بالدعوة للتضحية، وإلى
التجند للعمل، ملاحظا أن السنوات القليلة الماضية شهدت ارتخاء إنتاجيا ، وتدحرجا
في النمو، وهبوطا في الإنتاجية ، رغم الزيادة المفرطة في عدد العاملين في الوظيفة
العمومية والمؤسسات المؤممة، والزيادات
غير المنضبطة في الأجور.
وإذ لا يملك
لا هو ولا حكومته عصا سحرية لتقويم الأمور، فإنه يكتفي بالتمني، غير أن الحقائق
التي تواجهه هو والمواطن التونسي صلبة، تقتضي قرارات جريئة ولكن مريرة ، لم يعلنها
صراحة ولكنها، تمر من رفع سيولة من السوق عبر اكتتاب وطني، لم يعلن إن كان سيكون
إجباريا مثل سنوات الستين زمن أحمد بن
صالح ، أو تطوعيا مثلما حصل في سنة 1986/1987 على يدي رشيد صفر وإسماعيل خليل.
هذا القرض
الوطني من شأنه تأدية أمرين اثنين أولهما ، توفير مقادير تقترضها الدولة من
مواطنيها تسددها غالبا على عشر سنوات(إن توفرت السيولة) ، وثانيهما سحب سيولة من
السوق في بلد يعيش فوق إمكانياته الحقيقية بكثير، ما يؤدي بالضرورة للتضخم وغلاء
المعيشة.
ولكن وهذا هو
الذي سيكون مؤلما ومريرا، فإن (وصول الزنقة بالهارب) على رأي المثل الشعبي، باتت
تقتضي تقليص الدعم(18 إلى 20 في المائة من موازنة الدولة عام 2014) ، بما يؤدي إلى
رفع السعر لمواد تعتبر أساسية، منها
المحروقات ( ذات الأثر افوري والحتمي على كل الأسعار) والعجين والخبز
والسكر والشاي والحليب وهلم جرا، وليس للحكومة من خيار آخر، ما من شأنه أن يزيد في
تكاليف الحياة، ولكن يخفف عن ميزانية الدولة التي لم تعد قادرة على التحمل أكثر
مما تحملت ، نتيجة ارتخاء حكومي وانعدام للمسؤولية كبير وكبير أدى بالبلاد ولنقلها صراحة إلى حافة الافلاس.
هذا فضلا عن
توقع زيادات كاسحة في الأداءات.
ولقد كان
وزير المالية الأسبق السيد الديماسي نبه إلى أننا على منحدر خطير ، منذ بدايات
2012، ولكن لم يسمعه أحد في تلك الحكومة ما اضطره للاستقالة بعد أشهر قليلة من
استلام مهامه الوزارية.
كل هذا سيكون
له ثمن اجتماعي عالي، هل إن الشعب قادر على تحمله وخاصة القبول به، والتفاعل معه.
إن كل
الاحتمالات واردة، وما يحسب لمهدي جمعة أنه مقدم على مغامرة ، نعتقد أنها محسوبة ،
ولكن لا هو ولا غيره قادر على تجنبها، ولعل قبول العريض بالاستقالة، أنه ولأسباب
انتخابية، لم يكن يريد أن يجابه وضع الإفلاس الذي عليه البلاد اليوم، والذي يتحمل
هو وسلفه مسؤوليته الكاملة.
وإذا مرت
العاصفة بسلام، وهذا هو المؤمل، ولم يحدث في البلاد ما يعطل مسيرتها، فالدواء المر
المقدم، ليس منه بد ، لا لهذه الحكومة ولا لغيرها، فإن الوضع ولنصارح الشعب لن
يكون في مأمن بعد هذا العام، من مزيد التضحيات الثقيلة والجسيمة، لاستيعاب الكارثة
التي تركت حكومة النهضة عليها البلاد، ومن يدري لعل الضغط يزداد، أمام حلول آجال
سداد قروض كبيرة، استخدمت استهلاكيا ولم تزد شيئا في الثروة الوطنية.
الله يستر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق