Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 6 مارس 2014

عربيات: هل يعود مهدي جمعة بحصيلة لتونس من دول الخليج؟

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
انفجار محاولات
 الوحدات الإقليمية العربية
*هل يمكن أن يحصل المهدي جمعة
 على مساعدات خليجية كما مصر؟
تونس/ الصواب/ 06/03/2014
منيت وحدة وادي النيل بين مصر والسودان بنكسة مدوية حتى قبل أن تقوم، وكان السودان مستعمرة مصرية إنقليزية قبل أن ينال استقلاله، وكانت السيطرة الفعلية لبريطانيا، التي ناورت حتى لا تحصل الوحدة، وقد فشل إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الاتحادي في الانتخابات  لفائدة حزب الأمة الديني الذي كان لا يرغب فيها.
ثم جاءت الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 لتعمر ثلاث سنوات بين مصر وسوريا وتنفصم عراها في 28 سبتمبر 1961، على يدي الكولونيل عبد الكريم النحلاوي، الذي يقال إنه تم شراؤه من قبل قوى خارجية،  وخاصة سعودية للقيام بانقلابه وفصل الإقليم الشمالي (سوريا ) عن الإقليم الجنوبي ( مصر) ، وكانت السعودية قد حاربت تلك الوحدة، ويقال إنها اشترت عددا من القادة العسكريين السوريين، وما يبدو مؤكدا أن العقيد عبد الحميد السراج، قد حصل على شيك من الملك سعود أيامها بمبلغ مليون دولار (حجم كبير جدا بقيمة ذلك الوقت) غير أنه وبدل أن يصرفه، فضل أن يعلنه وينشر صورته، في وسائل الإعلام الدولية، وكان أحد أسباب إقالة الملك سعود وتولي أخاه الملك فيصل، فقد كان من الخفة وعدم تقدير المسؤولية أن ترك أثرا مكتوبا.
و تتالت الوحدات التي أجهضت عربيا ومنها وحدة مصر وسوريا والعراق خلال الستينيات، ووحدة الأردن والعراق سنة 1958، والوحدة التونسية الليبية سنة 1974، ووحدة (؟) ليبيا والمغرب خلال السبعينيات.
**
غير أنه تمت الاستعاضة عن الوحدات العضوية الاندماجية بفكرة أحدث، وهي الاتحادات التدريجية ، التي تسعى لدمج اقتصادي ، يكون تحضيرا للوحدة السياسية الشاملة.
وكان السبق سنة 1965 للجنة  الدائمة المغاربية التي ضمت تونس والجزائر والمغرب وليبيا لاحقا،  واكتفت هذه اللجنة بالقيام بدراسات عميقة، مولها صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، غير أن تلك الدراسات الاندماجية اقتصاديا بقيت على الرفوف في مقر اللجنة بتونس.
وكان واضحا منذ البدء أن الجزائر لم تكن شديدة الارتياح لهذه اللجنة، ففي وقت كانت تونس  والمغرب تسعيان بصورة أو بأخرى لتعاون وثيق مع السوق المشتركة الأوروبية آنذاك، كانت الجزائر ترى في تلك السوق استعمارا جديدا يجب تجنبه، هذا إضافة إلى أن الجزائر التي انفتحت عليها منة بترولية، كانت ترى نفسها المحور في المغرب العربي، وبالتالي كان رجال مثل بلعيد  بن عبد السلام الرجل القوي في تلك الفترة ، يميل إلى الجزائر الكبرى لا المغرب الكبير، بحيث تكون البلدان الأخرى توابع لا شركاء.
وقد انقصم ظهر اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي ، عندما قام ـ الملازم  ـ  معمر القذافي وقتها  في سنة 1969 ـ  بانقلابه، وقرر الانسحاب من كل عمل مغاربي، معتبرا إياه توجها استعماريا ضد الوحدة العربية.
وبانسحاب ليبيا ، لم تعد الجزائر ترى فائدة في هذا البناء على محدوديته، ولم يجرؤ أحد من الأطراف الأربعة، بعد انسحاب ليبيا وانضمام موريتانيا، على غلق أبواب المؤسسة، أو الإعلان عن استصدار شهادة وفاتها.
وبقيت اللجنة الدائمة في حالة وفاة سريرية، حتى سنة 1987 أي مدة 17 سنة عندما قام اتحاد المغرب العربي في 17 فيفري من تلك السنة.
**
في الأثناء وفي الثمانينات توفقت 6 دول خليجية لإقامة تجربة وحدوية متقدمة وبخطوات وئيدة ولكن ثابتة، تمثلت في مجلس التعاون الخليجي.
وإني شخصيا لأذكر الحركة الدؤوب التي قامت في مكاتب اللجنة الاستشارية الدائمة التي كنت كثير التردد عليها، سواء في مكاتبها في العاصمة تونس، وهي مكاتب اندمجت حاليا في مقر بنك تونس العربي الدولي ، أو في مقرها الجديد في ضاحية المنزه، الذي كان يعتبر السيد مصطفى الفيلالي الدينامو المحرك له، وكان موضوع تلك الحركة تجميع وثائق ودراسات وتجربة اللجنة المغاربية، وتسليمها إلى القائمين على مجلس التعاون الخليجي، للاستفادة من التجربة الحاصلة في تونس للجنة الدائمة.
وفيما كان مجلس التعاون الخليجي يتقدم بتؤدة ولكن بثبات، ويخطط برامجه متبعا الخطى التي كانت قائمة للمغرب العربي، ولكن بدون تنفيذ، كان الخليجيون يرسمون خططهم، ويمرون إلى تنفيذها، فرفعوا التأشيرات، وفتحوا الحدود لأبنائهم وتمويلاتهم، وسلعهم، وأخذوا في إنجاز وحدة جمركية متقدمة، وأقاموا صرح مؤسساتهم، وحققوا خطوات على طريق الوحدة السياسية، وكادوا أن يعتمدوا عملة واحدة.
غير أن رياح الانقسام أخذت تعصف بهم، ولا يبدو أن أسباب العواصف كانت خليجية وبين دول الخليج، ففيما عدا الرفض القاطع لدولة عمان للوحدة النقدية، والتي كانت ترى أضرارها واضحة بالنسبة لها، كما كان شأن اليونان إزاء اليورو، فإن كل شيء كان يسير وفق المنهج المرسوم.
أحداث مصر هي التي كانت وراء انفجار محتمل لمجلس التعاون الخليجي، ويقول الإماراتيون، أن الحكم المصري السابق والإخواني حاول زعزعة دولتهم، الفيدرالية المشكلة من 7 إمارات، بقصد فرض نظام إسلامي شبيه بذلك الذي كان قائما في مصر خلال حكم الرئيس السابق مرسي، علما وأن المذهب السائد في دولة الإمارات هو المذهب المالكي كما هو الشأن في شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، فيما السعودية وقطر حنبليتان متأثرتان بالوهابية.
ولقد جرت محاكمات ، شملت أعدادا من المتهمين في "أبو ظبي"، غير أن المتهم الأول كان النظام المصري السابق، وقد تضامنت السعودية والكويت والبحرين مع الإمارات التي وصل الحد بها إلى قطع علاقاتها مع النظام المصري السابق،  وفي ذلك خطوة غير مسبوقة بالنسبة للدبلوماسية الإماراتية المتسمة بالهدوء عادة.
وبمجرد سقوط نظام مرسي في مصر، سارعت الإمارات والسعودية والكويت، إلى إسعاف الحكم الجديد في مصر، بحوالي 15 مليار دولار، بين هبات وقروض، مكنت مصر، من الخروج من حالة الإفلاس الكامل الذي ترك مرسي البلاد تتخبط فيه.
وكل الدلائل تشير إلى أن الإسعاف الخليجي بلغ حاليا أكثر من 20 مليار دولار، أي ما يفوق حجم ميزانية تونس لمدة سنة وذلك بعد 9 اشهر من قيام النظام الجديد في القاهرة.
وفي محاولة لإنقاذ مجلس التعاون الخليجي ، انعقدت قمة، تلقى فيها الأمير الجديد للدولة القطرية، إنذارا شديد اللهجة، بالكف عن مهاجمة مصر، وتمويل جهات الإخوان المصريين وحتى غير المصريين، وتعبئة قناة الجزيرة ضد الحكم المصري.
ويبدو أن الشيخ تميم الذي كان قد "أزاح" والده الشيخ حمد من الحكم، قد قبل بكل الشروط، وخاصة طرد الزعامات الإخوانية اللاجئة لدى قطر، وتهدئة حماس الجزيرة لفائدتهم، وهجومها المستمر على سلطات القاهرة.
غير أنه وبمجرد عودته لبلاده لم يفعل شيئا مما تعهد به، ويبدو أن وراء إخلاله بوعده أمران اثنان:
أولهما : عادة متمكنة من السياسة القطرية منذ تولي الشيخ حمد الشؤون ، وتعيين الشيخ جاسم وزيرا للخارجية، ثم رئيسا للحكومة مع الاحتفاظ بوزارة الخارجية، وهي اعتماد دائم لوجهين اثنين، وجه معلن ووجه يتولى تنفيذ سياسات معينة ضد المعلن.
وثانيهما: أن الشيخ تميم، لم يتمكن فعلا من السيطرة على مقاليد الأمور، وبالتالي فهو عاجز عن فرض ما يتعهد به، وما هو معلن ومتفق عليه وصادر في بيانات مشتركة رسمية.
ومن هنا وفي تقييم أخير قررت ثلاث من الدول الأربعة المنتصرة لمصر، أن تسحب سفراءها من العاصمة القطرية (لا يعني ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية) إضافة إلى ما يتردد عن احتمال اتخاذ إجراءات رادعة ضد الدوحة، لم يقع الإعلان عنها، ولكنها ستؤدي إلى عزل العاصمة القطرية عن محيطها، أما الكويت فهي من جهتها رفضت التسرع، علها تلعب دورا وسيطا ، وتدفع الدوحة لتغيير سياساتها تجاه مصر, وتخفف من اندفاع قناة الجزيرة في توجهاتها، المناهضة لمصر.
**
 وفي تقييم آخر للوحدات العربية أو مؤسسات التعاون بعد أن أصبحت أنجحها أي مجلس التعاون الخليجي في مهب الريح، نجد أن اتحاد المغرب العربي يبدو في حكم الميت، الذي يمنع ما بقي من حياء  التوجه حله وهو الذي بات دوره معدوما أو يكاد.
وإذ تحدثت جهات عديدة عنه في عيد مولده يوم 17 فيفري الماضي، فإن المراقب الفطن ، يدرك أنه بات شبحا باهتا، لا وجود حقيقي له.
ولعله لن تقوم له قائمة ، ما دامت الجزائر تسعى لفصل الصحراء الغربية عن جسم المغرب، لفتح ممر على واجهة الأطلسي، وما دام المغرب يرى في مقولة الجزائر تأييد حركة تحرير وطني في الصحراء الغربية، سعيا للفصل بينها وبين أعماق إفريقيا السوداء، فلا مجال للحديث عن مغرب عربي، وسيبقى جسما بلا حراك، هذا إذا لم يحكم عليه الواقع بالإعدام ما دامت علاقات المغرب والجزائر على هذه الحال، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد في أن تغييرا سيصيبها.
**
في كل هذا أين هي تونس، الحكومة الجديدة تسعى لضبط سياسة خارجية جديدة، ولكنها محدودة لا فقط بمنطق الدستور الصغير، ولكن أيضا بمنطق الدستور الجديد دستور 27 جانفي أو 10 فيفري حسب التقييمات.
فرئاسة الجمهورية بيدها بعض خيوط اللعبة إن لم نقل كلها، وأزمة الدبلوماسية التونسية وراءها مؤسسة الرئاسة، من خلال أخطاء ارتكبت تجاه سوريا وتجاه مصر التي لتونس معاملات كثيفة معها، ومع المغرب ومع الجزائر، وغيرها.
و رئيس الحكومة أعلن في حواره التلفزيوني أنه ينوي التوجه إلى الدول الخليجية بحثا عن احتمالات دعم مالي ضروري.
إلا أن ما  لا يدركه رئيس الحكومة ، وربما تقوم الدبلوماسية التونسية بتفطينه إليه، هو أن حكم النهضة والتصاقها بإخوان مصر الذين يعتبرون خليجيا بمثابة المجرمين ، وما يبدو من ذهاب الشيخ راشد الغنوشي إلى زعامة منظومة الإخوان المسلمين الدولية في غياب زعاماتها المصرية، يقلل من قدرة الخليجيين بالاستماع إلى رئيس حكومة يقدرون أنه لم يستقل تماما عن إرادة النهضة.
أضف إلى ذلك أن كرم الدول الخليجية الثلاثة السعودية والإمارات  والكويت، ناتج عن أسباب تاريخية وأخرى جيوـ سياسية:
الأولى تتمثل في أن مصر كانت إلى جانب الكويت وجانب المنطقة ، في سنة 1990 عند الاجتياح العراقي للكويت، وكان موقفها مؤذنا وقتها بدخول عدة دول في التحالف "المقدس" ضد صدام حسين، فيما إن الكويت بالخصوص ولكن بقية الدول الخليجية تعتقد أن تونس اتخذت موقفا عدائيا ،  وهي تستغرب للموقف الغريب لتونس، أيام زين العابدين بن علي، بالانتصار للعراق في احتلاله للكويت، ( تلك هي الحقيقة مهما قيل"، وهو أمر لا يمكن أن ينساه الكويتيون ولا يحملون مسؤوليته للحكم التونسي آنذاك ، ولكن للشعب التونسي بأسره.
أما الثانية، فإن المنطقة الخليجية ترتعش من احتمالات "عدوان" إيراني-فارسي، ولا ترى في مصر إلا قدرة رهيبة على المساهمة في حمايتها كما حصل سنة 1990.
وانزياح الرئيس مرسي ، الذي بادر بربط علاقات متميزة مع طهران، لا يمكن إلا أن يطمئن الخليجيين، خصوصا وأن النظام الجديد الذي يجد مرجعيته في سياسات الرئيس عبد الناصر ، يطمئن من هذه الناحية وفي هذه الفترة الدول الخليجية.
من هنا فإن الدول الخليجية في اعتقادنا، لن تصرف للسيد مهدي جمعة، سوى كلام معسول، لن يستتبعه أي فعل أو على الأكثر فعل قليل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق