Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 31 مارس 2016

الموقف السياسي : كيف أسقطت الأجدر .. راضية النصراوي في انتخابات هيئة الوقاية من التعذيب ؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هيئة وطنية للوقاية من التعذيب
ما هو دورها في الحضور المستقبلي
للهيئة الدستورية لحقوق الإنسان؟
تونس / الصواب / 01/04/2016
إذا كان الدستور قد نص في بابه السادس وفصله الـ 128 على إنشاء هيئة دستورية لحقوق الإنسان مسؤولة بين مهام أخرى على "التحقيق في حالات انتهاك حقوق الإنسان "، فن المجلس التأسيسي قد قام بسن قانون أساسي لإنشاء هيئة وطنية للوقاية من التعذيب .
ويحق التساؤل عن الفائدة من إنشاء مؤسستين واحدة دستورية أي نص عليها الدستور ، والثانية قانونية بموجب قانون أساسي ، ستتوليان نفس المسؤوليات والمهام ، ومن المؤكد أن الأمم المتحدة كانت وما زالت تطالب بإنشاء هيئة للوقاية من التعذيب ، فلا شك أن مثل تلك الهيئة تتواجد غالبا حيث لا توجد هيئة دستورية لحقوق الإنسان ، مما يعني أننا في مواجهة هيئتين اثنتين تتنازعان أو ستتنازعان نفس الاختصاصات ، وأن إحداهما ستظللها قوة الأخرى ، علما وأن الهيئة الدستورية التي يتوقع إنشاؤها  ، والتي  ستتألف  غالبا قبل آخر العام ،بعد الانتهاء من صياغة  القانون الذي ينظمها  ويضبط صلاحيتها ، و سبل  اختيار أعضائها  بواسطة قانون أساسي ، كما بقية  الهيئات الدستورية ثم يجري ذلك الاختيار.
استبعاد راضية النصراوي في انتخابات الهيئة الجديدة يدل على محدودية طريقة تعيين أعضاء الهيئات الدستورية وغير الدستورية في ظل المحاصصات الحزبية في البرلمان

والخشية كل الخشية من انتفاخ تواجد مؤسسات متعددة تنشط في نفس الميادين.
هذا من الناحية المبدئية ، وهو أمر واقع اليوم قد يتحول  إلى منافسات ،  ربما نرى لها نتائج تصل حد التقاضي ، بين مؤسستين تابعتين للدولة تنشطان في نفس المجال ، وسنرى نتائجه في تنازع اختصاصات ربما أدى لاحقا في أفضل الأحوال ، إلى شد  وجذب ليس في فائدة أجهزة الدولة، ولا القضية المطروحة.
ولكن ومن الجانب العملي فإن انتخاب الهيئة الجديدة منذ أيام في مجلس النواب قد ترك ندوبا وقروحا ، وأبرز مرة أخرى أن المحاصصة الحزبية هي المؤثرة ، في مجال ليس مؤكدا أن تلك المحاصصة تخدم القضايا التي من المفروض أن تخدمها.
فقد أدى اتفاق بين نداء تونس بشقوقه المختلفة ، والنهضة إلى هيئة للوقاية من التعذيب لانتخاب قائمة وإن كان ليس للمرء أن يشكك لا في كفاءتها ولا في نزاهتها ، فإن للمرء أن يستغرب أن يترك المجلس على حافة الطريق من تخصصوا ومنذ سنوات وحتى في فترة سنوات الجمر ، على جانب الطريق رغم كفاءتهم ونزاهتهم ونضالهم ، لا لسبب سوى أنهم ينتمون ـ رغم حياديتهم في مجال الوقاية من التعذيب ـ إلى طرف آخر سياسي قد لا يروق للماسكين بالحكم من أطرافه ، حيث لا هم فيه  للنجاعة والجدوى بقدر هموم الانتصار لجهة الانتساب ، وإنه لمن الغريب ، والمؤسف وحتى المؤلم ، أن لا تنتخب سيدة حقوقية مناضلة مثل راضية النصراوي في هذه الهيئة على الرغم من نضالها في المجال خاصة ، وفي مجال حقوق الإنسان عامة وفي فترات صعبة .
وإذ أحرص على القول ، بأني شخصيا لست من التوجه الفكري ولا السياسي للسيدة النصراوي ، فإني أراها ليس فقط عضو بالهيئة الجديدة بل رئيستها ، لما سبق لها من نضال مشهود اعترفت لها به حتى منظمة الأمم  المتحدة ، هي شخصيا  والجمعية المناهضة للتعذيب التي ترأسها بكل جدارة وكفاءة وجدوى.
ولعل هذا يقود للحديث عن كيفية اختيار أعضاء الهيئات الدستورية وحتى غيرها وهل إن تكليف المجلس النيابي ومحاصصاته الحزبية هو الحل الأمثل ، إن الرأي عندنا هو أن يتم الاختيار على مستويات أربع  مع مراعاة التوازنات:
أولها : الربع من اختيار رئيس الجمهورية مع مراعاة التوازنات السياسية فضلا عن الكفاءة والتمثيلية القطاعية.
ثانيها :  الربع من اختيار مكتب مجلس النواب مع مراعاة نفس التوازنات
ثالثها : الربع الثالث من اختيار رئيس الحكومة مع مراعاة نفس التوازنات
رابعها : من اختيار الخمس جمعيات العاملة في القطاع الأكثر نشاطا في المجال ، والأكثر تمثيلية باتفاق بين الأطراف الثلاثة الأولى.
ولعل تجربة الطريقة المتبعة حتى الآن عبر مجلس النواب قد أبرزت محدوديتها وضعف أسلوبها ، ما يجعل الضرورة قائمة بالنسبة للهيئات خاصة الدستورية المتبقية في ريقة التعيين.

الثلاثاء، 29 مارس 2016

قرأت لكم : دور جديد للدولة القطرية ,, بلا عدوانية مع أحد وتراجع عن تأييد الإخوان؟

قرأت لكم                                                                                  

في العدد التاسع والثلاثين من مجلة "أسواق   "الصادرة بلندن ، مقال مهم وفريد من نوعه حول تغيير كبير بـ180 درجة في طبيعة السياسة القطرية ، بحيث تتخلى عن عنطزة تبعتها منذ قرابة 25 سنة وجلبت لها الكثير من العداوات وإذا كان ما جاء في المقال صحيحا فإنه يبعث الأمل في أن قطر ستتخلى عن دور جعلها منبوذة في المنطقة ، إن كاتب المقال مشهود له بسعة الإطلاع من جهة ، كما  "إن أسواق العرب "الصادرة في لندن تعتبر مجلة جادة ، وهي لا تغامر بنشر معلومات غير موثوقة ، وكما هي العادة ، وعملا بأخلاقيات المهنة الصحفية فإننا ننشر المقال على مدونة الصواب ، بعد الترخيص من صاحب المجلة ونيل موافقته.
قطر.. نحو التخلي عن الأدوار المشاكسة 
الدوحة / محمد شعبان
يمثل التعديل الوزاري الأخير في قطر أحدث خطوة في الإمارة الصغيرة للإبتعاد عن أنشطتها الإقليمية الرفيعة المستوى والمليئة بالضوضاء التي إتبعها الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والتحوّل إلى دور أكثر سرية في ظل حكم نجله والأمير الحالي، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
التعديل تطرق إلى حقيبتي الخارجية والدفاع، فضلاً عن مناصب وزارية أخرى. وكانت الوزارات السيادية الوحيدة التي لم تمس الطاقة والمالية.
 ويأتي هذا التعديل في مرحلة حرجة فيما أسعار النفط تعرف هبوطاً لم تعرفه منذ 13 عاماً والإمارة لا تزال متورطة في مستنقعات إقليمية، بما في ذلك اليمن وسوريا وليبيا.
على النقيض من نهج والده في الشؤون الخارجية، فقد إتبع الشيخ تميم نهجاً أقل بروزاً لدولة قطر على الساحة الدولية، وإنحازت الدوحة إلى المواقف السعودية، وخصوصاً في سوريا واليمن ولبنان.
لقد وجدت قطر نفسها في وضع إقليمي غير مريح عندما صعد الشيخ تميم الى العرش في حزيران (يونيو) 2013، مع الكثيرين في المنطقة يتهمون الإمارة الغنية بالغاز بالتجاوز والتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى.
 إن سياسة الدوحة الخارجية المؤيدة لجماعة “الإخوان المسلمين”والداعمة للحركات الثورية إشتبكت مع أهداف إستراتيجية أخرى لدول الخليج العربي.
بالإضافة إلى ذلك، إن دعم قطر للجماعات الإسلامية السنية في المنطقة تحت حكم حمد بن خليفة أغضب ليس فقط أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ولكن في بعض الأحيان أيضاً غيرها من الدول القوية في الشرق الأوسط مثل مصر وإيران، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
بعد ظهور فراغ في السلطة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط في العام 2011، سعى الشيخ حمد بن خليفة إلى بسط نفوذ الدوحة عبر الفصائل الاسلامية في مصر وليبيا وسوريا وتونس، مع تعزيز كبير لشراكة قطر مع تركيا.
هذه العلاقات، مع ذلك، أثارت التوتر في علاقة الدوحة مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين الذين يعتبرون العديد من هذه الجماعات من الأخطار التي تهدد أمن دول مجلس التعاون الخليجي.
من جهته أعطى الشيخ تميم الأولوية لإصلاح العلاقات القطرية مع حلفاء الدوحة التقليديين في مجلس التعاون الخليجي في وقت مبكر من ولايته.
ولتحقيق هذا الهدف، فقد طرد قيادات “الإخوان المسلمين” من الإمارة، وقبل على مضض شرعية نظام عبد الفتاح السيسي المدعوم من الجيش المصري، وسار وراء القيادة السعودية لإختيار أيّ من الفصائل ينبغي دعمها في سوريا.
إلى حد كبير بسبب جهود الأمير، بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أعادت كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة سفراءها إلى الدوحة بعدما استدعتهم قبل ثمانية أشهر.
من ناحة أخرى، ساهم صعود الملك سلمان إلى العرش في المملكة العربية السعودية أيضاً إلى تحسن العلاقات بين الدوحة والرياض فيما خفف العاهل السعودي الجديد لهجة المملكة تجاه جماعة “الإخوان المسلمين”.
وقد بلغ تخفيف العداء السعودي تجاه الحركة لحظة تاريخية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عندما  اأطرد لشيخ يوسف القرضاوي، رجل الدين المصري المقيم في الدوحة، ويعتبره كثيرون على أنه مرشد جماعة “الإخوان المسلمين” الروحي، الذي أثار غضب المسؤولين السعوديين بخطبه الملتهبة لسنوات، وقد  ظهر بعد ذلك  إلى جانب عبد الله بن عبد العزيز العيفان، سفير الرياض لدى الدوحة، في حفل اليوم الوطني السعودي في قطر.
على عكس المملكة العربية السعودية، مع ذلك، لم تغير الإمارات العربية المتحدة نهجها تجاه جماعة “الإخوان المسلمين” أو الجماعات الإسلامية الأخرى، الأمر الذي ترك علاقاتها مع قطر مبهمة نوعاً ما.
وقد أدى تضارب الآراء بين الإمارات وقطر حول الجماعات الإسلامية إلى توتر بين الدولتين الثريتين الخليجيتين، والذي يتجلى في الصراع الدائر في ليبيا حيث الدوحة لا تزال تدعم، وإن كان أقل كثافة، معسكر الإسلاميين، وأبو ظبي تدعم حلفاءها المعادين للاسلاميين.
 ومع ذلك، فإن سياسة قطر صارت أخيراً أكثر وضوحاً مما كانت عليه في اليمن، حيث شاركت قواتها بدعم مهمات السعودية والإمارات ضد حركة تمرد الحوثيين والموالين لعلي عبد الله صالح.
وزير الدولة لشؤون الدفاع الحالي، خالد العطية، قاد بصفته وزيراً للخارجية الجهود المبذولة لإصلاح علاقة الدوحة مع الرياض ونسق بشكل مكثف مع السعوديين في السياسة السورية. وكوزير دولة لشؤون الدفاع، من المتوقع ان يحافظ على النهج التوافقي نفسه.
خارج سوريا، إكتسب العطية خبرة بينما كان يتوسط بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين سابقاً في العام 2007.
 إن إنتقاله من الشؤون الخارجية إلى وزارة الدفاع هو برهان على إعتبار القيادة القطرية الملف اليمني مسألة إستراتيجية، وليست ديبلوماسية.
من الجدير بالذكر أن الوزراء الثلاثة الذين عينهم الشيخ تميم أخيراً هم دون سن 45. فقد قام   بنقل الأدوار القيادية من جيل الثمانينات من العمر إلى واحد شاب إستثنائي حسب المعايير العالمية، فإن قطر تتبع الاتجاه الأوسع في دول مجلس التعاون الخليجي
. مثل أي تحول رئيسي، فإن هذا التغيير في الأجيال واجه صعوبات. على سبيل المثال، خلال أول عامين ونصف قضاها في سدة الحكم، كان على الشيخ تميم (35 عاماً) كسب الشرعية التي كانت تُنسَب إلى أبيه، وخصوصاً في مجال العلاقات الدولية.
وزير الخارجية الجديد، الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي هو من عمر الأمير، غير معروف نسبياً. العديد يثني عليه إذ أنه كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون التعاون الدولي منذ كانون الثاني (يناير) 2014، حيث تعامل مع علاقة قطر الحساسة مع الحكومة المصرية عقب الاطاحة بمحمد مرسي في (تموز) يوليو 2013.
ومن المرجح أن يحافظ وزير الخارجية الجديد على دور منخفض بعيد من الآضواء في الشؤون الإقليمية التي ميزت السياسة الخارجية في الدوحة تحت حكم الشيخ تميم.
وعلاوة على ذلك، فإن خلفيته في الشؤون الاقتصادية وتطوير الأعمال تشير إلى أن قطر قد تكون ستحوّل تركيزها من الصراعات السياسية الإقليمية إلى المصالح الاقتصادية والتجارية.
هذا يبدو أنه يتماشى مع الحاجة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاستدامة المعترف بهما على نحو متزايد في جميع دول الخليج.
الشيخ تميم، جنباً إلى جنب مع حكام الخليج الآخرين، أطلق بالفعل مبادرات رامية إلى تحسين الخدمات العامة وإدارة الإدارات العامة، وبترقب جعل النظام الإقتصاد البيئي القطري أكثر كفاءة ومستداماً ومزدهراً على المدى الطويل.
إن الطبقة الحاكمة القطرية الجديدة تبدو مركزة بشكل رئيسي على حجب الإمارة عن موجة عدم الاستقرار الذي يطارد العديد من دول الشرق الأوسط.
 ولتحقيق هذه الغاية، تركز القيادة الشابة على تحسين العلاقات مع جيرانها، والخروج من دائرة الضوء، والحفاظ على الازدهار الاقتصادي في الداخل..


السبت، 26 مارس 2016

سانحة : ما قبل .. وما بعد بروكسيل .. لن يكون الأمر كما كان قبلا

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
اندلاع الحرب العالمية الثالثة
تونس / الصواب/ 22/03/2016
كان الحديث حتى الآن يهم ما أسمي بالحرب على الإرهاب.
كان ذلك بمناسبة أحداث جانفي و نوفمبر في باريس  2015، وأيضا بمناسبة الهجوم الأخير على بن قردان الذي استهدف إقامة إمارة داعشية على جزء من  الأرض  التونسية ، بغرض وضع رجل في تونس تكون خطوة نحو إنشاء الخلافة الإسلامية المزعومة ، بعد أن خاب فأل تركيا و قطر في العودة للخلافة بعد قرابة قرن على سقوطها ، وبعد اليقين من أن مشروع سوريا  والعراق الداعشي قد فقد مقوماته ، وأن حلم  التراجع إلى ليبيا  ( معروف من يقف وراءه ) أخذ بالاحتضار بعد أن بات مستهدفا لضربات طيران لا تعلن عن نفسها.
أما اليوم وبعد واقعة بروكسيل عاصمة لا بلجيكا  وحدها ، بل أوروبا كلها ، لا  الاتحاد الأوروبي بدوله الثمانية والعشرين  فقط  بل المجلس الأوروبي الذي يضم 46 دولة أوروبية ، والبرلمان الأوروبي في بعض جلسات لجانه وخاصة حلف شمال الأطلسي ، مما يجعلها ليس فقط عاصمة أوروبية بل عاصمة دولية.
ومن هنا فإن استهداف بروكسيل والحقيقة أنها تدعى بروسيل إنما هو استهداف لأوروبا سواء في اتحاد دولها (28 دولة ) أو  مجلسها التنسيقي (46 دولة) ، إضافة إلى كل  العالم الغربي ممثلا في حلف شمال الأطلسي  الذي يضم دولا من أوروبا و أمريكا وآسيا والأقيانوس.
وبهذا الاستهداف فإن الإرهابيين  ( لم يحسبوها ) قد أطلقوا شرارة الحرب العالمية الثالثة ، التي ستكون حربا بلا هوادة ، سيمتد لهيبها إلى ما لا يتخيلون من المواقع عبر العالم ، فستلاحقهم أينما يكونون عبر حدود ستتفسخ جغرافيا كما أرادوا ، ولكن ليس كما كانوا يتخيلون بقيام دولة الخلافة ، وإنما  لا بالقضاء على وجودهم المادي فقط كأفراد  وجماعات ، ولكن أيضا  بالقضاء على وجود الفكر المرتد الذي يعتمدونه ، حتى أصوله  الأصلية ، وكل من وقف و يقف وراءه عبر مئات السنين  ، حيث إنه يمثل تناقضا صارخا مع كونية ، استقرت على قيم ومثل إنسانية لم يعد منها مهرب اليوم .
وكما تم القضاء على النازية والفاشية ، وحتى الفلسفات المناقضة للحريات العامة وحرية التملك والمبادرة  ، وهي فلسفات انحسر تأثيرها إن لم يتم القضاء المبرم على وجودها بعد ، فإن الفكر الداعشي والفكر القاعدي إن صح وسميا فكرا ، سيكونان على نفس طريق الأنماط التي تخرج عن منطق العصر ، والعقل من حيث الفناء.
ومن هنا  فإن بعد بروكسيل لن يكون كما كان قبلها ، إن حربا عالمية ثالثة قد اندلعت بعد ، ومعروف تقريبا متى بدأت ولكن ليس معروفا متى تحط أوزارها ، ولكن الأكيد أنها لن تتوقف إلا وقد تم القضاء على وجود معين وعلى " فكر " معين ، و ككل الحروب فستعرف فظائع كبيرة ، وتجاوزات خطيرة ، وستركن كثير من المبادئ على الرف ، وسيقبض على بعض الناس لمجرد الشبهة ، ويعاملون بقسوة بلا منطق  ، ويعاقبون عقاب الخاسرين في أي حرب، كما كان الشأن في نورمبرغ  بعد الحرب العالمية الثانية  ، وستكون "غوانتنامو" و " أبو غريب " جنة بالقياس لما سيأتي، في غياب القاعدة القانونية المتعارف عليها خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.


السبت، 19 مارس 2016

بكل هدوء : هل تعارض النهضة عودة الفارس إلى امتطاء صهوة جواده ؟

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي

في الذكرى الستين لاستقلال تونس
عودة الفارس*
تونس/  الصواب  / 16/03/2016
 وفقا لتصريحات صادرة عن رئاسة الجمهورية وفي  يوم لاحق ليوم 20 مارس الحالي  (1) الذي يصادف الذكرى الـ 60 لاستقلال تونس ، ستسجل عودة الفارس ، والفارس هو الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق ، الذي تم "اقتلاع " تمثاله وهو يمتطي صهوة جواد عربي ، من موقعه في مدخل المدينة ، بعد استيلاء الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي على السلطة في 7 تشرين الثاني نوفمبر 2087 ، وإقالة الرئيس بورقيبة، وتم وضع نصب ساعة بشعة مكانه بعلو شاهق.
وكان هذا التمثال الذي يخلد عودة الرئيس التونسي  الأسبق إلى تونس وفي جيبه وثيقة الاستقلال الداخلي في 1 حزيران يونيو 1955 المرحلة الأولى للاستقلال التام بعد ذلك بعشرة أشهر ، قد تم نصبه بعيد الاستقلال مكان تمثال رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق جول فيري الذي تم في عهده سنة 1881 وضع تونس تحت الاستعمار الفرنسي.
وإذ استمر كفاح وطني متواصل منذ ذلك الحين فقد بدا ، أن ذلك الكفاح اتخذ منعرجا أكثر نجاعة تحت قيادة الرئيس بورقيبة منذ 1934 والذي تم تتويجه باستقلال البلاد .
من هنا فقد اختار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي  الذي يعتبر نفسه الابن الروحي للرئيس الأسبق ،  والذي انبثقت رئاسته من أول انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة في أواخر 2014  ،  اختار موعد عيد الاستقلال ، لإعادة نصب تمثال بورقيبة إلى مكانه بعد "غربة " تواصلت ما يناهز 30 سنة إلا بضعة أشهر.
 وإذ ستقول الأكثرية إن الدر سيعود إلى معدنه ، والرئيس بورقيبة سيعود إلى موقعه مشرفا على المدينة ، ومن المكان الذي دخل منه منتصرا قبل 60 سنة ،  إلى شارعها الرئيسي في مواجهة من الجهة الأخرى أمام السفارة الفرنسية والكاتدرائية الرئيسية للمؤرخ عالم الاجتماع ابنها الآخر عبد الرحمان بن خلدون ، فإن الأمر لم يعدم من المعارضين ، ممن رفعوا عقيرتهم منددين محتجين مطالبين بعدم عودة التمثال ، ممن اعتبروا بورقيبة ديكتاتورا معاديا للحريات العامة وللديمقراطية ، بل دمويا أيضا  باعتباره قد أمر (والأمر في حاجة إلى تأكيد) بقتل رفيقه السابق وخصمه اللدود الزعيم الثاني في البلاد صالح بن يوسف.
ولعل كل ذلك صحيح ، في زمن لم تكن فيه الديمقراطية مطلبا شعبيا ، ولكن أنصار بورقيبة وهم يحتفلون بعيد الاستقلال في 20  آذار مارس المقبل يذكرون للرجل عدة إنجازات حولت بلدهم من حال إلى حال:
أولا : نشر التعليم على نطاق واسع ، بعد أن كان الجهل وكانت الأمية يعششان في كل أرجاء البلاد ، وبعد أن كان حاملو الباكالوريا سنويا يعدون بالعشرات وفي أحسن الأحوال بالمئات ، لم تمر عشر سنوات حتى أصبح عددهم بالآلاف ، وبلغ عددهم ما بين 80 و90 ألفا في السنوات الخيرة.
ثانيا : نشر الصحة عبر شبكة مستشفيات واسعة ، لم تبلغ لا كما ولا نوعا الأفضل ، ولكن ارتفعت معها معدلات الحياة إلى 74 سنة بعد أن كانت 46 عاما سنة الاستقلال.
ثالثا : إصدار قوانين اجتماعية متقدمة مكنت من منع تعدد الزوجات وتقنين الطلاق ، وتمكين البنات من حق التعليم تماما مثل البنين ، جعلت من البلاد منارة عربيا وإسلاميا وإفريقيا ، ومكنت من تحويل نظريات المصري قاسم أمين والتونسي الطاهر الحداد إلى أرض الواقع ، وأعطت المرأة الحق في الانتخاب  حتى قبل عدد من الدول الأوروبية ومنها سويسرا ، ورفعت المرأة إلى مصاف عليا بما في ذلك احتلال مقاعد الجامعات إلى الثلثين للفتيات.
رابعا : تنظيم النسل بالصورة التي جعلت عدد سكان تونس لا يتجاوزون حاليا 11 مليون ساكن ، فيما إن سوريا التي كانت تمثل في منتصف الستينيات عددا مماثلا لتونس سكانا ،  قد تجاوزت  حاليا الخمس وعشرين مليونا ، ما مكن  تونس من دخل فردي نسبيا عاليا ، ورخاء ملاحظا ، وإن بدا متقهقرا بعد الثورة في سنة 2011 نظرا للتفاعلات المجتمعية التي تصاحب عادة كل الثورات .
على أن الحصيلة بعد حكم الرئيس بورقيبة على مدى ثلاثين سنة أو تزيد (1956/1987) ، بعد 25 سنة قضاها في الكفاح في الغالب بين السجون والمنافي ، و في الحكم حتى سنة 1987 ، لم تكن دائما لامعة ، فقد اتسمت فترة حكمه بغياب كامل للممارسة الديمقراطية ، وتزييف الانتخابات ، وعدم احترام  مبادئ حقوق الانسان ، كما اهتزازات سياسية أو اجتماعية عنيفة ، وأخطاء كبرى في التصرف الاقتصادي ، وخاصة في نهاية حكمه حيث فقد جانبا من إمكانياته العقلية التي اشتهر بحدتها نتيجة ذكاء مفرط.
ورغم ذلك فإن عودة قوية لشعبية بورقية قد سادت في السنوات الأخيرة،  بعد 23 من إبعاده قسرا عن الحكم ، بفعل انقلاب أمني قاده الرئيس بن علي ، وأساء عبره استعمال أدوات الدولة التي نخرها فساد لم يكن ملاحظا زمن بورقيبة ، الذي اشتهر بالعفة ونظافة اليدين ، وإن لم ينعدم عهده من بعض التجاوزات المحدودة.
واليوم والبعض القليل يعارض عودة تمثال بورقيبة إلى قاعدته في الشارع الرئيسي ، فإن قليل القليل حتى من النواب الإسلاميين في البرلمان  يطالب بتعويض اسم الشارع الذي يحمل اسم بورقيبة باسم شارع الثورة ، إلا أنه يبدو أن أغلبية من الناس باتت للتعلق الشديد ، بالرئيس الأسبق ، وقد زاد منسوب الحنين إلى عهده حتى من الذين ولدوا بعد وفاته السياسية في 1987 ووفاته البيولوجية في العام 2000 ، وخاصة من الفتيات والسيدات ، ممن يدينون لبورقيبة بعودة الاعتبار للمرأة ، وهو ما مكن الباجي قائد السبسي الرئيس الحالي من الحصول على أغلبية مريحة في آخر انتخابات عرفتها البلاد.
------------------------
(1)               كانت مقررة نقلة نصب الرئيس بورقيبة  في 20 مارس ولكن تأخرت لأسباب لم تفصح عنها الجهات الرسمية  وبات الشك يحوم على احتمالات إعادة نصب بورقيبة إلى مكانه ، وفقا لما يدور في البلاد تحت ضغط حركة النهضة الشريكة في الحكم والتي لا تنظر بعين الرضا  لاحتمال عودة النصب إلى مكانه .

*في وقت متزامن  مع مجلة أسواق العرب ومدونة الصواب 

الأربعاء، 16 مارس 2016

دراسات : النظام السياسي التونسي ،، هل هو الأمثل ، في ظل استحالة تغييره؟

دراسات
عبد اللطيف الفراتي
النظام السياسي التونسي
هل هو الأمثل ،
 وهل في حاجة إلى مراجعة ؟
تونس /  الصواب /27/01/2016
بعد 51 سنة عاشتها تونس تحت ظل دستور 1959 ، الذي يتفق خبراء القانون الدستوري بشأن تقدميته ، لولا ما شابه من تجاوزات بقوانين اعتبرت غير دستورية مسخت صوته المشرقة ، ولم يكن هناك جهاز ينبه إلى انعدام دستوريتها ، ولولا ما شابه كذلك من تعديلات انحرفت به عن طبيعته كدستور دولة جمهورية ، حيث أقرت منذ سنة 1975 الرئاسة مدى الحياة ، ومنذ 1999 تمديد الولايات الرئاسية مرة بعد أخرى ، بما يتناقض وروح التعديلات الدستورية للعام 1988 والتي أقرت التجديد لولاية واحدة.
كما عاشت البلاد  طيلة تلك الفترة تحت ظل طريقة انتخابية تقوم على التصويت الاغلبي بالقائمات ، التي تفضي إلى انتخاب القائمة المحرزة على المرتبة الأولى على كل المقاعد في دائرتها ، بما مكن الحزب الحر الدستوري  سنة 1956 وسنة 1959 ، ثم الحزب الاشتراكي الدستوري سنوات 1964 و1969  و1974 و1979 و1981 و1986 ، ثم التجمع الديمقراطي الدستوري سنوات 1989 و 1994 و1999 و 2004 و 2009  من الإحراز على كل مقاعد البرلمان ، وإن كانت أدخلت جرعة من النسبية ( خارجية وليست داخلية (1) ) منذ انتخابات 1994 مكنت من تواجد عدد من " المعارضين " تحت قبة البرلمان  فإن ذلك كان إصلاحا صوريا  ،  هذا بقطع النظر عما شاب كل الانتخابات التي جرت بين 1959 و2009 من تزوير فاضح ، لعل أبرزه ذاك التزوير الذي حصل في انتخابات 1981 و 1989.
** دستور الجمهورية الثانية وظروف صياغته
على إثر الثورة وهروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، اختلفت الطبقة السياسية حول أمرين اثنين :
أولهما : أن يتم استمرار العمل بدستور 1959 ، بعد تعديله ، وإزالة ما علق به من شوائب ، وكانت الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي ، وكذلك جهات سياسية معينة منها بالخصوص الحزب الديمقراطي التقدمي بزعامة أحمد نجيب الشابي تدفع في هذا الاتجاه ، ومن رأي هذا الفريق أن يقوم مجلس النواب المنتخب سنة 2009، أي في عهد الرئيس السابق بتعديل الدستور ، لإزالة الموانع التي كان يفرضها في اتجاه منع حرية الترشيح ..
وكان أحمد نجيب الشابي هو المرشح الأبرز ليصبح رئيسا للجمهورية  آنذاك ، وقد دفع هو وحزبه ثمنا باهظا لذلك التوجه.
ثانيهما :  الذهاب بالثورة إلى أقصاها ، وحل البرلمان القائم بغرفتيه ، وإلغاء دستور 1959 ، والدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي يؤسس لجمهورية ثانية اعتمادا على مقولة ،  تقول بأن الدستور الذي كان قائما لم يكن صالحا ، ولن يكون صالحا لفترة ثورية ، مختلفة في أساليبها وأهدافها.
وإزاء تردد السلطة القائمة  مع حكومات محمد الغنوشي ، قامت جهات متعددة ولكن بالأساس الجبهة الشعبية ، أو على الأصح حزب العمال ، والنهضة ، والزعامات الجهوية في اتحاد الشغل  ، بتعبئة واسعة ، فتم تنظيم القصبة 1 والقصبة 2 ، وتم فرض الاستقالة على رئيس الحكومة محمد الغنوشي ،  واستقدام الباجي قائد السبسي كرئيس للوزراء ، الذي قبل مكرها كما أعلن عدة مرات ، بدعوة  رئيس الجمهورية فؤاد المبزع  الناخبين ، لانتخاب مجلس تأسيسي يصوغ دستورا في ظرف عام من موعد انتخابه ، وهو أمر لم يتسن احترامه ، بالنظر إلى أن المجلس الذي اعتبره المؤسسون  سيد نفسه ، قد انحرف إلى جهة التشريع ومراقبة الحكومة ، وقضى وقتا طويلا في تلك المهام مما شغله ، عن مهمته التي انتخب من أجلها أي كتابة الدستور ، فقضى 3 سنوات ونيف بدل سنة لإنهاء مهمته الأصلية التي انتخب من أجلها.
** ظروف صياغة الدستور ، وتبعاته
تم ختم الدستور في 27 جانفي 2014 ، ولكن ولادته كانت عسيرة ، ففي البداية كانت الأغلبية النسبية التي تمتلكها وفقا لانتخابات 23 أكتوبر 2011 التأسيسية ، حركة حزب النهضة ، تعتقد أنه بإمكانها إدخال البلاد في بوتقة دينية ، وإقامة دولة غير مدنية ، لذلك تم الاصطدام سريعا بين الأغلبية النسبية للنهضة ذات المنحى الديني ، والأغلبية الفعلية للأحزاب المدنية بشأن الفصل الأول ، وأعلن رئيس المجلس مصطفى بن جعفر أحد ثلاثي التحالف الحاكم الترويكا ، أن الفصل الأول من الدستور الذي تقترح فيه النهضة أن يكون التشريع طبقا للشريعة ، لن يمر إلا على جثته ، وإذ تطور الجدال ، فإن المأزق تم الخروج منه بمبادرة من الأستاذ راشد الغنوشي ، في رفض من صقور النهضة ، وتمت العودة إلى الفصل الأول من دستور 1959 كما  تم تحريره وقتها ، باقتراح من الرئيس الراحل بورقيبة ، وللخروج من الأزمة التي كانت قائمة بين إسلاميي ذلك العهد ،  وفي مقدمتهم الشيخ الشاذلي النيفر،  وأشباه اللائكيين من أنصار الدولة المدنية التي لا يلعب فيها الدين دورا رئيسيا.(2)
غير أن الخلافات لم تقف عند هذا الحد ، بل شملت مناحي أخرى ليس هذا مجال استعراضها ، غير أن الخلافات تطورت ، فقد بدا أن النهضة تسعى سواء بنص الدستور والالتفاف على الفصل الأول ، أو بالتسيير الحكومي أن تفرض ما أعلنه الأستاذ راشد الغنوشي من أن "التدافع الاجتماعي " سيتم بواسطته " التمكين "، وبالتالي الذهاب إلى مجتمع غير مدني ،،، غير أن تحركا واسعا حصل في صائفة 2013 غير المعطيات:
فمن جهة  تمت اغتيالات لم تسلم النهضة من الاتهام بالوقوف وراءها ، كما جاء تحرك باردو ، وانسحاب أكثر من 60 نائبا مؤسسا من تحت قبة البرلمان ، واعتصام الساحة ، والمظاهرات الجماهيرية ، لتدفع النهضة لحساب ما يزخر به المجتمع من معارضة لتوجهها.
ومن جهة أخرى جاءت أحداث مصر ، لتدفع بالخوف من المآل نفسه  في صفوف قيادات  النهضة ، فقد خرج الملايين  في ميادين القاهرة و كل المدن المصرية ، في إطار "تمرد " واسع ضد قرارات الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي العياط ، والمطالبة بصرفه من الحكم وهو الذي كان تم انتخابه بأغلبية قصيرة قبل سنة ، والتمرد وفقا لديباجة وثيقة حقوق الإنسان الأممية كما في الدستور الأول والثاني للثورة الفرنسية ، يعتبر وسيلة مشروعة لتغيير الحكم ، غير أن التمرد المشروع ، التف عليه الجنرال  عبد الفتاح السيسي ، وحوله إلى انقلاب عسكري ،  أيدته في البداية قيادات المجتمع المدني المصري قبل أن تنفض من حوله.
عنصران أديا إلى أن تخفف النهضة من تصلبها ، وتلجأ إلى التهدئة ، ففي ذلك الإطار تم لقاء "الشيخين " في باريس ، ولن نعرف قبل وقت قد يطول وقد يقصر ، من كان المبادر ، وإن كانت دلائل كثيرة تشير إلى أن الأستاذ راشد الغنوشي ، كان يسعى للخروج من المأزق ، وستدل دلائل كثيرة إلى أنه بات ميالا لتجاوز أزمة قد تودي باستقرار البلاد وقد تدفعها إلى المجهول ، وقد تؤدي بالنهضة لخسارة مواقعها ، من ذلك القبول بالدخول في الحوار الوطني بعد مقاطعته ، والقبول أيضا بتنازلات كبيرة في نص الدستور ، تدفع به في اتجاه الدولة المدنية ، والمعايير الكونية التي يعاديها الإخوان عادة.
وقد فرضت القوى المدنية وبقبول بمرارة من  طرف النهضة ، شروطا لتعديل الدستور تكاد تكون مستحيلة  ، مما قد يؤبد المبادئ الأهم الخاصة بمدنية الدولة وذلك على نطاقين اثنين :
أولهما ، ما جاء في الفصل 144 من الباب الثامن والذي ينص على " أن كل مبادرة لتعديل الدستور،  تعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية ، لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور"
وللذكر هنا لا على سبيل الحصر ، فإن الفصل الأول من الدستور ينص في فقرته الأخيرة :"لا يجوز تعديل هذا الفصل" الذي يهم  طبيعة النظام الجمهوري وعروبة لغة  البلاد وإسلام الدولة .
ثانيهما أن أي تعديل دستوري يحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب، وهو أمر يتطلب وفاقا من أكثر من حزب ممثل في البرلمان ، بحيث وطبقا للطريقة الانتخابية المعمول بها حاليا فإنه يكاد يكون من المستحيل توفير ثلثي النواب بدون وفاق بين حزبين أو أكثر ، وبالعودة إلى تجربة الانتخابين الاثنين السابقين في 2011 و2014 فإنه يبدو أنه من الصعب جدا  ، نيل أي حزب حتى الأغلبية المطلقة أي نصف عدد النواب مع نائب واحد (109) ، فكيف بأغلبية الثلثين.
** الطريقة الانتخابية الحالية  والأهداف المرسومة  
لم يكن اختيار الطريقة المعمول بها حاليا صدفة ، بل لعله كان نتيجة تفكير طويل من اللجنة التي ترأسها الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي عياض بن عاشور.
ومن بين طرق التصويت المختلفة ،  تم اختيار اللجنة على طريقة الاقتراع بالنسبية و أعلى البقايا ، وقد أفرزت في حينه أي في خريف 2014  على نتائج مكنت نداء تونس ( قبل أن ينقسم سياسيا ويبقى عل قوته الفعلية برلمانيا)، من 86 مقعدا في مجلس نواب الشعب و مكنت حركة النهضة من 68 مقعدا ، وباعتبار أن المجلس يتركب من 217 نائبا فإن أغلبية الثلثين تبلغ 145 صوتا ، وبالتالي فإن تحالف نداء تونس والنهضة بتشكيله 154 صوتا كاف في حد ذاته لنيل الثلثين ، غير أن الإرادة السياسية ارتأت أن يشمل التحالف أو الائتلاف الحكومي حزبين آخرين ،  أي الوطني الحر 15 صوتا وآفاق 8 أصوات أي مجموع 177 صوتا  ، وهو ما يشكل أغلبية مريحة جدا ، ليس فقط أغلبية مطلقة 109 أصوات بل أغلبية معززة بالثلثين وهي 145 صوتا.
وللمقارنة فإن تلك الانتخابات لو تمت بالتصويت الأغلبي على القائمات،  الذي كان معتمدا طيلة فترة الجمهورية الأولى بين 1956 و 1909 لأفرزت 130 مقعدا لنداء تونس ،  و 87 مقعدا لحركة النهضة ،  ولخرجت بقية الأحزاب جميعها بدون أي مقعد (3) أي بمعدل ما بين 70 و75 في المائة من المقاعد لحزب نداء تونس ، وهو ما لا يمكنه من أغلبية الثلثين التي تبلغ 145 مقعدا.
وإذا كان اعتماد أي طريقة انتخابية لا يتعارض مع الديمقراطية ، فإنه ليس بريئا ، بل يستهدف توازنات سياسية معينة ، بالنظر إلى خدمة تلك التوازنات ، وسواء كان الأمر باعتماد التصويت الأغلبي على القائمات أو بصورة فردية.
،  اعتماد طريقة التصويت على القائمات بالنسبية وبأعلى البقايا ، ( وليس بأعلى المتوسطات التي كان يمكن أن تعطي نتائج مغايرة) ، كانوا في معرفة من أمرهم وإدراك ، بأنه لن تكون هناك أغلبية لحزب واحد ، فضلا عن أن تكون أغلبية معززة.
والمجلس التأسيسي نفسه الذي استحسن هذه الطريقة للتصويت ، خوفا من النهضة ، التي بلغت في فترة من الفترات  أسفل القاع لدى الرأي العام ، خشيت من أن يقع سحقها ، ففضلت الطريقة التي أعطتها سنة 2011 أولوية في المجلس التأسيسي ، وبذلك تحافظ على وجود معقول في البرلمان بعد انتخابات مقررة لخريف 2014.
وبهذه الطريقة في التصويت  ( التصويت على القائمات بالنسبية مع أعلى البقايا)  يمكن ضمان عدة  أشياء في نفس الوقت :
-        تمثيل متعدد ومتقارب غالبا
-        بروز حزبين رئيسيين ، ( النداء والنهضة في هذه الحالة)
-        الحفاظ على التوازنات السياسية ، فليس ممكنا تصور السقوط لا في الدولة العلمانية ،  ولا في الدولة الدينية ، عبر استحالة تعديل الدستور بأغلبية الثلثين ، كما كان يحصل التلاعب بالنص الدستوري خاصة في فترة حكم الرئيس الأسبق  زين العابدين بن علي ، ولا الرجوع عن كونية حقوق الإنسان.
** الإيجابيات والسلبيات
تلك ولا شك إيجابيات مهمة ، وضامنة لاستقرا المسار ، وعدم السقوط في أي تطرف مهما كانت جهته ، باعتبار التوجه الذي ذهب فيه المؤسسون ، نتيجة تفاهمات فرضها واقع سنة 2013/2014 ، بعد أخذ ورد حول نمط المجتمع ، والدولة العلمانية والدولة الدينية ، ومكانة الشريعة في التشريع ، وقضية الهوية التي قفزت للمقام الأول في وقت من الأوقات.
ولكن السلبي هو ما تم الذهاب إليه ، من اعتبار الدستور التونسي للجمهورية الثانية دستور مغلق ، أي لا يقبل التعديل لا من أمام ولا من خلف ، إلا باتفاق مجتمعي يفترض توفر ثلثي النواب ، وفي الواقع الحالي فإن حتى اتفاق نداء تونس والنهضة ، إن كان كافيا عدديا فإنه غير كاف سياسيا للإقدام على أي تعديل كان.   



(1)               الجرعة الداخلية تتمثل في أن يكون التصويت ونتائجه ضمن العدد المحدد لأعضاء المجلس النيابي  جميعهم كأن تفوز القائمة  صاحبة  المرتبة الأولى بعدد معين من المقاعد ويوزع الباقي بالنسبية وفقا لعدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة ، أما الجرعة الخارجية فتتمثل في توزيع كل المقاعد على القائمات المحزة على المرتبة الأولى ، ويحدد عدد معين من المقاعد مسبقا لتوزيعه بالنسبية على القائمات التي لم تفز في إطار نظام التصويت الأغلبي على القائمات.
(2)               نص الفصل الأول كما ورد في دستور 2014 وهو نفس النص  في دستور 1959: تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها.

(3)               انظر بكل هدوء في مدونة الصواب بتاريخ 18/10/2014 ( مع تصرف وتصحيح) .