Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 30 أغسطس 2013

سانحة - عودة قوية لبورقيبة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
البورقيبية لن تموت؟ !
تونس / الصواب / 30/08/2013
خلال متابعاتي من حين لآخر للفايس بوك، لاحظت العناوين المتكاثرة، التي تحمل عبارة البورقيبية لن تموت le bourguibisme ne mourra pas، غير أن مفاجأتي الأكبر كانت يوم 13 آب أغسطس الماضي خلال المسيرة والاعتصام، فقد رأيت صورا كثيرة لبورقيبة، ذكرتني بتلك المظاهرات المفتعلة زمنه، ومعها شعارات كثيرة، منها ما يتعلق بالزعيم الذي ترك بصمات واضحة في تاريخ تونس، منها "مكاسب المرأة إرث بورقيبي"، ووصولا إلى"يحيى بورقيبة"، يحيى رجل ميت منذ 13 سنة، ومغادر للحكم منذ قرابة 30 سنة.
ظاهرة مجتمعية لا تنافسها إلا ظاهرة مشابهة تعيشها مصر مع جمال عبد الناصر، ظاهرة يبدو أنها ليست حاضرة مع عمالقة كبار، من تيتو إلى سوكارنو، إلى نكرومة، إلى نهرو وغيرهم.
كيف يمكن للمرء أن يفسر هذه الظاهرة، بالنسبة لبورقيبة، وربما أيضا لعبد الناصر، الذي شاهدنا صورا له هو الآخر في اعتصام 6 آب أغسطس ويوم 13 آب أغسطس.
ما من شك أن بورقيبة قد ترك بصمات غائرة في تاريخ تونس كاملا.
ورغم المشككين، ورغم الأخطاء، فإن المرء لن ينسى إلا إذا كان مكابرا، أن  الرجل  قاد وببراعة، وبأقل التكاليف، مسيرة حركة التحرير الوطني، وأنه قاد عملية بناء الدولة، وتركيز أجهزتها، وأنه حقق للمجتمع مكاسب قل نظيرها ليس في العالم العربي والإسلامي فقط، ولكن عبر العالم كله، إنه حرر المرأة من ربقة كانت ترزح تحتها، وتحول دون إبداعها، وفرض دخولها للحياة الاجتماعية كما لم يتسن لامرأة أخرى في مثل هذا الوقت القصير، وأنه راهن على التعليم، فرفع الجهل عن بلد بأكمله، ومكنه من أن يدخل العصر من أوسع أبوابه، إنه بحركة تحديد النسل قد مكن تدريجيا من رفع المستوى المعيشي للناس، بالتمكين من توزيع كعكة التنمية بين عدد أقل من المواطنين(من منطلق واحد سنة 1966 لم يتجاوز حاليا عدد سكان البلاد في تونس 11 مليونا إلا بقليل، بينما وصل هذا العدد إلى 23 مليونا في سوريا).
لا شك أن الأخطاء كثيرة، ودعنا نقول، ولو لم يعجب ذلك البورقيبيين المتطرفين، الجرائم أكثر، دعنا نقول أن بورقيبة سليل مدرسة عصور الأنوار واعتماد الديمقراطية، لم يكن ديمقراطيا، وكان إلى حد بعيد ديكتاتورا أبويا، إلا أن حكمه لم يكن شموليا مثل حكم خلفه. دعنا نقول إن آلام وعذابات اليوسفيين وغير اليوسفيين تبقى ماثلة أمامنا.
ولكن ذلك لا يقلل  في قليل أو كثير من التراث الذي تركه، ولذلك نراه قد بقي حيا في نفوس أعداد كبيرة من المواطنين، بعضهم ولعل أكثرهم لم يعيشوا عهده، أو لم يعوه فــهم  و عند تغييبه كانوا دون العاشرة من عمرهم.
تلك ولا شك ظاهرة مجتمعية ولعلها ستصبح تاريخية في حياة هذا الشعب.
غير أن الظاهرة وإن بدت عاطفية، فإن الفعل البورقيبي، ما زال يحتاج لدراسة وتمحيص، إنه ظاهرة  تركت أثرها على التحرك السياسي اليوم.
فمنذ جاءت حركة النهضة إلى الحكم، عملت على طمس معالم العهد البورقيبي، ولم تر فيه إلا مساوئ وسيئات، ولم تعترف لا بالاستقلال ولا بالجلاء ولا بإقرار الجمهورية، ولا بالجلاء الزراعي ولا بناء صرح دولة، ولا بكل المكاسب الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة، وتنكرت إلى قطعة من تاريخ هذه البلاد كانت حافلة وإيجابية، بل أكثر من ذلك حاولت أن تغمط حق الرجل وحق البلاد.
و من وجهة نظرنا فإن ذلك ساهم في انحدار شعبية حركة،  سارت في اتجاه معاكس لمسيرة التاريخ، ولم تعتمد على الأقل المقولة الشهيرة"اذكروا موتاكم بخير"، فشعبية بورقيبة بصدد الصعود، وقد باتت إنجازاته محل ذكر متواصل مستمر، ونسي الغالبية سلبيات حكمه، بل أخذ بعض الكتاب يبررون ديكتاتوريته، بالقول بأن فترة حكمه لم تكن في العالم الثالث فترة إعطاء أولوية للديمقراطية، وهو قول على أنه مردود، وغير مقبول انتشر كثيرا.
زعامة مثل زعامة بورقيبة، أو عبد الناصر، زعامات لا تموت، وستبقى طويلا، في أعماق نفوس الناس، أراد الإخوان في تونس أو مصر أو أبوا.
لكن الغريب الغريب، أن لا ينبري بعض أبناء بورقيبة، ممن أعماهم الكرسي وذهب ببصيرتهم، أمثال ابن الزعيم الخالد الباهي الأدغم لينبروا للدفاع عن عهد كان لآبائهم الفضل فيه، فيتركوا للناهشين مواصلة نهشهم، في صمت منهم مريب.


عربيات - مصر إلى الاستقرار

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
هل قضي الأمر؟
تونس / الصواب / في 29/08/2013
هل قضي الأمر؟ واستقر الوضع للحكم الجديد في مصر، وتم استبعاد الإخوان في مصر من سدة سلطة أساؤوا استعمالها مدة حكمهم القصير، الذي لم يستمر سنة تكاد يوما بيوم.
ومهما كانت التسمية، هل هو انقلاب كما يصر على ذلك الإخوان، أو نتاج تمرد شعبي، فإن الواقع يبقى هنا متحديا كل التسميات، واقع جديد في بلد استعصى على حكم ديني، قصير النظر، حاول أن يغير من طبيعة نمط مجتمعي، كانت مصر الأسبق إلى نحته في العالم العربي والإسلامي.
لعل مصر ستشهد هزات أخرى، وسيلان دماء مجددا، فالإخوان لن يستسلموا بسهولة بعد أن كانوا يعتقدون أنهم وصلوا إلى مبتغاهم بالاستيلاء على السلطة بشوط صغير في انتخابات رئاسية، اعتقدوا أنهم ضمنوا بها كل شيء ولم يتفطنوا إلى أن أغلبية من الشعب رفضتهم، لأسباب عديدة، منها أنهم حاولوا أن يسيطروا  بلا نجاح على مفاصل دولة عميقة تعود إلى 6 آلاف سنة، ومنها أنهم جاؤوا بنمط جديد للمجتمع لم يقبله المصريون، ومنها أنهم تصرفوا وكأنهم مؤبدون في السلطة.
لكننا نعتقد أن الأمر قد قضي، وأن الإخوان قد أبعدوا عن السلطة لأمد بعيد، وبعيد جدا، وربما إلى الأبد، بعد التجربة السيئة التي خاضوها، وبعد الفشل المدوي الذي منوا به.
لنقل أولا: أن الشرعية الانتخابية التي تعتبر أول حججهم، قد سقطت يوم اتخاذ الإعلان الدستوري المنفرد بدون عودة للشعب، وهو ما  أقدم عليه الرئيس السابق محمد مرسي، ثم يوم عزل النائب العام الذي يعتبر أحد رؤوس السلطة في مصر، ثم عندما أقال الرئيس السابق مرسي كل القيادة العسكرية في حركة شبه انقلابية، ليأتي بقيادة أخرى هي التي أزاحته بدفع شعبي كبير.
نتيجة كل ذلك وما اعتبره المصريون ديكتاتورية ناشئة أو انقلابا زاحفا، تحرك الشعب المصري في إطار تمرد كاسح، يوم 30 حزيران يونيو والأيام الموالية، في أكبر اعتصام تظاهر شهده تاريخ الإنسانية تحت أي سماء، بما يوازي ما بين 33 مليونا من الأمواج البشرية المتلاطمة و 20 مليونا حسب التقديرات، أي على الأقل ضعف عدد الذين صوتوا للرئيس السابق محمد مرسي إن لم يكن ثلاثة أضعاف عددهم.
واليوم وقد استقر الأمر للحكم الجديد، فللمرء أن يتوقف عند عنصرين اثنين:
أولهما ونقولها صراحة، إنه بقدر ضخامة المظاهرات التي أتت على حكم الإخوان بالأعداد التي رأينا، فإن حل العقدة كان خاطئا من وجهة نظرنا.
صحيح أن القوات المسلحة المصرية قد انتصرت للشعب بعد أن ظهرت توجهاته، وفقا لواحدة من قواعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مما جاء في ديباجة إعلان 10 كانون الأول ديسمبر 1948، من حق الشعوب أن تتمرد، صحيح أن القوات المسلحة المصرية التي تتمتع بهيبة وقوة وانتصار دائم للشعب، منذ الفرعون تحوتمس إلى عرابي إلى عبد الناصر، لم تخلف الموعد في أي مرحلة من مراحل التاريخ المصري، ولكن حقيقة ما جرى يوم 30 حزيران يونيو والأيام الموالية، هي أن غالبية الشعب المصري قد انتفضت وتمردت، وأخذت الأمور بيديها، ولذلك فهي صاحبة القرار، وإذا كانت القوات المسلحة التي تملك شرعية ثلاثة أو أربعة حروب في العصر الحاضر، سجلت فيه آخرتها نصرا مبينا يعطيها شرعية قوية، فإنها جاءت لتسند صاحب الحق الطبيعي، أي الشعب الذي خرج في "تمرد" يكتسب شرعيته ومشروعيته، من تنظيرات الفلاسفة هوبس ولوك، ومن الثورة الفرنسية ونصوص 1789 و 1793، وأخيرا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولذلك كان الخطأ الأول هو أن القوات المسلحة المصرية، وبدل أن تضع نفسها على خط الشرعية والمشروعية التي فرضها "التمرد" L’INSURRECTION وتترك المبادرة لقادة التمرد، أقدمت على احتكار القرار، وكان قيادي التمرد محمد بدر وهو حفيد لجمال عبد الناصر، شخصا ثانويا في "حفل" الإعلان عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
و من هنا استمرت أخطاء، بدا معها الأمر وكأنه انقلاب عسكري، وليس حركة شعبية جارفة، أنهت نظاما قائما، وإن استند إلى شرعية انتخابية، فإنه وخلال سنة فقد تلك الشرعية، وخاصة كل مشروعية.
وما حصل لاحقا من اعتصامات في ميدان رابعة العدوية، وفي ميدان النهضة ( ويا لغرابة الصدف) ليس سوى رجع صدى ضعيف، للتطورات التي حصلت منذ 30 حزيران يونيو، سريعا ما تم تجاوزها، أحيانا بطريقة دموية لم يعد اليوم هناك شك من أنها كانت متبادلة، وإن كانت السلطة دائما هي التي تبقى مدعاة للمساءلة الأكبر فيها، باعتبارها المسؤولة الرئيسية عن حياة وسلامة المواطنين.
وثانيا: أن مصر ما بعد مرسي تجاوزت صعوبات تسويق ما تتم تسميته، بتصحيح ثورة 25 كانون الثاني يناير 2011، فبعد تردد من كبار الدول الغربية، التي رفضت في أي وقت من الأوقات أن تسمي ما حصل يوم 23 تموز يوليو 2013 انقلابا، عادت باعتبار طبيعة مصالحها ومصالح ربيبتها إسرائيل إلى موقف أكثر قربا من النظام الجديد القائم، ، وحتى تركيا التي أرغى وأزبد رئيس حكومتها أردوغان بعد عزل مرسي، حيث انتهت أحلامه بإعادة الخلافة إلى إسطنبول وقيام إمبراطورية تحت إشراف تركيا تكون مصر حلقة مهمة فيها .
النظام الجديد القائم، هذا النظام الذي سيكسب مصداقيته من طول أو قصر المدة الإنتقالية، انتظارا لسن دستور دائم، لا يكون طبعا شبيه بالإعلان الدستوري للرئيس السابق مرسي، وانتظارالإجراء انتخابات شفافة ونزيهة رئاسية وتشريعية.
**
على أنه لا يمكن للمرء أن يمر دون أن يتوقف عند تأثيرات ما حصل في مصر على بلدان "الربيع العربي " التي سقطت بدفع أمريكي واضح تحت سيطرة الإسلام السياسي، فالهزة كانت مزلزلة، فمصر هي الشقيقة الكبرى، وهي مهد الإخوان، وبدونها يهتز البناء الدولي للإخوان، وحتى تركيا لا يمكنها أن تعوض، بل إن التشقق بدأ يصيب نظامها، نتيجة رفض نمط مجتمعي غريب عن الأتراك، اللائكيين الذين يعيشون منذ قرابة قرن تحت فكر أتاتورك، تماما كالتونسيين الذين رجعوا بقوة للبورقيبية، التي حاول بن علي قبرها، ولكنها عادت بقوة في زمن الإسلاميين القصير، ممثلة عن حق أو باطل بالباجي قائد السبسيي الذي بات الغنوشي يخطب وده، عبر عدد من المظاهر:
-         الجلوس المنفرد معه وضبط اتفاق ما زال مجهول التوجهات
-         التخلي عن ما سمي بقانون تحصين الثورة
-         محاسبة أنصار الشريعة حلفاء الأمس
-         احتمالات كبيرة بحل روابط "حماية الثورة.
-         التوجه نحو حل الحكومة وقيام حكومة "كفاءات" ، وهي الخطوة الأخيرة والحاسمة والمنتظرة من قبل النهضة، وبدونها يخشى أن يحصل ما لا يحمد عقباه، وهو ما لا يفيد النهضة، أو يضمن مستقبلها في تونس.
هل كان كل ذلك ممكنا لو لم يقع ما وقع بمصر ذات يوم في 30 حزيران يونيو 2013 ونجاحه مصريا عربيا و دوليا؟


الأربعاء، 28 أغسطس 2013

رسالة الناشر - القمم العالية





رسالة الناشر

يكتبها عبداللطيف الفراتي
المزيد من الزائرين،، فأهلا بهم ومرحبا
تونس/ الصواب /28/08/2013
بعد مرور الأسبوع، وكل يوم أحد أتطلع إلى عدد زائري هذه المدونة"الصواب" فألاحظ تطورا فاق التقديرات الأولية التي خططت لها، باعتبار أنها مدونة لم يجر لها أي مجهود دعائي، وباعتبار أنها لا تقدم أخبارا، بل تكتفي برصد الأحداث وتحليلها.
ففي هذا الأسبوع تم تجاوز الخمسة آلاف زائر، منهم ألفا بين يوم الأحد 18 آب أغسطس و25 منه، صحيح أن تطور الأحداث، والملاحقة التحليلية كان لها دور في ذلك الانفجار العددي، ولكن أيضا ، فإن نفاذ المدونة التدريجي لمما يزيد في عدد زائريها، وأكثر من ذلك في ردود الفعل سواء، تلك المؤيدة أو الناقدة، ومما يسعدني أن قامات كبيرة ما فتئت تعلق على المقالات ، وسأقدم هنا نماذج منها.
ولعل أكثر الناقدين لمحتوى المدونة، هو صديقي علي اللافي، الذي تحول من قومي عربي ناصري متطرف إلى نهضاوي متحمس، وكان يجد في مقالاتي في المدونة ، بعينه الجديدة عزوفا عن الموضوعية،  بعد أن كان يعتقد أني التزمت بها طيلة حياتي المهنية، ولقد كنت أجيبه باستمرار على رسائله، بأني لا يمكن أن أقف على الحياد، وأنا أرى السلطة القائمة تهدم كل شيء ، وتتصور لأبنائي وأهلي  نمط مجتمع غير النمط الذي نتصوره،  حداثيا  عصريا منفتحا، منبثقا من مكاسب البلاد منذ أربعينيات القرن التاسع عشر.
وهو أول من يعرف لعلاقتنا الوطيدة، (ليس فقط السابقة بل الدائمة، فأنا أعتقد دوما أن الخلاف لا يفسد للود علاقة)،  أنني لم أكن قط ممالئا للنظام السابق، بل كنت وهو أدرى بذلك أحد ضحاياه، كما يعرف أن صداقات قوية تجمعني بقيادات من النهضة، وأنني كنت أحد الذين نالهم ضيم بسبب مواقفي مما تعرضت له من ظلم واضطهاد.
لا علينا فأنا احترمت دوما، وأواصل احترامي لمن يخالفني الرأي.
ووفقا لترتيب ما وصلني من رسائل زمنيا سأتوقف عند ثلاثة منها وصلتني بالبريد الاليكتروني
** الأولى من الأستاذ محمد عبد الكافي، وهو صحفي عانى ما عانى من ظلم الأنظمة السابقة في البلاد، فاضطر أن يهاجر بقلمه، وبعد عدة تجارب حط الرحال في إسبانيا
التي اشتغل فيها صحفيا وقد تميز تميزا واضحا، وهو اليوم وقد شارف السبعين يواصل الكتابة، سواء في إسبانيا أو في عدة مناطق من العالم العربي، وقد عرف بدقة نظرته، وموضوعيته، ولقد استفدت كبير الفائدة من خبرته الواسعة، فاستكتبته في مجلة"المغرب الموحد"التي صدرت لمدة سنتين تقريبا، كما استكتبته في صحيفة "المحرر" القصيرة العمر.
وهو اليوم مستقر بإسبانيا و، كما إنه  رئيس جمعية الصحفيين غير الإسبان في إسبانيا ، له مداخل متميزة ، في الأوساط الحكومية هناك وكذلك في الأوساط المجتمعية.
وإني أعتز بما كتبه "ّللصواب" وجاء فيه ما يلي:

أخي المبجل الأستاذ عبد اللطيف الفراتي المحترم أسعد الله أوقاتك ، إني أحترم مدونتك وأثني على محتواها الذي جعلني ويجعلني على بينة مما تمرّ به تونسنا وقاها الله شرّ أعمالنا.
الغريب يا أخي هو أني ، وأنا أتابع الأحداث وأتخيل عن بعد آثارها العاجلة والآجلة ، أتذكر أني توقعت وحذرت ، صراحة أو بالإشارة ، إلى ما ألت إليه الأمور فعدت إلى ما كتبت ونشرت أو ألقيت في لقاءات ، بالعربية والإسبانية ، فوجدت أني لم أكن بعيدا عمّا يجري رغم أني كنت ، آنذاك ، متفائلا وعلى شبه يقين ، من أن أبناءنا سيتصرفون كما تصرف الإسبان والبرتغاليون وغيرهم ممن عايشت انتقالهم من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ، فيسبّقون الأهم على المهم ، ويتنازلون عن كلّ ما يمكنه الانتظار ، ويضعون في المقدمة الوطن وإنقاذه ، ويشرعون في تغيير الطباع وما بالأنفس من ثقافة الظلم وآثاره ، لكن خاب ظني ، وظن الكثيرين بلا شك ، إذ أن الراقصين في الحلبة وضعوا الحصير قبل الجامع ، وبدؤوا من الآخر، فغرقت البلاد في ما هي عنه في غنى .
 أتعرف يا أخي عبد اللطيف ، لطف الله بك وبتونسنا ، متى شرع الإسبانيون في التناحر الذي بدأ به إخواننا في تونس ؟
 بعد 30 سنة من التحوّل أي بعد 2005 وهاهم يتصارعون ويدفعون ثمن نقائص الديمقراطية التي طبقوها بدون أن يكيفوها على مقاسهم وثقافتهم وتركيبة بلادهم إلى غير ذلك مما يستوجب التكييف لأن الديمقراطية ، كما وصفتها في أحد مقالاتي ، هي عبارة عن قطعة قماش يشترط فيه أن يكون من الحرير الطبيعي الصافي، ولكل أن يفصله ويخيطه على مقاسه. فأول أسس وشروط الديمقراطية هو ضمانها لكل الحريات الطبيعية، ومنها ينسج كلٌّ قميصه على مقاسه وحسب حاجياته وطبقا لمتطلبات ظروفه ومناخه وبيئته دون إهمال أصله وجذوره..
لا أطيل عليك يا أخي واعذر لي هذياني واسمح لي بأن أرفق لك مقتطفات مما نشر لي بالعربية حتى تؤيد أو تفند اعتقادي ولك الشكر ثانية ودمت في خدمة المهنة التي أراك تشتكي ممن لا يتبع أخلاقها ، وهو ما نالني ونال غيري من الزملاء منه الكثير،  ولله في خلقه شؤون.
دمت في يمن وسلام من أخيك
 م.ن.ع.ك
** لقد اطلعت بإمعان على هذه المقتطفات، والصديق العزيز يعلم، أن ضيق المجال يمنع من نشرها.


**أما الرسالة  الثانية ترتيبا وليس أهمية ، فقد وصلتني بالبريد الالكتروني من الدكتور عبد المجيد الشرفي، وهو قامة من أعلى القامات في بلادنا، وعلى اتساع عالمنا العربي وحتى العالم، بإضافاته التي لا يمكن ، لأي كان سواء وافقه في أطروحاته أو خالفه فيها، أن لا يكون على إطلاع عليها، ولم يكن ما كتبه لي الأستاذ الكبير هو أول ما كتبه لي، وفي ما يلي ما جاء في رسالته:

عزيزي عبد اللطيف
أتابع مدونتك باهتمام، ولذا فلا أعقب إلا على ما يبدو لي في حاجة إلى المراجعة.
 وفي تحليلك الأخير للقوى الفاعلة في الشرق الأوسط ذكرت علويي تركيا ضمن محور إيران والشيعة.
إلا أن ما أعرفه عن هذه المجموعة أنها ليست مستعدة للتضامن مع الشيعة الاثني عشرية الحاكمة في إيران.
 مشاكلها مشاكل تخص المجتمع التركي أساسا، وخصوصا طغيان المذهب الحنفي والسنة عموما.
أما فيما عدى ذلك فلا أظن أنها يمكن أن تتضامن مع حزب الله أو مع نصيريي سورية أو غيرهما.
المخلص
عبد المجيد الشرفي

وقد كتبت تعقيبا على ذلك ما يلي:


الدكتور عبدالمجيد الشرفي المحترم
شكرا على الاهتمام المتواصل بالمدونة  التي أسعى لتضمينها بعض أفكاري وملاحظاتي، كما أحرص على التواصل، وإذ أفخر بعدد المتابعين والزائرين وهو متعاظم فإني أعتز بالخصوص باهتمام قامة مثل قامتكم بهذا العمل الذي يبقى عملا صحفيا لا يرقى للأعمال الأكاديمية الصادرة عنكم والتي ألاحقها باستمرار، عذرا عن هذا الخطأ غير المقصود الذي وقعت فيه نتيجة خلط بعد أن طالعت قبل الكتابة ما طالعت ، وخاصة مقالي في المدونة حول أحداث تركيا ومظاهرات ميدان "تقسيم".
 وبالعودة لمطالعاتي في المجال تأكدت من صحة ودقة معلوماتكم،.
لذلك واعتبارا لضرورة التقيد بدقة المعلومات، خاصة فإني سأخصص جزء من رسالة الناشر لملاحظاتكم القيمة بالعودة إليها.
وشكرا على كل هذا الاهتمام
مع وافر الود والتقدير

وتعتبر تركيا فسيفساء ملونة من الإثنيات والأديان والمذاهب.
وفي ما يلي مقتطفات من مقال سبق لي إصداره على هذه المدونة بتاريخ 12/06/2013 :
..ومن هذه المدن التي طالها الاضطراب ديار بكر العربية، ولواء الاسكندرون حيث تعيش أقلية  علوية، تنتسب لنفس الطائفة الحاكمة في سوريا من النصيرية، وحيث توجد أقليات يونانية وأرمنية وأذربيجانية وطاجيك وسريان وتركمان، عدا التنوع الديني من مسلمين غالبهم حنفية ومن يهود ومسيحيين من كل الطوائف.

كل هذه الأقليات وبعضها مهم كالأقلية العربية التي تعد لا أقل من 6 ملايين والأقلية العلوية التي يوجد مركزها في سوريا ولكنها تعد أكثر من علويي سوريا الذين بيدهم حكم دمشق، ويبلغ عددهم حسب المصادر  المختلفة ما بين 10 و15 مليون ، إذ تؤكد السلطات التركية في غياب إحصائيات حسب الأعراق والديانات أنهم 12 مليونا بينما تؤكد زعامات العلويين أنهم لا يقلون عن 20 مليونا، وكذلك هناك الأقلية الكردية وغالبها الأعظم من المسلمين السنة الحنفيين، وهنا أيضا نجد اختلافات عميقة بشأن تعدادهم وإذ تؤكد السلطات التركية أن عددهم يبلغ 12 مليونا فيما تؤكد الزعامات الكردية أنهم يفوقون 20 مليونا، وإذا صحت هذه التقديرات فإن نصف عدد الأتراك أي  35 إلى 40 مليونا من 75 مليونا هو عدد سكان تركيا، هم من الأكراد والعلويين.

وإذا تم استثناء العلويين وقلة من المسيحيين واليهود فإن 55 إلى 60 في المائة أو يزيدون هم من المسلمين السنة الحنفية في دولة تقول بأن 99 في المائة من سكانها هم مسلمون.

وتركيا تقوم على 15 عرقا على الأقل اليونانيون والأرمن والآشوريون والسريان والجارك أو الجورجيون والغجر هم من المسيحيين، باعتبار أن إسطنبول كانت عاصمة إمبراطورية مترامية الأطراف يأتيها المهاجرون من كل فج عميق.



** أما ثالثة هذه الرسائل فقد وافاني بها الدكتور  أحمد القديدي، الذي كان مقربا من الوزير الأول الأسبق محمد مزالي، وقاسمه سنوات الجمر في المهجر،  وقد تولى إدارة صحيفة العمل لفترة معينة ، كما تولى النيابة في البرلمان وكان مبوبا للوزارة ، وفي تل** أما ثالث هذه الرسائل من بين غيرها، فوصلتني من الأستاذ الصديق أحمد ك الفترة  كنت شخصيا على خلاف شديد مع محمد مزالي بعد صداقة عميقة سابقة ، تنكر لها الوزير الأول عندما وصل للوزارة الأولى معتقدا أن تلك الصداقة تجعلني في جيبه، وقد خاب فأله وقتها حيث حضرت روحي النقدية وغابت المجاملة، فحاربني كما حصل مع غيره من محاربة قبله وبعده، إلا أن أحمد القديدي كتب بشأني لاحقا، ما أثلج صدري:
ففي كتابه "ذكرياتي من السلطة إلى المنفى" كتب في الصفحة 83 مايلي:
وفي العام نفسه 1988 صدر استجواب محمد مزالي في جريدة الصباح(1) (يوم الأحد 3 نيسان أبريل) ، وكان ذلك حدثا بارزا اعتقدنا أنه يفتح باب الحوار بين مزالي وبن علي ، ويسهل إيجاد حل سياسي  عادل لقضية مزالي السياسية خاصة.
وجريدة الصباح كانت أول وآخر صحيفة تونسية تشير بشجاعة لطي صفحة الماضي وتدشين عهد بن علي بوفاق وطني يمحو آثار المظلم الذي كرسته شيخوخة بورقيبة وغرقه في لجج الخرف..
كان قلم عبداللطيف الفراتي في الصباح قلما استثنائيا.. لكن الخرس الذي اعتراه بعد بضعة أسابيع، أعطانا فكرة أصح عن توجه النظام آنذاك(2)
 وفي كتابه أيضا وفي الصفحة 119 يقول:
:"لكننا فوجئنا بافتتاحية جريدة الصباح ليوم 18 آذار مارس طالب فيها الصحفي الوطني عبداللطيف الفراتي بشجاعة عودة محمد مزالي وطي صفحة الماضي في ظروف تحفظ كرامته(3).
حركة جريئة من صحفي مثقف وشهم  ظل في نظرنا مثالا للاحترافية الصحفية الخالصة المصحوبة بفضيلة الاختيار الوطني ، لكن تلك الافتتاحية كانت الأخيرة لعبد للطيف الفراتي(4)
كما في كتاب الدكتور القديدي مناسبة ثالثة يتحدث فيها عني حيث يقول:
في تشرين الأول أكتوبر 1990 شارك محمد مزالي في مؤتمر مساندة الشعب الكويتي الذي انعقد في جدة، وقابل بعض التونسيين ، منهم محمد البلاجي الذي اعلن أمامه براءته من القضية التي صنعها النظام التونسي ضده، ومنهم منصف بن مراد الذي يحاول التلاؤم مع عهد جديد بلا حرية، وقال لي محمد مزالي : لم أحترم منهم سوى عبداللطيف الفراتي(5)
وقد أرفق الأستاذ الدكتور أحمد القديدي تحيته للمدونة، بمقال عن الأوضاع التونسية ، وتصوره للخروج من المأزق، في إطار النظرة التي يبشر بها الحزب الذي أصبح ينتمي إليه ، أي الحزب الوطني الحر الذي يتزعمه سليم الرياحي، والذي يشغل فيه منصب المين العام، وهو موقف يختلف تماما مع موقفنا في هذه المدونة الأقرب إلى جبهة الإنقاذ، اعتمادا على أن الصحفي في مثل هذه الأوضاع المتأزمة للحد الأقصى عليه أن يأخذ الموقف الذي يمليه عليه ضميره، والذي يرى فيه مصلحة البلاد، وإن خرج عن حياده، كمثل الموقف في حالة مقاومة قوة خارجية تماما.
وسننشر مقال الدكتور القديدي في هذه الدفعة من "الصواب".
وإلى اللقاء.

(1)    أجرى الحديث في باريس الأستاذ عبدالجليل دمق
(2)    رغم اشتغاله بالصحافة كمدير ، لم يكن الدكتور القديدي ليدرك، أن الصحيفة ليست حزبا يطالب ويعيد الطلب بل اعتمادها على الظرفية والحدث.
(3)    بالعودة لتلك الافتتاحية وجدت أنها كانت تخص كل الزعماء المغتربين المنفيين وليس محمد مزالي وحده
(4)    هل كان يعتقد المؤلف أننا سنحبر افتتاحية في الموضوع كل يوم،

(5)    كنا 6 أو 7 صحفيين  تونسيين تمت دعوتنا من جملة المئات إلى مؤتمر كويتي انعقد بعد احتلال العراق للكويت تضامنا مع الشعب الكويتي
fouratiab@gmail.com

وجهة نظر - حلول للأزمة التونسية

وجهة نظر

أبجدية الدولة العربية ما بعد الثورة    
د.أحمد القديدي
نعيش نحن العرب هذه الأيام العصيبة حالة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث تتميز بالعجائب و الغرائب فمن كان منا منذ أسابيع قليلة يتخيل مجرد تخيل بأن يوم الخميس 22 أغسطس 2013 ستهل شمسه الدافئة على سجن طرة بالقاهرة و فيه سجين نزيل إسمه محمد مرسي ثم يخرج منه سجين أخرطليقا حرا إسمه محمد حسني مبارك بعد أن قضى فيه سنتين و نصف و ربما إلتقى الرجلان العدوان اللدودان (الأول سموه المخلوع و الثاني سموه المعزول ) في بوابة السجن في مشهد عبثي لا يكاد العقل يصدقه من فرط الغرابة !
فالرجل المخلوع الذي ترأس الدولة لمدة 23 سنة جاء من المؤسسة العسكرية سيدة النظام المصري منذ 23 يوليو 52 وهذه المؤسسة تتصرف حسب الخبراء في 30% من الإقتصاد الوطني و يوما ما خلال العشرية الأخيرة أخذ يفكر في توريث السلطة لإبنه مكررا تجربة الأسد السوري و بسبب هذا الخطإ القاتل بالإضافة إلى التشبث بأهداب الكرسي تحول نظامه إلى فساد شامل أثرى منه رجال أعمال أقوياء حولوا مؤسسات الدولة إلى حضيرة مملوكة لهم و لعيالهم فطمأنوا مبارك بأن التوريث سيكون سهلا ضمانا لتواصل مبارك و استمرار مصالحهم و امتيازاتهم.
 و نتذكر كيف كنا نرى مع الشعب المصري عمليات صناعة صورة الزعيم القادم من خلال مخطط إعلامي هندسه صفوت الشريف لتلميع ملامح إبن الريس فرأيناه يعين مسؤولا كبيرا في الحزب الحاكم عما يسمى السياسات و رأيناه يزور المستشفيات و يعد الغلابى بالديمقراطية التي لم يسرع بها أبوه !
كل ذلك عشناه أيضا في تونس حين بدأ الرأي العام يقتنع بأن ليلى بن علي أو زوج إبنتها أو إبنها سيكون هو الرئيس القادم و عاشه الليبيون حين شرع العقيد يسلم أمور "الإصلاحات" لنجله سيف الإسلام إستعدادا لتوريثه اللادولة الجماهيرية
 و رأينا أبناء القذافي في السيارات الرياضية الفخمة على شارع الشان زيليزيه يتحدون القانون و يعطون عن مؤسسات الحكم العربية للأوروبيين فكرة زفت !
إنه التاريخ العربي في تحولاته الكبرى و تقلباته العظمى أصبحت تصنعه شعوب عربية غلبت على أمرها على مدى ستين عاما من تغييب إرادتها و مصادرة رأيها و قمع طموحاتها.
إنه مأزق العقل العربي و أزمته المستفحلة نلمسها في مصر وبشكل أقل حدة وعبثا في تونس حيث دخلت البلاد في نفق إقتصادي و إجتماعي وتقلص الأمن قبل أن يعود تدريجيا بفضل حزم كوادره و شعورهم بالمسؤولة الوطنية و كانت الإدارة التونسية هي البطل الأول للثورة حيث لم ينقطع عن الناس كهرباء و لا ماء و لا هاتف و لا أغلق بنك و لا إنحبس راتب شهري و لا تعطل مطار و لا تأخرت باخرة و لا أغلق مستشفى و لا أوصدت أبواب مدرسة أو روضة أطفال أو جامعة ! إنها معجزة إستمرار الدولة بمرافقها العامة و خدماتها للشعب و من أجل هذا المكسب الثمين يجب على النخبة الحفاظ على الدولة لأن الدولة غير منظومة الإستبداد و الطاغوت فالثورة قامت لا على الدولة التي هي مؤسسات محايدة ذات نفع عام بل على مافيات النهب و السلب التي كانت حول النظام السابق و الحقيقة أن تأثيرها السيء على مفاصل الدولة كان محدودا.
و اليوم ماذا نرى ؟ مع الأسف نشهد تهرئة تدريجية للدولة من خلال التخبط المصري ما بين عسكر و إخوان وهو تخبط لا تحمد عقباه إذا ما عرفنا أن عدد الضحايا الذين سقطوا في أحداث عزل المعزول في رابعة و النهضة تجاوز عدد شهداء الثورة ، و من خلال التخبط التونسي بسبب نداءات غير مسؤولة بانقلابات على الدولة .
هذه النداءات التي غرها المثل المصري الكارثي ،فاستوردت منه التسميات
و المسارات فلدينا كما لدى مصر جبهة إنقاذ و حركة تمرد ، و همز واضح للجيش حتى يكون لدينا عبد الفتاح السيسي تونسي !
 صحيح أن أداء الحكومة التونسية الراهنة و الحكومات السابقة لم يكن ناجعا بل في بعض الأحيان كانت النتائج عكسية ، و لهذا السبب نادينا في الإتحاد الوطني الحر بحل الحكومة ، لا تفكيك الدولة، و بالتأسيس لمرحلة تمهيدية تعقب المرحلة المؤقتة من أجل الخروج من الأزمة لا الإنحياز للفراغ و الفوضى بدعوى فشل الحكومة ! و لكننا لا نرضى بالقضاء على الدولة كدولة ، لأنها الراعية لحقوق و حياة وأعراض و أملاك و أمن الناس، فالمنادون بالعصيان المدني و التمرد و إفراغ المؤسسات من صلاحياتها هم من فصيل الفوضويين أو العدميين الذين يئسوا من الوصول للسلطة عبر صناديق الإقتراع فاختاروا الوصول عن طريق العنف ، وهم يسمونه في أدبيات ماركس وستالين عنفا مقدسا !
 فهل من الشرعي أو المنطقي أو الدستوري أن تدفع الحركات الهامشية بالناس، نحو مقرات الولايات والمعتمديات و الشركات و الإدارات لعزل المسؤولين فيها، مهما كانت المأخذ عليهم و على أدائهم المهني ، أو انتماءاتهم الحزبية ، و نحن ندعو إلى إنشاء هيئة مستقلة من خبراء الإدارة و القانون لمراجعة هذه التسميات التي تثير الجدل ، لوضع الرجل المناسب و الكفء في مكانه.
الإنقلابيون والعبثيون لم يفكروا في الديمقراطية التي يتغنون بها، و إلا كيف يطالبون بحق إقالة الدولة، و توليهم هم تأسيس دولة أخرى، وهم لا يمثلون لا الشعب، و لا أقلية منه، وكيف و بأية خلفية سيشكلون حكومة ، ويعينون محافظين
 و معتمدين و مديرين ، وهم خلو من التفويض الشعبي الذي وحده يمنحهم هذا الحق!
فما أبعدهم عن مبدإ سيادة الشعب و مبدإ لا شرعية إلا للشعب، اللهم إلا إذا انتصبوا بعصا سحرية ناطقين باسمه، و نحن لا نعلم.
 فالتشكيك في شرعية الحكم الراهن ممكن و وارد، بسبب التأخر في معالجة قضايا الناس لكن شرعية المنقلبين عليها مفقودة تماما.

الحل في الحوار و الوفاق حتى يؤسس الجميع دولة ما بعد الثورة ،دولة قوية عادلة و قادرة على تطبيق القانون و بسط الأمن و هندسة المستقبل.

الأحد، 25 أغسطس 2013

رسالة الناشر - أخلاقيات المهنة الصحفية المخترقة

رسالة الناشر
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
المهنة الصحفية أخلاق أو لا تكون.
تونس /الصواب/24/08/2013
كنت في إجازة على شاطئ البحر عندما ، رن جرس الهاتف الجوال  على مقربة مني ، قمت متثاقلا وتناولته، تلفن لي زميلي وخاصة صديقي مصطفى المشاط، وخاطبني في نبرة بين الاستغراب والاستنكار، مبروك بدأت تكتب اليوم في صحيفة السور.
أجبته في استغراب: لا..
 قال لي :ها أنك كتبت اليوم في هذه الجريدة  مع صورة في الصفحة الأولى ومقال من صفحة كاملة، سارعت ووضعت نفسي تحت الدوش ، وذهبت إلى بائع الصحف على بعد 4 كيلومترات، واشتريت مجموعة الصحف التي أقتنيها كل يوم،، ولم تكن السور بين مقتنياتي عادة، ولكني يومها طلبت من البائع أن يضيفها إلى "باكو " جرائدي.
فتحت الصحيفة فإذا صورة لي تتصدر الصفحة الأولى وتحتها "عبداللطيف الفراتي يكتب للسور".
كان ذلك في عدد يوم الخميس 22 أوت ، فركت عيني من فرط الدهشة، فلحد علمي، لم أكن كتبت خصيصا لصحيفة السور، ولم أكن أنوي الكتابة لصحيفة السور حتى لو طلب مني، فقد كنت قررت منذ أشهر، أن اقلل من الكتابة في الصحف ، تونسية وعربية، وأن أقصر نشاطي في غالبه على مدونتي الخاصة.
ذهبت إلى المقال فوجدته يحتل كامل الصفحة 12 من الجريدة، كما يلي : ( الموقف السياسي: ماذا تحمل الأيام المقبلة من تطورات بقلم عبداللطيف الفراتي مع صورة لي). وهو مقال جاءتني على إثره عشرات التعبيرات المشجعة.
كان استغرابي واستنكاري لأمرين اثنين:
أولهما أنني لم أكتب لجريدة السور، مطلقا.
وثانيا أن أحدا لم يطلب ترخيصا مني لنشر مقال كتبته فعلا ولكن ليس لجريدة السور.
أصابني إحباط شديد، ذلك أنني خلال 53 سنة من الممارسة الصحفية، كنت شديد الحرص على أخلاقيات هذه المهنة، ولكن ليس كذلك فقط بل لأني درست لسنوات هذه المادة لطلبتي عندما اشتغلت في جامعة خاصة، كما إني شاركت في أكثر من مرة تحت إشراف الأستاذ الدكتور مهدي الجندوبي في معهد الصحافة، في ورشات عمل حول أخلاقيات المهنة باعتبار تجربتي الصحفية الطويلة، ومعرفة الجميع بتمسكي بتلك الخلاق وحرصي عليها.
وانتهيت إلى أن ما أقدمت عليه  صحيفة "السور" له مسمى معين، وهو الانتحال، باعتبار أنني لم أكتب للسور مقالا لا هذا ولا غيره، وهو مقال كتبته لمدونتي الخاصة، وإذ إني لا أمانع مطلقا في أن ينشر أي شيء من إنتاجي ، في أي صحيفة أو مجلة وهو ما حصل عديد المرات، فإن ذلك كان يتم في كل الحالات بعد الاسترخاص وذكر المصدر أي المدونة.
ورغم ذلك فإني قررت أن لا أطور المسألة أو أجعلها تأخذ أبعادا بحجم كبير، فطلبت الحديث إلى مدير الصحيفة، الأستاذ أنور بالي الذي ليست لي به معرفة سابقة، ولكن بدل أن أجد على طرف الخط الأستاذ بالي ، خاطبني الأستاذ عمار النميري رئيس التحرير.
عرضت عليه الأمر فأجابني : لقد بعثت لنا المقال، أفهمته أن المقال هو ضمن مدونة، وإذ تتكفل جهة ما معينة بإرسال مدونتي إلى قائمة (مايلينغ - ) قوامها 600 أو 700 عنوان  إليكتروني من بينها كل الصحف على الساحة ، وذلك لا يعطي الحق لأي كان بأن ينشر دون استرخاص، ما أكتبه، فضلا عن أن ينسبه كمقال كتب خصيصا له ودون ذكر المصدر..
وقد وعد الأستاذ النميري بنشر اعتذار في اليوم الموالي، ولكن صدر عدد يوم الجمعة ولم يتضمن شيئا، ثم صدر عدد السبت خاليا من أية إشارة.
وقتها أخذت على عاتقي، أن لا أسكت عن الأمر، وأن أنشره على أوسع نطاق، لا تشفيا،ـ ما أبعدني عن ذلكـ ـ ، ولكن بقصد فرض احترام أخلاقيات مهنة ، أعتقد جازما بأنها لن تنهض إذا لم تلتزم أخلاقا معينة، لعل بطاقة الصحفي المحترف تمثل درسا أوليا لها.
عدد من المحامين من محيطي، بعضهم قريب جدا مني ، اقترحوا علي تقديم شكوى للقضاء، لكني وقد سبق لي أن تعرضت للسب والشتم والقدح و الثلب والقدح ، امتنعت دوما عن أن أشتكي زميلا مهما كان إلى جهة قضائية، وسأكتفي بإحالة الملف إلى نقابة الصحفيين وإلى الجهات المهنية.
عبداللطيف الفراتي