من الذاكرة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
عودة الاستبداد؟
تونس/
الصواب/ 20/08/2013
قرأت على
الفايس بوك للزميلة الموهوبة، آسيا العتروس ما يفيد بأن رئاسة الحكومة، قطعت
الاشتراك في جريدة الصباح.
وقد علق زميل
آخر على ذلك بأن هذا يحدث لأول مرة ، وأن حكومة بن علي لم تقدم على مثل ذلك.
وهنا أود فقط
أن أصحح بأن هناك على الأقل سابقة، إن لم تكن ثلاث سابقات أذكرها.
ففي ربيع
1993، وبعد غضب حكومي شديد على جريدة الصباح على التغطية المقتضبة ولكن الموضوعية ، لمحاكمة الإسلاميين في صيف 1992
والتي أغضبت وزير الداخلية ووزير العدل (
وهو أمر جديد على الصباح فخلال كل عهد الرئيس السابق بورقيبة ورغم التضييقات على
الصحافة، التي كنا نعرف كيف نتجاوزها، بما كان يسميه القراء بما بين السطور، لم
يسبق قط أن تمت المحاسبة على ما يجري في المحاكمات السياسية ولا على النقاشات التي
كانت تحصل في مجلس الأمة ولم يقع قط فرض رقابة لا حكومية ولا ذاتية)، وكذلك وبعد مناقشة ربما كانت حادة، مع المسؤول
الجديد أيامها على المجال الإعلامي في القصر الرئاسي، حول نشر من عدم نشر صور
وأخبار رئيس الدولة في الصفحة الأولى من الجريدة ، والإقتصار على النشر عندما يكون
ذلك وراءه خبر حقيقي، بادرت مصالح الحكومة إلى قطع الاشتراكات التي كانت ملتزمة
بها مع الصحيفة، ودون سابق إنذار، رغم أنها كانت وقتها وفق اتفاق وبأسعار تفاضلية،
و كانت تلك الاشتراكات ، تتخذ لتغطية احتياجات المسؤولين الإداريين، ليكونوا على إطلاع
بما يجري في تونس وفي الخارج، كما هو
الشأن في البلدان الأخرى المتقدمة، ومع بقية الصحف المهمة في تونس.
ولم تكتف
رئاسة الحكومة بذلك بل قطعت عن الجريدة الإعلان الحكومي الذي كان يمثل حوالي 60 في
المائة وقتها من جملة الإشهار في الصحف، بعد أن
أسست وكالة الاتصال الخارجي ، التي لم يكن من مهامها توزيع الإعلانات حسب
القانون الذي أنشأها.
وكان الأمر
يستهدف خنق الصحيفة، عقابا لها على تحررها ونشر أخبار لا ترغب فيها السلطة، أو الامتناع
عن نشر أخبار مفبركة، بدون مصدر ولا تأكيد، مثل خبر "إقدام السيد أحمد بنور( وكان
معارضا مهاجرا) على اغتيال السفير الفلسطيني في ألمانيا"، أو عقابا بين أشياء أخرى لكتابة افتتاحية تنديد بخصوص محاولة اغتيال السيد رياض بن فضل في
قمرت.
ومن المضحك
المبكي أن وزير المالية هاتفني شخصيا يسأل
عن إعلان يهم تجار الأسواق، والصحيفة كان لها نفاذ واسع في تلك الأسواق، وبسؤال
المصالح داخل الجريدة أفادت، بأن وكالة الاتصال الخارجي، وجهت ذلك الإعلان إلى صحيفة أخرى لا تقرأ .
كما هاتفني أيامها رئيس مدير عام شركة الكهرباء
والغاز ليسال عن أسباب عدم نشر إعلان عن
قطع الكهرباء في مدينة دوز، في أواخر موسم
خزن التمور في غرف التبريد العاملة
بالكهرباء ،مما أثار زوبعة بين أولئك الصناعيين، وأفدته بعد الاسترشاد، عن اسم الجريدة
التي تم فيها نشر الإعلان، ومن الصدف أن تلك الجريدة لم تكن توزع آنذاك لا في مدينة دوز ولا في ولاية قبلي كلها.
بعد ذلك تم
المرور سريعا إلى الخطوة الموالية، وهي إقصائي من رئاسة التحرير في أواخر شهر نيسان أبريل 1993، وهو أمر يتحدث عنه الدكتور
عبد السلام المسدي في كتابه الأخير صفحة 143 ، ولم أكن إذاك أعرف شخصيا الدكتور
المسدي كما أقدر أنه لم يكن يعرفني شخصيا.
وبعد 10 أيام
تم استدعائي من قبل النيابة العمومية وتم استنطاقي لمدة ساعتين ونصفا، بتهمة نشر أخبار
زائفة من شانها تعكير صفو النظام العام، وعقوبتها بالسجن والخطية ، وذلك على خلفية مقال لي،مستند
إلى معلومات جاءت في خطاب لرئيس الحكومة آنذاك السيد حامد القروي، حول الطريقة الانتخابية
الجديدة وإدخال جرعة من النسبية ، وأيضا
إلى معلومات موثقة من المعهد الوطني للإحصاء، حول عدد سكان كل دائرة من الدوائر الانتخابية، ذكرت فيه
عدد النواب الذين "سيفرزهم صندوق الانتخاب " من المعارضة. وهو رقم
ستؤكده في انتخابات نيسان أبريل1994.
ورغم تأكيدي
بأن الأمر يهم استنتاجا من استقراء ، يعتمد
على معلومات رسمية منشورة ، أصر يومها القاضي السيد محمد الصالح بن عياد ، على
أنها أخبار زائفة، وأنها تشكل بلبلة للناس، وفي آخر الاستنطاق وإمعانا في تحطيم الأعصاب،
أملى على كاتبه ما يلي : ويحال المتهم عبداللطيف الفراتي بتهمة نشر أخبار زائفة من
شأنها تعكير صفو النظام العام بحالة...( ثم حوالي 5 دقائق صمتا) .. سراح.
ولم تكن تلك
هي المرة الوحيدة ففي فترة موالية وبمناسبة خطأ مطبعي في عنوان في صحيفة لوتون تكرر حجب الإعلان الحكومي ، فعوض كتابة LE PRESIDENT BEN ALI تمت كتابة LE PRESIDENT BEN AIL أي ثوم ، وقد ذهب ضحية هذا الخطأ المطبعي غير المقصود ، الزميل السنوسي وكان سكرتير التحرير في جريدة لوتون، رغم أني
على يقين من أنه لم يكن مسؤولا عن الخطأ، فأطرد شر طردة، وأحيل على البطالة.
غير أن ذلك
لم يكن كافيا، فقد حرمت الصباح ولوتون ولمدة أشهر عديدة من الإعلان الحكومي بعد
ذلك.
وأذكر أنه
وفي سنة 2000 و بإثر تغطية للانتخابات التي جرت في خريف 1994، وعدة مقالات لم تكن
وفق ما يريدون، تمت محاصرة جديدة وصلت بصحف الدار إلى أنها فقدت القدرة على دفع
ثمن الورق، وحتى الأجور أو بعضا منها، وتم استبدال الإدارة العامة التي كان
يتولاها منصف شيخ روحه وهو رجل مبادئ وقيم ، بإدارة أخرى موالية
للسلطة.
ومن هنا
فليست هذه الطريقة في الحرمان من الاشتراكات جديدة، وهي طريقة مستعملة في حكومات
الإطلاق كما يسميها بن أبي الضياف أي حكومات الاستبداد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق