Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 18 أغسطس 2013

سانحة - المفاهيم الخاطئة .. من هم المنقلبون الحقيقيون؟

سانحة
يكتبها عبد الطيف الفراتي
تصحيح مفاهيم ومدلولات
تونس / الصواب / 18/08/2013
من أجل وضع الحقائق في نصابها لا بد من القول أن المفاهيم أصبحت مقلوبة والمدلولات بدون معنى.
فقد ساد في الأسابيع الأخيرة قول من قبل النهضة وأنصارها أو لعلهم أتباعها، يفيد بأن المنتفضين الذين يريدون إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح من المنسحبين من المجلس التأسيسي، أو من مئات الآلاف الذين خرجوا يوم 6 آب أغسطس انتصارا للتصحيح الثوري، أو13 أب أغسطس  لتأييد حقوق المرأة أي حقوق المجتمع والملتحمين بقضية الشعب ، يفيد بأنهم انقلابيين، وهو قول خطأ ، فهؤلاء لم يفعلوا شيئا غير الالتصاق بالإرادة الشعبية صاحبة السيادة الفعلية فيما يمكن أن يسمى الحق في التمرد الذي جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليوم 10 كانون الأول ديسمبر 1948، والتي أدركت أن النهضة اغتصبت الثورة وركبتها، وهي التي لم تساهم لا في اندلاعها ولا حتى في مرافقتها، وحيدت نفسها عنها، ربما خوفا  مفهوما من أن تسقط عليها يد الانتقام مرة أخرى بعد سنوات الجمرالتي عاشتها.
وإذ كانت أهداف الذين قادوا الثورة من أبناء الشعب المهمشين ، هي الكرامة والحرية والعدل، فإن النهضة التي التحقت بالركب في الساعة الخامسة والعشرين، والتي ارتقت إلى السلطة بفضل أمرين اثنين لعبت على وترهما بحذق :
أولهما: استغلال فترة المحرقة التي مر بها أنصارها الذين بقوا في تونس، فيما أفلت منها المهاجرون الذين عاشوا حياة مرفهة في المهجر، أي إنهم استغلوا صفة الضحية، وهي صفة كثيرا ما دفعت إلى صدر الواجهة.
وثانيهما : العزف على وتر النزاهة والتشبث بالدين ، وأنهم يخافون الله وبالتالي يتميزون بالثقة ونظافة اليد.
فإن النهضة انصرفت عن تلك الأهداف، وتحولت عنها إلى أهداف أخرى ، ناورت عليها على أساس أنها ستخدمها على المدى الطويل، وتتمثل في إبراز قضية الهوية التي لم تكن لتشكل في أي وقت أولوية لا كبرى ولا صغرى في البلاد على مدى الأجيال على اعتبار أن تونس تتميز بنقاء عرقي لا مثيل له في أي بلد عربي آخر، وبنقاء ديني مذهبي قل وجوده باعتبار انتسابها للمذهب المالكي الوسطي، بعيدا عن غلو مشبوه، أو انقسام مجتمعي بين المذاهب.
وبدل الاهتمام بتحقيق أهداف الذين قاموا بالثورة، عبر التنمية وعدالة توزيع الثروة ، والبدء بمعالجة معضلة البطالة، انصرفت إلى مجالات أخرى، بحيث انفصلت عن واقع الناس ففقدت شرعيتها الانتخابية، خاصة وأنها دخلت في معارك جانبية لقضايا محسومة منذ الأزل، فتأخرت صياغة الدستور، وإنشاء الهياكل الضامنة للسير الطبيعي للدولة الديمقراطية، وتحرير النصوص القائدة للانتقال الديمقراطي، وتجاوزت وعودها بالانتهاء من كتابة الدستور خلال سنة تنتهي في 23 أكتوبر 2012، وبفقدان شرعيتها الانتخابية بدا أنها تسعى لربح الوقت بقصد السيطرة على مفاصل الدولة، وبالتالي تأبيد وجودها في الحكم عن طريق تزييف إرادة الشعب، بتعيين ولاة ومعتمدين وعمد  ومسؤولين كبار كل كفاءتهم تتمثل في أنهم منتمين لها، وكل نشاطهم يتمثل في التحضير لانتخابات لا تعطي صورة فعلية لحقيقة وضع معين في لحظة معينة، ولأجل ذلك أنشأت لجان"حماية الثورة" بقصد إرهاب الأحزاب وإفساد اجتماعاتها، وحتى القتل كما كان الأمر في تطاوين ، ولاحقا بشكل سياسي أخلاقي  على الأقل في عمليات اغتيال وتصفية  كان الظن سائدا أن تونس ليست مجالها، إضافة إلى إرادة اقصائية بعشرات الألوف  ضمن الحياة السياسية للبلاد، مما تتسم به الأنظمة الفاشية.
ومن هنا فإن الانقلابيين الحقيقيين هم الذين اغتصبوا الثورة، وهم الذين يحاولون تحويلها عما قامت من أجله، وبالتالي  فالانقلابيين ليسوا  المنسحبين من عملية باتت  مفضوحة لم تعد تمر على أحد، ولا مئات آلاف المؤيدين من المعتصمين والمتظاهرين تعبيرا عن الإرادة الشعبية، ولكن أولئك الذين انقلبوا على الثورة وركبوها، وبالتالي فلا بد من تصحيح المفاهيم وإعطاء الكلمات مدلولها الحقيقي من أن الانقلابيين  الحقيقيين هم الذين يجلسون على كراسي الحكم بدون وجه حق، ويسعون لأن يؤبدوا سيطرتهم على مقومات الدولة، باعتبار أنهم اقتطعوا لأنفسهم تذكرة ذهاب بدون إياب لحكم مؤبد دون تداول أي حكم ديكتاتوري.
تلك هي الحقيقة، ولكنها سريعا ما اتضحت معالمها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق