Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 1 أغسطس 2013

سانحة - صيحة فزع

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
صيحة فزع
تونس / الصواب /01/08/2013
يبدو وكأن السلطة القائمة مستمرة على تعنتها، رانية إلى البقاء في مناصبها، معتقدة أنها تمسك بحقيقة القرار في هذه البلاد، فيما تتردد في مختلف الجهات الحكومية، بما في ذلك رئاسة الحكومة، أن الأمر بلغ غاية الانفلات، في وقت تتهدد فيه البلاد أخطار محدقة، تحتاج إلى من يمسك بالمقاليد ويوقف جموح وضع أصبح خارجا عن السيطرة.
والحكومة القائمة اليوم برئاسة على العريض، تبدو أنها شاعرة بأن الواقع تجاوزها، ما يستفاد من قول المستشار السياسي الناطق الرسمي نورالدين البحيري، ما معناه أنها تواصل أداء دورها حتى قيام حكومة أخرى.
الاستنتاج الطبيعي إذن أن الحكومة شاعرة بأنها على أهبة الخروج، وأنها فقط تنتظر الإشارة، أكيد من مجلس الشورى للنهضة، الذي يحكم البلاد فعلا دون أن يكون ، مسؤولا رسميا لذلك.
في الأثناء وإزاء وضع يشهد فراغا فعليا في السلطة، وإن لم يقع الاعتراف به عمليا، فإن قضيتين حارقتين على الأقل  تشغلان البال، وتتهددان الدولة في وجودها وفي توازناتها وهما:
أولا : القضية الأمنية ، فبعد ساعة من فراغ رئيس الحكومة من إلقاء خطابه ، الأخير الذي امتلأ بجرعة كبيرة من الرضا عن النفس لا محل لها من الإعراب ، وبجرعة أخرى من التهديد والوعيد، والذي استنتجت منه القوى السياسية، أنه زعيم من زعماء النهضة، وليس رئيس حكومة لكل التونسيين،  وهو الممثل الأول للدولة في سلطة تفسخ منها دور رئيس الجمهورية وتقزم، إذن بعد ساعة تكاد دقيقة بدقيقة، يصاب التونسيون بفجيعة جديدة، متمثلة في سقوط 8 من ضباط وجنود هذه البلاد، تحت وابل من رصاص غادر، التقدير الأولي يبرز أنه يحمل توقيع تلك الجهات "التي تبشر بثقافة جديدة" وفقا لأقوال زعيم الحركة، تجاه "جيش غير مضمون".
وفي أي بلد من بلاد العالم، فإن مثل تلك المجزرة وما رافقها ، وبعد تعدد الضحايا وتزايد طول قافلة الشهداء، من لطفي نقض إلى شكري بلعيد ، إلى الحاج محمد البراهمي، إلى محمد المفتي إلى  الشهداء الثمانية من خيرة أبناء الجيش الوطني  ومن قواته الخاصة بالذات وغيرهم، تفضي بالنتيجة الطبيعية إلى استقالة الحكومة ، والتوجه لتشكيل حكومة، أولا تتمتع بالكفاءة والقدرة ، وثانيا تتمتع بالقدرة على مواجهة واقع أفلتت عناصره من بين يدي الحكومة الحالية ، إن ما زالت قائمة فعلا، و خاصة وأن المطالبة كبيرة  بصرفها، كما تدل على ذلك الاعتصامات الشعبية الكبيرة واليومية..
ثانيا : المأزق الاقتصادي، فرئيس الحكومة الذي تولى تقديم خطابين متلاحقين لا تفصلهما عن بعضهما إلا أيام قليلة، إن لن نقل ساعات قليلة، حاول فيهما أن يطمئن على وضع اقتصادي قال إنه يتدرج نحو التحسن، وقدم أرقاما خارج نطاق سياقاتها، فلم يعلن أن نسبة النمو المتوقعة للعام الحالي باعتبار ما تنتظره الجهات الدولية المحايدة والبنك المركزي ، سوف تكون بين 0 و1 في المائة لا 3.5 في المائة،  ، ولم يشر إلى نسبة تضخم تآكلت معها الطاقة الشرائية للمواطن، ولم ينبه إلى أن 4 مؤسسات للترقيم السيادي ماضية لليومين أو الثلاثة المقبلة، إلى احتمالات النزول إلى س س ناقص، أي إلى أسوء الأحوال ، بحيث لن تعود لتونس مطلقا لا  قدرة التوجه إلى المقرضين ثنائيا ولا لمقرضين في إطار التعاون المتعدد الأطراف، وأنها مهددة حتى بعدم دفع القسط الثاني من القرض الممنوح من صندوق النقد الدولي، ومبلغه الجملي أكثر من مليار و700 مليون دولار، ولا تسال عن قيمته بالدينار ، فهو يواصل الزحف إلى الهاوية، ما يعني أن تونس ولأول مرة في تاريخها الحديث مهددة بالتوقف عن الإيفاء بالتزاماتها، وهي في حالة حصولها ضربة قاضية لسمعتها.
ووراء هذا التوقف المحتمل عن دفع القسط الثاني بعد قسط أول تم سحبه ويبلغ حوالي 160 مليون دولار، عدم قدرة الحكومة القائمة الإيفاء بالتزاماتها التي تضمنها شروط اتفاق هذا القرض ومنها اتخاذ قرارات تقشفية، تخشى النهضة أن تقضي على آمالها في أي انتخابات مقبلة باعتبار رد الفعل الشعبي بعد البدء برفع جانب مهم من الدعم، وأيضا توضيح مشهد سياسي يتسم بالضبابية وعدم اتضاح الرؤيا ، وحتى ما أعلن عنه رئيس الحكومة من إجراء للانتخابات في 17 كانون الأول ديسمبر المقبل لم يقنع أحدا في غياب دستور وهيئة انتخابات وقانون انتخابي ،  أضف إلى ذلك الشروط الاقتصادية والمؤشرات التي تزداد سوء ، ولا تبدو أن هناك رغبة وربما قدرة على معالجتها.
من هنا فإن كل يوم تطيل فيه هذه الحكومة بقاءها، دون قدرة حقيقية على الحركة، يزيد من تعميق الأزمة، ما يدعو إلى إطلاق صيحة فزع مدوية، لتستيقظ الضمائر، ويعود لها الإدراك بأنها ليست فقط جزء من الأزمة ، بل هي سببها الرئيسي ، وعليها أن تترك مكانها لمن يستطيع أن يحاول فعل شيء، وهي بقدر ما تطيل وجودها بقدر ما تتحمل مسؤولية لا فشلها فذلك حاصل، ولكن دفع البلاد إلى الإفلاس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق