الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
اهتزاز في
النهضة،، وحيرة لدى الآخرين..
تونس /
الصواب /25/08/2013
تفيد تسريبات
من داخل النهضة، أن هناك على الأقل تململا في صفوفها، فهناك ثلاثة مواقف متجاورة:
أولها : موقف
المؤيدين لراشد الغنوشي ، وفي كل الأحوال باعتماد ضرورة الانضباط
وثانيها :
موقف يقول بأننا إذا بدأنا بالتنازلات ، فلا بد أن نذهب إلى الآخر، وأن لا نكون
مترددين، وهؤلاء، يخشون من أن يكون التصلب مؤذنا بالزوال، كما حصل في مصر، وأن على
النهضة أن تتعظ، وأن تترك للصلح مكانا، خوفا من أن يجرفها التيار، كما حصل في مصر.
وثالثها :
يعتقد بأن فتح باب التنازلات هو منزلق خطير، ولذلك ينبغي إغلاقه بإحكام، ويبدو أن
الحبيب اللوز المتزعم بين آخرين للجناح المتصلب، أخذ يحذر من أن التنازل، "يمكن أن يعيدنا إلى السجون".
ورغم
الانضباط التقليدي في صفوف النهضة، فإن علامات التشقق ظهرت على جدرانها المتماسكة
عادة، ورغم أن راشد الغنوشي، ترك الباب مفتوحا بعد قرار مصطفى بن جعفر تعليق
اجتماعات المجلس التأسيسي، واعتبر ما أسماه بنواحيه الإيجابية ، من حيث إنه يعطي
الفرصة ، لتجاوز الأزمة، غير أن الكتلة البرلمانية برئاسة الصحبي عتيق لا ترى ذلك
الرأي، هو والكثير من قادة تلك الكتلة ومن أشخاص آخرين وكتلة الهاشمي الحامدي ،
وكذلك عبدالرؤوف العيادي.
وفي بلاتو
على الوطنية، أعلن الوزير النهضاوي المكي ما معناه أن حزبه ليس متشبثا بالحكومة،
ورد عليه منذر الحاج علي، بتحية أفضل منها ، عندما سجل ذلك وقال إن المعارضة ليست في
هذه الحال متشبثة بضرورة حل المجلس التأسيسي أو لعله أوحى بذلك.
غير أن
الموقف بدا مترددا، فراشد الغنوشي بدا وكأنه يسير على حقل من البيض، وهو يعرف أنه
مهما كان تأثيره كبيرا فإن عليه أن يراعي كل الأطراف، ولا يصدمها، وبعد حشد كبير،
لم يكن له أن يتنازل أولا مرة واحدة، وقانيا أن لا يتنازل بدون مقابل.
ومن هنا جاء
قوله بقبول مبادرة الاتحاد ، داعيا إلى المرور وبسرعة لطاولة الحوار، وهو أول من
يعرف أن بادرة اتحاد الشغل كما بادرة اتحاد الصناعة والتجارة تقوم على، حل الحكومة
والبدء بتشكيل حكومة كفاءات ثم الدخول في الحوار.
ومن هنا بدا
وكأن راشد الغنوشي يسعى لأربعة أهداف في
وقت واحد:
أولا : ربح
الوقت
ثانيا :
تحويل مبادرة الاتحادين عن وجهتها.
ثالثا: عدم
إغضاب جناح من حركته.
رابعا:
احتمال زعزعة المعارضة وشقها ، و تفريق صفوفها.
غير أن
المعارضة لم تتزحزح عن موقفها، كما إن مقابلته مع السبسي في باريس لم تسعفه، وهو
الذي سعى إليها بقوة، وقدم لها أكبر التنازلات، متمثلة في ترك قضية قانون تحصين
الثورة جانبا، وهو ما أغضب بدون ثمن عائد، جناحا مهما مسيطرا على الكتلة البرلمانية
من النهضة، غالبها رافضة التنازلات، وبعضها يطالب بإقصاء بن جعفر من رئاسة المجلس
التأسيسي ، وتعيين عبد الرؤوف العيادي مكانه وهو الوفي بين أكبر الأوفياء لحركة
التهضة، وباللجوء إلى أصوات خصمه اللدود، العائد إلى الأحضان الهاشمي الحامدي،
الذي لا يعرف أحد الثمن المدفوع إليه، لا ماليا بل وعودا سياسية.
ولعل أصعب
موقف هو ذلك الذي يعيشه اليوم راشد الغنوشي، فهو يسير على أرض متحركة ليست صلبة
بتاتا.
وعلى المدى
القريب ليس له من حل إلا أن يحسم أمره، وهو حسم قد تكون له نتائج موجعة في هذا
الاتجاه أو ذاك، وقد لا يكون سعيدا بالوقوف في هذا الموقف، وهو الذي تعود على
جيادة السباحة بين مائين كما يقول الفرنسيون.
فمهما كان
الموقف، سواء حل الحكومة وقيام حكومة تكنوقراط، تفقد النهضة سيطرتها بعدها على
الأمور ، زيادة على تدهور شعبيتها، مما
يجعلها تجعلها تتخلى عن مراكز مهمة ، كان
بالإمكان أن توفر لها فرصة النجاح المعقول في الانتخابات المقبلة، أو أن الموقف
الثاني كان البقاء رغم أنف الجميع ، فالخيار يبدو بالنسبة لها سيئا وفي كل
الأحوال.
ولعله وجب
على الأطراف المقابلة، أن تطمئن النهضة، وتطمئن قياداتها، إلى أن ما سيحصل مستقبلا
هو نوع من التسامح الضروري، لم تمارسه النهضة ولا من جاء قبلها، وذلك تجاه الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة
التي ارتكبت خلال حكمها، لا في اتجاه إعطاء حصانة ، ولكن في اتجاه غض للنظر، كما
جرى في جنوب إفريقيا أو في تجربة الشيلي الرائدة.
**
ولكن لا بد
من القول أن النهضة ليست وحدها التي تقف اليوم في عنق الزجاجة ، بل أيضا المعارضة،
وبعد تحشيد 467 ألفا يوم 6 آب أغسطس (أرقام
البتاغون وأرض قوقل المثبتة) وما بين 200 و600 ألف حسب التقديرات يوم 13 آب أغسطس
، كانت مسيرة 24 آب أغسطس مخيبة لآمال منظميها، حيث جمعت حسب التقديرات المختلفة
بين 10 آلا و60 ألفا، وغالب المراقبين يتوقفون عند رقم ما بين 25 و30 ألفا.
ولعل
المنظمين ونتيجة حماسهم لنجاح المسيرتين السابقتين، قد استنتجوا أن قدراتهم فائقة
على التنظيم والحشد، ولكنهم جوبهوا من سأم الكثيرين وانفضاضهم، وقال لنا مراقب
متفطن أن المئات الذين كانوا يعتصمون في صفاقس يوميا أمام البلدية ( البعض يؤكد
أنهم آلاف)، انخفض عددهم إلى بضع عشرات ، فيما إن الدعوات التي وصفت لدى الكثيرين
بالديماغوجية باحتلال مقرات الولايات والمعتمديات وطرد القائمين عليها، لم تجد في
الغالب آذانا صاغية، وعلى العكس يقدر الكثيرون أن الدعوات لعدم دفع الأداءات أو
الفواتير ستجد كل التأييد من قبل المواطنين الميالين بطبيعتهم لعدم الدفع، والذين
سيجدون في ذلك التحريض سندا كبيرا يستمسكون به.
وذلك هو
بالأساس العصيان المدني ، الذي يعاقب عليه القانون ولكن عندما يتحول الأمر إلى تحرك جماعي ، فإنه يصبح سلاحا فتاكا
يهز حكومات وحتى يسقطها.
واليوم ونحن
على أبواب مدخل سنة سياسية جديدة، للمرء أن يتساءل وبعد عودة ، النشاط إلى طبيعته،
وبعد العودة الطلابية والتلمذية بين 1 و15 سبتمبر، هل يمكن للمعارضين أن يطوروا
تحركهم فيتعاظم ويتضخم، أم أن الحياة اليومية ستأكل الناس بين تروس ماكينة العودة.
كل شيء
محتمل، غير أن الأقرب على ما يبدو هو أن تكون النهضة مستهدفة أكثر، وهو ما لا
يمكنها أن تجابهه مع النواب المنسحبين واتحاد الشغل وشارع تعود له الحياة بعد صيف
مضطرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق