Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 14 يناير 2018

إقتصاديات : تونس العصية على الإصلاح

اقتصاديات
هذا المقال سبق نشره في التاريخ أدناه أي قبل 4 سنوات ونيف ، ومنذ ذلك الوقت ازداد الوضع سوء ، بسبب جمود الحكومات المتعاقبة ، وإذ توفرت إرادة حقيقية للإصلاح ، فإن معاول الهدم تعمل على إفشالها ، هل يصح القول بشأن تونس ما صح عليه القول على فرنسا قبل أن يأتيها ماكرون إنها عصية على الإصلاح  وفي ما يلي المقال :
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التقشف ومعانيه العميقة
تونس/ الصواب/25/09/2013
بمواربة وبدون إعلان ذلك صراحة، فإن السلطات التونسيةـ   تسرب أن سياسة تقشفية، ستتبع مستقبلا، باعتبار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
ويستشف المرء ذلك سواء من تصريحات السيد الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي، أو السيد إلياس الفخفاخ وزير المالية.
غير أن الوضع يبدو أكثر تعقيدا من بعده الاقتصادي الصرف، وهو مستعص على الحل لتداخل متشابك بين النواحي السياسية والنواحي الاقتصادية.
وإذا كان الوضع الاقتصادي في أشد مرتكزاته تدهورا: انخرام في التوازن المالي للميزانية العامة مدعو لمزيد  من التقهقر ليبلغ رسميا 7.4 في المائة وواقعا ليس أقل من 9 أو 10 في المائة(الوضع الطبيعي 3 في المائة)، انخرام في الميزان التجاري بصورة غير مسبوقة، تدهور مؤشرات توازنات ميزان المدفوعات، انهيار قيمة الدينار قياسا إلى أهم العملات التي تتعامل بها تونس ، انفجار نفقات الدعم، تجاوز حجم المديونية الحدود التي كانت تعتبر قصوى قبل ثلاث سنوات، إذا كان الوضع كذلك، فإن الأدوية المرة التي يمكن للأطباء الاقتصاديين صرفها باتت في غالبها غير مفيدة إلا إذا كانت صادمة  وغير ذات شعبية.
أولا: أن الأدوية المرة التي كان يمكن أن تكون ناجعة في بدايات 2012 وربما حتى في بدايات 2013 ، لم تعد ذات مفعول يذكر إلا على مدى طويل من جهة، وبتضحيات شعبية جسيمة من جهة أخرى، ليس مؤكدا أن يتقبلها المواطنون عن طيب خاطر.
ثانيا، إن الحكومة وهي عاجزة وتبدو غير ذات كفاءة ولا بصيرة، لا تريد أن تصارح الشعب بحقيقة وضع ، لا يمكن أن يزداد سوء إلا إذا وصلت البلاد للكارثة، وهي قاب قوسين أو أدنى منها.
ثالثا : أن الحكومة حتى إذا أخذت شجاعتها بكلتا يديها، ورغبت فعلا في هذه المصارحة المريرة، فإن هامش المناورة لديها يبقى محدودا إن لم يكن معدوما، باعتبار واقع الحال، من حيث انعدام الثقة، تجاهها بعد أن وصل وضع المواطنين ، فضلا عن وضع البلاد ، إلى ما وصل إليه من تردي، أصبح يشاهد بالعين المجردة.
ومن هنا فإن تونس تواجه نهاية سنتها الحالية ، بوضعية يتفق كل الخبراء على سوء حالها، ورغم ذلك فإنها  أي الحكومة مصممة على الذهاب إلى الأمام، في نكران حقيقة الواقع، ورفض التعامل معه بكل واقعية، بما في ذلك إيجاد أرضية للوفاق الوطني هي وحدها الكفيلة، بالخروج من المأزق. و لكن أنى للحكومة الحالية وقد فقدت كل شرعية أو مشروعية أن تكون موقع وفاق.
أما بوادر العام المقبل فإنها تبدو أكثر سوء وسوادا، وستقود تونس، إلى ما لم تشهده من قبل منذ استقلالها من تدهور وضع، وإفلاس مؤسسات، وانتشار بطالة.
فانهيار الدينار وحده  بهذا الحجم والفجائية والسرعة يشكل كارثة، من حيث ما يؤدي إليه من ارتفاع كلف الإنتاج، وبالتالي مزيد تدهور القدرة على  الحفاظ على أسعار تصدير يمكن أن  تكون معقولة، فضلا عن ارتفاع لأثمان السلع المستوردة سواء كانت استهلاكية أو مندمجة في كلف الإنتاج. فضلا عن تراجع كبير في الطاقة الشرائية للمؤسسات والأفراد.
أما عجز الميزانية  العامة للدولة بهذه الأحجام التي لم نر لها مثيلا إلا في بلدان كاليونان وما شاكلها، فإنه ينذر بنذر تضخمية منفلتة، لعلها تذكر بتركيا في التسعينيات قبل أن يقف على تطبيبها وزير الاقتصاد الأسبق كمال درويش، الذي وضع أسس اقتصاد سليم للبلاد قبل قدوم أردوغان وحزبه للحكم.
وفي حال استمرار العجز المتفاقم للميزان التجاري ، وتواصل تراجع السياحة ومداخيل العمالة التونسية وغيرها من اللامرئيات ، فإن التوازنات كلها تصبح مهددة بكل الأخطار.
وأخيرا وليس آخرا فإن انفجار المديونية، ووصولها وفقا للأرقام الرسمية إلى 47 في المائة من الناتج(أرقام محايدة تصل بها إلى 50 في المائة) / واتجاهها لا لتمويل عملية التنمية بل الإنفاق الاستهلاكي المتمثل في تغطية عجز ميزانية الدولة وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، كل ذلك ينذر بأخطار وافدة ، ويتهدد الوضع العام بالويل والثبور.
ما تحتاجه البلاد للخروج من الورطة التي أدخلتها فيها حكومات بلا رؤية، ولا قدرة ولا كفاءة، هو حكومة قادرة على:
** مصارحة الناس بحقيقة وضع لا بد من القول بأنه أكثر من كارثي
** الشجاعة على اتخاذ قرارات غير شعبية ولكنها ضرورية كالدواء المر، وبعيدا عن أي حسابات انتخابية.
وطبعا فليست الحكومة القائمة هي القادرة على مصارحة الناس وهي المسؤولة عما وصل إليه الحال، ولا هي القادرة على اتخاذ القرارات الواجبة، والتي تتناقض بطبيعتها مع الحسابات الانتخابية، لعدم شعبيتها.



الخميس، 4 يناير 2018

بكل هدوء : ضد التيار من أجل الخروج من عنق الزجاجة

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بدون ضجيج ،، دخلنا حالة التقشف
فهل يكون الضوء منيرا في آخر النفق ؟
تونس / الصواب /03/01/2018
تجنبت بلادنا  الصواب ، منذ منتصف سنة 2012 عندما رفضت أن تأخذ الثور من قرونه ، وتركتا حسين الديماسي يستقيل من وزارة المالية ، ورفضت الإصلاحات التي كان يجب أن تقدم عليها الحكومة  منذ ذلك الحين ، واستمرأ شعبنا ما كان يظنه الأمر الطبيعي ، ولم يقل له أحد من المسؤولين أن بلادنا كانت نتسير على الطريق الخطأ ، وأعجبنا أن نواصل على تلك الطريق حتى أفلست بلادنا أو كادت ، وإذ لم نقدم وقتها على إصلاحات موجعة ، فإننا اضطررنا اليوم لمواجهة وضع مستعص شديد الاستعصاء ، واضطررنا للدخول بالعام الجديد في قرارات موجعة ، أكثر وجيعة ، ومؤلمة وبدون تبنيج أو تخدير ، وخلال سبع سنوات أجلنا والأعين مغمضة على واقع مر تزداد مرارته يوما بعد يوم ، واستيقظنا على حال لا يسر لا الصديق ولا العدو ، اقتصاد منهار ، وتوازنات مختلة منخرمة ، ومديونية سيئة لا قبل لبلادنا بمواجهتها لأننا لم ننفقها في خلق الثروة ، ولكن لنأكل بها زرعنا أخضر في أجور لا يقابلها إنتاج ، ودعم يفوق الطاقة ، في بلد انحدرت إنتاجية رجاله ونسائه وبات يسكن في المقاهي صباحا  ظهرا وليلا ، وهجر المكاتب و مواقع الإنتاج ، واستهلاك يفوق الطاقة ، ودلال في بلد طلق بالثلاثة الجهد والعمل إلا من رحم ربك ، بلد تآكلت قدراته بالإعتصامات والإضرابات والنوم في ساعات العمل .
حديث مؤلم أسوقه ، ومن المؤكد أنه لا يعجب الكثيرين ، ولكني تعودت دوما على القيام من خلال ما أكتب ، على الدخول في الصدامات التي لم يكن الناس ليدركوا صحتها إلا بعد وقت.
فأنا لست من الذين يكتبون ما يعجب وما يسر.
في بلد صحافته تجامل ، وتلفزيوناته ومذاييعه ومواقعه الاليكترونية ،  تريد أن ترضي شعبا للأسف نام على حقيقة أزلية ، هي أن الثروة الأولى لشعب هي الـــــعمل ، والعمل لا يعني شغلا مضمونا بأجر مدفوع ، ولكن يعني جهدا وفيرا وعرقا غزيرا وإنتاجا فعليا نتيجة ذلك العمل .
أقول هذا بعد يومين أو ثلاثة من دخول الإجراءات الجديدة للعام الجديد حيز التطبيق ، وكأنها لم تكن معلومة ، بل هي منذ أسابيع معلنة وبالتفصيل الممل ، أقول هذا وأنا الأجير صاحب جراية التقاعد المتواضعة كما حالنا نحن الصحفيون لما قبل الثورة.
ولعله من حسن الحظ أن وقف رجال مثل يوسف الشاهد رئيس الحكومة وشلغوم وزير المالية وعدد آخر من المسؤولين ( هذا إن بقوا ولم تعصف بهم مناورات سياسوية ناشطة بعيدا عن النظر في المصلحة  العامة) ليعالجوا البلاد بصدمة  كهربائية لعلها توقظها من نومها ، وتعيدها إلى سكة الرخاء ، فنستعيد ما بلغناه من معدل للدخل الفردي بالدولار لا بالعملة المنهارة التي كنا جميعا سببا في انهيارها ، بتخلينا جميعا ودون استثناء عما ينبغي أن نقوم به ونبه له الوزير حسين الديماسي قبل سنوات ، ولما لم يجد أذنا صاغية استقال ، ولم يشارك في المؤامرة التي عرفتها البلاد بانهيارها اقتصاديا ،  وما نتخبط فيه اليوم  ، مما اضطر بلادنا إلى حال سيئة يمكن تلخيصها في ما يلي :
** اضطرار إلى الدخول في حال من التقشف المفروض لا بإرادة الحاكمين ولكن بسبب عدم اتخاذ القرارات الواجبة في الوقت المناسب .
** ارتخاء إنتاجي ، لم يعد معه البلد قادرا على توفير ما ينبغي له أن يوفره أو يدخر منه ما بمقابله يستورد ما لا قدرة له طبيعيا على إنتاجه.
** تسيب بحيث لم يعد معه للدولة معنى ، يذكرني بمقال يكتب بماء الذهب كتبه المفكر التونسي الكبير مصطفى الفيلالي بعنوان " هل بقيت في تونس دولة؟"
ومع هذه الحال ، وأنا لم أتعود على عدم مصارحة الشعب بما ينبغي أن يقال له ، مهما ستأتي من الاتهامات الباطلة ، وإذ كنت مثل الغالبية أعيش من جرايتي التقاعدية ، وأشعر بضيق لم أشعر به من قبل في مواجهة تكاليفي المعيشية  المتواضعة أنا وعائلتي الصغيرة ، فإني لا أرى مفرا من إقدام الحكومة على ما اتخذته من قرارات ، صادق عليها نواب الشعب  الذين بمن فيهم من انتخبتهم ومن لم أنتخبهم يمثلونني جميعا، بما يتطلب منهم اليوم من تضامن مسؤول كما تفترض الديمقراطية.
إني لا أرى ما يراه البعض ،  ممن يرفعون عقيرتهم بشعبوية ، يبحثون بها عن شعبية  رخيصة لدى الجماهير غير مسؤولة  من وجهة نظري ، فلعل الذي تقرر يكون أول عمل مسؤول تقوم به حكومة وطنية منذ اندلاع الثورة ، ولعل الشاهد وشلغوم هما أوزال وكمال درويش أصحاب المعجزة التركية الحقيقيين ، أو شرويدر الذي فرض على ألمانيا الإصلاحات الموجعة ، معلنا أنه سيخسر الانتخابات اللاحقة ولكن ما يهمه هو إنقاذ اقتصاد ألماني، وخسرها فعلا ولكنه أنقذ بلاده وأعادها إلى الصف الأول  ، أو ما يقوم به حاليا في فرنسا الرئيس ماكرون وفريقه الاقتصادي بشقيه اليميني واليساري ، أو الرئيس لي الذي جعل من سنغفورة الصغيرة ، دولة عظمى بفضل إصلاحات مثل تلك التي نسعى اليوم في تونس لتنفيذها رغم وجيعتها .
إن الشعوب العظيمة هي تلك التي تقبل التضحية عندما تلزم التضحية ، ولكن همسة صغيرة أيضا ، إن كل تلك القرارات على وجوبها  وواجهتها بعد جمود سنوات ، تتطلب عدالة ضرورية في كل مجال وخاصة في الأداءات والضرائب، وشفافية مطلقة ، ولكن ذلك وفي الانتظار السريع حسب المأمول ، لا ينبغي أن يعطل الاقتصاد الكلي عن السير في طريقه التي يكون الضوء منيرا في آخرها.