بكل هدوء
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
بدون ضجيج ،،
دخلنا حالة التقشف
فهل يكون
الضوء منيرا في آخر النفق ؟
تونس /
الصواب /03/01/2018
تجنبت بلادنا
الصواب ، منذ منتصف سنة 2012 عندما رفضت
أن تأخذ الثور من قرونه ، وتركتا حسين الديماسي يستقيل من وزارة المالية ، ورفضت الإصلاحات
التي كان يجب أن تقدم عليها الحكومة منذ ذلك
الحين ، واستمرأ شعبنا ما كان يظنه الأمر الطبيعي ، ولم يقل له أحد من المسؤولين
أن بلادنا كانت نتسير على الطريق الخطأ ، وأعجبنا أن نواصل على تلك الطريق حتى
أفلست بلادنا أو كادت ، وإذ لم نقدم وقتها على إصلاحات موجعة ، فإننا اضطررنا
اليوم لمواجهة وضع مستعص شديد الاستعصاء ، واضطررنا للدخول بالعام الجديد في
قرارات موجعة ، أكثر وجيعة ، ومؤلمة وبدون تبنيج أو تخدير ، وخلال سبع سنوات أجلنا
والأعين مغمضة على واقع مر تزداد مرارته يوما بعد يوم ، واستيقظنا على حال لا يسر
لا الصديق ولا العدو ، اقتصاد منهار ، وتوازنات مختلة منخرمة ، ومديونية سيئة لا
قبل لبلادنا بمواجهتها لأننا لم ننفقها في خلق الثروة ، ولكن لنأكل بها زرعنا أخضر
في أجور لا يقابلها إنتاج ، ودعم يفوق الطاقة ، في بلد انحدرت إنتاجية رجاله
ونسائه وبات يسكن في المقاهي صباحا ظهرا
وليلا ، وهجر المكاتب و مواقع الإنتاج ، واستهلاك يفوق الطاقة ، ودلال في بلد طلق
بالثلاثة الجهد والعمل إلا من رحم ربك ، بلد تآكلت قدراته بالإعتصامات والإضرابات
والنوم في ساعات العمل .
حديث مؤلم
أسوقه ، ومن المؤكد أنه لا يعجب الكثيرين ، ولكني تعودت دوما على القيام من خلال
ما أكتب ، على الدخول في الصدامات التي لم يكن الناس ليدركوا صحتها إلا بعد وقت.
فأنا لست من
الذين يكتبون ما يعجب وما يسر.
في بلد
صحافته تجامل ، وتلفزيوناته ومذاييعه ومواقعه الاليكترونية ، تريد أن ترضي شعبا للأسف نام على حقيقة أزلية ،
هي أن الثروة الأولى لشعب هي الـــــعمل ، والعمل لا يعني شغلا مضمونا بأجر مدفوع
، ولكن يعني جهدا وفيرا وعرقا غزيرا وإنتاجا فعليا نتيجة ذلك العمل .
أقول هذا بعد
يومين أو ثلاثة من دخول الإجراءات الجديدة للعام الجديد حيز التطبيق ، وكأنها لم تكن
معلومة ، بل هي منذ أسابيع معلنة وبالتفصيل الممل ، أقول هذا وأنا الأجير صاحب
جراية التقاعد المتواضعة كما حالنا نحن الصحفيون لما قبل الثورة.
ولعله من حسن
الحظ أن وقف رجال مثل يوسف الشاهد رئيس الحكومة وشلغوم وزير المالية وعدد آخر من
المسؤولين ( هذا إن بقوا ولم تعصف بهم مناورات سياسوية ناشطة بعيدا عن النظر في
المصلحة العامة) ليعالجوا البلاد بصدمة كهربائية لعلها توقظها من نومها ، وتعيدها إلى
سكة الرخاء ، فنستعيد ما بلغناه من معدل للدخل الفردي بالدولار لا بالعملة المنهارة
التي كنا جميعا سببا في انهيارها ، بتخلينا جميعا ودون استثناء عما ينبغي أن نقوم
به ونبه له الوزير حسين الديماسي قبل سنوات ، ولما لم يجد أذنا صاغية استقال ، ولم
يشارك في المؤامرة التي عرفتها البلاد بانهيارها اقتصاديا ، وما نتخبط فيه اليوم ، مما اضطر بلادنا إلى حال سيئة يمكن تلخيصها في
ما يلي :
** اضطرار
إلى الدخول في حال من التقشف المفروض لا بإرادة الحاكمين ولكن بسبب عدم اتخاذ
القرارات الواجبة في الوقت المناسب .
** ارتخاء
إنتاجي ، لم يعد معه البلد قادرا على توفير ما ينبغي له أن يوفره أو يدخر منه ما
بمقابله يستورد ما لا قدرة له طبيعيا على إنتاجه.
** تسيب بحيث
لم يعد معه للدولة معنى ، يذكرني بمقال يكتب بماء الذهب كتبه المفكر التونسي
الكبير مصطفى الفيلالي بعنوان " هل بقيت في تونس دولة؟"
ومع هذه
الحال ، وأنا لم أتعود على عدم مصارحة الشعب بما ينبغي أن يقال له ، مهما ستأتي من
الاتهامات الباطلة ، وإذ كنت مثل الغالبية أعيش من جرايتي التقاعدية ، وأشعر بضيق
لم أشعر به من قبل في مواجهة تكاليفي المعيشية المتواضعة أنا وعائلتي الصغيرة ، فإني لا أرى
مفرا من إقدام الحكومة على ما اتخذته من قرارات ، صادق عليها نواب الشعب الذين بمن فيهم من انتخبتهم ومن لم أنتخبهم
يمثلونني جميعا، بما يتطلب منهم اليوم من تضامن مسؤول كما تفترض الديمقراطية.
إني لا أرى
ما يراه البعض ، ممن يرفعون عقيرتهم
بشعبوية ، يبحثون بها عن شعبية رخيصة لدى
الجماهير غير مسؤولة من وجهة نظري ، فلعل
الذي تقرر يكون أول عمل مسؤول تقوم به حكومة وطنية منذ اندلاع الثورة ، ولعل
الشاهد وشلغوم هما أوزال وكمال درويش أصحاب المعجزة التركية الحقيقيين ، أو شرويدر
الذي فرض على ألمانيا الإصلاحات الموجعة ، معلنا أنه سيخسر الانتخابات اللاحقة
ولكن ما يهمه هو إنقاذ اقتصاد ألماني، وخسرها فعلا ولكنه أنقذ بلاده وأعادها إلى
الصف الأول ، أو ما يقوم به حاليا في
فرنسا الرئيس ماكرون وفريقه الاقتصادي بشقيه اليميني واليساري ، أو الرئيس لي الذي
جعل من سنغفورة الصغيرة ، دولة عظمى بفضل إصلاحات مثل تلك التي نسعى اليوم في تونس
لتنفيذها رغم وجيعتها .
إن الشعوب
العظيمة هي تلك التي تقبل التضحية عندما تلزم التضحية ، ولكن همسة صغيرة أيضا ، إن
كل تلك القرارات على وجوبها وواجهتها بعد
جمود سنوات ، تتطلب عدالة ضرورية في كل مجال وخاصة في الأداءات والضرائب، وشفافية
مطلقة ، ولكن ذلك وفي الانتظار السريع حسب المأمول ، لا ينبغي أن يعطل الاقتصاد
الكلي عن السير في طريقه التي يكون الضوء منيرا في آخرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق