Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

قرأت لكم : حول أرشيف الرئاسة


قرأت لكم

رسالة هامة
كشف محتويات الأرشيف الرئاسي
الثلاثاء, 30 ديسمبر 2014 19:02
        النشر بترخيص من الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي
تونس / الاخبارية / اخبار وطنية 
تحصل موقع "الجمهورية" على رسالة هامة تكشف عن كافة محتويات الأرشيف الرئاسي الموجود بقصر قرطاج  وهذه الرسالة كان قد بعثها الأستاذ المفكر عبد الجليل التميمي إلى المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت المنتهية ولايته، وذلك اثر زيارته للأرشيف الرئاسي المتوفر بقصر قرطاج بعد أشهر قليلة من تسلم المرزوقي لمنصب الرئاسة، وتحمل هذه الرسالة تقريرا مفصلا يكشف كافة محتويات الأرشيف الرئاسي وفي يلي نصها كما نشرها موقع "الجمهورية  :
رسالة إلى د. المنصف المرزوقي (رئيس الجمهورية) حول:
الأرشيف السري بالقصر الرئاسي
على إثر نشر رئاسة الجمهورية ما أطلق عليه الكتاب الأسود، قد تقاطعت وتباينت المواقف حول أحقية وقانونية ما تبناه د. المنصف المرزوقي من توظيف لأرصدة الأرشيفات السرية بالقصر الرئاسي، وقد أخذ هذا الملف هذه الأيام أبعادا جديدة بإحالته على القضاء للبت في صلاحية رئاسة الجمهورية وكذا المشرفين في الديوان على مجمل أرشيفات الرئاسة، للتصرف فيه دون احترام للضوابط المنهجية وقانون الأرشيف العام ببلادنا.
وأود بالمناسبة أن أمد الرأي العام ببلادنا بنص تقرير كنت قد رفعته إلى د. المنصف المرزوقي بتاريخ 13 فيفري 2012، عندما طلب مني القيام بزيارة الأرشيف المتوفر بالقصر الرئاسي ثم ما هي الإجراءات الإدارية الواجب اتخاذها وتبنيها للحفاظ عليه.
وإليكم نص هذا التقرير :
"أثناء مأدبة الغداء التي تفضلتم بإقامتها على شرف ثلاثة أساتذة: هشام جعيط وجلول عزونة وشخصي، دار الحديث بعفوية كاملة حول الآليات المستقبلية الجديدة لتفعيل المعرفة والثقافة وتعميمهما، وأثير بصفة أخص ملف أرشيف الرئاسة التابع للرئيسين السابقين وقد طلبتم مني دراسة هذا الملف لتأمين سبل الاستفادة من هذا الرصيد الثمين لكتابة تاريخ الذاكرة الوطنية وبناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال وقد شددتم على دراسة إمكانية فتحه للمؤرخين والباحثين مستقبلا!
وفي نفس الوقت الذي أنوه فيه شخصيا بهذا التوجه الحضاري، إذ لأول مرة يقوم رئيس جمهورية في البلاد العربية بل وفي العالم، بالإذن بدراسة هذا الملف الدقيق، وفقا للقوانين الأرشيفية المعمول بها محليا ودوليا، وهي القوانين التي حددت الإطار القانوني لفتح الأرشيف سواء كان ذلك الأرشيف تابعا للرئاسة أو للوزارات السيادية أو للخواص ببلادنا.
وتبعا لهذا التمشي قمت شخصيا بالتنسيق مع د. الهادي جلاب، المدير الحالي للأرشيف الوطني التونسي والمؤتمن على الذاكرة الوطنية، صحبة د. محمد ضيف الله، أحد المؤرخين البارزين اليوم في الساحة التونسية، وقد أحطتهما علما بهذا التكليف العلمي، بإجراء مسح أولي لأرشيف الرئاسة.
وعلى ضوء ذلك قمنا بزيارتين الأولى تمت يوم الاثنين 16 جانفي 2012 وتلتها زيارة ثانية يوم 23 جانفي 2012، ولم نتمكن بالقيام بزيارة ثالثة، كانت في الأساس مبرمجة ولا نعلم حتى اليوم سبب إلغائها في آخر لحظة!
وكان الهدف في رأينا من هذه الزيارات الثلاث هو استكمال تحرياتنا الأولية وتقديم تقرير لعناية رئيس الجمهورية.
و وفقا للملاحظات التي خرجنا بها في الزيارتين، نوجز لكم هذا التقرير في العناصر المستخلصة التالية:
- هناك مئات من الألبومات، وهي صور تتعلق بالفترة البورقيبية وبالأحداث الوطنية وتمثل عدة آلاف من الصور التاريخية ويمكن أن تشكل أحد العناصر لتأثيث أي فضاء متحفي مستقبلا.
- هناك 270 صندوق أفلام من قياس 35 مم وهي عبارة عن تسجيلات صوتية ليس عليها أي كتابة لمحتواها ولا متى تمت في ظرفها الزمني، وهي في حالة تحتاج إلى ترميمها حالا للحفاظ على ما تحتويه من معلومات أولية ومهمة جدا.
- هناك تقريبا مساحات مترية من الوثائق المؤرخة وغطت الفترة البورقيبية وهي عبارة عن مئات الملفات وتحتوي على آلاف من الوثائق والتقارير الواردة من وزارة الداخلية حول الوضع الأمني والاقتصادي ومنها تقارير مراقبة كل الأطياف السياسية وغيرهم، ملفات أخرى تناولت الجهات وعرايض المواطنين الذين رفعوا شكاياتهم أثناء الفترة البورقيبية.
- كما ضم هذا القسم بانوراما عن المشهد الثقافي المتعدد الوجوه ومراسلات من عديد الشخصيات البارزة يومئذ.
- توجد مكتبة ضمت الكتب و النشريات تتعلق بتاريخ تونس والدول الصديقة
- وهناك أيضا 20 دفترا لتسجيل الصادر والوارد و10 حافظات بها بقايا الفواتير تتعلق بالمصاريف التي تخص فترة الرئيس السابق.
وعليه يستحيل علينا في هذا التقرير المقتضب أن نأتي على كل الخصوصيات الأرشيفية التي يضمها الأرشيف الخاص بالرئيسين السابقين.
وللعلم فإن بلادنا تعد الوحيدة في العالم العربي من منح قطاع الأرشيف الأهمية البالغة عندما نشر أمر في الرائد الرسمي التونسي تحت رقم 95 لسنة 1988 مؤرخ في 2 أوت 1988، ويعد أحدث قانون لقطاع الأرشيف وأشرف عليه المدير السابق للأرشيف الوطني التونسي د. المنصف الفخفاخ, أحد الخبراء الدوليين في علم الأرشيف، وقد حدد هذا القانون الصلاحيات لحياة الوثيقة وإمكانية فتحها للباحثين والمؤرخين، وهناك ملفات يمكن الإطلاع عليها بعد 30 سنة وأخرى بعد 60 سنة، أما المتعلقة بالشخصيات والعائلات فقد حدد التشريع القانوني التونسي بفترة 100 سنة وأن هذا القانون ينص على أن كل وزارات الدولة التونسية وجب أن تنخرط تماما في هذه المنظومة الوطنية الأرشيفية القانونية، وأن الأرشيفيين المختصين وفقا لهذا القانون، مطالبون بالتدخل لدى كل الوزارات للحفاظ على التراث الأرشيفي.
وقد بدأت معظم الوزارات بإحالة جزء من تراثها إلى الأرشيف الوطني التونسي ومنها وزارة الداخلية لكل ما يتعلق بالحدود والأجانب مثلا، وللذكر فقد أحيلت مئات الملفات من أرشيفات وزارة الخارجية والمالية والعدل وكذا أرشيف التجمع الدستوري الديمقراطي ومؤخرا أرشيف مجلس المستشارين والهيئات العليا وصناديق لجداول الانتخابات الأخيرة، كلها تم الاطمئنان عليها بوضعها في مبنى الأرشيف الوطني وباستطاعة هذه البناية ذات الهندسة الفريدة استقبال أي رصيد أرشيفي مستقبلي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن القائمين على الأرشيف الوطني لهم الكفاءات المؤهلة للقيام بعمليات التكشيف والترميم والخزن الآلي والفرز الممنهج وتبني أحدث تقنيات الحفظ لأجل دقائق.
ولعلم السيد رئيس الجمهورية أن كل الوزارات السيادية منخرطة في هذا النظام الأرشيفي الوطني، إلا أرشيف رئاسة الجمهورية لأسباب عديدة. وأذهب إلى الاعتقاد أن أرشيف الرئاسة يؤمل أن يودع في الأرشيف الوطني، أولا للحفاظ عليه وترميم ما استوجب الآن ترميمه و إيلاء هذه المهمة للخبراء الأرشيفيين المؤتمنين وفي رأيي المتواضع سيكون القرار الأصوب والأحكم هو إيداعه في الأرشيف الوطني حالا.
حضرة السيد الرئيس،
إن إيداع أرشيف الرئاسة بمبنى الأرشيف الوطني التونسي هو الأسلم، قدوة بالعديد من الوزارات السيادية ببلادنا وأنا أعلم مدى القيمة الاستثنائية للأرشيف، حيث كنت أول مؤرخ عربي يعمل منذ سنة 1966 في الأرشيف الوطني التركي وتحصلت على شهادة الأرشيف الفرنسي منذ سنة 1970 وأرشيف الولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن سنة 1972 وأسست سنة 1972 في اجتماعي روما 1971-1972، الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف، وأثناء إدارتي للمعهد الأعلى للتوثيق كان علم الأرشيف أحد الاهتمامات الأساسية لتفعيل الوعي الأرشيفي لدى الطلبة، وكما أتيحت لي الفرصة أن أعمل في أرشيفات بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأدركت مدى القيمة العالية للأرشيف.
هذه حضرة د. المنصف المرزوقي حصيلة موجزة عندما عهدت إلينا تقديم أي اقتراح عملي للحفاظ على هذا الأرشيف وإتاحة الفرصة، وفقا للقوانين الأرشيفية المعمولة بها في بلادنا ليتاح ذلك للباحثين والمؤرخين، وأن هذا التقرير هو حصيلة للاستشرافات الموسعة التي أجريتها مع د. الهادي جلاب مدير الأرشيف الوطني ود. محمد ضيف الله.
تفضلوا حضرة السيد الرئيس بقبول أطيب تحياتي وشاكرا ثقتكم الثمينة والسلام."

د عبد الجليل التميمي 

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

سانحة : بين الأرشيف ، وانتقال السلطة ، والولاء للسلطة الشرعية

سانحة
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
انتقال السلطة، وانتقال الأرشيف
تونس / الصواب /28/12/2014
أثار انتباهي خلال الأيام الأخيرة ما سمي بغزوة الأرشيف ، فقد حاولت هيئة الحقيقة والكرامة ، حتى لا نقول السيدة سهام بن سدرين نقل أرشيف من رئاسة الجمهورية ، إلى مكان مجهول ، لعله مقر الهيئة ، ورافقت السيدة بن سدرين  عددا من الشاحنات لرفع ذلك الأرشيف .
وهنا ينبغي لنا أن نتوقف عند أمرين اثنين:
أولهما ، أن أرشيف رئاسة الجمهورية ، إذا كان لا بد من نقله ، فلا يمكن وضعه إلا عند الجهة المؤهلة لذلك النقل بحكم القانون ، واعتبارا لمقتضياته ، كما مقتضيات الأمر في كل البلدان التي تعتمد مقاييس محددة في شأن أرشيفها العمومي ، ولكن أيضا ما يتوفر من أرشيف يأتي من الخواص.
وقراءة القانون الصادر سنة 1988 ، وهو ليس بدعة تونسية تفيد بأنه  يعطي احتكار الحفاظ على الأرشيف  العمومي لدى مؤسسة الأرشيف الوطني ، المكلفة بتصنيفه وترتيبه وحفظه كأفضل ما يكون عليه الحفظ، هذا ما ينبغي أن يكون واضحا ، ورئاسة الجمهورية التي تتوفر على ما يبدو على مخزون من الأرشيف ضخم  يمثل الذاكرة الوطنية، ويمتد لا لفترة إعلان الجمهورية في سنة 1957 ، بل على ما يبدو لفترات قد تطول أو تقصر، ومن بين ما يعتبر أرشيفا لوحات ضخمة لملوك تونس من الحسينيين ، يمكن أن تصنف ضمن الأرشيف الوطني ، ولكن يتم إقراضها للقصر الرئاسي ، تبقى تحت تصرفه المؤقت أي لا يمكن البتة التفويت فيها.
ولقد سبق لي بمناسبة مهمات معينة في مؤسسة الأرشيف الوطني أن شاهدت وثائق معروضة ذات قيمة تاريخية عظيمة ، كما يجد المرء في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان نسخا لوثائق مهمة، لا بد أن تكون أصولها محفوظة لدى مؤسسة الأرشيف الوطني.
من هنا فإن المكان الطبيعي للوثائق المتوفرة في رئاسة الجمهورية ، هو مخازن الأرشيف الوطني ، المجهزة تجهيزا علميا مخصصا للمحافظة على ذلك التراث الوطني ، الذي لا يمكن تقييم قيمته.
و من هنا فإن رئاسة الجمهورية نفسها، ليست مخولة بالتفويت فيه لغير الجهة التي ينبغي أن يذهب إليها.
هذا أولا ، ثم وثانيا وليس في ما يخص الأرشيف المتوفر لدى رئاسة الجمهورية ، فأمره واضح وهو ضرورة التسليم للمؤسسة المعنية لا غير ، فإننا ونحن نمر بفترة دقيقة لنقل السلطة لم نتعود عليها ، علينا أن نقيم تقاليد جديدة  مرتكزة على تنظيم عقلاني .
وكما هو الشأن في البلدان المتقدمة فإن الرئيس المتخلي ، لا بد له من أن يكون جاهزا لتسليم السلطة ، ومن هنا فعليه وبمجرد انتخاب الرئيس الجديد أن يشركه في اتخاذ القرارات، التي يمكن أن ترهن مستقبل القرارات المقبلة للدولة، أو تضع الرئيس الجديد على طريق قد لا يكون هو الطريق الذي ينوي السير فيه.
ذلك شرط من شروط الممارسة الديمقراطية، ففي الولايات المتحدة يمر شهران اثنان بين انتخاب الرئيس الجديد واستلامه السلطة، وخلال الشهرين فإن الرئيس القائم عليه أن يستشير الرئيس اللاحق في كل كبيرة وصغيرة.
**
بقي لي أن أتساءل بالمناسبة ماذا يمكن أن يسمى ما أقدمت عليه نقابة الأمن الرئاسي أو حتى ما أقدم عليه الأمن الرئاسي، هل هو تنفيذ لتعليمات رئاسية غير مكتوبة، أم إنه نزع لولاء الجهاز إزاء الرئيس  مع ما نعرف من الولاء الضروري للجهة العسكرية أو شبه العسكرية للسلطة الشرعية القائمة.
سكوت رئاسة الدولة محير، والسؤال هل يمكن أن يلغي أمر شفوي أمرا ـ ولو غير قانوني ـ مكتوب وموثق، ويعود السؤال الذي أصبح تقليديا والذي كان مصطفى الفيلالي أول من أطلقه : هل بقيت في تونس دولة ؟
 ولعله وعلى التحفظ إزاء الرئيس الجديد مع الاحترام الواجب  نحوه بحكم المنصب ، للمرء أن يأمل عودة الدولة وهيبتها ونفاذ قرارات رجالها وفي مقدمتهم رئيس الدولة.  


  



الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

الموقف السياسي : لا صك على بياض للحكام الجدد

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس غدا
تونس/ الصواب / 23/12/2014
.. وعلى كره مني اضطررت للتصويت في الدورة الثانية  من الرئاسيات لرئيس الدولة اليوم سيادة الرئيس الباجي قائد السبسي ،  ولم أئتمن على بلدي سيادة الرئيس منصف المرزوقي.
اليوم أريد أن أتوقف عند أمر معين قبل أن أنطلق، إني شخصيا أبقى على احترامي للرجلين، على اعتبار الموقع الذي احتله أو سيحتله كل منهما.
رئيس الدولة اعتباريا، هو رمز للبلاد بقدر رمزية العلم، وبقدر رمزية النشيد الوطني. ولكنه الرمز الحي المتحرك.
ولذلك ويستطيع من شاء أو يشاء، أن يبحث في كل ما كتبت على مدى السنوات الثلاث الماضية ،  أو أن يجد ولو لمرة واحدة قولا لي مُحطا من قيمة الرجل ، أو به وصف غير لائق  مما انتشر على نطاق واسع ، هذا على كثرة ما انتقدته ، وأقول انتقدته لا نقدته( قصدا) لمعرفتي عن كثب به من جهة ، ولطبيعة القرارات الخاطئة الكثيرة التي اتخذها،  وزج بها البلاد في توجهات اعتقدت وما زلت أعتقد أنها كانت كارثية وبقيت آثارها كارثية ، وأيضا لصورة المتهافتة التي أعطاها لمنصب ينبغي أن يكون فوق الابتذال وأبعد ما يكون عنه.
كل ذلك من الماضي ، ولكن ذلك الماضي يقفز أمامنا ويعترض طريقنا كلما حاولنا أن نزيحه ، أو نتغافل عنه اليوم.
منذ عام ونصفا يتصدر الباجي قائد السبسي استطلاعات الرأي بشأن احتمالات انتخابات رئاسية متوقعة ، كان الحزب الذي أنشأه جديدا ، ورغم ذلك قفز هو وحزبه للمراتب الأولى بل للمرتبة الأولى ، وإذ تداول لمدة على المرتبة الأولى مع الأستاذ حمادي الجبالي في تلك الاستطلاعات، فقد استقر له الأمر بعد ذلك في تلك المرتبة بدون منازع.
ولم يكن رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي لينافس أي من الرجلين في تلك الاستطلاعات.
وأستطيع أن أزعم اليوم والوثائق تحت يدي ، أن النهضة لم تترشح للرئاسيات ، لا قناعة في المنصب ، ولكن بعد حسابات دقيقة بأن حظوظ أي مرشح تقدمه لا يملك حظوظا فعلية للنجاح وأنه سيأتي في مرتبة ثانية تعني الهزيمة  ، وهي لذلك لا تغامر بوضع شخصية من شخصياتها على محك منافسة تدرك أنها ليست في مصلحتها ، فسقوط شخصية معينة في انتخابات رئاسية ، وفي بلد مثل بلادنا ، يحكم عليها نهائيا، بعكس ما يحدث في بلدان متمرسة في الممارسة الديمقراطية.
أستطيع أن أزعم أيضا أن النهضة تحت قيادة رجل داهية مثل الشيخ  الغنوشي،   كانت تعرف منذ أشهر أنها لن تأتي في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية وكل تراجع هو في النهاية هزيمة ، يشهد على ذلك تصريح شهير للشيخ عبد الفتاح مورو في صحيفة "العربي الجديد" قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية، والنهضة بحس سياسي حاد ، لم ترغب في أن تراكم الهزائم ، بل أوكلت للمرزوقي دور المهزوم، وهي تعرف بصورة مسبقة المصير المحتوم ، اعتمادا على استطلاعات الرأي التي تكاد تكون يومية، والتي مع اتفاقها الإجماعي داخليا وخارجيا ، فإنها لم تضع قط الرئيس المرزوقي في مرتبة متقدمة على الرئيس السبسي.
لكن النهضة ، وهي تعرف مسبقا النتائج المتوقعة سواء تشريعيا أو رئاسيا ، لم تسعف الرئيس المرزوقي ولا حزبه في الانتخابات التشريعية كما فعلت في انتخابات  فكانت الهزيمة ثقيلة جدا 2011، ولكنها أسعفته في الانتخابات الرئاسية ، وهي تدرك تمام الإدراك ليس فقط أن حظوظه ضعيفة  ، وتقارير الاستطلاعات على مكاتب قياداتها ،بل معدومة تماما.
ومن لهم إلمام بالشأن السياسي كانوا يعرفون نتيجة الانتخابات الرئاسية ويعرفون منذ أسابيع إن لم يكن منذ أشهر إلى أين سيؤول المنصب الرئاسي ، وأحلام اليقظة فقط هي التي دفعت بكثير من الناس لتوقع نجاح الدكتور المرزوقي ، في ما الحقائق الدامغة كانت تشير إلى نتائج ليس منها بد.
هل تكون النهضة بما زينت للدكتور المرزوقي دفعته دفعا إلى الانتحار السياسي، في انتظار أيام أفضل ، تتقدم فيها بوجه مكشوف بعد 5 سنوات ، وتأمل أن تكون حظوظها أفضل ، خصوصا بعد أن يكون الرئيس السبسي وحزبه قد اهترآ  بممارسة الحكم في فترة شديدة الصعوبة.
من هنا "أقرضت" النهضة جمهورها المتمثل في مخزونها الانتخابي للرئيس المنتهية ولايته، وهو ما سيظن الرئيس المرزوقي أنه أصبح جمهوره ، وسيندفع اعتمادا على ذلك لاعتباره قاعدته في حزبه الجديد المعلن عن تأسيسه.
**
في 7 نوفمبر 1987 ، كنت في مكتبي في جريدة الصباح حيث كنت أشغل منصب رئيس تحرير الصباح  ، عندما دخل علي الزميل الهادي التريكي  وكان اشتغل مدة في الجريدة قبل أن ينتقل للإذاعة ، حاملا آلة "ناقرا" ووراءه فريق تصوير تلفزيوني ، ليأخذ رأيي في أحداث ذلك اليوم ( وصول بن علي للسلطة)، قلت له الإعلان  جيد " بيان 7 نوفمبر"ولكني لا أعطي صكا على بياض، سننتظر التفعيل ، وأعتقد أن تصريحي يومها الذي تم بثه مساء في التلفزيون ما زال بين مخبآتي بعد أن مدني به في اليوم الموالي الزميل الهادي التريكي على شريط فيديو.
**
سأكون في تناغم نقدي مع رئيس الدولة آنذاك الذي استقبلني عدة مرات ، قبل أن تسوء العلاقات وتنقطع في صيف 1990، وتتحول إلى محاربة غير أخلاقية.
اليوم وغداة 21 ديسمبر ، وانتخاب سيادة الرئيس الباجي قائد السبسي ، الذي صوتت له عن غير اقتناع لما شعرت به من أني لا أستطيع أن أئتمن معه سيادة الرئيس منصف المرزوقي على بلادي، فإني أكرر أني لا أعطي الرئيس الجديد صكا على بياض كما سبق أن قلت وسجل علي يوم 7 نوفمبر 1987. وأعتقد أن عشرات إن لم يكونوا مئات الألوف مثلي.
صحيح ومن الناحية الشكلية ، فإن سيادة الرئيس الباجي قائد السبسي ، سيعيد للدولة هيبتها  وللمنصب مكانته ، ملبسا وسلوكا ، وأنا شخصيا أعطي لهذه الشكليات أهمية قصوى ، لفرض احترام الدولة ، واستعادة مكانتها داخليا وخارجيا ، ولكن هل يكون ذلك كافيا.؟
إن خشيتي شديدة من أمرين اثنين :
// سن الرئيس الجديد أطال الله عمره ولكن أيضا بصحة وعافية، تجعله قادرا على تأدية مهامه الثقيلة، وما تتطلبه من جهد كثيرا ما يكون فوق طاقة البشر العاديين وحتى في سن الشباب أو الكهولة الأولى.
// ملاحقة ماضيه ، صحيح أني سمعت مرة الرجل العظيم أحمد المستيري يقول  في جوان 1970 إن الأغبياء وحدهم  هم الذين لا يتغيرون ، ولكني أنتظر دوما من رئيسنا الجديد ، أن يبرهن من موقع السلطة  الدائمة (أفضل القارة ولكن غزوة من الشرق جعلتنا نتحدث عن ديمومة هي مؤقتة ومحددة بزمن )عن تغيير جذري ، وليست السبعة أو ثمانية أشهر التي قضاها كوزير أول سنة 2011 كافية لتبديد الشكوك.  
و فوق هذا وذاك ، ما الذي يمكن أو يستطيع الرئيس الجديد أن يفعله في ظل أزمة اقتصادية خانقة ، وميراث سياسي متعفن ، نتيجة ثلاث سنوات من حكم متعثر ، تولاه من لا خبرة ولا كفاءة لهم ، ومن كان هاجسهم انتخابيا لا غير ، وهو ما أهلهم لخسارة أول انتخابات خاضوها، وإذ يؤكدون أنهم في المرتبة الثانية  ، فإن القاعدة المعروفة أن كل الشرف هو لمن يحل في المرتبة الأولى ، رياضيا وفنيا وبالطبع سياسيا.
ثلاث مجالات اعتقاد سائد لدي بأنها أولويات مطلقة :
الحفاظ على حرية التعبير بل وتطويرها ، فلا تقدم مهما كان بدونها ، ملكة النقد للسلطات الثلاث هو أول مفاتيح النهضة ونقصد بها النهضة الحقيقية لا الحزب .
ثانيا تصفية تركة الماضي القريب والبعيد ، كل التجاوزات وكل التعيينات في غير محلها ، وأيضا كشف من وقف وراء استشهاد الشهداء من الحوض المنجمي على الأقل حتى اليوم، مع لإسراع بالمحاسبة الحقيقية دون إرادة انتقام ومرورا إلى المصالحة ، بقصد رفع كابوس نفسي مخيم.
وإعادة الاعتبار لكل من انسكبت دماؤهم على أديم هذه الأرض فداء لها منذ الحرب التحريرية حتى اليوم.
إعادة الثقة محليا ودوليا في البلاد بعد أن تآكلت تلك الثقة  نتيجة ما قبل وما بعد 17 ديسمبر 2010، وذلك هو بداية الحديث عن تنمية تفيض خيراتها على الجميع أفراد وقطاعات وأقاليم وجهات ، وتنال إسقاطاتها كل الأجيال ، مع الحفاظ على بيئة يطيب فيها العيش ، وتنتقل سليمة للأجيال المتلاحقة.
هل السبسي والحكومة التي سيشكلها قادرة على ذلك ، هذا هو السؤال وهذا الصك على بياض الذي لا نعتقد أن أحدا يقبل أن يمضيه للسلطة الجديدة.
والحساب ، الحساب السياسي بعد 5 سنوات ( المأمول) في انتخابات  يكرم فيها الحكام أو يهانون وفق نتائج  صندوق الاقتراع ، في الدولة الديمقراطية التي جرى بناؤها بتضحية المضحين.
  


الخميس، 18 ديسمبر 2014

سانحة : أصوت للباجي على كره مني ، لأني لا أئتمن المرزوقي على بلادي

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
لماذا أصوت للباجي قائد السبسي ؟
حرصت خلال المقالات التي خصصتها للانتخابات على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، على الالتزام بأكبر قدر ممكن من الموضوعية ، لا أدعي أني نجحت في ذلك تماما ، ولكني فصلت تماما بين ما أكتبه في مقالات صحفية ، وفي ملاحظاتي على الفايس بوك.
ولقد التزمت الطريقة التي أعتقد أن الصحفي لا بد أن يلتزم بها ، وهي الطرح والطرح المعاكس والاستنتاج ، وحاولت و أعتقد أني نجحت في ذلك أن لا أصل إلى الاستنتاج قبل أن  أقوم بتحليل المعطيات  المتحة كما ينبغي لصحفي محترف يؤمن يقدسية أخلاق المهنة ، قد يكون طرحي خاطئا ، وقد يكون طرحي المضاد غير دقيق ، وقد يكون استنتاجي مجانبا لما يريده الكثيرون ، ولكن ذلك هو المنتهى الطبيعي استنتاجا واستقراء للنص الموضوع.
أقول هذا لأني اليوم سأخرج عن تلك الموضوعية التي التزمتها ، ظاهر ذلك في عشرات إن لم يكن مئات ردود الفعل التي وصلتني والتي اعتبرت عموما أن ما أكتبه يتسم بالكثير من الموضوعية.
فقد قررت وانتهيت إلى أني سأصوت للباجي قائد السبسي.
وأسارع للقول إني سأصوت كما قلت دون اقتناع مني بتصويتي ، ذلك أني سأصوت لا بارتياح ولا بأريحية ، سأصوت من وجهة نظري لأخف الضررين ، لا  للشخص الواجب أن أصوت له ، وأني أعتقد أن المقاطعة من وجهة نظري هي هروب من المواطنة ، والتصويت الأبيض هروب من المسؤولية ، ولذلك فإني سأضع في الصندوق ورقة عليها علامة أمام اسم الباجي قائد السبسي.
أسارع للقول  أيضا أني بعكس الملايين عرفت الرجلين الباجي قائد السبسي ، وعرفتهما عن كثب .
 عرفت الأول أي السبسي منذ بداية الستينيات في ديوان السياحة وفي الادارة الجهوية في الداخلية المشرفة على البلديات  ، ثم عرفته وزيرا وخاصة في الثمانينيات ، وعرفته عندما كان مشاكسا مع المستيري وحسيب بن عمار ومجموعة ممن كانوا يسمون المتحررين أو الأحرار ، وعرفته وهو يطرد من حزب الدستور، وعرفته خطيبا في ندوات توليت تنشيطها ، ثم لعله من غريب الصدف أني زرته في مكتبه للمحاماة في نهج ألان سافاري أياما قليلة قبل اندلاع ثورة 17 ديسمبر.
 ومنذ ذلك الوقت لم ألتقه فأنا لست غاويا لقيا الوزراء ورؤساء الحكومات ولا زعماء الأحزاب ، ولقد لاقيت منهم الكثيرين سواء في مكاتبهم أو مكتبي عندما كنت أرأس تحرير جريدة الصباح ، ويعلم الله أنني كنت أكثر ما ألتقي المسؤولين بطلب منهم لا مني.
هذا الباجي قائد السبسي ، أما منصف المرزوقي فقد كان أول ما التقيته في مكتبي بدار الصباح عندما كان يأتيني بمقالات محبرة ، مكتوبة كتابة جيدة ، جريئة دون عدوانية أو تهجم ، فأنشرها ، وكنت أنا الذي نشرت له مقاله الذي أصبح شهيرا والذي دعا فيه لانتخاب بن علي ، وحتى اليوم فإني لا ألومه مثل ما يفعل البعض على ذلك المقال ، فقد كان ذلك ليس فقط الموقف السائد ، بل الموقف المنطلق من أعماق الكثيرين  بإمان وبدون أي تملق.
ولقد وجدت في مكتبتي مؤخرا عددا من كتبه مهداة باسمي بكلمات لطيفة رقيقة ومعبرة وفيها إشادة كبيرة، ما زلت أحتفظ بها ، بل وما زلت أعتز بها كذكرى لفترة صداقة خالصة.
 ثم إننا تغذينا معا كثير المرات على مائدة إسماعيل بولحية في بيته في ليسي كارنو الذي كانت تديره زوجة سي إسماعيل ، وكان كثيرا ما يقضي ليلته ضيفا عليه باعتبار أنه بلا بيت في العاصمة.
غير أني عرفته أكثر عندما كنا معا في الهيئة المديرة للرابطة التونسية لحقوق الانسان.
كان مجرد عضو في الهيئة التي دخلناها في ربيع 1989 ، ثم بعد استقالة المرحوم محمد الشرفي بعد تعيينه وزيرا ، كنا مجموعة تحالفنا من أجل أن ندفع به إلى الرئاسة ، وكان خميس الشماري والميداني بن صالح ، هما الأكثر نشاطا في هذه العملية على حساب توفيق بودربالة ، المرشح الآخر والذي بدا لي لاحقا الأكثر عقلانية.
وسريعا ما ندمت المجموعة التي دفعت المرزوقي إلى الرئاسة ، على فعلها ، فبمجرد أن أصبح رئيسا حاول أن ينهي عملية الوفاق الذي كانت تتخذ به القرارات ولو بعد نقاش طويل وتنازلات متبادلة  وذلك منذ قيام المؤسسة ، حاول أن يفرض موقفه بوصفه الرئيس أي الناطق باسم المنظمة ، وانتهينا إلى أزمات متلاحقة ، غالبا بينه وبين أعضاء من غالب التوجهات ، وخلال تلك الفترة  وخاصة خلال السنوات الثلاث الأولى حاولت شخصيا أن أقرب المواقف ، فعقدت مع هذا الجانب أو ذاك عديد الاجتماعات في بيتي تخفيفا لحدة الخلافات  كان يحضرها منصف المرزوقي ونتمكن من حل خلافات كانت غالبا مزاجية ومرتبطة بقلة إحساسه أو سلوكه الديمقراطي الضعيف إن لم أقل المنعدم  ومباداته الفردية غير الجماعية ، غير أنه لم ينفع شيء فساءت الحال وتعاظمت الخلافات  خصوصا في تلك الفترات الصعبة للخلافات القائمة مع الحكومة حول مضمون بلاغاتنا المنددة بالتعذيب ، أو حول قانون التصنيف الذي كان يستهدف وجود الرابطة ذاته ، ولم تمكن السيطرة على تجاوزات الدكتور المرزوقي ، الذي كان يتخذ مبادرات ، دون العودة  لا للهيئة المديرة ، (25 عضوا) ولا للمجلس الوطني ، من ذلك أنه ويوم المؤتمر في شتاء 1994 ، وكان التقرير الأدبي جاهزا وقد تشكلت لجنة تولت صياغته ، وتمت الموافقة عليه بصورة جماعية  في الهيئة المديرة  وبحضور الرئيس ، وكان مفروضا أن يلقيه الكاتب العام توفيق بودربالة  وبالفعل كان هو من ألقاه، ولكن في غياب الرئيس .
 حيث وقف منصف المرزوقي  وقبل تلاوة التقرير الأدبي  وألقى خطابا ناريا  ، دون استشارة أحد وغادر المكان  مباشرة ، دون أن يجلس مع بقية أعضاء الهيئة المديرة  ، باعتبار أننا وككل هيئة لا بد أن نخضع لمحاسبة المؤتمر عبر مناقشة التقرير الأدبي والتقرير المالي ، والمصادقة عليهما ، لتنتهي المهمة التي أوكلها لنا وأناط عهدتنا بها المؤتمر السابق.
ولقد بدا يومها أن السيد منصف المرزوقي ليس قادرا على احترام الهياكل ، بل لا يعرف كيفية تسيير الجمعيا ت وضوابط ذلك.
غادر الجلسة وغادر مكان المؤتمر لئلا يعود، ولا يخضع لمحاسبة فرضها القانون على أعضاء الهيئات بصفة متضامنة .(1)
ثلاثة أمور لا ينبغي للمرء أن يغفل  عنها :
أولا أنه قاطع كل أعضاء تلك الهيئة  التي كان يرأسها إلا من رحم ربك أي عضوين أو ثلاثة من 25
ثانيهما أن حزبه أي حزب المؤتمر انشطر ثم انشطر حتى لم يبق منه شيء والكل يتحدث عن انفراده بالقرار وعدم الاعتراف بالهياكل
وثالثا : إن  غالب المستشارين الذين انتدبهم بعد ما تولى رئاسة الجمهورية (14) ، قد غادروا هربا من تسلطه ، ومزاجيته ، ونرجسيته ، والانفراد بالقرار غير المدروس.
من يعرف المرزوقي من قريب أو بعيد ، لا يمكن أن يثق فيه ، فهو لم يوفق في تسيير جمعية ، ولا حزب فكيف يدير دولة.
لهذه الأسباب ولو لم أكن مقتنعا بالباجي قائد السبسي كرئيس للبلاد،  بسبب كل المآخذ عليه ، فإنه ليس لي من منفذ إلا أن أصوت له، كارها غير متحمس ، ولكن ما باليد حيلة والمرزوقي على ما وصفت.وأنا  شخصيا لا يمكن أن أئتمنه على بلادي.
---------------
(1)               من بين الذين كانوا ضمن الهيئة أيامها وممن ضجوا من سلوكه رئيسا : مصطفى بن جعفر وحمودة بن سلامة وعبد الوهاب الباهي ( غادروا الهيئة بعد اتفاق على أن قيادات الأحزاب لا حق لها في الجمع مع  عضوية الهيئة المديرة) وخميس الشماري وصلاح الجورشي والطاهر شقروش وعبد الكريم العلاقي وأحمد شطورو وبن عيسى الدمني وفرج فنيش والصادق العبيدي وغيرهم.



الموقف السياسي : الخطوات الأخيرة في السباق نحو قرطاج

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
من ومن ؟؟
في رئاسة الجمهورية
تونس/ الصواب /18/12/2014
من سيتولى رئاسة الجمهورية التونسية ابتداء من مساء الاحد ، نظريا ، ولكن واقعيا ، وبعد الإعلان عن النتائج الرسمية والنهائية لانتخابات رئاسية بعد ثلاثة أيام.
وفق البرنامج فإن النتائج الصادرة عن سبر الآراء ستكون معلنة في تمام الثامنة أو التاسعة من مساء الاحد ، غير أن هذه النتائج لن تكون لها أي صبغة رسمية ، بل فقط دلالية.
النتائج الرسمية الأولية من المفترض باعتبار وجود مرشحين فقط  ، إما  أن تعلن في ساعة متأخرة من الليلة الفاصلة بين الاحد والاثنين ، وبعد ذلك ستدخل البلاد ماراطون الطعون لتعلن النتائج الرسمية والنهائية خلال أسبوع أو عشرة أيام ، بعدها يعين موعد التنصيب وأداء القسم أمام مجلس نواب الشعب ، لتدخل الولاية الرئاسية الدائمة حيز النفاذ ،، ولكن من  ومن؟  من سيكون رئيسا لتونس للخمس سنوات المقبلة.
هل سيكون الباجي قائد السبسي ، أم سيكون منصف المرزوقي ؟
للواقع ومن خلال استقراء مواقف كثيرة ، وإذا تركنا جانبا المناصرين المباشرين لكلا المرشحين ، فإن جانبا كبيرا ـ وفق اعتقادنا ـ لا يبدو مقتنعا لا بهذا ولا بذاك ، ولكن الاختيار سيتجه لا للأفضل ولكن للأقل سوء.
الباجي قائد السبسي تحفظ كبير عليه بسبب سنه وبسبب ماضيه  وبسبب التخوف من تغوله.
منصف المرزوقي تحفظ كبير عليه بسبب أدائه خلال السنوات الثلاث الأخيرة ، وما يتهم به من قلة التوازن ، ثم التخوف مما  قد يثيره من إشكالات لو تولى رئاسة الدولة ، وبسبب تشنجه المطبوع به من تعطيل لسير الدواليب.
ولكن لا بد مما ليس منه بد ، وإذا تركنا جانبا هذه المحاذير ، فإنه لا بد لأغلبية من التونسيين أن تختار ، ولن يكون الاختيار سهلا.
لكن كيف تتبدى الصورة اليوم : ليست بين أيدينا نتائج عمليات سبر الآراء كما كان متاحا بكثرة قبل الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ، ومن هنا فإن غالب التونسيين يسبحون في ظلام حالك.
فقط سنقف عند عنصرين يمكن أن يشكلا بصيص وضوح في الظلام الدامس لاحتمالات نتائج معينة.
أولاهما وافدة من أحد أنصار قائد السبسي ، أي من رياض المؤخر أحد قياديي آفاق ، وهو طبيب وعادة لا يطلق الكلام على عواهنه ، يقول رياض المؤخر في الفايسبوك  الإثنين  15 ديسمبر أن الفارق بين المرشحين هو 10 نقاط لفائدة السبسي .
وثانيتهما تدوينة من رضوان المصمودي وهو قريب جدا من النهضة ، ونصير متحمس للمرزوقي ، وهو نصير ذكي لأنه لا يشرخ في السبسي ولكنه يعلن خوفه من جمع كل خيوط القرار في يد واحدة ، وهو موقف جد ذكي. هذه التدوينة نشرها رضوان المصمودي الثلاثاء 16 ديسمبر وتقول إن عمليات سبر الآراء تفيد بأن السبسي يجلس على نسبة 55 في المائة والمرزوقي على نسبة 45 في المائة.
ومن جهة مقرب من النهضة فإن لذلك معنى.
بالنسبة للمؤخر ، يبدو أن الأمر محسوما  لفائدة قائد السبسي ، أما بالنسبة للمصمودي فالدعوة ملحة  لديه لجمع الصفوف ، والتعبئة لقلب المعادلة ، وهناك نبرة شبه يائسة ملاحظة لدى أنصار المرزوقي ، فقد قلت كثيرا الكتابات على الفايسبوك ، المؤمنة بانتصاره ، وتراجع عددها ، كما تراجعت لهجتها الواثقة.
هل يعني أن الأمر بات محسوما ، إن مفاجئات آخر لحظة تبقى ممكنة.
غير أن عناصر جديدة لا بد من إدخالها في الحساب:
1/ أولها موقف النهضة والدعوة التي تبدو صريحة بما تسمح به الصراحة من الغنوشي لفائدة أحد الطرفين ، وبخلاف التوجه العام ما يوحي بأن القيادات العليا وجانب كبير من القيادات الوسطى قد تذهب بأصواتها للسبسي، فالنهضة تبحث عن التموقع اعتمادا على قراءة تراها قيادات فيها صحيحة ولا بد من أخذها بالاعتبار:
أ/ أن المرزوقي لا يمكن أن يفيدها رئيسا ، أو  يستطيع أن يعرض عليها شيئا ، بعكس السبسي.
ب/  بينما تهميشها خارج السلطة ولمدة  5 سنوات سيؤدي إلى انفضاض تخشاه من حولها.
ولا بد أن يفهم المرء جيدا العبارة التي أعلنها الغنوشي والمقصود منها أنه صعب جدا ذلك التعايش بين رئيس جمهورية من توجه ورئيس حكومة من توجه آخر ، وليس صدفة أن يقول الغنوشي ذلك في هذا الوقت فهو قول قاتل بالنسبة للمرزوقي ، وإن كان أردف بأنه ليس مستحيلا.
وقد لا يكون قول الغنوشي حاسما في تحويل ما أسماه المرزوقي "شعب النهضة " عن  موقفه ، ولكنه سيترك أثرا إن كبيرا أو صغيرا سيفصح عنه التصويت.
2/ أن السبسي قد قلل من الحديث حتى لا يسقط في مطبات جديدة ، بينما يواصل المرزوقي "الثرثرة " ، ويسقط في مطب بعد مطب ، فيما يعتقد البعض ـ وهذا ليس قابلا للإثبات – أن تغيير الرئيس المؤقت للباسه ، لا يدل على كبير استقرار نفسي ، من البدلة إلى القشابية ، ومن الامتناع  عن الكرافاتة إلى لبسها ، إلى لبس الشاشية ، " أعداؤه "يشيرون بذلك لعدم التوازن ولا معرفة ما يريد.
3/ وثالثها هذا الطعن في دستورية فصول من قانون المالية ، وقائلون ، يشيرون إلى أنه إذا أقدم على ذلك اليوم ، فكيف سيكون الأمر غدا ، إذ يمكن برد القوانين أن يعطل دواليب الدولة.
ولكن من المؤكد أن المرزوقي يبقى على حظوظ في سباق الرئاسة ، وهي وإن كانت أقل من حظوظ السبسي من المنطلق فهي موجودة ، والسؤال هل يستطيع  الرئيس المؤقت أن يردم حفرة الـ17 في المائة التي تفصله عن الخمسين في المائة الزائد واحد التي يحتاجها لربح معركته باعتبار نتائج الدورة الأولى.