عربيات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
المعادلة
الجديدة
بعد القمة
الخليجية ,,
وتونس في هذا الخضم
تونس في
10/12/2014
لم يكن
البيان الصادر عن القمة الخليجية مفاجئا، فقد جاء في إطار تفاهمات بين 5 من
الأعضاء ودولة قطر ، تم إنضاجها على نار باردة خلال أسابيع.
كان مقدرا
لها أي القمة أن لا تنعقد ، أو في أحسن الأحوال أن تنعقد في غير المكان المقرر لها
، الدوحة عاصمة قطر.
غير أن
المتغيرات الدولية ، وقوة الضغط
السعودية/الإماراتية / الكويتية ، قد فرضت على الدوحة فبول عناصر المعادلة الجديدة ، فاضطرت قطر الحريصة على أن تنعقد القمة عندها
، كما هو مقرر، أن ترخي الحبل خوفا من
انقطاعه ، وتواجدها خارج الوفاق الخليجي ، الذي يعتبر صمام أمانها في منطقة تبدو
كقدر تغلي ، بين قوة إيرانية / فارسية / صفوية صاعدة ، وقوة تركية تبدو حالمة
بعودة الخلافة ، ولم لا عندها.
من هنا جاء
البيان الصادر عن القمة بموقف مستدير على المواقف القطرية السابقة جميعها، فقد
التزمت الدول الست بمساعدة مصر ( أي النظام المصري ) ومع رئيسها ـ طبعا الحالي ـ
ومؤسساتها.
وجاء هذا
الموقف في تناقض كامل مع الموقف القطري المعلن منذ سقوط الرئيس الأسبق محمد مرسي
قبل عام و نصفا ، والذي كان في تناغم كامل مع
جماعة الإخوان المسلمين سواء
المصرية أو العالمية.
فقد استعملت
الآلة الدعائية القطرية بشدة ضد الحكم القائم في مصر ، بعد تمرد 30 جوان 2012 ،
وانقلاب الجيش على الرئيس المنتخب ، الذي كان راكم من الأخطاء ما أثار الشعب
المصري ضده، وبفعل انتصار آلة الدعاية القطرية الكبيرة ممثلة في قنوات الجزيرة ،
واليوم العربي الجديد ، للمبعدين من الحكم ، أمكن لهم أن يجدوا موقع قدم عند كل الغاضبين والمعادين للنظام
المصري الجديد ، الذي اتسم في نفس الوقت بالديكتاتورية والدموية المفرطة ، و
وتمكن من التعبئة القصوى لكل الجهات الإسلاموية
المتحالفة مع الإرهاب، وبات شعار الماسونية الدولية المرتبطة بالصهيونية للأسف هو
شعار رابعة الأصفر.
بيان الدوحة
الذي يزيد من قوته، أنه صدر من العاصمة المعادية للنظام المصري، والتي هي مطالبة
اليوم في شخص أميرها بالانتقال إلى القاهرة لتقديم شواهد الطاعة والإخلاص ، تلك هي
السياسة وتلك إكراهاتها.
**
ماهي تبعات
هذا الموقف الذي اضطر له أمير قطر الشاب ، وانحنى عبره أمام لا فقط إرادة جيرانه
بل الإرادة الدولية ، التي قلبت له ظهر المجن ، وأخذت تتعامل مع النظام المصري
الجديد من منطق الواقعية والمصالح؟
طبعا و بداية
وقف الحملات الكبيرة ضد مصر التي جعلها الوضع تتمتع بحماية الدول الخليجية وتتمتع
بسخائها.
وسوف نرى ولا
شك إن لم تبدأ الجزيرة بالتبيسح والتهليل بحمد السيسي فعلى الأقل، تحييد التعامل
معه.
ثم إن
المجموعة الجديدة التي يرأسها عزمي بشارة ، والتي كان من المفروض بصحيفتها
"العربي الجديد" وقناتها التلفزيونية التي ستبدأ البث قريبا في نفس
السياق ، ستكون مضطرة إلى تغيير لهجتها.
لكن الأخطر من
ذلك ، تتمثل في أن القيادات الإخوانية الباقية في قطر ستضطر لمغادرتها ، والبحث
لنفسها عن مكان آمن ، مثل تركيا أو السودان ، حيث إن أخبار رائجة لم تتأكد بعد
، تفيد بأن البوليس الدولي
"الانتربول" بدأ في ملاحقة 189 من تلك القيادات على رأسهم القرضاوي،
والقبض عليهم إن غامروا في التواجد بدول ديمقراطية ، كما هو شأن عمر البشير رئيس
السودان ، الذي يعيش منذ سنوات تحت وطأة بطاقة جلب ، صادرة عن محكمة الجنايات
الدولية.
**
لكن ماذا
تعني هذه التطورات ؟
في حقيقة الأمر لا يمكن لأي كان أن يقيس تبعاتها
القريبة والبعيدة اليوم. ولكن الواضح أن منظومة الإخوان المسلمين، أصبحت مستهدفة ، وأنها باتت
آيلة للتفكك.
هذا دوليا.
ولكن ما هي
التبعات في تونس.؟ و هو سؤال لا يمكن للمرء أن يتغاضى عنه.
ما يمكن
للمرء أن يقوله ، هو أن الإسلام السياسي التونسي ممثلا في حركة النهضة ، قد أبرز
قدرة فائقة على التأقلم ، والقراءة الصحيحة لتطور الأمور ، وبفضل قيادة لا ينقصها
الذكاء السياسي ، استطاعت بقيادة مدركة تمام الإدراك لطبيعة التحرك السياسي الناضج
، أن تتجاوز أزمة صيف 2013 التونسية ، وتتفاعل معها وحتى تستفيد منها.
وللمرء أن
يتوقع ، أن الشيخ راشد الغنوشي ، وهو من الدهاء السياسي ، إضافة إلى بعده الفكري ،
لقادر على التأقلم مع المستجدات ، والتوجه نحو تحويل حركة النهضة ، إلى حزب سياسي
، على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب ، والتدرج بالحركة نحو قسمة
بين ما هو سياسي وما هو دعوي.
من هنا فإن
هذا أيضا هو استحقاق فوري ، أملته تطورات الواقع المعاش اليوم في تونس ، عشية دورة
ثانية لانتخابات رئاسية ، وإن رآها البعض محسومة مسبقا لفائدة السبسي ، فإن النهضة
لا ترغب أن تكون في الصف الخاسر، إضافة إلى ما يتطلبه الذكاء السياسي من القراءة
الواقعية ، لتبعات بيان قمة الدوحة ، والتراجعات الموجعة لدولة قطر الصغيرة ، التي
أعيدت إلى حجمها الطبيعي.
أمام النهضة
فرصة لإبراز اعتبارها حزبا سياسيا مدنيا، دليل ذلك حيرتها أمام الموقف من التصويت
في الدور الثاني لانتخابات الرئاسة ، والانقسام الواقع بين قيادة تدرك إكراهات
السياسة ، وقواعد تتصرف عاطفيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق