Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 7 ديسمبر 2014

اقتصاديات ، بعد الغفوة الطويلة هل جاء زمن اليقظة المريرة؟

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
يوم 1 جانفي 2015 ،،
تكون طارت السكرة ،، وحضرت المداينية
تونس/ الصواب /7/12/2014
تونس ستستفيق في غرة جانفي على واقع مر،، تكون قد أفصحت كل الانتخابات عن أسرارها ، بطيبها وسيئها بالنسبة لكل طرف، ويكون قد جاء زمن الاستفاقة من غفوة طويلة ، يحسب البعض أنها امتدت منذ قيام الثورة ، ولكن جذورها أعمق من ذلك.
بلد تعود على التواكل على الكسل، بلد يعيش فوق إمكانياته، وجاء الوقت ليستيقظ من غفوته التي طالت.
بلد سيواجه أحب أو كره ، إكراهات الواقع التي لم تعد تنتظر تأجيلا ، بلد تعود على مطلبية قاتلة ، غير شاعر بأن كل فلس يزيد بالنسبة للعاملين والمتقاعدين ، هو موطن شغل محذوف.
بلد قد يشهد اضطرابات ، ليست سياسية فقط فتلك مقدور عليها ، ولكن خاصة اقتصادية اجتماعية حادة وتحتاج إلى اتخاذ قرارات موجعة ، لم يعد هناك مجال لتأجيلها  أكثر مما أجلت ، التأخر عن مواجهتها لا يعني إلا مزيد التخلف و مزيد البطالة ، ومزيد غلاء الأسعار،
أولا : سيكون التحدي الأكبر  سياسيا ومرتبطا بالاقتصاد ، وهو تشكيل الحكومة ، ومهما كانت نتائج الرئاسية والتجاذبات بشأنها إذا فاز المرزوقي بــــمنصب الرئاسة ، وهو أمر مستبعد جدا وفقا للمعطيات المتوفرة اليوم ، ومن رأينا أن الانقاذ الوطني يمر عبر تشكيلة حكومية متحزبة ، أي إنها تكون مشكلة من شخصيات سياسية تنتمي إلى حزب أو أحزاب ، فتلك الحكومة ووزراؤها يكونون خاضعين لا للمساءلة الظرفية  من طرف البرلمان فقط ، بل للمساءلة السياسية من طرف الناخبين ، كما كانت حكومات الترويكا قد سقطت في امتحان صناديق الاقتراع ، عبر انتخابات صرفت تماما التكتل والمؤتمر ، و"قصبت" أجنحة النهضة.  
فالتكنوقراط لا يكونون في العادة لا في العير ولا النفير ، وهم يذهبون في حالة الفشل كما نشهد منذ قرابة السنة ، بأشخاصهم لا بأحزابهم ، ولا يخضعون للمساءلة الشعبية ، ولا للطرد عبر سحب الثقة.
ومن هنا فلا معنى لحكومة تكنوقراط جزئيا أو كليا ، والفائزون في الانتخابات عليهم أن يكونوا في مواجهة الشعب وتحت مراقبته عبر الانتخابات ، وهو أمر صعب ومكلف ، فإن أوزال وكمال درويش الذين كانوا وراء ما سمي بالمعجزة التركية ، والذين وضعوا اقتصاد تركيا المنهار في أواخر التســـعينيات  على السكة ، قد لفظهم الشعب  رغم ما قدماه للشعب التركي من رفاه ينعم به اليوم ، وتمكن حزب أردوغان من أن يرث الحكم على أنقاضهم ، ويدعي أنه كان وراء ما تنعم به تركيا من مرحلة نمو وصلت إلى حد الرقمين.
ولا بد أن يعلم من يتصدون للحكم اليوم ، سواء منفردين أو " بالوحدة الوطنية " أنهم سيواجهون نهاية محتومة بعد 5 سنوات ، ولكن الوطنية تقتضيهم ذلك إذا أرادوا أن يدخلوا التاريخ من بابه الكبير كمصلحين منقذين.
إذن لا بديل عن حكومة إنقاذ وطني سياسية نابعة من حزب أو أحزاب ، لعلها تجمع كل الأطياف السياسية ، لتقاسم المجهود ، ونيل العقاب السياسي إن كان لا بد من عقاب ، سواء بعد خمس سنوات أو أقل.
ثانيا : بعد اجتياز مرحلة  تشكيل الحكومة ، فإن الأجندة المطروحة على الحكام الجدد ، ستكون صعبة جدا ، وعلى هؤلاء الحكام وهم يستلمون الحكم أن يدركوا ، أنهم يستلمون بلدا أشلاء ، وبلدا فقد معالم طريقه ، وأنه في حاجة إلى إعادة بناء شاملة ، وللواقع فإن السنوات الأربع الأخيرة على المسؤولية الثقيلة التي يتحملها من حكموا البلاد ، وساروا بها على الطريق غير الصحيح ، والتي سبقتها سنوات بقلة إدراك لطبيعة المتغيرات التي حصلت فيا لعشرية الأولى للقرن الحالي ، قد عقدت كثيرا مهمة الحكام الجدد:
أ/ تمزق النسيج الاجتماعي وحتى المجتمعي ، وانفراط عقد القيم التي كانت قائمة ، وغياب الدولة ، وسيادة الفوضى ، وتجاوز علامات البناء الاجتماعي ، و فوضى عارمة ، لا يمكن للمرء أن يتصور كيف السيطرة على مداخلها ومخارجها ، وخاصة إرجاع الأمر إلى وضع الدولة القائمة بواجباتها ، والإدارة المتحللة المتعملقة  التي فقدت علامات طريقها (800 ألف موظف لعشرة ملايين من السكان  بنفس العدد تقريبا للدولة الفيدرالية الأمريكية (300 مليون ) ، طبعا مع عدم نسيان موظفي الولايات التي هي دول قائمة الذات) ، وغياب  روح المسؤولية، والسؤال من أين ستبدأ الحكومة الوافدة , لإعادة شيء من النظام ، في الانخرام المعمم الذي تبدو صورته في وضح الشمس عائقا لكل عمل يستهدف الإصلاح.
ب / مواجهة المطلبية المفرطة ، التي كان من نتائجها أن انخرمت الهرمية التأجيرية في البلاد ، وباتت السلالم التي تم بناؤها على مدى نصف قرن في خبر كان ، ولم تفهم الحكومات منذ مرور حكومة السيد الباجي قائد السبسي ، أن الاستجابة الأوتوماتيكية للمطلبية دون درس آثارها سيكون مدمرا للتازن الاجتماعي ، ويكون مقدمة لخراب نظام قائم، إذا كان لا بد من إصلاحه ، فوفق منطق داخلي .
ولعل أصعب ما ستواجهه الحكومة هو ترشيد المطلبية المفرطة والسعي لإعادة شيء من المعقولية لسلم تأجير ينبغي أن يكون عادلا.
وبدون مساعدة الأجهزة النقابية ، وفهمها لطبيعة المرحلة ، وتعلم كيفية مواجهة مطلبية قاعدية منفلتة ، لا تضع في الإعتبار ، أن من يتمتع بعمل في بلادنا يعتبر اليوم محظوظا ، وأن الأولوية هي لتشغيل 700 ألف عاطل عن العمل ، لا بالإدماج وإثقال الكاهل ، وإنما بخلق فرص العمل ، لا في الإدارة العمومية ، التي تئن تحت وطأة عبء من الموظفين فوق الحاجة بكثير ، ولكن بدفع القطاع الخاص الذي هو في حاجة إلى حد أدنى من الاستقرار السياسي والاجتماعي  للإقدام على الاستثمار ، العنصر الأول في توفير فرص العمل.
إن التأجير في تونس يشكو من ضعف في مستوى الأجور كبير ، ولكن العلاج يأتي لا من زيادات فوضوية في الأجور تلاحقها زيادات معلنة أو خفية في الأسعار معلنة وغير معلنة ، تأكل كل زيادات الأجور، إن الأجر هو بقدر دوره الاجتماعي يعتبر كلفة إنتاج وبالتالي ، فهو الذي يحدد القدرة على التسويق ، ولعل من الخطإ بالنسبة لبلادنا ، أن تعتبر مجموع المرتبات في الإدارة ، قيمة مضافة ، تدخل في حساب المحاسبة العمومية كإنتاج ، كما هو الشأن في البلدان المتقدمة ، فيما إن إدارتنا الوطنية قليلة الانتاج ضعيفة الانتاجية ، وتعتبر ارقامها غير متناسبة مع حجمها.
ثالثا : لسنا في وارد تعليم أحد ما ينبغي له أن يفعل ، ولكن ذلك لا يعفي من القول ، أنه وفي ما عدا وزارات السيادة التي لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على العملية التنموية ، التي ينبغي خوض غمارها بكل قوة وشجاعة ، لا تضع في افعتبار الغضب الشعبي المحتمل، باعتبار النتائج المرتقبة على المدى المتوسط والبعيد، فيما عداها رغم دورها الكبير في إسناد الجهد الوطني ، فإن الحكومة المقبلة ينبغي أن تقوم على قطبين رئيسيين :
أولهما القطب الاقتصادي بكل الاكراهات التي يفرضها ، فالحكومة ستستلم حالة كارثية بحق ، وكل المؤشرات في الأحمر ، وهي لم تكن دوما كذلك ، وعليها أن تنبه بذلك عل ذلك التنبيه يخفف عليها الضغط ، وعليها أن ترسم سياسة شجاعة وإرادية لفرض إصلاحات تأخرت كثيرا ، فحال مؤسسات الدولة التي تمتص الأخضر واليابس ، هي اليوم عبء على المجموعة الوطنية بدل أن تكون سندا لها ، وهي تحتاج إلى حلول ، ليست بالخصوص متمثلة في مزيد ضخ مساهمات دافعي الضرائب في شركات وبنوك لا سبيل لإصلاح حالها ،  وهي كما يقول المثل الشعبي كمن يداوي العين العورة، والدولة في حاجة لإعادة تدريجية للتوازنات المنخرمة في كل مجال ، وهي في حاجة إلى إصلاح ضريبي حقيقي ، يكون أول مجالات العدالة ، مع الضرب بيد من حديد على المتهربين ، باعتبارهم يستولون على مال المجموعة الوطنية ، ولا بد أن يسبق هذا أمران اثنان تخفيض نسب الأداء ، وعفو جبائي عام ، على معارضتي الشديدة له ولقلة عدالته ، ومعاقبته للمؤدين لواجبهم ، فإنه ضروري لتمكين مئات الألوف من المصالحة مع الضريبة ، ولكن مع عقوبات يمكن أن تكون حتى بدنية للمتلكئين ، وعدم استثناء أحد من دفع مساهمته في الواجب الوطني الذي يصنع وحده انسجام بلادنا الاجتماعي.
وثانيهما قطب اجتماعي ، هدفه إسناد عملية التنمية و خلق الثروة ، سواء عبر توفير منظومة تعليمية تكوينية جديرة بهذا الاسم ، توفر للاقتصاد حاجياته من العاملين من ذوي التكوين المتين من أعلى إلى أدنى مستوى ، لقد ولى منذ وقت طويل الهدف النبيل لتعليم من أجل التعليم ورصف الشهادات ، ثم الحرص على التوزيع العادل لثمار الثروة المنتجة بين الاستثمار وقوة العمل وحقوق رأس المال سواء كان عموميا أو خاصا ، بكل ما يصاحب ذلك من عملية تطوير الذهنيات ثقافيا ، ورفع درجة الوعي الاجتماعي والانضباط لمقتضيات الدولة.
تلك مهام مترابطة لا فكاك لها ، ولكن ينبغي أن تدخل كلها وكل منها ضمن منظومة واضحة المعالم وفق أهداف ووسائل عمل مضبوطة ومحددة سلفا ، بمسارها الواضح المعالم وغاياتها الوطنية التي لا لبس فيها.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق