سانحة
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
انتقال السلطة، وانتقال الأرشيف
تونس / الصواب /28/12/2014
أثار انتباهي خلال الأيام الأخيرة ما
سمي بغزوة الأرشيف ، فقد حاولت هيئة الحقيقة والكرامة ، حتى لا نقول السيدة
سهام بن سدرين نقل أرشيف من رئاسة الجمهورية ، إلى مكان مجهول ، لعله مقر الهيئة ،
ورافقت السيدة بن سدرين عددا من الشاحنات
لرفع ذلك الأرشيف .
وهنا ينبغي لنا أن نتوقف عند أمرين
اثنين:
أولهما ، أن أرشيف رئاسة الجمهورية ،
إذا كان لا بد من نقله ، فلا يمكن وضعه إلا عند الجهة المؤهلة لذلك النقل بحكم
القانون ، واعتبارا لمقتضياته ، كما مقتضيات الأمر في كل البلدان التي تعتمد
مقاييس محددة في شأن أرشيفها العمومي ، ولكن أيضا ما يتوفر من أرشيف يأتي من
الخواص.
وقراءة القانون الصادر سنة 1988 ، وهو
ليس بدعة تونسية تفيد بأنه يعطي احتكار
الحفاظ على الأرشيف العمومي لدى مؤسسة
الأرشيف الوطني ، المكلفة بتصنيفه وترتيبه وحفظه كأفضل ما يكون عليه الحفظ، هذا ما
ينبغي أن يكون واضحا ، ورئاسة الجمهورية التي تتوفر على ما يبدو على مخزون من
الأرشيف ضخم يمثل الذاكرة الوطنية، ويمتد
لا لفترة إعلان الجمهورية في سنة 1957 ، بل على ما يبدو لفترات قد تطول أو تقصر،
ومن بين ما يعتبر أرشيفا لوحات ضخمة لملوك تونس من الحسينيين ، يمكن أن تصنف ضمن
الأرشيف الوطني ، ولكن يتم إقراضها للقصر الرئاسي ، تبقى تحت تصرفه المؤقت أي لا
يمكن البتة التفويت فيها.
ولقد سبق لي بمناسبة مهمات معينة في
مؤسسة الأرشيف الوطني أن شاهدت وثائق معروضة ذات قيمة تاريخية عظيمة ، كما يجد
المرء في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان نسخا لوثائق مهمة، لا بد أن تكون أصولها
محفوظة لدى مؤسسة الأرشيف الوطني.
من هنا فإن المكان الطبيعي للوثائق
المتوفرة في رئاسة الجمهورية ، هو مخازن الأرشيف الوطني ، المجهزة تجهيزا علميا
مخصصا للمحافظة على ذلك التراث الوطني ، الذي لا يمكن تقييم قيمته.
و من هنا فإن رئاسة الجمهورية نفسها،
ليست مخولة بالتفويت فيه لغير الجهة التي ينبغي أن يذهب إليها.
هذا أولا ، ثم وثانيا وليس في ما يخص
الأرشيف المتوفر لدى رئاسة الجمهورية ، فأمره واضح وهو ضرورة التسليم للمؤسسة
المعنية لا غير ، فإننا ونحن نمر بفترة دقيقة لنقل السلطة لم نتعود عليها ، علينا
أن نقيم تقاليد جديدة مرتكزة على تنظيم
عقلاني .
وكما هو الشأن في البلدان المتقدمة
فإن الرئيس المتخلي ، لا بد له من أن يكون جاهزا لتسليم السلطة ، ومن هنا فعليه
وبمجرد انتخاب الرئيس الجديد أن يشركه في اتخاذ القرارات، التي يمكن أن ترهن
مستقبل القرارات المقبلة للدولة، أو تضع الرئيس الجديد على طريق قد لا يكون هو
الطريق الذي ينوي السير فيه.
ذلك شرط من شروط الممارسة الديمقراطية،
ففي الولايات المتحدة يمر شهران اثنان بين انتخاب الرئيس الجديد واستلامه السلطة،
وخلال الشهرين فإن الرئيس القائم عليه أن يستشير الرئيس اللاحق في كل كبيرة
وصغيرة.
**
بقي لي أن أتساءل بالمناسبة ماذا يمكن
أن يسمى ما أقدمت عليه نقابة الأمن الرئاسي أو حتى ما أقدم عليه الأمن الرئاسي، هل
هو تنفيذ لتعليمات رئاسية غير مكتوبة، أم إنه نزع لولاء الجهاز إزاء الرئيس مع ما نعرف من الولاء الضروري للجهة العسكرية أو
شبه العسكرية للسلطة الشرعية القائمة.
سكوت رئاسة الدولة محير، والسؤال هل
يمكن أن يلغي أمر شفوي أمرا ـ ولو غير قانوني ـ مكتوب وموثق، ويعود السؤال الذي
أصبح تقليديا والذي كان مصطفى الفيلالي أول من أطلقه : هل بقيت في تونس دولة ؟
ولعله وعلى التحفظ إزاء الرئيس الجديد مع الاحترام
الواجب نحوه بحكم المنصب ، للمرء أن يأمل
عودة الدولة وهيبتها ونفاذ قرارات رجالها وفي مقدمتهم رئيس الدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق