الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس غدا
تونس/ الصواب / 23/12/2014
.. وعلى كره مني اضطررت للتصويت في
الدورة الثانية من الرئاسيات لرئيس الدولة
اليوم سيادة الرئيس الباجي قائد السبسي ،
ولم أئتمن على بلدي سيادة الرئيس منصف المرزوقي.
اليوم أريد أن أتوقف عند أمر معين قبل
أن أنطلق، إني شخصيا أبقى على احترامي للرجلين، على اعتبار الموقع الذي احتله أو
سيحتله كل منهما.
رئيس الدولة اعتباريا، هو
رمز للبلاد بقدر رمزية العلم، وبقدر رمزية النشيد الوطني. ولكنه الرمز الحي
المتحرك.
ولذلك ويستطيع من شاء أو يشاء، أن
يبحث في كل ما كتبت على مدى السنوات الثلاث الماضية ، أو أن يجد ولو لمرة واحدة قولا لي مُحطا من قيمة
الرجل ، أو به وصف غير لائق مما انتشر على
نطاق واسع ، هذا على كثرة ما انتقدته ، وأقول انتقدته لا نقدته( قصدا) لمعرفتي عن
كثب به من جهة ، ولطبيعة القرارات الخاطئة الكثيرة التي اتخذها، وزج بها البلاد في توجهات اعتقدت وما زلت أعتقد
أنها كانت كارثية وبقيت آثارها كارثية ، وأيضا لصورة المتهافتة التي أعطاها لمنصب
ينبغي أن يكون فوق الابتذال وأبعد ما يكون عنه.
كل ذلك من الماضي ، ولكن ذلك الماضي
يقفز أمامنا ويعترض طريقنا كلما حاولنا أن نزيحه ، أو نتغافل عنه اليوم.
منذ عام ونصفا يتصدر الباجي قائد
السبسي استطلاعات الرأي بشأن احتمالات انتخابات رئاسية متوقعة ، كان الحزب الذي
أنشأه جديدا ، ورغم ذلك قفز هو وحزبه للمراتب الأولى بل للمرتبة الأولى ، وإذ
تداول لمدة على المرتبة الأولى مع الأستاذ حمادي الجبالي في تلك الاستطلاعات، فقد
استقر له الأمر بعد ذلك في تلك المرتبة بدون منازع.
ولم يكن رئيس الجمهورية المؤقت منصف
المرزوقي لينافس أي من الرجلين في تلك الاستطلاعات.
وأستطيع أن أزعم اليوم والوثائق تحت
يدي ، أن النهضة لم تترشح للرئاسيات ، لا قناعة في المنصب ، ولكن بعد حسابات دقيقة
بأن حظوظ أي مرشح تقدمه لا يملك حظوظا فعلية للنجاح وأنه سيأتي في مرتبة ثانية
تعني الهزيمة ، وهي لذلك لا تغامر بوضع
شخصية من شخصياتها على محك منافسة تدرك أنها ليست في مصلحتها ، فسقوط شخصية معينة
في انتخابات رئاسية ، وفي بلد مثل بلادنا ، يحكم عليها نهائيا، بعكس ما يحدث في
بلدان متمرسة في الممارسة الديمقراطية.
أستطيع أن أزعم أيضا أن النهضة تحت
قيادة رجل داهية مثل الشيخ الغنوشي، كانت
تعرف منذ أشهر أنها لن تأتي في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية وكل تراجع
هو في النهاية هزيمة ، يشهد على ذلك تصريح شهير للشيخ عبد الفتاح مورو في صحيفة
"العربي الجديد" قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية، والنهضة بحس سياسي
حاد ، لم ترغب في أن تراكم الهزائم ، بل أوكلت للمرزوقي دور المهزوم، وهي تعرف
بصورة مسبقة المصير المحتوم ، اعتمادا على استطلاعات الرأي التي تكاد تكون يومية،
والتي مع اتفاقها الإجماعي داخليا وخارجيا ، فإنها لم تضع قط الرئيس المرزوقي في
مرتبة متقدمة على الرئيس السبسي.
لكن النهضة ، وهي تعرف مسبقا النتائج
المتوقعة سواء تشريعيا أو رئاسيا ، لم تسعف الرئيس المرزوقي ولا حزبه في
الانتخابات التشريعية كما فعلت في انتخابات فكانت الهزيمة ثقيلة جدا 2011، ولكنها أسعفته في
الانتخابات الرئاسية ، وهي تدرك تمام الإدراك ليس فقط أن حظوظه ضعيفة ، وتقارير الاستطلاعات على مكاتب قياداتها ،بل
معدومة تماما.
ومن لهم إلمام بالشأن السياسي كانوا
يعرفون نتيجة الانتخابات الرئاسية ويعرفون منذ أسابيع إن لم يكن منذ أشهر إلى أين
سيؤول المنصب الرئاسي ، وأحلام اليقظة فقط هي التي دفعت بكثير من الناس لتوقع نجاح
الدكتور المرزوقي ، في ما الحقائق الدامغة كانت تشير إلى نتائج ليس منها بد.
هل تكون النهضة بما زينت للدكتور
المرزوقي دفعته دفعا إلى الانتحار السياسي، في انتظار أيام أفضل ، تتقدم فيها بوجه
مكشوف بعد 5 سنوات ، وتأمل أن تكون حظوظها أفضل ، خصوصا بعد أن يكون الرئيس السبسي
وحزبه قد اهترآ بممارسة الحكم في فترة
شديدة الصعوبة.
من هنا "أقرضت" النهضة
جمهورها المتمثل في مخزونها الانتخابي للرئيس المنتهية ولايته، وهو ما سيظن الرئيس
المرزوقي أنه أصبح جمهوره ، وسيندفع اعتمادا على ذلك لاعتباره قاعدته في حزبه
الجديد المعلن عن تأسيسه.
**
في 7 نوفمبر 1987 ، كنت في مكتبي في
جريدة الصباح حيث كنت أشغل منصب رئيس تحرير الصباح ، عندما دخل علي الزميل الهادي التريكي وكان اشتغل مدة في الجريدة قبل أن ينتقل للإذاعة
، حاملا آلة "ناقرا" ووراءه فريق تصوير تلفزيوني ، ليأخذ رأيي في أحداث ذلك
اليوم ( وصول بن علي للسلطة)، قلت له الإعلان جيد " بيان 7 نوفمبر"ولكني لا أعطي
صكا على بياض، سننتظر التفعيل ، وأعتقد أن تصريحي يومها الذي تم بثه مساء في
التلفزيون ما زال بين مخبآتي بعد أن مدني به في اليوم الموالي الزميل الهادي
التريكي على شريط فيديو.
**
سأكون في
تناغم نقدي مع رئيس الدولة آنذاك الذي استقبلني عدة مرات ، قبل أن تسوء العلاقات
وتنقطع في صيف 1990، وتتحول إلى محاربة غير أخلاقية.
اليوم وغداة
21 ديسمبر ، وانتخاب سيادة الرئيس الباجي قائد السبسي ، الذي صوتت له عن غير
اقتناع لما شعرت به من أني لا أستطيع أن أئتمن معه سيادة الرئيس منصف المرزوقي على
بلادي، فإني أكرر أني لا أعطي الرئيس الجديد صكا على بياض كما سبق أن قلت وسجل علي
يوم 7 نوفمبر 1987. وأعتقد أن عشرات إن لم يكونوا مئات الألوف مثلي.
صحيح ومن
الناحية الشكلية ، فإن سيادة الرئيس الباجي قائد السبسي ، سيعيد للدولة هيبتها وللمنصب مكانته ، ملبسا وسلوكا ، وأنا شخصيا
أعطي لهذه الشكليات أهمية قصوى ، لفرض احترام الدولة ، واستعادة مكانتها داخليا
وخارجيا ، ولكن هل يكون ذلك كافيا.؟
إن خشيتي
شديدة من أمرين اثنين :
// سن الرئيس
الجديد أطال الله عمره ولكن أيضا بصحة وعافية، تجعله قادرا على تأدية مهامه
الثقيلة، وما تتطلبه من جهد كثيرا ما يكون فوق طاقة البشر العاديين وحتى في سن
الشباب أو الكهولة الأولى.
// ملاحقة
ماضيه ، صحيح أني سمعت مرة الرجل العظيم أحمد المستيري يقول في جوان 1970 إن الأغبياء وحدهم هم الذين لا يتغيرون ، ولكني أنتظر دوما من
رئيسنا الجديد ، أن يبرهن من موقع السلطة الدائمة (أفضل القارة ولكن غزوة من الشرق جعلتنا
نتحدث عن ديمومة هي مؤقتة ومحددة بزمن )عن تغيير جذري ، وليست السبعة أو ثمانية
أشهر التي قضاها كوزير أول سنة 2011 كافية لتبديد الشكوك.
و فوق هذا
وذاك ، ما الذي يمكن أو يستطيع الرئيس الجديد أن يفعله في ظل أزمة اقتصادية خانقة
، وميراث سياسي متعفن ، نتيجة ثلاث سنوات من حكم متعثر ، تولاه من لا خبرة ولا
كفاءة لهم ، ومن كان هاجسهم انتخابيا لا غير ، وهو ما أهلهم لخسارة أول انتخابات
خاضوها، وإذ يؤكدون أنهم في المرتبة الثانية ، فإن القاعدة المعروفة أن كل الشرف هو لمن يحل
في المرتبة الأولى ، رياضيا وفنيا وبالطبع سياسيا.
ثلاث مجالات
اعتقاد سائد لدي بأنها أولويات مطلقة :
الحفاظ على
حرية التعبير بل وتطويرها ، فلا تقدم مهما كان بدونها ، ملكة النقد للسلطات الثلاث
هو أول مفاتيح النهضة ونقصد بها النهضة الحقيقية لا الحزب .
ثانيا تصفية
تركة الماضي القريب والبعيد ، كل التجاوزات وكل التعيينات في غير محلها ، وأيضا
كشف من وقف وراء استشهاد الشهداء من الحوض المنجمي على الأقل حتى اليوم، مع لإسراع
بالمحاسبة الحقيقية دون إرادة انتقام ومرورا إلى المصالحة ، بقصد رفع كابوس نفسي
مخيم.
وإعادة
الاعتبار لكل من انسكبت دماؤهم على أديم هذه الأرض فداء لها منذ الحرب التحريرية
حتى اليوم.
إعادة الثقة
محليا ودوليا في البلاد بعد أن تآكلت تلك الثقة نتيجة ما قبل وما بعد 17 ديسمبر 2010، وذلك هو
بداية الحديث عن تنمية تفيض خيراتها على الجميع أفراد وقطاعات وأقاليم وجهات ،
وتنال إسقاطاتها كل الأجيال ، مع الحفاظ على بيئة يطيب فيها العيش ، وتنتقل سليمة
للأجيال المتلاحقة.
هل السبسي
والحكومة التي سيشكلها قادرة على ذلك ، هذا هو السؤال وهذا الصك على بياض الذي لا
نعتقد أن أحدا يقبل أن يمضيه للسلطة الجديدة.
والحساب ،
الحساب السياسي بعد 5 سنوات ( المأمول) في انتخابات يكرم فيها الحكام أو يهانون وفق نتائج صندوق الاقتراع ، في الدولة الديمقراطية التي
جرى بناؤها بتضحية المضحين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق