Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 30 يناير 2020

سانحة : الحكم ملقى على قارعة الطريق ، ولا من يريد التقاطه ؟؟؟

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الفراغ القاتل
في بلد غير محكوم ؟؟؟؟
تونس / الصواب/ 30/01/2020
يسارع الناس إلى بيوتهم قبل أن ينسدل الظلام على المدن  والأرياف ، خوفا من الهجومات المسلحة المتكاثرة  ( braquage)إلى حد بث الرعب في البلاد ، وهي هجومات للحقيقة لم تقتصر على الليل ولا على الشوارع الخلفية ،  بل باتت تتجرأ على الشوارع الرئيسية والطرقات العامة بين القرى والمدن ، وأصبح الناس في خوف لا على تليفوناتهم أو ساعاتهم أو على القليل من المال الذي يقدر لهم أن يحملوه معهم لكل طارئ ، هذا إذا أفلتت سلامتهم الجسدية من كل سوء  ، بل إن الأمر تطور إلى حد دخول المهاجمين المسلحين إلى محلات الحلاقة ، فضلا عن صعود وسائل النقل وترويع ركابها ،  وسلبهم ما خف حمله وما غلا ثمنه ، والأخطر هو الاختلاء ببعض السيدات المحصنات ، أو الفتيات الأبكار ، واغتصابهن في أماكن الخلاء التي تتم قيادتهن إليها ، دون أن يتجرأن بالتصريح عن ذلك خوفا من " الفضيحة".
ويتساءل الناس : لماذا أصبحنا نعيش هذا الكابوس ، وكيف تحولت عاصمتنا الجميلة ومدننا الصغيرة والكبيرة إلى بؤر إجرام مبيت وبسابق إضمار.
إن على علماء السوسيولوجيا ، أن ينكبوا على هذه الظواهر ، التي اعتقدنا أنها طارئة ، وأصبحنا لتكرارها اليومي هنا وهناك ، نشعر بأنها باتت جزء من حياتنا اليومية ،  " ولا حد خير من حد "  ، فكلنا معرضون لمثل هذه الجرائم ، ومن أفلت اليوم لا يمكن أن يطمئن إلى أنه سيفلت غدا أو بعد غد ، ويقول لي تاجر إليكترونيك : إن الطلب تكاثر بصورة كبيرة ، على التليفونات من صنف 50 دينارا ، التي لا يطمع فيها المسلحون ، وكفت كثيرات من السيدات على حمل حقائب يدوية ، أو أي شيء من الحلي ، حتى المزيفة ، بل وأكثر من ذلك نزعن الاقراط من آذانهن ، ولم يعدن يلبسن ما غلى أو حتى قل ثمنه من الحلي ، الذي كلفهن في بعض الأحيان ثروات طائلة ، أو الفراء وحت في الأعراس .
على أن لكل أن يدلي بدلوه لتفسير هذه الظاهرة ، التي تعاظمت في الأشهر الأخيرة بعد أن كانت محدودة .
ولنا تفسير قد يراه البعض صائبا ، ويراه البعض خاطئا ، إننا نعيش في بلد غير محكوم ، وليس الحكم ، مظهرا لشرطة أو حرس بل اطمئنان في القلوب ، وهو أمر لم يعد متوفرا في بلادنا وأسباب ذلك متعددة :
1/ مظاهر الفقر المدقع السائد والذي لا تؤكده الإحصائيات والبيانات الرسمية وغير الرسمية فقط  ، بل مظاهر معاينة واضحة ، تتمثل في هؤلاء الذين ينبشون في المزابل ، والذين لم يعودوا يجدون ما يسترهم حتى في "الفريب" ، الذي غلا ثمنه ككل شيء في البلاد ، فاللحم لم يعد مادة في المتناول حتى لمن كانوا يصفون أنفسهم بأنهم من الطبقة الوسطى ، بعد أن تضاعف ثمنه مرتين في أقل من عشر سنوات.
2/ غياب الوزاع الاخلاقي ، وحتى الديني رغم امتلاء الجوامع والمساجد بالمصلين ، ناهيك وأن سرقة الأحذية باتت رياضة وطنية شديدة الانتشار.
3/ الإحساس بغياب العقاب الرادع ، بل والتراخي في محاسبة المذنبين ، إذا حصل وسقطوا في الفخ.
كل ذلك ينبئ بأمر خطير هو غياب الدولة ، لا فقط بأجهزتها ، ولكن أيضا بسطوتها وما تفرضه من احترام ، ناهيك وأننا نعيش منذ شهر جويلية ، في فراغ مؤسساتي خطير ، فالحكم هو حكم تصريف أعمال ، بحكومة نصفها بوزراء نواب ، لا يعرفون متى سيقع صرفهم فلا هم في العير ولا في النفير .
وحتى الانتخابات لم تفرز أحدا يقدم على استلام الحكم ، فكل حزب يقذف بجمرة الحكم للآخرين مهما كان موقعه في المجلس ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، بما أنهم أن لا أحد منهم استلم " جمرة " السلطة بكل تحدياتها ، بعد مرور تسع سنوات من العبث ، شاركت فيها طبقة سياسية ، أقل همها هو مصلحة الوطن .
والحكم هو ثقة الناس في مستقبلهم  ، ومستقبل أبنائهم ، وهو الذي يصنع الاستقرار، في وقت لو وجد فيه نصف التونسيين سبيلا لمغادرة البلاد ،  نهائيا أقبلوا على ذلك بطيب خاطر بل بحماس تاركين أهل البلاء للبلاء .
وإزاء وضع هذه الحال ، فالسلطة ملقاة على قارعة الطريق ولا أحد يريد أن يلتقطها كما قال لي بالأمس ، الأستاذ الكبير الطاهر بوسمة ، الذي خبر السلطة بمختلف أوجهها ، وخبر المجتمع المدني ، وحتى الوزير الأول المعين ، لم يشعر بالتفاف من حوله ، بل المناورات ، والشعور السائد اليوم بأنه ، لو قدر له   أ ن مر أمام البرلمان  ، ونال الثقة ،  واستلم " ال من  شهور معدودة ، بعد أن أدخل نفسه عن وعي أو غير وعي  ، من اليوم الأول في فخ يعتقد أنه أطبق عليه.


الأحد، 26 يناير 2020

الموقف السياسي : نحو المجهول

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد موقف رئيس الدولة :
نحو المجهول ،
 بوزير أول  هش
و رئيس رئاسوي
تونس / الصواب/ في 24/01/2020
منذ أن تجنب رئيس الجمهورية استقبال ممثلي الأحزاب ، لمشاوراته من أجل اختيار رئيس الحكومة "الأقدر" ، والاكتفاء بالاختيار بالمراسلة في طريقة غريبة للتشاور السياسي، منذ ذلك الحين  أخذت تتضح الصورة ، وهي أنه لا يقبل  باستقبال منافسه في الدورة  الثانية الرئاسية الانتخابية في القصر الرئاسي ، ثم جاء اختيار المكلف بتشكيل الحكومة  ، ليؤكد ذلك باعتبار أن الرجل المعين لم ينل سوى 0.34  في المائة في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية ، ثم إن حزبه لم يحصل ولو على مقعد واحد في البرلمان ، وفي ترتيب الترشيحات الحزبية  لمنصب رئيس الحكومة فإن السيد الفخفاخ لم يكن في مركز متقدم بين ترشيحات الأحزاب، من هنا فقد ساد الشك في الأسباب الخفية لاختيار رئيس الدولة له ،  أخذت هذه الأسباب تتضح وتحول الشك إلى يقين ، فالفخفاخ يلمح إلى أن هناك من لا يكون في قائمة الذين يستقبلهم من قادة الأحزاب ، ويضيف في جواب على سؤال أن ذلك لا يعتبر إقصاء لأحد ، وهو بالتالي فإن الأمر يعني أننا إزاء نظام رئاسي  وما السيد الفخفاخ إلا وزيرا أول، يحاول رئيس الجمهورية أن يفرضه في تناقض كامل مع نص وحتى روح الدستور.
السؤال بعد هذا  ما هي التداعيات للتداخل بين الرئاسة الرئاسوية ، وحكومة لا تبدو قوية باعتبار هشاشة رئيسها ( أو الوزير الأول)  الغير متحكم في خيوط اللعبة والخاضع للأهواء. فيما المفروض أن تلك الخيوط بيده ، وهو يستمد شرعيته لا من البرلمان بل من رئيس الدولة.
الحكومة ستجد غالبا الـ109 أصوات الكافية للمرور ، وربما حتى 120 أو 130 صوتا ،  ولكن بأي سلطة فعلية ، ولكن ماذا بعد ذلك ؟
ما هو موقف الأحزاب التي يقال إنها التزمت لنبيل القروي أي النهضة وتحيا تونس ، وهو التزام تأكد بتصريح الأستاذ راشد الغنوشي ضمنيا ، وتحيا تونس بأكثر من الضمني ، وربما أحزاب أخرى صغيرة ، ولكنها مجتمعة مؤثرة ،
ما هو المدى الزمني لحكومة "برئاسة"  الفخفاخ ستصطدم بأكثر من جهة ، وما هي قدرتها الفعلية لتمرير إصلاحات لا بد أن تكون موجعة ، وفي حاجة إلى أغلبية معززة ، وخاصة الوصول إلى قرارات ضرورية لقيام المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية الأخرى أو تجديدها  ، بما يفترض الحصول على 145 صوتا في البرلمان .
لعل رئيس الدولة قد دخل  "برئيس " حكومة في بيت الطاعة عالم المستحيلات ، في الوقت الذي لم يعد فيه قلب تونس مرفوضا من أحد  غيره ، لشعور سائد بأن المرحلة تحتاج التكاتف ، من أجل مواجهة  فترة  صعبة جدا في الأفق ؟؟؟
أم إن الهدف هو خلق اهتزازات في الساحة ، تسمح للرئيس  بتنفيذ ما يجول في رأسه بشأن تصور مؤسسات الدولة .
الأكيد أن الخمس سنوات المقبلة لن تكون سنوات طمأنينة للتونسيين بل ربما العكس سنوات اهتزازات زلزالية.






الأربعاء، 22 يناير 2020

الموقف السياسي : لإنقاذ البلاد لا بد من أن تكون الحكومة بروح انتحارية ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس بحكومة قائمة قبل مرور شهر
تونس / الصواب/ 21/01/2020
لنترك جانبا الجدل المحتدم حول اختيار إلياس الفخفاخ ، كرئيس حكومة مكلف ، وما إن كان اختياره من طرف رئيس الدولة قيس سعيد ، أمرا احترم مقتضيات الدستور ، أم لا ، وهل هو الأقدر فعلا ، وما إن كان وراء هذا التعيين يوسف الشاهد أم غيره ، وما إذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال يتمتع بحظوة كبيرة عند رئيس الجمهورية أو لا.
المهم أننا أمام رجل مكلف ، يستجيب من ناحية الكفاءة العلمية والكاريزما ، والقدرة على التسيير على المواصفات التي ينبغي أن يتمتع بها  رئيس حكومة ، بقدر النظر عن مدى الصحة في مقاييس الاختيار ، ومدى موضوعيتها.
السؤال الآن كيف ستكون حكومته وما هي تركيبتها وما هو حجمها ، وخصوصا ما هو برنامجها وما هي قدرتها على مواجهة التحديات الكبرى أمام تونس ، والتصادم مع رأي عام عصي على الاصلاح .
من وجهة نظرنا فإن الحكومة التي سيسعى لتركيبها ستكون حكومة حرب ، على كل التقاليد الفاسدة المتوارثة عن التسع سنوات الماضية ، وعلى الجمود الملاحظ تصورا وإنجازا خلال كل الفترة الماضية، وبالتالي ، فلا بد أن تكون مصغرة بحوالي 15 وزيرا إلى عشرين على الأقصى، وبدون كتاب دولة ، وتكون مهام رئاسة الحكومة ومهام كل وزير محددة مضبوطة ، حتى لا يكون  أي من أعضائها فقط مسؤولا عن وزارته ، بل وأيضا محاسبا دوريا على نتائج تصرفه ، ومدى النجاح في تحقيق الأهداف المبرمجة ، ضمن البرنامج العام للحكومة .
هذا أولا وثانيا فإنه وجب باعتبار الوضع الحالي المتأزم جدا للبلاد ، ومن كل النواحي ، وخاصة المالية العمومية ، وارتفاع منسوب المديونية  غير المنتجة ، وانخرام الميزان التجاري وميزان الدفوعات ، وتقهقر نسبة النمو ، واستشراء البطالة ، وتدني الاستثمار الداخلي والخارجي  وغيرها من المؤشرات ، وضع الأصبع على مكامن الداء، والبحث الجاد عن حلول لها في أقصر وقت ، والشروع في اجتثاث أسباب المعوقات المسجلة خلال السنوات الأخيرة منذ الثورة ، وفي بعض البرامج  المطروحة من عدد من الأحزاب ، ما يشفي الغليل.
ولعل رئيس الحكومة المعين على قدرة من وجهة نظرنا على الإحاطة بكل أسباب انهيار بلادنا على كل الأصعدة ، وهو مسيطر على الأدوات النظرية للتشخيص أولا ولاتخاذ القرارات المعلومة بما ينبغي أن يكون عليه من الشجاعة، والقرارات هذه تتطلب شجاعة أو  وهو ما يدعو لخطورة الوضع إلى تهور قد يضطر بالاصطدام برأي عام غير واع بانهيار وضع لدرجة كبيرة، ،  لمواجهة المجتمع بما فيه منظماته الجماهيرية وبالمرارة في حلوقنا جميعا كدواء لا بد من ابتلاعه لضمان الشفاء ، قبل أن تضطر بلادنا إلى عيش ما عرفه اليونان وبلدان أخرى وجدت وراء ظهرها سندا متمثلا في عضويتها في الاتحاد الأوروبي ، وهو ما ليس متاحا لبلادنا لتجاوز أزمتها ، وحتى يكون الأمر واضحا فإن تونس تشكو اليوم من أنها تعيش فوق إمكانيتها ، ولو كف صندوق النقد الدولي عن إسنادها فإن مرتبات الموظفين ، وجرايات المتقاعدين ، ومستحقات المزودين ستصبح في مهب الريح ، وتتوقف مشروعات مثلما يروج عن 4 أو 5 محولات كبرى في واحدة من أكبر المدن التونسية متوقفة الأشغال فيها بسبب عدم صرف الفواتير الشهرية للمقاولين منذ عدة أشهر ، ولعل البلاد ستعيش فترة ندرة في السيولة ، فيصبح صرف ما يبقى من المرتبات خاضعا لتقسيط حاد .
إنها ليست حلة من الخيال ، بل إنه وضع مرشحة تونس لعيشه.
ومن هنا فلعله وجب القول أن هذه الحكومة المصغرة المرتقبة ، لا بد أن تعتمد وزراء من أعلى طراز قدرة على التصور والبلورة والانجاز ، وإنه لمن الواجب أن ترى البلاد عددا من أعلى الذين كانوا مرشحين لرئاسة الحكومة في هذه التشكيلة ، ماسكين بالوزارات ذات الأثر الكبير على حياة الناس ، لشخص تولى رئاسة الحكومة أو سيتولاها على الأصح معروف عنه ليبيراليته لكن المقيدة بإحساس اجتماعي كبير.
كل هذا مع القول بأن هذه التشكيلة وباتفاق يكاد يكون إجماعيا على أنها ستتجاوز عقبة الـ109 أصوات في البرلمان ، ولكن هل هذا كافيا للقيام بالاصلاحات الكبرى المنتظرة والتي تتطلب تضحيات من الجميع دون استثناء.
وفي هذه المهمة الانتحارية لحكومة كفاءات ، لا ينبغي انتظار مكافآت انتخابية في آخر السنوات الخمس المقبلة بمناسبة الانتخابات ، بل على العكس.


الأربعاء، 15 يناير 2020

سانحة : البرلمان الحالي سلطة دستورية ثانوية

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
اليد في اليد من أجل تونس 
الصواب / 14/01/2020
جاء الوقت ليضع السياسيون اليد في اليد من أجل تونس ، لا يعني ذلك انتفاء التناقضات ، ولا انتهاء الخصومات ولا المنافسات ، ولا تناقض التوجهات السياسية وحتى الايديولوجية ، ولكن لا بد من شعور طاغ ، بأن المجلس الجديد هو مجلس مؤسس كما كان المجلس التأسيسي قبل ما بين 8 و5 سنوات.
وإذ لابد من اختيار رئيس حكومة يكون صاحب دراية اقتصادية اجتماعية ، واسعة ويكون له دفتر عناوين واسع داخليا وخارجيا قادرا على التجميع ، على غرار محافظ البنك المركزي مروان العباسي ، الذي يبدو أنه يستنكف أن يكون رئيس حكومة ، أويدخل في متاهة المهاترات ، ولعله من أفضل من يمكن أن يقوم بالمهمة ، ولكن هل هو من سعة الصدر بحيث يقدر على تحمل ما يجري في مجلس النواب وفي الشارع التونسي والوسائط الاجتماعية ، وإذ لم أكن من أول يوم  مثل الكثيرين مغتبطا بتعيين الجملي في الموقع الذي قذف به فيه ، دون قدرة في تقديري على تحمل ذلك الموقع  ، فإني معجب بما تحلى به من صبر أيوب.
ولعل على رئيس الحكومة الذي سيقع نصح رئيس الدولة باختياره ، إن استجاب ، أن يكون على دراية اقتصادية واسعة ، وقدرة على القيادة ، ويتمتع بكاريزما عالية، فضلا على سعة الصدر والتحمل.
فهو مدعو لقيادة البلاد على طريق الخروج مما تردت إليه من انحدار ، لا تبرره ثورة حصلت مثيلتها في عدة بلدان ، ولكن عرفت كيف تطوعها لتحقيق نماء أكبرمما كان قبلها، ويكون من الناحية النظرية حاملا لأدوات أصبحت معلومة للتصرف الاقتصادي الاجتماعي ، قادر على تفعيلها وقد باتت أشبه بالعلوم الصحيحة ،  إذ إن اتباع وصفة معينة ،  يؤدي إلى نتائج معلومة ومحددة بصورة مسبقة ، وهو مدعو كذلك لا للإكتفاء بالنجاح في المجالات الاقتصادية الاجتماعية بل  بتعبئة كل طاقات البلاد ، وتوفير المناخات المساعدة ومنها ، كبح جماح سباق الأسعار / الأجور مؤقتا  ولمدة عامين أو ثلاثة على الأقل ووقف زحف كتلة الأجور التي لم يقابلها إنتاج في المستوى، بل كذلك  إلى اعتماد سياسة تستكمل المقومات الدستورية للبلاد ، ولعل أكبر سقطة لحكومة التوافق بقيادة النداء والنهضة ومن شاركهما  خلال الخمس سنوات الأخيرة ، زيادة على الاخفاق الاقتصادي الاجتماعي ، هو الفشل في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية وبقية المؤسسات الدستورية ، وعلى أهمية الدستور ولا نقول بخلوه من منطق داخلي متماسك وهنات أخذت تتضح معالمها ، فإن البلاد تسير بدستور أعرج ما دامت لم تتوفق لإنشاء محكمة دستورية ، وبقية المؤسسات التي اقتضاها الدستور على علاته.
وإذ يتضح أن العائق دستوري يتمثل في ضرورة تجميع 145 صونا ضروريا من جملة 217 هم كل أعضاء البرلمان ، وهو أمر استحال تحقيقه طيلة العهدة النيابية السابقة ، فإنه ينبغي اعتبار الفترة المقبلة مماثلة لفترة السنوات الثلاث التي عرفت صياغة الدستور ، بضرورة وضع اليد في اليد بين كل أطياف البرلمان الجديد.
ومن هنا فإنه لا بد من أن يتفطن الجميع إلى أن مصلحة البلاد تقتضي في المرحلة المقبلة تشكيل حكومة تجمع الغالب الأعظم من الأحزاب والكتل المتاحة في المجلس النيابي ، بدون إقصاء أحد إلا من يقصي نفسه،  أي المجموعة الكبرى المشكلة حول قلب تونس ، المجموعة الدائرة في فلك النهضة ، والمجموعة المتمثلة في الشعب والتيار.
ليس الوقت وقت خلافات إيديولوجية ، ليبيرالية أو توجهية الاقتصاد ، بل الوقت وقت استكمال مقتضيات الدستور ، بإجماع يكاد يكون كليا ، وليكن بعد ذلك الصراع الايديولوجي ، حول الطبيعة المتبعة في عمق الحياة الاقتصادية الاجتماعية ، ولا بأس في الأثناء من إدخال ما حناجه الدستور من تعديلات تأكد إدخالها.

السبت، 11 يناير 2020

بكل هدوء: الاحترام ضروري

بكل هدووء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
شيء من التواضع ؟؟
تونس / الصواب 11/01/20202
ما من شك في أن يوم 10 جانفي سيكتب بحروف ساطعة ، في المستقبل ، بعد أن سقطت حكومة النهضة التي أوكل تشكيلها "للمسكين" الحبيب الجملي ، فلم يكن لا في العير ولا في النفير ، وبعد حجب البرلمان الثقة عنها ، وهو أمر كان متوقعا من أكثر من أسبوع ، للمرء أن يقف أمام ثلاث حقائق في محاولة لفهم مستقبل الوضع السياسي في البلاد:
أولها أن المخزون الانتخابي للنهضة هو ما بين 20 و25 في المائة من الناخبين ، ولعله مرشح للتناقص بعد هذه النكسة.
ثانيها : أن النهضة بمثل هذه النسبة أو أقل وب 20 في المائة من نواب البرلمان ، اعتبرت نفسها وكأنها فائزة بأغلبية تمكنها من الحكم ، ولو بصورة مواربة ، فاعتمدت نتيجة مزايدة في غير محلها  K يقال إن الأستاذ راشد الغنوشي وهو داهية ، انجر لها رغم أنفه.
ثالثا أن اختياراتها لتشكيل الحكومة لم تكن صائبة من البداية إلى النهاية ، كما تنبأ بذلك أمينها العام السابق والمستقيل زياد العذاري ، الذي لعله تفطن من البداية للفخ الذي نصبه صقور النهضة للنهضة .
كل هذا لا يبرر من وجهة نظري ، تلك الفرحة العارمة التي أصابت الجناح المسمى بالوسطي على اختلافات ظلاله ( ses nuances ) ، وحتى إذا برر القائمون عليه فرحتهم ، فإنهم لا بد أن يلزموا شيئا من التواضع ، فلا ينجروا إلى ردود أفعال غير عقلانية ، من شأنها أن تحاول وضع الإسلاميين في الركن أو اعتبارهم  قوة بل وزن ، التحاقا بموقف  عبير موسي الممعنة في نفي وجود الاسلاميين ،  فلا بد من القول إن لهم وجود في المجتمع ،  ليس بالقوة التي حاولوا أن يظهروا بها منذ 2011 ، أو أن يستغلوها في توجهات معاكسة لطبيعة مدنية المجتمع  ،  الموروثة عن عصر الأنوار ، الذي انطلق من محمد علي في مصر في بدايات القرن التاسع عشر ، ووجد قدما راسخة منذ تولي المشير أحمد باي السلطة سنة 1837 ، ومنذ تولي خير الدين باشا الوزارة الكبرى ، ثم توالي المصلحين من قاسم أمين وكتابيه عن تحرير المرأة سنة 1890 إلى الطاهر الحداد وكتابه إمرأتنا في الشريعة والمجتمع إلى بورقيبة ، هذا الرسوخ الذي حاول الاسلاميون التنكر له منذ قيام حركتهم  في تونس ، في أواخر الستينيات مستلهمين فكرهم من الوهابية وإخوان مصر ، ولم يعودوا للواقع نسبيا إلا بعد الاصطدام به سنة 2013 ، فانقادوا إلى نوع من التراجع اعتبروه تكتيكيا ، ولكن الذي فرض نفسه عليهم ف، ي دستور يعتبر أن ركيزته الرئيسية هي القيم الكونية ، وإن كانوا ما زالوا  يشككون لليوم في ذلك.
في السياسة ليست هناك نكسة دائمة ولا انتصار دائم ، بل هي تقوم على تنسيب الأشياء ، ومن هنا وجب على من يعتقدون  اليوم أنهم حققوا نصرا مساء 10 جانفي أن يتواضعوا شيئا ما ، ولا يدفعوا بمنافسيهم الاسلاميين لحصار في الزاوية،  بل أن يساعدوهم على الاندماج  في الحركة السياسية لمجتمع مدني ، وهو ما يمنع عنهم التطرف ، ويبرز من بينهم العقلايين المؤمنين حقا بطبيعة المجتمع المدني ، وما يستوجبه من تسامح.
ثم إنه لا بد من أن يسود شعور النسبية ، فليس معروفا إلى ما ستؤدي إليه ، عملية اختيار رئيس حكومة مكلف جديد  ، من طرف رئيس جمهورية يبدو على غاية السرية في تحركاته ، وما إذا كان رئيس الحكومة المكلف الجديد سينال ثقة البرلمان ، وإلا في حالة حجب الثقة إلى أين سيكون المسار ، بعد انتخابات سابقة لأوانها لا أحد يستطيع أن يتنبأ ، بنتائجها وتبعات تلك النتائج.
fouratiab@gmail.com

الثلاثاء، 7 يناير 2020

بكل هدوء : حكومة في الأرجوحة

بكل هدوء

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
حكومة تواجه تحديات كبرى
تمر ... لا تمر ؟؟؟
 القرار في يد نبيل القروي
تونس / الصواب / 04/01/2020
بعد أن قرأ مقالا لي جاءني للبيت فهو من معارفي ليس المقربين ، ولكن لم يسبق أن زارني  في بيتي ، جاء يسألني لو طلبوا منك افتراضا أن تكون رئيس الحكومة في تونس اليوم ، ماذا كنت تجيب ، وافتراضا لو طلب منك أن تكون وزيرا أو حتى كاتب دولة ، سألته هل عرضوا عليك ،، قال لي :  لا ، سألته لماذا السؤال إذن قال لي:
أسعى أن أتقمص دور المعروض عليه عضوية الحكومة ، وأنا أعرف أنك تعرضت لذلك في وقت من الأوقات ، أو هكذا قيل في حينه ، وبقطع النظر عما إذا كان عرض علي فعلا أو لا  ' وهل كانت إشاعة فقط ) أجبته :
" بطبيعتي كصحفي أرفض ، وأنا أعتقد أن مهنتي الصحفية أفضل بكثير من المنصب الوزاري ، إضافة إلى  أني أعتقد أن تولي الوزارة والبلاد في أزمة خانقة ، تتطلب دراية وشجاعة وبعد نظر وسيطرة على العامل الاقتصادي وزاد معرفي لا يتوفر لي ، كما أعتقد أنه لا يتوفر لرئيس الحكومة القابع اليوم في ركنه  في انتظار تصويت البرلمان ، وهو ليس متأكدا من إيجابية ذلك التصويت ، وهذا من وجهة نظري يصح على رئيس الحكومة المعين وعلى عدد من وزرائه الذين لا تتوفر لهم لا القاعدة المعرفية ولا الكاريزما الضرورية لقيادة البلاد في هذا الظرف السيء،  والذي يحتاج إلى رجال من مستوى الهادي نويرة ومنصور معلى  في وقتهما  أو رشيد صفر و إسماعيل خليل في وقتهما ، ولا أعتقد أن الحبيب الجملي يتمتع بقوة شخصية وبالمدارك المعرفية،  التي تمتع بها ليس فقط أولئك الرجال الأربعة أو من أحاط بهم من كبار رجال الدولة ومفكريهم وتحت قيادة بورقيبة.
عاد وسألني وعلى وجهه حيرة : تستنتج إذن أن الحبيب الجملي ليس الرجل المناسب للمرحلة ، وأن تعيينه كان خطأ كبيرا تتحمل مسؤوليته وتتحمل تبعته النهضة ، قلت له : فعلا ولكن ليس وحده ، بل معه حكومة ليست في مستوى التحديات الكبيرة للمرحلة ، إلا قلائل من أعضائها يتمتعون بالمعارف والادراك اللازم ولكن ليس بيدهم القيادة ،  وهو بقطع النظر عن الرجل وخصاله  الشخصية والذاتية،  فإنه لا يمكن أن يكون عنصر نجاح.
عاد للسؤال ، وان مر هو وحكومته على تصويت البرلمان فهل تعتقد أنه سينجح في نيل أغلبية ؟
قلت له : بالرغم من أني لا أعتقد في كفاءة الرجل لقيادة فريق حكومي ، كما لم أعتقد لا في قدرات  حمادي الجبالي ولا علي العريض ولا الحبيب الصيد ولا يوسف الشاهد فإني لا أظن أن النهضة ستتخلى عنه وسيبقى رمزا لفشلها ، ولكن لعل هناك بعض ما يمكن أن تتدارك به بعض النواحي ، فهناك على الأقل 5أو ستة وزراء لا ينبغي لهم أن يكونوا في الحكومة ، وإلا وصموها بالرجعية وقلة المقدرة، فمغامرة وزير الدفاع مع رابطة حقوق الانسان سنة 2000 لا يمكن أن تمحي، وهو على بعد المسافة الزمنية يبقى علامة على الخنوع للرئيس السابق بن علي وتنفيذ أسوإ أوامره ،  وسيبقى في نظر الرابطيين ، ويمثلون قوة معنوية كبيرة، ولا في أوساط حقوق الانسان العالمية بكل ثقلها ، مرتبطا بأسوإ قرارارت بن علي في المطلق ، ولعله وبعد أن كان كمال العيادي مرشحا للمنصب  بكل النزاهة والكفاءة التي عرف بها ، يمثل للأسف نقطة تراجع غير مفهومة ، كما إن هناك آخرين ليس المجال لاستعراضهم لا يمكن أن يكونوا في حكومة بلد يعج بالكفاءات وبالنزهاء في   هذا القرن الواحد والعشرين.
هذه الحكومة روحها في يد نبيل القروي ، فقرار التصويت لها من عدمه ،هو ما سيدفعها للبقاء  ولو إلى حين ، أو يطيح بها  ، كم تبدو على هشاشة كبيرة .


الخميس، 2 يناير 2020

الموقف السياسي : تونس في مأزق ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في شأن تشكيل الحكومة
اللاحدث le non évènement
تونس / الصواب/2/1/2020
في اللغة الصحفية ، عندما يكون حدثا على غاية الأهمية منتظرا ، ولا يحدث  ويكون قد تجند له عشرات وربما مئات الصحفيين وسبقته استعدادات لوجيستية كبيرة ، تطلبت ساعات ، وربما في بعض الأحيان الأسابيع والأشهر، يقول الصحفيون بانتفاء حدث كان منتظرا ، وهو مايسمى باللغة الصحفية ، اللا حدث أو باللغة الفرنسية le non évènement ، ولقد مررت في حياتي الصحفية بعديد المرات التي عرفت فيها اللاحدث ، أي الانتقال لتغطية صحفية يتم  إلغاء الحدث المرتبط بها في آخر وقت ، أو بعد الوقت المحدد، في الوقت التي ينتظر منه نتائج على غاية من الأهمية ، وسأقتصر هنا على ثلاث من تلك المناسبات عشت اثنتين منها ، وتابعت عن بعد الثالثة ، والثالثة وهي الأخيرة هو ما حصل بالأمس ، عندما دعي الصحفيون بالعشرات لمتابعة ندوة صحفية ، لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي  ، بقصد الإعلان عن تركيبة الحكومة ، وإذ دعي الصحفيون لتمام الساعة الرابعة ، وجاؤوا وتسمروا على مقاعدهم ، فقد تأجل موعد ظهور الهلال ربع ساعة بعد ربع ساعة  حتى السادسة ، وهات يا تأويلات ، وباتت الرؤية شبه مستحيلة ، ولكن لم يتوقع لا الصحفيون الحاضرون ولا من تسمروا على مقاعدهم في بيوتهم أمام شاشات التلفزيون في حرقة انتظار، دام شهرا ونصفا والبعض يقول شهرين ونصفا ، منذ مساء ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر الماضي ، وكان أن تكلم رئيس الحكومة المكلف لمدة نصف ساعة ، والحضور أمامه  والغائبون  في بيوتهم يمنون النفس ، بإهلالة قائمة وزراء حكومة الحبيب الجملي ، ولكن خاب فألهم عندما فاجأهم رئيس الحكومة بمقولة اللاحدث الصحفية،  عندما أعلن أنه لن يقدم لهم تشكيلة الحكومة مؤجلا ذلك لليوم الموالي (؟؟؟؟)، ودافعا عن نفسه "تهمة "  عدم إعلان حكومته ، مستندا إلى أنه دفع بقائمته لرئيس الجمهورية ، الذي سيقدمها إلى رئيس البرلمان ، لتنال ثقة المجلس التشريعي ، وطبعا ليس هذا لا في الدستور ولا في القانون الداخلي لمجلس النواب.
باختصار شديد قبل المرور لصلب الموضوع ، المرتان الأخريين اللتان  عشت فيها اللاحدث ، كانت الأولى بمناسبة قمة عربية في الرباط ، ولم يكن الملك الحسن الثاني راضيا عن مستوى التمثيل ،  لغياب العدد الأكبر من رؤساء الدول العربية،  وكان يمثل تونس وقتها الوزير الأول محمد مزالي وكنا في سنة 1982، فخرج الملك على المؤتمر بعد ثلاث ساعات  من موعد بدئه المفترض ،  ليعلن عن انفضاضه حتى يأخذ رؤساء الدول العربية مؤتمرات قمتهم مأخذ الجد، وكانت المرة الثانية في تونس ، وقد لجأ الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي لنفس التعلة ، وكان مقال للصديق الزميل برهان بسيس  في جريدة الصباح أيام كان أستاذا في الثانوي، لتبرير موقف بن علي  و"طرده" لمن جاء من زملائه الرؤساء ، قد أعجب الرئيس التونسي ، وكان سببا في  اكتشافه وصعوده المباشر، وانتقاله إلى موقف  التبرير لقرارات بن علي ، بعد أن استقبله الرئيس آنذاك وبدأ ارتقاؤه الصاروخي.
كانت تلك المناسبات التي يمكن وصفها بأنها كانت لاحدثا هز السائد من الأحداث.
**
وعودة إلى موضوعنا أي تشكيل الحكومة التونسية ، فإن تقديري منذ البداية ،  هو أن اختيار حركة النهضة للحبيب الجمني كرئيس للحكومة لم يكن اختيارا موفقا لثلاثة أسباب :
أولها أن الحبيب الجملي لا يتمتع بأي تجربة إدارية ، والاعتقاد السائد هو أن تصريف شؤون مؤسسة ما اقتصادية أو سياسية كالوزارة ،هو الذي يعطي للمرء القدرة على تصور كيفية التصرف والإدارة ، والثابت الواضح أن الجملي لم يرأس يوما ما لا شركة أو مؤسسة عمومية أو خاصة  ، وحتى رئاسة بلدية ، وحتى كتابة الدولة فإنها لا تعطيه الفرصة للتصرف المالي والإداري فالوزير هو الذي يتولى ذلك التصريف .
ثانيهما وهو سؤال  أو تساؤل :هل إن الجملي يتمتع بالخبرة الاقتصادية والاجتماعية  العرفية النظرية والعملية ، لقيادة حكومة أي حكومة دون تجربة سابقة.
وهل هو مسلح نظريا من ناحية إلمامه الفلسفي وهو مهم جدا ، ومن ناحية المعرفة الاقنصادية  الاجتماعية وللدور القيادي ، وهل يتمتع بمقومات المواهب القيادية ، أو هل له كاريزما ضرورية لحسن تسيير شؤون الدولة ، وإذ يفتقدها تماما كما هو حال رئيس الجمهورية ، فمن سيكون له التأثير الفعلي على الجماهير بحكم شخصيته ، كما كان شأن بورقيبة ، وحتى بن علي  ، وفؤاد المبزع ، وأيضا الباجي قائد السبسي ، وكذلك محمد الناصر في فترة رئاسته الوقتية والقصيرة؟؟؟
ثالثها : ماهو وزن رئيس الحكومة الحبيب الجملي على الصعيد الدولي ، وخاصة لدى المؤسسات المالية الدولية والاقليمية ، التي تتعامل معها تونس وتعتبر مهما كان التقييم اليوم  تونس مرتهنة لديها.
**
يوم اختيار الحبيب الجمني ليكون رئيسا للحكومة ، من قبل مجلس شورى حركة النهضة ، على ما يبدو على غير رضا الاستاذ راشد الغنوشي ، وهـــــــو ما أثار " احتكاكا" ما زال يولد شرارا في قيادة الحركة ، ما زال يهدد بكل الأخطار في داخل أكبر حزب في البلاد وأشدها تنظيما ، وانضباطا ، وفي صباح ذلك اليوم نفسه كان رضا بن مصباح في سفارة ببروكسيل واللكسمبورغ وخاصة الاتحاد الأوروبي ،  وهو من هو كفاءة وعلاقات دولية ، وإلماما ل بالملفات ، كان ينتظر مكالمة لتأكيد أو نفي ترشيحه لرئاسة الحكومة ، بعد أن تم الاتصال به ، وجاءت المكالمة بالنفي .
ورضا بن مصباح هو أحد كثيرين من الوجوه التونسية ، ذات الاشعاع والكاريزما اللازمة لقيادة الحكومة ، ممن عملوا أو تعاملوا مع مؤسسات مالية دولية أو إقليمية، وممن يملكون قدرات معرفية عميقة يمكن من جهة أن تساعد على تسيير الأمور ، ومن جهة أخرى على فرض ثقة لفائدة تونس في الأوساط الدولية .
وإذا تركنا جانبا الطموحات الشخصية للقيادي السابق  في حركة النهضة زياد العذاري ، والمستقيل بسبب ما اعتبره "الاختيار السيء" لمنصب رئيس الحكومة، الغير القادر لا معرفيا ولا من ناحية التأثير على سير الأمور ، وضعف القدرة على التواصل دوليا ، خاصة في غياب رئيس دولة يمكن أن يوحي بالثقة ،مثلما كان  الباجي قائد السبسي الذي كانت اختياراته لرؤساء الحكومات في عهده سيئة هو الآخر، ولكن شخصيته وما يتمتع به من كاريزما داخليا وخارجيا غطت على ضعف وزن رؤساء الحكومات الذين اختارهم.
**
 ما هو المنتظر اليوم وبعد اللاحدث يوم أمس الأربعاء 1 جانفي ، هل سيعلن عن تركيبة الحكومة اليوم أو غدا ، وهل ستتفق شقوق النهضة فيما بينها ، ولا تتصارع على وزارات بعينها ، فتمتد فترة ليلة الشك ،  حتى انتهاء مدة مهلة الحبيب الجملي  في منتصف هذا الشهر ، وعلى فرض نجاح الجملي في تشكيل الحكومة ، فهل ستفوز بثقة البرلمان ، وما إذا كانت كتلة النهضة ستصوت لها بالتمام والكمال ، وما هو الحزام السياسي الذي ستستند عليه ، وما هو حجمه ، وعلى كل فوداعا لاحتمالات تركيز المحكمة الدستورية وعدة مؤسسات دستورية أخرى ، وستزداد البلاد غرقا فوق غرق.
وما هي قدرات الجملي المعرفية على مجابهة الازمات المقبلة ، والتحديات  الكبرى أمام تونس ، ولا قبل بها إلا لرجل يكون بقدرات خارقة ، مثلما كان الثنائي الهادي نويرة/ منصور معلى في السبعينيات ورشيد صفر/إسماعيل خليل بعد أزمة إفلاس البلاد سنة 1986.
وإذا لم يتوفق الحبيب الجملي لتشكيل حكومة تنال  ثقة البرلمان ، وإذا لم يتوفق بعد الثقة لحل أزمة البلاد الخانقة ، فلأي  كارثة تسير تونس ، وهل تبدو انتخابات سابقة لأوانها في الأفق في شهر جوان ، تنقلب فيها التوازنات السياسية  رأسا على عقب ، وتصبح فيها النهضة في مرتبة ثالثة أو رابعة ، بعدد أقل من المقاعد في برلمان ، سيكون صورة للبرلمان الحالي تشتتا وتذررا.