Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 25 نوفمبر 2016

سانحة : البنك الدولي وصندوق النقد هل هما صديقان أم عدوان ؟

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بين البنك الدولي ،، وصندوق النقد الدولي
هل يفرضان شروطا تتنافى والقرار المستقل ؟
تونس / الصواب / 08/11/2016
بمناسبة عرض قانون المالية للعام 2017 تكاثر الحديث عن المؤسسات  المالية الدولية " وعدوانها " المبيت على البلدان الصغيرة والفقيرة ، ومن بينها تونس ، فهي تسعى لفرض شروط مجحفة ، تتدخل بواسطتها حسب الكثيرين في الشأن الداخلي للبلدان .
ولقد تسنى لي أن أدخل للمؤسستين مرتين مرة في زيارة عابرة ، ومرة ثانية بمناسبة ما يمكن أن يسمى بلغتنا التونسية تربصا لاكتشاف دواخل البنك الدولي بالخصوص .
وما تعلمته من المنطلق أن المؤسستين على اختلاف مجالات نشاطهما ، لا يعرضان على أي بلد في العالم إقراضا ، بل إنهما يستجيبان لطلبات تلك البلدان ومن يحتاجها للخروج من أزمة تتطلب إمدادا ماليا لفترة قصيرة عادة ( صندوق النقد الدولي ) أو لتمويل مشروعات تكون جيدة الاعداد.
وبالتالي فإن المؤسستين الدوليتين لا تعرضان إقراض أحد من الدول ، بل تنظران في ما يمكن أن يعرض عليهما وتدرسان  احتمالات ذلك الاقراض ، مع حرص شديد على الدفع ليكون الاقتصاد المعني في البلد المعني قادرا على استيعاب الأصول التي يطلبها وقادرا كذلك على سداد الأقساط والفوائد القليلة المترتبة عنها.
ولم يحدث ومنذ اتفاقيات بروتن وودز بعيد الحرب العالمية الثانية ، أن طلبت مؤسسة من المؤسستين الدوليتين من دولة ما  أن تسحب قروضا منها.
ولقد سبق لي في واشنطن أن تحدثت مع واحد من أهم  الكوادر ، كم تولى مسؤوليات كبرى في البنك الدولي ، وهو تركي ، وقال لي كمال درويش وهو أب ما يسمى بالمعجزة الاقتصادية التركية تحت حكم الرئيس أوزال ، وهذا تصحيح لمن اعتبر أن التحسن الاقتصادي الذي طرأ على تركيا بداية من التسعينات يعود إلى أردوغان الرئيس الحالي  - بل لعل الإرث الذي تركه الوزير الأسبق درويش آخذ في التراجع - ، وفسر لي كمال درويش أيامها وقبل أن يستجيب بخبرته الواسعة لنداء الواجب في بلاده ، فيتخذ لنفسه منصبا وزاريا دعي إليه ،  فسر لي أن البنك الدولي و صندوق النقد الدولي باستجابتهما لطلبات الدول ، تسعيان لترشيد الفعل الاقتصادي في الدول المرشحة للاقتراض ، وهما لا تفرضان شروطا كما تقوم ادعاءات المدعين بل تقترحان السياسات الكفيلة إما بإنقاذ البلاد المعنية من أزمتها  من نقص في السيولة المالية أو توجيهها نحو أفضل السبل لإنجاز مشروعات قابلة للعيش  و الإزدهار، وذلك لصالح البلاد المقترضة من خلال استفادتها من خبرات رجال ذوي تجربة ، ولم ينف كمال درويش أن يكون ذلك الحرص من المؤسستين  ، مرتبط أيضا بالحرص على توفير قدرة كافية من الدولة المقترضة على سداد القروض بالكامل وفي آجالها.
هذا إذن هو واقع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وما يحيط بهما من دعاية يعتبرانها من جهتهما مغرضة بشأن الشروط "المجحفة" لمساندة البلدان ، وكلاهما يقول بأن الأمر لا يهم شروطا ، بقدر ما يهم أسبابا للنجاح ، سواء للخروج من أزمة مستفحلة  مثلما هو الأمر في تونس حاليا ، أو تمويل مشاريع  يحب أن تكون خاضعة لمتطلبات النجاح ، وتكون لها مردودية اقتصادية جيدة ، علما وأن قروض المؤسستين تكون ممنوحة بنسب فائدة ضعيفة ، وبآجال إمهال طويلة نسبيا وبآجال سداد طويلة جدا ، بعكس ما هومعمول به في القروض التي تنالها البلدان من السوق المالية الدولية إلا ما ندر وفي إطار ثنائي.
ولقد جاء الوقت لنكف عن شيطنة المؤسستين الدوليتين في بلادنا ، فلا أحد يفرض علينا الاقتراض منهما أو من إحداهما ، بل الحاجة إليهما هي التي تدفع للإقتراض ، وبدون قروضهما وضماناتهما يعسر جدا العثور على ممولين أجانب ، بل لعله تقوم استحالة في ذلك ، هذا فضلا عن توفر مناخ استثماري خاص ومباشر في البلاد ، فمن لا تضمه المؤسستان لا يمكنه قطعا استجلاب استثمار أجنبي ضروري اليوم للتنمية، ولتوفير فرص عمل سواء للمخزون من البطالة ، أو ذلك الوافد الجديد على سوق التشغيل.

الأحد، 20 نوفمبر 2016

عالميات : فرانسوا فيون الرئيس المقبل لفرنسا؟

عالميات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بعد اكتساح فيون  
هل بقي من حظ لجوبي ؟
الصواب / 20/11/2016
أسفرت انتخابات التمهيد لليمين والوسط في فرنسا ( الانتخابات الرئاسية الفرنسية مبرمجة للربيع المقبل )، عن اكتساح مفاجئ لفرانسوا فيون الوزير الأول الفرنسي 2008/2012 في عهد نيكولا ساركوزي ، اكتساح  دفع ثمنه الرئيس الأسبق ساركوزي ذاته ، الذي خرج بذلك من سباق الرئاسة ، كما كان ضحيته الان جوبي الوزير الأول في عهد شيراك 1993/1996  ووزير الخارجية في عهد ساركوزي.
وقد استأثر فيون بعكس كل المنتظر بـ44 في المائة أو تزيد ، من أصوات حوالي 4 ملايين ناخب ، في انتخابات أولية لليمين والوسط ، ولكن شارك فيها من شارك من اليسار ومن أقصى اليمين، واكتفى فيها الذي كان  متوقعا نجاحه  في المرتبة الأولى جوبي بـ 28 في المائة وحل في مرتبة ثانية غير مريحة البتة.
وبتلك الصورة فإن المرشحين الاثنين  للدورة الثانية من الانتخابات الأولية هما : فيون وجوبي  ، ولكن ليس بحظوظ متساوية ، وميكانيكيا وحسابيا فإن فيون يحتاج إلى 6 في المائة من الأصوات الإضافية الأحد المقبل ، للحصول على أغلبية تفوق 50 في المائة ، وتؤهله ليكون مرشح اليمين في انتخابات الرئاسة شهر ماي المقبل في فرنسا ، فيما إن جوبي لا بد له لردم الهوة من 22 في المائة التي تفصله عن تلك الخمسين في المائة.
وتبدو نظريا المهمة مستحيلة أمام جوبي ، خصوصا بعد أن أعلن ساركوزي عن اختيار فيون للتصويت له الأسبوع المقبل ( ولكن السؤال المطروح هو إن كان الرجل يمتلك أصوات الذين بايعوه في الدورة الأولى 21 في المائة).
نظريا وواقعيا فإن كل الدلائل تشير إلى أن مهمة فيون تبدو سهلة وفي المتناول ، فيما تبدو مهمة جوبي صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة.
هذا من الناحية النظرية وحتى الواقعية ، إلا أن التحاليل الأولي للتصويت ، وما ينبثق عنها من حقائق يمكن أن تشكل مفاجأة بعيدة التحقيق  ولكن تبقى ممكنة ، ويفيد عدد من إخصائيي سبر الآراء أن حوالي 10 في المائة من المصوتين في الدورة الأولى يوم 20 نوفمبر ، هم من اليسار الذين تطفلوا  في انتخابات اليمين  وصوتوا بعد أن دفعوا كغيرهم 2 يورو ، وبالخصوص بعد أن وقعوا على وثيقة تعلن التزامهم بالتوجهات اليمينية ، كما إن أقل من 10 في المائة آخرين من أقصى اليمين ( حزب لوبان ) صوتوا متطفلين هم أيضا في هذه الانتخابات ، كل هؤلاء صوتوا في الغالب لفيون أو لجوبي لتفادي صعود ساركوزي ، وذلك لأسباب مختلفة ، فأقصى اليمين يخشى من أن يكون ساركوزي مرشحا للرئاسة الفعلية عنصر ابتلاع (syphon ) لعدد من المصوتين لمارين لوبان في الربيع المقبل ، لقرب برنامجه من برنامج أقصى  اليمين ، أما اليساريون الذين تطفلوا على انتخابات اليوم  الأحد ، فإنهم في عدائهم  الشديد لساركوزي ، أرادوا إغراقه بتصويت ضده ، يكون مدعاة لتضخيم شعبية فيون بحيث يكون ساركوزي الذي يبدو مكروها جدا مثله مثل الرئيس الحالي الفرنسي فرانسوا هولاند خارج السباق، أضف إلى ذلك أن ميكانيكية قوية بين الناخبين اليمينيين ،  لعبت بما يسمى التصويت المفيد لجعل ساركوزي خارج المرتبة الأولى والثانية ، المؤهلتان للدورة الثانية الأحد القادم ، فصوتوا لفيون مطمئنين على أن جوبي لا خوف عليه ،
هذه العناصر مجتمعة ،  تدفع للاعتقاد  ، إذا امتنع اليساريون وأقصى اليمين عن التصويت الأسبوع المقبل ، يمكن أن تبتلع جانبا من الأصوات التي حصل عليها فيون هذا الأحد ، خاصة إذا انخفض عدد الناخبين المصوتين .
ولكن تبقى كل تلك احتمالات مدرسية في الغالب ، يتم تدريسها ، ولكنها لا تصلح إلا في حال مفاجئات جديدة تبدو غير متوقعة ، ولا حتى منطقية.
وفي الأثناء هل يمكن في هذه المرحلة بعد تمثل الفارق بين الرجلين ، وكل الدلائل تشير إلى أن أحدهما ، وغالبا فيون ، هو الذي سيكون رئيسا لفرنسا في شهر ماي القادم ، لتشرذم  اليسار ، ولعدم وجود زعيم فاعل فيه ، ولرفض الفرنسيين غالبا القبول بأقصى اليمين الموصوف بالعنصري، في منصب خطير كمنصب رئيس الدولة.
كل من برنامجي فيون وجوبي ليبيرالي ، مع نزعة أكثر محافظة  عند فيون الشبيه ببرناج المرأة الحديدية تاتشر في بريطانيا في سنوات الثمانين ، والتي أنقذت اقتصاد بلادها من الانهيار ، مقابل تقليص الخدمات الاجتماعية ، وكلا البرنامجين، يبشر بإصلاحات عميقة ذات منحى  يميني واضح ، غير أن فيون يبدو أكثر صلابة ، وكلاهما يخطط للنزول بصورة واضحة بنسبة البطالة المتفشية إلى أرقام  تبدو غير واقعية ، وكلاهما يريد ان يقلص من عدد الموظفين لدى الدولة ، بالإحالة إلى التشغيل السوقي أو التشغيل في القطاع الخاص ، وكلاهما يعلن عن تخفيض في الأداءات كبير لتنشيط المؤسسات ( كيف سيتم تمويل موازنات تشكو من مدة من الإنخرام )، هذا فضلا عن سياسة تجاه الهجرة صارمة وإن بدت اقل صرامة من تلك التي كان ينادي إليها ساركوزي ، و التي كانت قريبة مما تدعو له لوبان وأقصى اليمين ،  سعيا منه ـ أي ساركوزي ـ  قبل السقوط لاستمالة جانب من ذلك التوجه المتطرف والعنصري.

الخميس، 17 نوفمبر 2016

الموقف السياسي : قضية نقض : في انتظار نشر حيثيات الحكم

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
من حكم قضائي إلى لعبة سياسية
الصواب /17/11/2016
تحولت محاكمة " قتلة " لطفي نقض من قضية عدلية إلى لعبة سياسية من درجة هابطة ، لم يقع فيها احترام مشاعر الأطراف المتداخلة ، بل جرى ما يشبه شماتة ليست في محلها.
ولقد كنت تنبهت منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع قبل النطق بالحكم إلى أن الأمور ليست في طريقها الصحيح ، فقد بدأ تسخين "البندير" على الفايس بوك عندما قرأت نصا طويلا للصديق  الصحفي والمدير السابق لقناة المتوسط قبل بيعها  الزميل نور الدين العويديدي ، كان كله حديث عن الظلم الذي حاق بالمساجين المتهمين في قضية " وفاة " لطفي نقض ، فهمت أن الجوقة بدأت في العزف ، ولم يخب ظني وإن كنت لا أعلم إن كانت تلك بداية المقالات حول الموضوع أم لا ، فقد حفلت الأيام الموالية، بعشرات المقالات وأقول المقالات لطولها غير العادي ، وكلها دفاع عن المتهمين ، وشعرت مباشرة أن هناك محاولة منظمة للتأثير على القضاء ، واستبعدت نجاح ذلك ، وهو ما أستبعده لليوم ،  فظني بالقضاة أنهم يحكمون بوجدانهم لا بالتأثيرات الخارجية ،  وإن كنت أمج مبدئيا تلك المحاولات ، ولكن تساءلت بيني وبين نفسي   : ألا تترك حملة بهذه الكثافة من شيء في النفس ، ولعلي أحد القلائل الذين وإن امتنعوا دوما على الانخراط الحزبي ،  ممن يتشرفون بأن لهم أصدقاء من كل التوجهات ماضيا وحاضرا ، وحتى في الأوقات الصعبة ، وأصدقاء فعليين وافتراضيين .
صدر الحكم ، ولأني غير مطلع على التفاصيل إلا ما قرأته من تقرير ثلاثة أساتذة أجلاء  في الطب ، لا يمكن أن يتطرق الشك لا إلى كفاءتهم ولا  إلى نزاهتهم ، فإني قدرت أن " هناك ما يدفع للاعتقاد بصحة التهمة " وإلا فلماذا ودعنا نقولها بصراحة ، لماذا لا يحال الأطباء الثلاثة على التنظيمات التأديبية لعمادة الأطباء ، فعهدي أن الطبيب خاضع لمهنة شرف ، وأنه أقسم على الشرف،  وأنه رفع يده بيمين أبوقراط ، فإما أن يكون الأطباء الثلاثة  قدوا واجبهم بأمانة ، وإما أنهم أخلوا بواجب مقدس عند الأطباء ، وهو الصدق والنزاهة ، وعلمي أن القاضي ، وعندما يكون جاهلا باختصاص ما فإنه يلجأ إلى رجال ونساء ذلك الاختصاص  ، لتنوير سبيله ، والحكم بوجدانه ولكن باعتماد المشورة التي بذلها له المختصون في اختصاص لا يتقنه ، والقضاة  يصدرون يوميا أحكاما  وأحيانا بالعشرات ، اعتمادا لا على معرفة دقيقة أو غير دقيقة  من جانبهم ، بل على أساس ما ينتهي إليه خبراء من استقراءات للوقائع واستنتاجات أو ملاحظات ، تنير لهم الطريق.
إذن ودون تشكيك وباحترام كامل لمرفق القضاء  وقضاته ، والمعرفة التامة لأن الأحكام منبثقة من جانب تقديري نسبي وليس مطلقا  ، وما لم تنشر حيثيات الحكم فإن الضمير ، ضمير المتلقي لا يبقى مستريحا ، وعندما كنت صحفيا ، وفي القضايا الحساسة ، ليست دائما سياسية ، كنت أسعى وأحصل أحيانا مباشرة  أو بصعوبة ، على الحيثيات التي تصل أحيانا إلى صفحات عديدة لأنشرها على الناس ولو كان عدد قرائها بالعشرات  وغالبهم من المختصين ، لنستلهم من تلك الحيثيات الحقيقة أو ما يراد أن يقال إنه الحقيقة.
أعرف شخصيا أن أطوار التقاضي  في هذه القضية  بالذات ما زالت طويلة  والأمل معقود على أن لا تستمر سنوات كما استمرت حتى اليوم في الطورالأول.
ولكن ما لم أستسغه ،هو هذه الاحتفالات الرنانة ، التي تترك أثرا من أسوإ الآثار لدى الأرملة واليتامى الذين كانوا ينتظرون ما ينتظرون ، وماذا لو  يكون الحكم النهائي والبات معاكسا.
قليلا من التعقل يا هؤلاء وأولئك.
لعل الأفضل بعد كل هذا ، ولو للقضية جانبها السياسي ، أن لا يكون كبار السياسيين حاضرين وبصخب فيها تعليقا أو احتفالا ، فهم من يوقد النار في البنزين بذلك الحضور ، ويدفعون للحقد ، اليوم وربما الحقد المعاكس غدا.

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

يكل هدوء : بعد المحاكمة

بكل هدوء

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تعقيبا على المحاكمة
الخبراء ، والعدالة
الصواب /15/11//2016
قبل بضع سنوات  وقبل 2010/2011 حاضرت الدكتورة سكينة بوراوي  في افتتاح السنة الجامعية حول ، دور الخبرة في القرار القضائي.
فالقاضي الذي يكتفي غالبا بالتكوين القانوني ، يحتاج إلى خبراء ينيرون له الطريق ، لاتخاذ قراره أي لإصدار حكمه ، الذي يسعى أن يكون متسما بالعدل وحتى الإنصاف.
في هذا الإطار يجب أن توضع مسألة محاكمة " قتلة " لطفي نقض ، مع تساؤل مشروع ، هل مات موتا طبيعيا بداء القلب  كما انتهت إليه المحكمة ، أم إنه دفع للموت ، تيجة عدوان بشري نال منه وقاده إلى الوفاة ، كما يبدو من خلال الوثائق المتاحة بين أيدينا ؟.
من هنا أثرنا قضية الخبراء الذين يستعين بهم القاضي كل يوم ، للفصل في ما يعرض عليه من قضايا.
وقضية نقض لم تخرج عن هذا المسار، فقد كان هناك نتيجة اختبارين اثنين أمام
 المحكمة.
وباعتبار أن القضاة ( في هذه المحكمة ) ليسوا من أهل الاختصاص في الطب ، فقد كان لزاما عليهم أن يستعينوا برجال الاختصاص ، ويأخذوا برأيهم فيستمدون حكمهم من معنى ومنطوق هذه الفتوى العلمية .
غير أن المحكمة  في سوسة وجدت نفسها أمام اثنين من الفتاوي العلمية الطبية يبدو أنها متناقضة ، فالأولى انتهت إلى أن الرجل مات  بالسكتة القلبية ، وذلك بالملاحظة المرئية ، أما الثانية فانتهت إلى أن الوفاة سبقتها أعمال عنف تركت آثارها في 57 إصابة في جسم القتيل ، وأن السكتة القلبية قد تكون  حصلت بعد أن أنهك الجسم ما أنهكه من اعتداء.
ماذا يفعل المرء أمام موقفين متناقضين، وما عسى القاضي أن يقرر متجها نحو إصدار حكم يرضي ضميره، والخبرة الطبية محيرة لانعدام تناسق مواقفها ؟  
في مثل هذه الحالة فإن الخبرة التي سيعتمدها المرء ولا أقول المحكمة المعنية ، تنبثق من عنصرين اثنين :
أولهما عدد الأطباء الواقع اللجوء إليهم .
وثانيا مدى اختصاصهم في مادة الاختلاف.
وفي الحالتين فإننا نجد أن الموقف الذي جاء من المستشفى الجامعي بصفاقس يتسم بصدقية أكبر ، سواء باعتبار عدد الأطباء الموقعين أو وخاصة  دقة اختصاصهم ،  وارتفاع مستواهم العلمي ،  بحيث إن ثلاثتهم يعتبرون أساتذة في الطب ، ولعلهم كلهم أو بعضهم إخصائيون في الطب الشرعي.  
من هنا وباعتبار أن الخبراء هم المصدر الحقيقي للقرار، الذي يتبناه عادة القضاة، فإن الحكم الصادر انتابه خطأ كبير من وجهة نظرنا ، ربما يتم إصلاحه في مرحلة الاستئناف .

الأحد، 13 نوفمبر 2016

بكل هدوء : أمريكا : كيف يفوز المنهزم ويخسر صاحب أكبر عدد من الأصوات ؟

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
لماذا نجح دونالد ترومب
 رغم أن تصويت الناخبين لم يكن لصالحه  ؟ !
الصواب / 12/11/2016
مازال العالم حائرا ، إزاء هذا الوافد الزائر الجديد ترومب ، الذي لم يتوقع الكثيرون بروزه كرئيس للولايات المتحدة ، وأحد المعلقين ربما  في القناة الخامسة الفرنسية ، قال عنه  إنه هو نفسه ليس مصدقا وصوله إلى منصب لم يتوقعه ، وقال عن مقابلته مع باراك حسين أوباما إنه بدا أمامه ليس كرئيس مقبل بل كتلميذ.
وله أن لا يصدق ، ففي تصويت الناخبين الأمريكيين  ومن مصادر عدة ومتطابقة ( في انتظار نشر  النتائج الرسمية) نالت هيلاري كلينتون 59 مليونا و 814  ألف و18 صوتا  بنسبة  47.70 في المائة ، فيما نال الرئيس المنتخب دونالد ترومب 59 مليونا و611 ألف و678 صوتا بنسبة 47.50 في المائة أي بفارق 202340  لفائدة وزيرة الخارجية السابقة ، ولعل وجه الغرابة أن يفوز الخاسر وتخسر الفائزة .
تلك هي طبيعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية غير المباشرة ، وهذه خامس مرة وفق المعلومات المتاحة عبر الانترنت التي يفوز فيها رئيس لم يجمع العدد الأكبر من أصوات الناخبين  (وجاء في مرتبة ثانية) ، ولكن فاز بالعدد الأكبر من أصوات كبار الناخبين المنبثقين عن الناخبين ، ولكن بشروط خاصة ، وتلك هي الطريقة التي تفتقت عنها قريحة الآباء المؤسسين على اعتبار الحفاظ على توازن هش بين الولايات ( التي هي في حقيقتها دول قائمة الذات وغيورة على استقلال قرارها).
ومن هنا فإن الاثنتين وخمسين ولاية ( دولة لكل منها علمها) ، لا تنتخب رئيس الولايات المتحدة ، ولكن تنتخب ممثلين عنها بحسب عدد السكان (بين 3 و55  ) ، يشكلون المجمع الانتخابي الذي ينتخب الرئيس ، والأغلبية في كل ولاية ترسل للمجمع الانتخابي الرئاسي ، كل الناخبين الكبار عنها على أساس تصويت نهائي منهم كلهم  لفائدة صاحب الأغلبية في الولاية ، وهذا صحيح بالنسبة لخمسين ولاية ، والأمر مختلف بالنسبة لولايتين اثنتين.
ومن هنا تأتي احتمالات قليلة جدا ولكن ممكنة بأن لا يتوافق التصويت الشعبي أي الصادر من الناخبين العاديين و تصويت الناخبين الكبار.
وهذا ما حصل في انتخابات 8 نوفمبر 2016 ، وإذ اتخذنا أمثلة حية وواقعية ، فإن ذلك سيتطلب منا عدة صفحات للشرح.
غير أن الغير معروف هو أن المرشحين الأكبر السيدة كلينتون والسيد ترومب ليسا المترشحين الوحيدين فإذا كانا مع بعضهما حصلا على عدد من الأصوات يناهز 119 مليونا و425 ألاف و696 أصوات ، فإن 26 مرشحا آخر قد جمعوا جميعا 6 ملايين و73 ألفا و622 صوتا أي مجتمعين 4.80 في المائة.
وقد لفت نظرنا مرشحة امرأة تحمل اسم الأميرة خديجة جاكوب فامبرو ، وهو اسم قد يحيل إما على اصل عربي أو مسلم ، غير أن بشرتها السمراء قد تفيد بأنها من أصول إفريقية.


الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

الموقف السياسي : بعد هزيمة كلينتون : ما هو موقع الأحزاب الإخوانية

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الزلزال
الصواب / 09/11/2016
قبل أسبوعين أو ثلاثة كتب رضوان المصمودي رئيس منظمة الاسلام والديمقراطية القريبة من النهضة ما معناه : "أعود من واشنطن مطمئنا ، إلى أن أمر ترومب قد انتهى ، وأن هيلاري كلينتون ستكون رئيسة الولايات المتحدة" ،
 لم يكن ذلك هو اعتقاد الصديق رضوان المصمودي وحده ، بل الغالبية في العالم.
ولذلك بدت هذه الهزيمة غير منتظرة  (وقد عاد الأستاذ رضوان من تونس إلى واشطن لحضور الإعلان عن فوز السيدة كلينتون )، كما إنها اتخذت طعم الزلزال المدمر، لأن الكثير من المسلمات قد اهتزت بهذا الفوز المعزز لمن سيقال له مستقبلا الرئيس دونالد ترومب.
والمؤكد أن غياب هيلاري كلينتون عن مقدمة المسرح السياسي العالمي ، بعد أربع سنوات تولت فيها وزارة الخارجية الأمريكية  (قبل مغادرتها للتفرغ لترشيح نفسها للرئاسة) ، واستمرار السياسات التي رسمتها وخططتها ونفذتها في مختلف أنحاء العالم وخاصة العالم العربي ، سيترك بصمات في مختلف المناطق ، فقد رافقت مسيرة "الربيع العربي "  إن لم نقل أكثر ، انطلاقا من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سوريا إلى اليمن ، وشهدت سقوط أو على الأقل اهتزاز أنظمة هشة ، وصعود الإسلام السياسي ، الذي كانت الولايات المتحدة تعاديه قبلا.
وإذ لا يعرف ماذا ستكون عليه سياسة الرئيس الأمريكي الجديد ، ومن سيختاره وزيرا للخارجية ، فإن المطلعين على حقيقة كيفية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة ، يدركون جيدا أن الرئيس في الولايات المتحدة لا يتمتع بالنفوذ المطلق  كما يتهيأ للكثيرين ، وأن قراره يبقى خاضعا "للهضبة " أي الكونغرس وقيادات الخارجية والدفاع وكذلك اللوبيات ، التي تتخصص في مناحي الاهتمامات المختلفة،  ومن أقواها لوبي السود الأمريكان ولوبي الأسبان واللوبي اليهودي ولوبي المال واللوبي الجامعي وغيرها.
ومهما يكن من أمر ، فلعل الاسلام السياسي في العالم العربي المتمثل في الإخوان المسلمين وتفرعاتهم ، قد يكون خسر داعما قويا بما حصل من خسارة لكلينتون خاصة والديمقراطيين عموما ، ولكن المؤكد أن السياسات الأمريكية مستمرة عادة  باعتبار أن أمريكا هي دولة مؤسسات ، يعتبر استمرار الدولة  فيها قائما على ثوابت تحافظ عليها ، وإن أدخلت عليها ظلالا ، وتغييرات ليس في العمق دوما.
وبقطع النظر عن الدول العربية الأخرى ، فإن إسلاميي تونس قد استوعبوا الدرس منذ صائفة 2013 ، واقتنعوا بأن ما حصل في مصر ، كان في جانب منه ناتجا عن أخطاء ثقيلة من حكم الإخوان لا ينبغي أن يسقطوا في مثلها ، فأخذوا يحاولون تطوير أنفسهم ، وما زالت الطريق أمامهم طويلة ليتحولوا إلى حزب مدني  فعلي على غرار الأحزاب "المسيحية  الديمقراطية " في الغرب،  التي لا تخلط بين الدين والسيـــاسة ، والتي تنضبط لمجتمع مدني  ، وهو ما ينبغي   أن يحصل وفقا لما رسمه دستور جانفي 2014 .
وفي انتظار ذلك فإنه لا بد من أن تعي النهضة وبصراحة ، وقادتها يعرفون مواقفي الشخصية منذ بداية الثمانينات  ، في دفاعي عن حقهم في الوجود العلني والقانوني ، ـ لا بد أن تعي ـ  أن المجتمع التونسي الذي يكاد الخط الإصلاحي فيه قد مضى على انطلاقه القرن ونصف قرن من  الرسوخ ، وعززه بورقيبة بقوانين متقدمة ،  ليس قابلا لأن ينحرف به أحد عن هذا الخط ، سواء "بالتدافع المجتمعي" أو بدونه ، وبقدر ما  تبرز الحـــــــــــركة ـ من ارتكاز على مظاهر مدنية المجتمع، بقدر ما  تتسع دائرة المقتنعين بضرورة تواجدها على الساحة لا فقط بالقانون ولكن أيضا بالاقتناع بأنها حزب سياسي ، ليس هناك من يشكك فيه.


  

السبت، 5 نوفمبر 2016

قرأت لكم : من أجل مقاربة نقابية مختلفة


قرأت لكم


 لنبني  معا خطة نقابية جديدة
للدفاع عن الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية للأجراء
بقلم الحبيب قيزة
الأمين العام للجامعة العامة التونسية للشغل

بترخيص  من الكاتب كما تقتضيه الأصول ومقتضيات الأخلاق الصحفية وشرف المهنة ننشر في ما يلي هذا المقال القيم للنقابي الواسع الثقافة الملهم الحبيب قيزة ، وفيه يقدم إضاءة جديدة عن موقف نقابي مسؤول يجمع بين روح المسؤولية الوطنية والحفاظ على حقوق العاملين       

تعيش بلادنا أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تتمثل حسب الإحصائيات الرسمية في تواصل تدهور نسبة النمو في حدود 1,5 بالمائة وتجاوز نسبة التداين الـ 60 بالمائة من الناتج الوطني الخام إلى جانب ارتفاع التضخّم مسجّلا 4,3 بالمائة، كما فقد الدينار 50 بالمائة من قيمته التبادلية مقارنة باليورو ، وشهدت المقدرة الشرائية  تدهورا بنسبة  40 في المائة مقارنة بـسنة 2010، في حين بلغت نسبة البطالة حوالي 15,3 بالمائة وبلغ عجز الميزانية 6,5 بالمائة.
كما أصبح القطاع غير المنظم يشكّل نصف حجم الاقتصاد الوطني و ارتفع عجز صندوق التعويض إلى 7 مليار دينار، و بلغ عجز الصناديق الاجتماعية حوالي المليار دينار ، إضافة إلى  رداءة الخدمات الاجتماعية التي تميّز قطاعات الصحة والسّكن والتعليم والنقل والثقافة أيضا ...
ضمور الطبقة الوسطى
وتزداد الوضعية سوءا عندما نتطرّق إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية بين الفئات والجهات وخصوصا  مع ضمور الطبقة الوسطى ،  قوّة التوازن في المجتمع الّتي تقلّصت من 80 إلى 67 بالمائة ، مقابل ارتفاع شريحة أثرياء ما بعد الثورة الّذي بلغ عددهم 6500 مليونيرا بالدولار طبعا و سبعين مليارديرا، ثروة هؤلاء تتجاوز ميزانية الدولة بـ38 مرة حسب مكتب الدراسات البريطاني              New World Wealth        وبذلك احتلّت تونس المرتبة السابعة إفريقيا في قائمة الأثرياء متجاوزة الجزائر والمغرب و ليبيا.
من النتائج الأبرز لهذه الحصيلة السلبية تراجع مكانة الدولة ، وفسح المجال واسعا لابتزازها ، وإقدام أعداد متزايدة على عدم اِحترام القانون والتطاول على ممثلي الدولة والهيئات الرسمية ، وإطلاق العنان للاحتجاجات الاجتماعية العنيفة وغير المؤطرة ، كما لا ننسى ما أصبحنا نعيشه من تغوّل لبارونات الفساد والإفساد ، وتسلّطهم على المجتمع وتوظيفهم لمنظماته المدنية وابتزاز بعضها بقوّة المال.
وضع كارثي
هذا الوضع الكارثي، يحمّل الحركة النقابية التونسية مسؤولية تاريخية للدفاع  عن مصالح الوطن والأجراء ، بكل الوسائل المشروعة النضالية منها والمعرفية ، وأن تكون قوة اقتراح ضمن تصوّر مجتمعي مواطني ، والتّمسك برفض مطالبة الأجراء دون سواهم بالتضحية وتحميلهم فاتورة فشل سياسات لم يكونوا شركاء فيها.
ونسجّل في هذا الإطار بكلّ مرارة فشل الخطّة المطلبية النقابية التقليدية الحالية القائمة على المطالبة بالزيادة في الأجور في غياب مقاربة متكاملة ، فهي تقوم على مفارقة تتمثّل في الزيادة في الأجور من ناحية ، و تدهور المقدرة الشرائية من ناحية أخرى، ممّا أدّى ولا يزال يؤدّي إلى تفقير العمّال وتفاقم تداينهم ،  وتدهور مقدرتهم الشرائية بنسبة 40 في المائة مقارنة بسنة 2010  ، بالرغم من تضاعف حجم الأجور  في الوظيفة العمومية خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث ارتفعت من 6,7 مليار دينار سنة 2010 إلى 13,4 مليار دينار سنة 2016 مما اضطرار الحكومات المتعاقبة إلى التداين لتسديد الأجور والاستهلاك ، الأمر الّذي فاقم المديونية والتضخم ، و تدهور قيمة صرف الدينار ، وأنزل المقدرة الشرائية عدّة درجات ، رغم ما صاحب هذا الحراك الاجتماعي والاقتصادي من إضرابات واعتصامات و احتجاجات غطّت كافة الميادين و القطاعات ، مما أنهك المواطن العادي و نفره من العمل النقابي و الاجتماعي ،   و جعله يحنّ إلى الماضي الاستبدادي ، وإلى منطق الحزم ، وهو ما يشكّل أكبر تهديد لمسار الانتقال الديمقراطي.
نجاحات لا ينبغي إغفالها
إلاأن هذه الحالة الكارثية التي وصلنا إليها ، لا يجب أن تحجب عنّا الكم الهائل من الإنجازات والنجاحات الّتي تحققت بفضل الثورة في مجال الحقوق المدنية والسياسية ، والمطلوب اليوم هو استنباط طريقة تكفل التوازن بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى ، بما يضمن نجاح الانتقال الديمقراطي.
مراجعة إستراتيجية للمطلبية بأي ثمن
انطلاقا من هذه الخلفية و من خلال قراءة هادئة و متزنة  للوضع العام بالبلاد ، دعت الجامعة العامة التونسية للشغل إلى مراجعة الإستراتيجية المطلبية للحركة النقابية ، على اعتبار أنها خاطئة و مجانبة للواقع ، واعتماد مقاربة جديدة للدفاع عن مصالح الأجراء تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي شهدها مجتمعنا في العشرية الماضية  ، و رفض اِحتكار التفاوض من قبل منظمة واحدة ، مهما بلغت شرعيتها التاريخية ومهما كانت تمثيليتها قطاعيا و، نحن في الجامعة العامّة ندير الشأن اليومي النقابي بعقلانية ، و نغلّب المصلحة العامة للحركة النقابية التونسية بمختلف روافدها على المصالح التي تدخل ضمن خانة الشعبوية و المزايدات ، و نؤكد أنّ لكل منظمات الحركة النقابية المؤسسة قانونيا و المتواجدة على أرض الواقع ، حق المشاركة من أجل بلورة إستراتيجة مطلبية نقابية جديدة ، تمكّن من الدفاع عن مصالح الأجراء
و ضعاف الحال بصورة فعلية ، و تقطع مع موجات الشعبوية والديماغوجيا .
 إنّ التحوّلات الجارية في مفهوم العمل والناتجة عن الثورة التكنولوجية والرقمية والعولمة تطرح على الحركة النقابية التونسية بمختلف منظماتها تجديد مفهومها للعمل النقابي، و تحديث آليات عملها ، و الإرتقاء بأدائها إلى مستوى النقابة المواطنية الشبكية القائمة على الشراكة ،والتي لا تنفي تباين المصالح و المقاربات لكنها تتفق في القطع مع الفوضوية النقابية.
الدور الصحيح للعمل النقابي
ولقد بات مطلوب اليوم من الحركة النقابية التونسية ألا تقتصر على البعد الإحتجاجي على أهميّته ،  بل عليها ضمن الخطة الجديدة أن تزاوج بين البعد النضالي والبعد المعرفي-التربوي حتى تتحول إلى قوة اقتراح  ، وتخرج من سجن الماضي والحلقة المفرغة التي تعيشها اليوم نتيجة التصور التقليدي والشعبوي ، الذي أدى إلى المأزق الّذي وجدت نفسها فيه ، والمتعلق بثنائية تدهور المقدرة الشرائية في ظل الزيادات في الأجور، إنّها دوّامة لا مخرج  منها تنهك  المتعاطين معها.
إنّ الواقع يحتّم اليوم على الحركة النقابية وضمن خطتها الجديدة إلى ضرورة مطالبة الحكومة بالكف عن تحميل الأجراء وحدهم عبئ الأزمة عبر تجميد الأجور والإقدام على اجراءات علاجية نوعية و عاجلة تتعلق بالمعاش اليومي للتونسيين و بإجراءات استراتيجية وقائية تهمّ الملفات الكبرى، فالحكومة مطالبة اليوم بعقد مؤتمر حوار مع الشركاء الإجتماعيين من ممثلي العمّال و أصحاب العمل ومنظمات المستهلكين بدون استثناء لاتّخاذ حزمة من الإجراءات العاجلة تجسّد تقاسم كل الشركاء الاجتماعيين للتضحيات ، و لتعبئة موارد مالية جديدة لاسيما من الأثرياء الجدد، وهي مدعوة أيضا لتنظيم حوار وطني جاد و مسؤول ، لبلورة منوال تنمية تشاركي جديد وعادل ، يقطع مع ذلك المنوال القائم على دكتاتورية السوق و يتجاوز في نفس الوقت رديفه القائم على احتكار الدولة لكل المقدّرات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار وضمن هذا التوجّه فإنّ الجامعة العامة التونسية للشغل، بوصفها شريكا فاعلا ومناضلا ، على أتمّ الاستعداد للمساهمة البنّاءة للنهوض بالاقتصاد الوطني والنهوض الاجتماعي ، كشرطين متلازمين لنجاح الانتقال الديمقراطي ، الّذي يشكل الهدف الإستراتيجي الذي يمكّن بلادنا من الدخول إلى نادي البلدان الديمقراطية.

تونس في 26 أكتوبر 2016

الخميس، 3 نوفمبر 2016

سانحة : لماذا نجحت ألمانيا ولماذا ستفشل تونس ؟

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تونس إلى أين في ظل غياب روح المسؤولية ؟
الصواب / 01/11/2016
لا أريد أن أقارن ، ولكن لا بد من القول أن بلاتوهات القنوات الفرنسية مفيدة ، بعيدا عن الخصام العقيم ، وتعتبر دروسا حقيقية ، فيما إن بلاتوهات القنوات التونسية  ، لا تضيف شيئا ، فضلا عن أنها تبدو وكأنها صراع ديكة ، لا يستفيد منها المشاهد ولا يتعلم .
استنتجت هذا مساء الأحد الماضي ، عندما رأيت الأستاذ الجامعي والعالم الجليل والوزير الأسبق حسين الديماسي ، واقعا بين مخالب عدد من المناقشين ، أول خاصياتهم حتى لا أقول كلمة أخرى ، الجهل المطبق بقواعد الاقتصاد والمالية العمومية وتوازنات الدولة ، وسيمتهم البارزة ديماغوجيا مركبة .
ليس هناك من وزير يدخل حكومة ويستقيل منها بعد 6 أشهر ،  إلا إذا كان هناك سبب وجيه  ، وكان له ضمير حي  ، وكانت له دراية بالفعل الاقتصـــادي وإكراهاته ، في بلد يتمنى كل واحد فيه وعلى الأقل بين أفراد الطبقة السياسية ، أن يصبح وزيرا بأي ثمن ، والديماسي خرج من الحكومة ، لأنه تفطن منذ البداية ، أن السياسات المتبعة ستقود البلاد إلى  ما وصلته بالتدريج حاليا ، نتيجة قلة مسؤولية حكومات متعاقبة  وعمى عن رؤية الواقع ، أرادت أن تربح الوقت لأسباب انتخابية بالأساس.
اليوم الاتحاد العام التونسي للشغل ، ورجال الأعمال أو منظمتهم ، ورجال المهن الحرة وأصحاب المشاريع التي تتعامل مع الأداءات بمقياس الجزافية ، كلهم يرفضون قانون المالية للعام 2017 ، وفروضه المرة والتي توقعناها وعبرنا عنها  على صفحات هذه المدونة منذ 5 سنوات ، وبعضهم يرفع لهجة التصعيد إلى حدودها العليا ، والحكومة ( لا أغبطها ولا وزراءها على مقاعدهم  "الوثيرة " والجالسين على ألغام قابلة للانفجار في أي وقت ) ليس من حل أمامها إلا أن تنفذ بالقوة ما جاء في الميزانية التي أعدتها  أو تتراجع في غير انتظام  للحفاظ على المقاعد الوثيرة وشراء الوقت ،وإلا  واجهت غضب الشارع وانتفاضاته المحتملة ، وإلا فالمصير المحتوم إذا لم تتمكن من موارد خططت لها  ، أن لا تتوفر لها السيولة التي تمكنها من دفع الأجور ، وخلاص المزودين  وبالتالي من وراءهم من عاملين ، ومن موفرين داخليين وخارجيين للسلع والخدمات التي يحتاجونها ، هذا فضلا عن سد عجز صناديق التقاعد بالصورة التي تمكن من استمرار دفع جرايات المعاش ودفع مستحقات المديونية وسد عجز صندوق التعويض.
ماهو المخرج من هذا المأزق ، هل تتراجع الحكومة ، وتواجه حالة من العجز المالي ، أم تقدم على مواجهة اضطرابات اجتماعية كاسحة ، لا قبل لأحد بها ، تقود البلاد إلى  زقاق ضيق لا مخرج منه ولا بصيص ضوء.
في بلد نخبته لا تبدو على وعي بتحديات المرحلة ، نخبته السياسية ونخبته المثقفة ونخبته الاجتماعية وغيرها ، في بلد عصي على الاصلاح.
إشارة فقط ، رئيس الحكومة الألمانية السابق شرويدر  أمام تدهور أوضاع بلاده ، صارح شعبه بحقيقة الأمر ، وأعلن عن إصلاحات مريرة ، ودعا شعبه لابتلاع حربوشة مرة ، فاستجاب شعبه له بكل فئاته وأقدم على تضحيات كبرى ، ولكنه أضاف إن ما ينتظره هو وحزبه الديمقراطي الاجتماعي هو خسارة الانتخابات اللاحقة ، وأنه قابل لذلك عن طيب خاطر ، ما دام فيه خير البلاد وصلاحها ،
فعلا خسر الانتخابات وغادر الحكم لفائدة أنجيلا ماركل التي واصلت الطريق التي رسمها ، وانظروا الآن كيف أصبحت ألمانيا بعد كبوتها:أنجح اقتصاد في العالم ؟