Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 26 أبريل 2015

عربيات : السعودية ، إيران ، اليمن ، وحيا التدمير الذاتي

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التدمير الذاتي
الصواب / تونس/26/04/2015
ما حصل في اليمن منذ حوالي شهر ، وبصورة مستمرة لا يعدو أن يكون تدميرا ذاتيا لحضارة تمتد على مدى آلاف السنين، ولن نبحث هنا عن المسؤول عن ذلك ، فالأمر أعقد من أن تمكن الإحاطة به ، وإن كان من اللازم التعريج.
للأسف فإن تاريخنا العربي الإسلامي شهد فترات كثيرة من التدمير الذاتي ، وما نسميه حضارتنا العربية الإسلامية ، اكتنفتها كثير من عمليات إزهاق الأرواح ، وتدمير المعالم ، غير أن ما جرى ويجري في هذه الأوقات تجاوز الحدود ، لأن آلات الدمار والفتك قد تطورت وباتت ، على قدرة خارقة من التدمير.
ويكفي القول أن 3 من أربعة خلفاء راشدين، أي الذين خلفوا النبي ، قد ماتوا مقتولين ، وأن الحكم انتقل وراثيا منذ ذلك الحين بعكس التنظير الذي جاءت به النصوص الدينية المثبتة، ولما بات الحكم وراثيا فإن الأطماع قد اكتنفت في كل الأحوال مسألة من يحكم ، مع ما أضيف إليها من خلافات أسميت مذهبية ، وكانت في كثير من الأحيان قومية بين عرب وفرس وأتراك وبربر وغيرها من الأقوام التي كانت ترى أحقيتها في أن يكون الحكم بيدها.
ولم يردع شيء لا من دين ولا أخلاق ، الحاكمين أو الطامحين للحكم عن ارتكاب أفظع الجرائم ، في سبيل الجلوس على عروش سواء تحت اسم الخلافة أو السلطنة أو الملك أو الإمارة أو المشيخة.
غير أن التدمير الذاتي ، على هذا القدر من الفظاعة ، بدأ متأخرا ويمكن القول إن منطلقه كان ما بين 25 و35 سنة إلى الوراء .
فقد تركت حرب الثماني سنوات بين 1980 و1988 ، كلا من العراق وإيران ، بلدين مخربين ، على أهمية ثروة كل منهما ، لا فقط المادية المتمثلة في البترول وغيره من الموارد المادية السخية ، بل بالخصوص الثروة من الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على صنع المعجزات.
وفي العراق وكنت قد قمت بزيارته في أواخر السبعينات، كان الفخر كبيرا بأنه تم القضاء أو كاد على الأمية، وكان الأمر مختلفا بعد ذلك بعشر سنوات بعد أن وضعت الحرب أوزارها في سنة 1988 بانتصار عراقي نسبي ، على العدو الذي كان يسمى الشيعي الفارسي الصفوي.
وأنتجت تلك الحرب دمارا في البلدين بما نالته الطائرات والصواريخ ، من مقدرات ومكاسب حضارية كان يمكن البناء عليها.
وأبرزت تلك الحرب ، شرخا عربيا ، اتخذ تمظهره في الفوارق المذهبية ، وبعكس كل الدول العربية، اتخذت سوريا موقفا مؤيدا لإيران ضد العراق، وعاضد حزب الله اللبناني دمشق في موقفها، وكان وراء هذا الموقف الحكم الشيعي العلوي في سوريا ( حافظ الأسد)، والمذهب الشيعي الاثني عشري في لبنان، ولأول مرة انقسم العرب لا لخلافات سياسية معهودة، بل بسبب افتراق في المذهب الديني.
غير أن السنة الفاصلة لبداية التدمير الذاتي العربي ، كانت سنة 1990، فقد أدى اجتياح الرئيس صدام حسين للكويت ، إلى وضع قام فيه العرب لأول مرة بالتقاتل الحربي الواسع فيما بينهم.
ولم يكن الرئيس العراقي صدام حسين ، قد قرأ حسابا لنتائج خطوته ، وإضافة إلى أنها خطوة لا تضع في حسابها الشرعية الدولية ، والتوازنات الإقليمية ،  فإنها لم تنتبه إلى نتائجها المؤكدة  والتي نبهنا إليها في حينه ، وفقا لتخطيط أمريكي غربي  كان معلنا ومعروفا ومنشورا، دفع في اتجاه قيام العراق بمغامرة لم يكن رئيسه صدام حسين في ظل نظام ديكتاتوري توتاليتاري ، والذي لم يكن يسمع نصيحة ناصح ، و بعملية كانت نتائجها متوقعة ، انتهت على مدى 13 سنة بالتدمير الكامل للعراق ، بمقدراته الاقتصادية وانسجامه السكاني ودولته المركزية ، وفقدان استقلال قراره ، الذي أصبح بأيدي الأمريكان لفترة أولى ثم إيران باعتبار التركيبة السكانية العراقية ، القائمة على أغلبية  شيعية جزء منها من أصول فارسية ، تدين بالولاء لطهران.
فلم تمر إلا أشهر قليلة على 2 أوت 1990 ، حتى قام تحالف دولي قوامه المركزي الولايات المتحدة ، بمشاركة عربية وانطلاقا من الأرض العربية ، ضم في ما ضم سوريا "الأسد" المحكومة شيعيا علويا ، والتي هي في عداء كبير لنظام عراقي سني،  قام  تحالف دولي بتحرير الكويت ، وتدمير الجزء الأكبر من الجيش العراقي ، الذي كان يعد أحد أكبر جيوش العالم ، وتفكيك منظومته الباليستية ، و ما كان يعتبر قوة غير تقليدية ، حتى جاء يوم 9 أفريل 2003 اليوم الذي تم فيه احتلال بغداد، وسقوط صدام حسين، وبدأ  تفكيك الدولة العراقية التي كانت واحدة من أقدم الدول حضارة وتنظيما، وتسليمها إلى مجموعة شيعية أنهت وجودها الفعلي وأخضعتها لإرادة إيرانية فارسية شيعية ، باعتبار أن أغلبية سكان البلاد من الشيعة ، ومكنت من إقامة دولة كردية فعلية في الشمال ، وأعدت العدة لتقطيع أوصال دولة مركزية كانت قوية مهابة الجانب.
ويبقى السؤال مطروحا : من المسؤول عن هذه الحالة ،؟
 وللأسف ، فإننا نحن العرب نبقى في غير الوارد عند غالبنا تحميل المسؤولية لمن يتحملها ، ونلقي بها على ظهر المؤامرة الدولية والولايات المتحدة والإمبريالية ، وكلها وإن كانت مسؤولة ، فلعلنا نحن  العرب الذين أعطيناها بعمانا الفرصة لتحقيق أغراضها.
غير أن المصائب لا تأتي منفردة ، وإذ لم يكف ما حصل للعراق  من انفجار ، فإن سوريا التي اعتبرها البعض عن غير حق ، السد المنيع الباقي في وجه إسرائيل ودولة الممانعة، والتي لم تكن سوى دولة قائمة على حكم أقلية علوية لا عمق شعبي لها ، قد انفجرت هي الأخرى في أعقاب ثورة عربية تكاد تكون شاملة ، وصفت بثورة الربيع العربي ، وبدل أن يتعامل معها نظام مهترئ في دمشق كما حصل في تونس وفي مصر ، وهما دولتان متحضرتان تماما كالدولة السورية العريقة ، اختار مواجهة أنتجت كارثة ضخمة بكل المقاييس ، فقد انهار بنيان متمدين  تم تشييده على مدى مئات السنين، وأبرز قيام تطرف ديني لم تعرفه سوريا قط أتى على الأخضر واليابس ، وجعل من الدولة السورية كما الحال في الدولة العراقية أثرا بعد عين.
وإذ يمر المرء على الوضع في ليبيا في انتظار فرصة أخرى ، بعد ثورة تدخل فيها الخارج ، فإن العالم العربي شهد ثورة أخرى في بلد آخر هو اليمن يتميز بحضارة مكينة تعود إلى آلاف السنين ، ابتلي بنظام قروسطي لا يفرق بين ما هو ملك الشعب وما هو ملك فردي، استغل البلاد وامتص ثرواتها، ورغم طرده بفعل ثورة شعبية من الباب رجع من النافذة ، مستعينا بجزء من الجيش جنده لفائدته لا لخدمة الدولة ، وبميليشيات  أقلية زيدية تنتسب للشيعة وإن كانت أقرب للسنة، وضعت نفسها تحت إمرة شيعة إيرانية فارسية لها مطامع في مضيق باب المندب المضيق الذي يسيطر على مدخل البحر الأحمر وبالتالي سواحل السعودية والصومال وأريتريا والسودان ومصر وحتى امتدادا لفلسطين المحتلة ، وتعلن أن المجال الحيوي لإيران يمتد حتى البحر الأبيض المتوسط .
وكان الهدف  على ما يبدو السيطرة الإيرانية على اليمن ، بصورة تحيط بمنطقة الخليج  وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية شرقا وغربا ، ومن يدري ربما على المدى المتوسط أو البعيد على الأماكن المقدسة ، التي يرى البعض من الشيعة أن الطبيعي أن تكون بيد أهل البيت أي نسل النبي لا السنة الخارجين عنهم.
وإذ يمثل الشيعة من إثني عشرية ( في إيران والعراق ولبنان والسعودية والكويت والبحرين ) وغيرها  ، والإسماعيلية العبيدية الفاطمية الذين حكموا تونس في بعض ردهات التاريخ والعلوية في سوريا ولبنان وإسرائيل والزيدية في اليمن 12 في المائة من مجموع المسلمين ( مليار ونصف مليار من البشر) ، فإن طموح الشيعة الإثني عشرية كبير جدا لاعتبار الكعبة والروضة النبوية  من التراث الذي يعود لهم باعتبارهم أهل البيت.
غير أن كل هذا هل يبرر ما حصل الشهر الماضي من هدم اليمن بكل حضارته  التي تعود لآلاف السنين ومعماره المتميز الذي لا مثيل له عبر العالم ، عن طريق إخضاعه لقصف جوي متواصل على مدار الساعة والأيام ، لا يعلم أحد كم ترك من ضحايا من القتلى والجرحى والمهجرين.
وإذ الحديث يدور عن انتهاء عاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية ، فإن لا شيء يدل عن قرب استسلام  الزيديين الحوثيين ونصيرهم علي صالح الرئيس السابق المخلوع، والعودة للشرعية أي للحكومة  التي كانت قائمة ، كما يبدو من خلال توافقات سعودية خليجية أمريكية إيرانية روسية.
وفي الأثناء يستمر التدمير الذاتي العربي بدون هوادة ولا توقف.
fouratiab@gmail.com
8 min · 


السبت، 25 أبريل 2015

سانحة : شمعتان انطفأتا وبقي نور هما مضيئا

سانحة
 يكتبها عبد للطيف الفراتي
 نغمة وفاء
الصواب / تونس /23/04/2015
خلال يومين أو ثلاثة فقدنا علمين كبيرين، كان لكل واحد منهما أثر في نفسي وتقدير ومحبة..
وضعت يدي في يد واحد منهما مصافحا،، وتمرست في معرفة الآخر حبا وتقديرا عن بعد ، وإجلال لوفائه اللامتناهي ، وأنا أحب حد العشق الأوفياء.
سبق أحمد اللغماني بيوم أو يومين ، وإذ تعرفت على  ابنه الأستاذ الجامعي سليم اللغماني ، الذي أقدر فيه لا علمه فقط ، وإنما بالخصوص عمق تفكيره ، فإني لم أضع قط يدي في يد والده المبدع ، الذي عرفته عن طريق إبداعه ، ولقد عدت إلى ديوان لشعره وحيد أحتفظ به ، فإني بقيت على عطش كبير لقصائد ثلاثة ، تركت في نفسي أثرا ، سواء لصدق لهجتها ، لتعبيرات وفائها ، وإذ ليس غريبا أن تكون قصائد أحمد اللغماني على ذلك القدر الكبير من متانة المبنى ، ومن عذوبة الموسيقى الشعرية ، ومن جمال الكلمة ، ومن طرافة المعنى ، فإنني أحتفظ باعتزاز في مكتبتي بثلاث قصائد ، أعتبر أنها قمة القمم ، لا فقط في البناء الشعري ، بل أيضا في شفافية المعنى ، وخاصة في لمسة الوفاء ، التي تنساب منها كما ينساب الماء الزلال في الجدول الرقراق.
ثلاثة قصائد لا أفتأ أبحث عنها منذ أيام ، الأولى كتبها أحمد اللغماني بدون خوف ولا وجل ، وبشجاعة المثقفين الراسخين ، مباشرة بعد أن ترجل الفارس الحبيب بورقيبة من على ظهر فرسه عنوة في ديسمبر 1987 أي أيام بعد انقلاب 7 نوفمبر ، والثانية غاب عني الآن مضمونها ، والثالثة بعد وفاة الزعيم :"سيد" ،
مات أحمد اللغماني ، ولكنه سيبقى دوما شمعة لا تنطفئ تنير بضوئها الدرب.
كلمة أخيرة : ولسوف أقنع منكِ - يا زاراتُ - إنْ أطبقتُ أجفاني بشبر تراب
وفي اعتقادي أن الزارات ستبقى النبع ، ولكن كل تونس ، وكل مكان فيه نطق للحرف العربي سيكون ذلك الشبر.
**
في نفس الوقت تقريبا أو بعد يوم فارق عبد الرحمان الأبنودي.
قبل أن أضع يدي في يده مصافحا ، كان فتح عيني على الشعر العامي ، عبر روز اليوسف حيث كان ينشر ، بحرية واندفاع قل وجوده في مصر في تلك الحقبة
في شهر أفريل 1977 كنت رفقة الصديق عبد الكريم قابوس في زيارة لبغداد بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس البعث، لم نكن لا أنا ولا عبد الكريم بعثيين ، ولكننا كنا نحن الاثنين في مهمة صحفية عن دار الصباح.
عند العودة والمرور من القاهرة، بدا لنا أن نقضي يومين أو ثلاثة في العاصمة المعزية.
غيرنا مواعيد السفر ، وانطلقنا، كان عبد الكريم قابوس قد أعد لي مفاجأة.
عند النزول من الطائرة في مطار القاهرة ، وجدنا سيارة في انتظارنا ، ودعوة كريمة من المخرج يوسف شاهين الذي كنت أعرفه كأيها الناس ، وما كان يعرفني ، ولكنه كان مرتبطا بصداقة متينة مع زميلي عبد الكريم قابوس، أخذتنا السيارة إلى فندق في قلب القاهرة، ولم يكن المخرج الكبير في العاصمة المصرية..
بقيت ثلاثة أيام في ضيافة يوسف شاهين دون أن أراه، ثم إني اضطررت إلى العودة لتونس لالتزامات سابقة، لا يعرف الفنان مثل عبد الكريم قابوس لها معنى.
ورغم إلحاح الصديق لمزيد البقاء للقاء المخرج الكبير وهي فرصة لا تتسنى لأي كان، فإني كنت مضطرا للعودة.
خلال الأيام الثلاثة شاهدنا معا بمرافقة سيدة سينمائية ناقدة كبيرة  نبيهة .... في قاعة صغيرة جدا ، من الأفلام ما لم أشاهد عددا مثله في حياتي  منها الكثير مما لا يعرض في القاعات لجرأته إما السياسية أو غير السياسية ، وكان عبد الكريم ناقدا سينمائيا جيدا وأستاذا جامعيا، وفي الليل كان عبد الكريم يطوف بي بين شخصيات  ثقافية لم أكن أحلم بأن أراها أو أتحدث إليها، وحط بنا الركاب عشية في بيت عبد الرحمان الأبنودي ، وبدا لي وأنا قارئ الأبنودي عبر المجلات أن عبد الكريم قابوس عبارة عن موسوعة لا فقط في شعر الرجل ولكن أيضا في مواقفه السياسية ، وفي معرفة تاريخ الهلاليين.
ما لبثت أن حلت سيدة لم أكن أعرفها ، في البيت وهات يا عناق وترحيب هي وعبد الكريم قابوس ، قدمني إليها ، كانت عطيات الأبنودي سينمائية جريئة ، كنت أعرفها بالاسم ولكن لم أر من إنتاجها الشهير شيئا.
دعتنا لليوم الموالي لقاعة صغيرة لمشاهدة إبداعاتها، ولكني كنت في الغد على متن الطائرة في اتجاه تونس ، وما زالت ترن في أذني القصائد الثورية بالعامية المصرية لعبد الرحمان الأبنودي ، و الحديث المتحمس لعطيات الأبنودي عن السينما الحقيقية الملتزمة.
رأيت عبد الرحمان الأبنودي عديد المرات بعد ذلك في تونس وسمعت مرافعاته المتحمسة عن الهلاليين وكيف كان لهم الفضل في تعريب تونس ، وكان في حديثه تناقض مع بورقيبة ، الذي لم يكن يرى في الهلاليين سوى مدمرين.
وهو الشاعر الذي كان معارضا لعبد الناصر وعرف سجونه القائل :
" يعيش جمال عبد الناصر حتى في موته "
**
علمان غابا، عن الأنظار ولكنهما كلاهما سيبقى شمعة مضيئة تنير الطريق.
fouratiab@yahoo.fr



الأربعاء، 15 أبريل 2015

اقتصاديات : شفير الهاوية ، والوقت وقت مسؤولية لا وقت مسارة لعواطف الشعب

إقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إلى الكارثة ،، وبخطوات سريعة جدا
الصواب / تونس/ 12/04/2015
شهران مرا على تشكيل الحكومة، و6 أشهر مرت على الانتخابات التشريعية، وأربعة أشهر مرت على الانتخابات الرئاسية، والبلاد سائرة إلى كارثة مدوية وبخطوات سريعة جدا.  لا يريد أحد أن يصدع بها.
يبدو أن لا أحد واع بحقيقة الأوضاع ، الذين يطلبون شغلا  ويعتصمون أسبوعا وراء أسبوع  ويعطلون حركة الإنتاج  ويمنعون حرية الشغل ، التي ترقى إلى نفس درجة حرية الاضراب،، والذين يطلبون زيادات في الأجور بل ويهددون بالنيل من أمن البلاد ، والحكومة وعوض أن تصارح الناس بحقيقة الأمور ، تبدو في حالة تسيب وكأنها لن تواجه العاصفة الهوجاء عندما تحل آجالها ، واتحاد الشغل بعيدا عن كل روح للمسؤولية ، يساير المطالبين ويتبع خطاهم بدل أن يكون بروح عالية من المسؤولية قائدا لهم ينبه إلى الأخطار المحدقة بالبلاد.
لا يبدو أن أحدا مكترث للآتي، وغائب عن الذهن تماما أن توزيع الثروة يسبقه إنتاجها ، ونحن لا ننتج ثروة ولا هم يحزنون ، وحتى نسب  النمو المعلنة ، إضافة إلى تدنيها فهي بالأرقام الحقيقية تتقهقر بنا لما كان عليه الناتج سنة 2010، ما يعني أننا بصدد التفقير لا خلق الثروة.
وإذا اكتفى الموظفون بالقدر من الزيادات في الرواتب المقترح من الحكومة أي 40 دينارا، فإن ذلك يعني إنفاقا إضافيا يحمل على ميزانية الدولة وبمفعول رجعي من سنة 2014 بمقدار 360 مليون دينارا  على الأقل في السنة، تضاف إلى حجم للأجور في الوظيفة العمومية ، يفوق 8 مليار دينار في سنة كاملة ( فوق كل المقاييس العالمية المعقولة بأشواط)، هذا إضافة للزيادات الاستثنائية للأساتذة وغيرهم من الفئات التي تطلب رفعا في الأجور بصورة دورية.
وفي بلد فيه مخزون من العاطلين يبلغ في أدنى الأحوال 650 ألف بطال ، من بينهم 250 ألفا يحملون شهادات عليا في غالبها لا تستجيب لحاجيات سوق الشغل، فيما للمؤسسات طلبات غير مستجابة تحول بينها و تطور كم الإنتاج وجودته ، ويشهد إعتصامات  دورية وبعضها دائم ، يبدو وكأننا إزاء متاهة كافكاوية ، لا مخرج منها.
فالإدارة لم تعد قادرة على الانتداب ، وقد فاضت عن حاجتها بالكثير الكثير ، وللمقارنة مع القابل للمقارنة ، فإن عدد الموظفين في المغرب يبلغ 800 ألف وهذا الرقم يقل عن ذلك بقليل في تونس ، فيما عدد سكان المغرب يبلغ 3 مرات عدد سكان تونس ، أما ألمانيا وبسكانها الـ تسعين مليونا  فإنها لا تستخدم في وظيفتها العمومية إلا عدد 800 ألف موظف، ومن هنا يبدو الإهدار التونسي ضخما ، ويوحي بأن إدارتنا العمومية لم تعد قادرة على الاستيعاب ، ولن يمكن قبول موظفين جدد إلا تعويضا للمغادرين بالتقاعد ، الذي سيتأخر بعامين حرصا على توازن مالية الصناديق، أو المغادرين سواء بسبب الاستقالة أو الوفاة، غير أن الإدارة لن تكون قادرة إلا على الانتداب في التعليم والصحة والأمن والجيش.
أما القطاع الخاص سواء في الصناعة أو الخدمات فإنه بات نقطة الضعف الكبرى لقصوره عن الاستخدام ، بسبب تراجع الاستثمار ، وكذلك بسبب تراجع الادخار والتوفير، بعد أن تهلهلت أوضاع المؤسسات وتراجع مردودها، ولم يتوفر المناخ الملائم لا سياسيا وخاصة لا اجتماعيا في ظل المطالبات المجحفة ، فيما المناخ الاجتماعي يزداد تدهورا.
وإذ كانت الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية توفر قاعدة لاستثمار فإنها كفت عن ذلك،
وفي البلدان المتقدمة فإن هناك مقياسين للمطالبة النقابية العمالية، هما الوضع العام نتيجة نظرة شمولية للاقتصاد الكلي MACRO ECONOMIQUE أو باعتبار النسبة المخصصة للأجور ضمن الناتج الداخلي الخام ، وكل الدلائل تشير إلى أنه في ظل تراجع الناتج ونسبة النمو وانهيار الاستثمار ، فإن نسبة الأجور إلى الناتج قد ارتفعت  بسرعة كبرى ليس لها مبرر، وباتت مهددة للتوازنات العامة، ولعل أكبر دليل على ذلك هو هذا الانفلات غير المنضبط ، والوعي النقابي الغائب للمصلحة الوطنية ، والمطالبات التي رغم مشروعية بعضها ، فإن وقتها غير مناسب البتة، وإن لم تحصل هبة نوعية في الوعي ، وإن لم يستفق الإتحاد العام التونسي للشغل ، وإن لم تعد للعمل قيمته ، باعتباره ليس فقط أجرا ، ولكن بالخصوص كلفة ، فإننا نسير نحو كارثة محققة وبسرعة كبرى، وإذا وجدت اليونان من يقف إلى جانبها ، فإننا من جهتنا سوف نغرق .. نغرق ،، نغرق.
واليونان رغم الدعم الأوروبي الكاسح اضطرت إلى تحجيم الأجور والمرتبات ، وتقليص جرايات التقاعد إلي حد التفقير ، فكيف سيكون حالنا نحن، وليس لنا من منقذ، وخفض الأجور وجرايات التقاعد ليس أمرا مستبعدا إذا دام هذا الحال. وهو ليس فصرا على غيرنا بل يمكن أن يصل إلينا.
سؤال لا بد أن يطرحه كل واحد منا على نفسه؟
في وقت يتسم فيه الإعلام بغياب المسؤولية ، جريا وراء أرقام المبيعات أو اقتناصا لعدد المشاهدين والمستمعين ، بعيدا عن النظر للمصلحة العامة لا فقط لغد البلاد بل لحاضرها الآني ، فالكف عن مجاراة توجهات ليست فقط خاطئة ولكن تقود للكارثة ، أصبح مطلبا أخلاقيا ، وأنا من الذين يعتقدون أن مهنة الصحافة هي مهنة شرف ، والشرف في أن تقول الصحافة الحقيقة للناس  وما ينتظرهم ،  بدل أن تجاري ميولهم ،وتسايرهم.
فالصحافة من النخبة والنخبة مكانها القيادة ، لا اللهاث وراء الأوهام ، أو المسايرة قصيرة النظر.



السبت، 4 أبريل 2015

الموقف السياسي : 8 دقاق عمل في اليوم ، هل تخلق ثروة؟

الموقف السياسي               
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
العمل هو الثروة
تونس / الصواب/ 04/04/2015
في سنة 1989 تمت دعوتي من قبل البنك الدولي لقضاء فترة بين مصالحه ، وكان الهدف هو الإقناع بأن ذلك البنك لا يفرض شروطا ، كما إنه لا يسعى لدفع الدول للاقتراض منه ، ولكن الدول هي التي تسعى للحصول على قروضه الميسرة ، آجالا ومن حيث نسبة الفائدة ، وأنه مثل أي بنك يطلب ضمانات لاسترداد أمواله ، وهناك جهات معينة ترى فيها شروطا.
كان الدرس واضحا ، بل وأكثر من واضح ، خلال تلك الزيارة وبين المحاضرات، ومن بين الوثائق الكثيرة المسلمة كانت هناك زيارات لكبار الموظفين ، وكان المسؤول عن مكتب تونس وشمال إفريقيا أيامها مجريا وافدا من ما وراء الستار الحديدي كما كان يقال.
في مكتبه صعقت عندما قال لي إن حجم عمل الموظف في الإدارة التونسية لا يتجاوز 20 دقيقة في اليوم ، وأضاف ذاك معدل عام ، أما الحقيقة وإذا لم نعتبر في الحساب رجال التعليم ، الذين يقفون للتدريس ويعملون حسب طبيعة مهامهم، وإذا استثنينا الذين يجلسون وراء مرفق الشبابيك فتفرض عليهم الصفوف أداء دورهم ، فإن الأمر يزداد انخفاضا بالنسبة للموظفين المكتبيين.
ذكرت ذلك في مقالات في جريدة الصباح أيامها ، وكنت رئيس تحريرها وكانت في أيام عزها ، ولكني لاحظت مدى عدم الاهتمام.
بعد 26 سنة صدمت صدمة أكبر ، فعوض أن يتحسن حالنا ، ازداد الأمر سوء، وانخفض معدل العمل الفعلي لـ 8 دقائق ، لست أدري كم يبقى منها عندما نطرح عمل رجال التعليم والجالسين وراء شبابيك الإدارات لخدمة الحرفاء والقياديين في الإدارة الذين عادة ما يجمعون الليل بالنهار.
حجم أجور الموظفين ، يعتبر ( بالنسبة للحسابات القومية) ثروة تم خلقها ، وقيمة مضافة تحتسب في المحاسبة الوطنية التي تعتمد في تحديد الناتج وبالتالي نسبة النمو.
بالتالي فإن الإدارة بحجم الرواتب المتعاظم ، تصنع ثروة وهمية لا وجود لها ، ولو لم ينقذها رجال التعليم والقيادات العليا والجالسين وراء الشبابيك ، لكانت أقرب للصفر ، وبالتالي فإن نسبة مهمة بأهمية القيمة المضافة للإدارة العمومية هي عبارة عن وهم كبير ، والثروة التي نخلقها ونعلن أنها ترفع نسبة النمو لا وجود لها.
ولكن  ، أريد أن أسأل هل أن الموظفين مسؤولين عن هذا الوضع ، وهل هم بصدد "سرقة" أموال المجموعة الوطنية ، أسارع للقول ، لا وألف لا.
المسؤول ، هو انعدام التأطير ، وترك الحبل على الغارب ، وملء المرفق الإداري بعدد من الموظفين يعرقل بعضهم البعض ، إضافة إلى تقليص أيام العمل بيوم واحد ، من الأسبوع في حركة شعبوية  ديماغوجية ، سياسوية لكسب التعاطف والتأييد.
إن ألمانيا بما بين 80 و90 مليون ساكن تكتفي بـ800 ألف موظف ، والمغرب بـ35 مليون ساكن تكتفي بـ300 ألف موظف   ، فيما الولايات المتحدة وبـ330 مليون ساكن تعتمد وظيفتها العمومية بـ300 موظف فيدرالي ، أما تونس فإن الإحصائيات الأخيرة تبرز أنها  " تتمتع " بخدمات 700 ألف موظف، وهذا ما يفسر ضعف الأجور في الوظيفة العمومية.
لكن هذا الحجم من الموظفين متروك لنفسه ، ولو كانت المهمات محددة لكل فرد ، ولكل مجموعة أفراد ، ولكل مصلحة ولكل إدارة  أو إدارة عامة  ، ولو أن هناك محاسبة على نتائج العمل فرديا إلى فريق ، وربط النتيجة بالأجر لما كنا نجد أنفسنا أمام وضع مخزي ، تدفع فيه مرتبات غالبا بدون عمل فعلي ، ولو كان هناك عدل لكان وجب أن يبلغ حجم أجور رجال التعليم أو الجالسين وراء الشبابيك أو الإطارات العليا التي تقوم زيادة عن دورها بدور الموظفين وأحيانا حتى السكرترات 5 أو 6 أضعاف  مرتباتهم الحالية.
إن الإدارة التونسية في حاجة ماسة إلى تخسيس قوي مثلما يفعل الناس بالحمية القوية ، وفي حاجة إلى تأطير ، ولكن هل هناك إرادة سياسية حقيقية ، وهل أن الضغط النقابي يسمح ، بأن يكون العمل الفعلي هو أساس الذهاب إلى المكتب، فالمكتسبات ومنها انعدام العمل والجهد هي الأصل ، والبقية هي المعتمدة .. ولذلك سنبقى بوظيفة عمومية العمل الفعلي فيها للفرد 8 دقائق في اليوم، إن لم يزدد الأمر تدهورا كما حصل بين 1989 و2015.
كما إن الأجر والمنح ينبغي أن يعود لها دورها كحافز للعمل، لا كأجر تكميلي، يتم به ترقيع تدني الأجور.


الخميس، 2 أبريل 2015

les professeurs et le bac

سانحة                              
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قم للمعلم وفه التبجيلا
          كاد المعلم أن يكون رسولا
تونس/ الصواب /01/04/2015
أستاذ الثانوي والإعدادي من حقه ولا شك أن يلجأ إلى الإضراب ، فهو إضافة إلى أنه حق ضمنه الدستور، فهو وسيلة مشروعة للدفاع عن الحقوق.
ولا أريد أن أدخل إلى متاهة ما إذا كان الأساتذة يستحقون تطويرا لمداخيلهم أم لا ، فكل الفئات في تونس  من الأجراء بما فيها الأساتذة حقوقهم مهضومة ، ومواردهم محدودة ، و أحوالهم لا تسر أحدا ، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة .
ومهما كان من أمر ، فإني معهم في إضرابهم من أجل تحسين الأوضاع ، ولكني لست معهم مطلقا في أن يتخذوا من فلذات الأكباد   ( وأحينا أكبادهم ) رهائن ، بالإعلان عن الإضراب الإداري ، بداية من عدم إجراء الامتحانات إلى حد عدم إصلاح الباكالوريا.
الناس تلاميذ وآباء وأمهات  وإخوة وأخوات وأعمام وأخوال ، وجدود وجدات ، كلهم ينتظرون ساعة الفرح بنجاح أبنائهم ، فهل من المشروع حرمانهم من تلك اللحظات السعيدة ، أو من الوقوف في وجه مستقبلهم ، الذي يحسب أحيانا بالأيام لا بالأسابيع والشهور.
بعض الناس اشتروا بعد هدايا النجاح، فهل ستقصف الفرحة من الأعماق، والبسمة من الشفاه.
لأقل أمرين اثنين للداعين للإضراب الإداري  والمصرين عليه:
أولهما أن أعداد كبيرة من الأساتذة وهذا ما لاحظته ، ففي عائلاتنا وبين أصدقائنا أعداد كبيرة من المدرسين، لا يوافقون على الوصول بالإضراب إلى الامتحانات ، وسينجر البعض الكثير لذلك انجرارا، وربما هناك من لا يستجيب.
وثانيهما   أن فئة من  الناس سيتجهون للمدرسة الخاصة بل وحتى للمدرسة الأجنبية،  الأكثر أمانا لمستقبل أبنائهم ، والبعض منهم اتخذ بعد هذه الطريق على كلفتها المرتفعة ، ما يعني أن  من يملكون المال ، سيضمنون لأبنائهم ما لن يكون متوفرا بحال لأبناء الآخرين ، ممن يعجزون في هذا السباق.
وليكن واضحا، للذين يسعون لتعطيل المسيرة التعليمية، عبر الإضراب الإداري، أنهم يدخلون نفقا ربما يكون مظلما، فالسلطة لها أدواتها التي لم تهدد باستعمالها، ومنها التسخير ، بنصوص قانونية يعود بعضها إلى القرن التسع عشر ، ولها مثيلتها في البلدان العريقة في الديمقراطية ، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ، والمستعملة لحد اليوم ،، فالامتحان الوطني أولوية مطلقة وهو يمس الأمن القومي.
و الذين لا يستجيبون للتسخير، يعرفون ما ينتظرهم، وهو ليس بالهين، قد يقال إن هذا الحجم من المدرسين لا يمكن تطبيق تبعات التسخير عليهم كلهم، هذا صحيح ولكن يمكن أيضا تصور الاختيار العشوائي كما حصل في بلدان أخرى.
لعل العقل والرشد يعود، فلا لعب بالامتحانات الوطنية، وهي خط أحمر لا مجال لتجاوزه، والامتناع عنها أو تعطيلها مساس بالأمن القومي.
كاد المعلم أن يكون رسولا.. صحيح .. لكن الرسل لا تعبث بمصير أمة.