Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 4 أبريل 2015

الموقف السياسي : 8 دقاق عمل في اليوم ، هل تخلق ثروة؟

الموقف السياسي               
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
العمل هو الثروة
تونس / الصواب/ 04/04/2015
في سنة 1989 تمت دعوتي من قبل البنك الدولي لقضاء فترة بين مصالحه ، وكان الهدف هو الإقناع بأن ذلك البنك لا يفرض شروطا ، كما إنه لا يسعى لدفع الدول للاقتراض منه ، ولكن الدول هي التي تسعى للحصول على قروضه الميسرة ، آجالا ومن حيث نسبة الفائدة ، وأنه مثل أي بنك يطلب ضمانات لاسترداد أمواله ، وهناك جهات معينة ترى فيها شروطا.
كان الدرس واضحا ، بل وأكثر من واضح ، خلال تلك الزيارة وبين المحاضرات، ومن بين الوثائق الكثيرة المسلمة كانت هناك زيارات لكبار الموظفين ، وكان المسؤول عن مكتب تونس وشمال إفريقيا أيامها مجريا وافدا من ما وراء الستار الحديدي كما كان يقال.
في مكتبه صعقت عندما قال لي إن حجم عمل الموظف في الإدارة التونسية لا يتجاوز 20 دقيقة في اليوم ، وأضاف ذاك معدل عام ، أما الحقيقة وإذا لم نعتبر في الحساب رجال التعليم ، الذين يقفون للتدريس ويعملون حسب طبيعة مهامهم، وإذا استثنينا الذين يجلسون وراء مرفق الشبابيك فتفرض عليهم الصفوف أداء دورهم ، فإن الأمر يزداد انخفاضا بالنسبة للموظفين المكتبيين.
ذكرت ذلك في مقالات في جريدة الصباح أيامها ، وكنت رئيس تحريرها وكانت في أيام عزها ، ولكني لاحظت مدى عدم الاهتمام.
بعد 26 سنة صدمت صدمة أكبر ، فعوض أن يتحسن حالنا ، ازداد الأمر سوء، وانخفض معدل العمل الفعلي لـ 8 دقائق ، لست أدري كم يبقى منها عندما نطرح عمل رجال التعليم والجالسين وراء شبابيك الإدارات لخدمة الحرفاء والقياديين في الإدارة الذين عادة ما يجمعون الليل بالنهار.
حجم أجور الموظفين ، يعتبر ( بالنسبة للحسابات القومية) ثروة تم خلقها ، وقيمة مضافة تحتسب في المحاسبة الوطنية التي تعتمد في تحديد الناتج وبالتالي نسبة النمو.
بالتالي فإن الإدارة بحجم الرواتب المتعاظم ، تصنع ثروة وهمية لا وجود لها ، ولو لم ينقذها رجال التعليم والقيادات العليا والجالسين وراء الشبابيك ، لكانت أقرب للصفر ، وبالتالي فإن نسبة مهمة بأهمية القيمة المضافة للإدارة العمومية هي عبارة عن وهم كبير ، والثروة التي نخلقها ونعلن أنها ترفع نسبة النمو لا وجود لها.
ولكن  ، أريد أن أسأل هل أن الموظفين مسؤولين عن هذا الوضع ، وهل هم بصدد "سرقة" أموال المجموعة الوطنية ، أسارع للقول ، لا وألف لا.
المسؤول ، هو انعدام التأطير ، وترك الحبل على الغارب ، وملء المرفق الإداري بعدد من الموظفين يعرقل بعضهم البعض ، إضافة إلى تقليص أيام العمل بيوم واحد ، من الأسبوع في حركة شعبوية  ديماغوجية ، سياسوية لكسب التعاطف والتأييد.
إن ألمانيا بما بين 80 و90 مليون ساكن تكتفي بـ800 ألف موظف ، والمغرب بـ35 مليون ساكن تكتفي بـ300 ألف موظف   ، فيما الولايات المتحدة وبـ330 مليون ساكن تعتمد وظيفتها العمومية بـ300 موظف فيدرالي ، أما تونس فإن الإحصائيات الأخيرة تبرز أنها  " تتمتع " بخدمات 700 ألف موظف، وهذا ما يفسر ضعف الأجور في الوظيفة العمومية.
لكن هذا الحجم من الموظفين متروك لنفسه ، ولو كانت المهمات محددة لكل فرد ، ولكل مجموعة أفراد ، ولكل مصلحة ولكل إدارة  أو إدارة عامة  ، ولو أن هناك محاسبة على نتائج العمل فرديا إلى فريق ، وربط النتيجة بالأجر لما كنا نجد أنفسنا أمام وضع مخزي ، تدفع فيه مرتبات غالبا بدون عمل فعلي ، ولو كان هناك عدل لكان وجب أن يبلغ حجم أجور رجال التعليم أو الجالسين وراء الشبابيك أو الإطارات العليا التي تقوم زيادة عن دورها بدور الموظفين وأحيانا حتى السكرترات 5 أو 6 أضعاف  مرتباتهم الحالية.
إن الإدارة التونسية في حاجة ماسة إلى تخسيس قوي مثلما يفعل الناس بالحمية القوية ، وفي حاجة إلى تأطير ، ولكن هل هناك إرادة سياسية حقيقية ، وهل أن الضغط النقابي يسمح ، بأن يكون العمل الفعلي هو أساس الذهاب إلى المكتب، فالمكتسبات ومنها انعدام العمل والجهد هي الأصل ، والبقية هي المعتمدة .. ولذلك سنبقى بوظيفة عمومية العمل الفعلي فيها للفرد 8 دقائق في اليوم، إن لم يزدد الأمر تدهورا كما حصل بين 1989 و2015.
كما إن الأجر والمنح ينبغي أن يعود لها دورها كحافز للعمل، لا كأجر تكميلي، يتم به ترقيع تدني الأجور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق