Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 21 يونيو 2019

بكل هدوء: أخطار محدقة لو رفضت الهيئة الدستورية تنقيحات القانون الانتخابي

بكل هدوء ( قراءة ثانية )

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد المقايضة وضمان توقيع رئيس الدولة على تعديلات القانون الانتخابي
ما هي الأخطار الاقتصادية والمالية
 إذا تم إعلان عدم دستورية التنقيحات
تونس/ الصواب/ 21/06/2019
بعد مصادقة البرلمان على القرارات الاقصائية ، كيف تتبدى الأوضاع المستقبلية،
لنقل أولا أننا سننطلق من حالة من التوقعات التي لا بد أن تتأكد على أرض الواقع:
أولا ، أن رئيس الجمهورية سيضع توقيعه على القانون الأساسي  الذي يستبعد نبيل القروي وألفة التراس وربما عبير موسي من سباق الانتخابات المقبلة ، مما يفتح الأبواب مشرعة أمام النهضة وتحيا تونس ونداء تونس بعد أن تمت المقايضة بمنح باتيندة الحزب  الندائي كما يقال إلى حافظ قائد السبسي ، نجل الرئيس ضد كل منطق ، باعتبار  أن شقه أقلي بالمقارنة مع شق طوبال،  و كان لا بد من دفع ثمن ذلك  متمثلا في حق ابن الرئيس  بالفوز في السباق الذي يواجه فيه الشق الثاني بزعامة طوبال في نداء تونس ونيله الباتيندة ،  وهو ما تم لنيل التوقيع الرئاسي .
ثانيا : أن يكون مؤكدا أن  الهيئة الدستورية الوقتية لن تسقط التغييرات المدخلة على القانون الانتخابي و لن تسمها بأنها منافية للدستور.
**
من هذا المنطلق وهو غير مؤكد ، يمكن الدخول في تحليل الأوضاع السابقة للانتخابات المقبلة تشريعية ورئاسية .
ويعتقد كل من الغنوشي من جهة والشاهد من جهة أخرى ، أنهما وغيرهما يُؤمنون المرحلة المقبلة باستبعاد كل الجهات التي يمكن ، أن تضع ظلا كثيفا أمام احتمالات عودتهما  للسيطرة على الواقع السياسي بنيل أغلبية مريحة ، وتقاسم دواليب السلطة إلى حين ، ملوحين بعدم إقصاء الأحزاب "الصغيرة "، باعتماد نسبة عتبة  للإقصاء بـ 3 في المائة لا خمسة في المائة كما كان مطلوبا.
وكانت عمليات سبر الآراء  العديدة المنشورة منذ أقل من شهر ، توقعت أنه  لو جرت الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية في الفترة الحالية ، فإن  موجة قوية من التصويت ، ستذهب  لأربعة عائلات سياسية هي بالترتيب :
-        مجموعة نبيل القروي الذي تعطيه آخر الاستطلاعات ما يمكنه وحده من نيل أغلبية مريحة جدا قد لا تحتاج لدورة ثانية.
-        قيس سعيد الذي يسود اعتقاد كبير بأنه ليس سوى فقاعة وقتية ستنفجر من ذاتها لافتقارها إلى قاعدة تنظيمية.
-        مجموعة عيش تونسي وزعيمتها المعلنة ألفة التراس ، ومن ورائها زوجها الفرنسي مالبورغ الذي يقال إنه كان وراء حملة الرئيس ماكرون ونجاحه .
-        عبير موسي التي يشق حزبها الصفوف متقدما من يوم إلى آخر ، باعتماد خطاب شعبوي لا يعترف لا بالثورة ، ولا بالنظام والدستور المنبثق منها.
وإذ  توفقت أحزاب الحكم ومن ورائها حزب أو اثنان آخران يسودهما خوف من أن يتم سحقهما ، من تواجد الأربعة أطراف المذكورة ، في مقدمة التصويت ، للتدليل على أن صعود الأطراف تلك في عمليات سبر الآراء مرده ، اعتماد شعبوية " ممجوجة" ، والعزف على أوتار فشل أحزاب الحكم ، وتردي أوضاع الناس ، وإذا أصاب الهلع الأحزاب الحاكمة منذ 2012 وخاصة 2015، فقد دلت عمليات الاستطلاعات الأخيرة أن الناس قد يكونون يبحثون عن وجوه جديدة  للحكم غير النهضة ومجموعة نداء تونس وتحيا تونس والأقمار التي تدور في فلكهما ، وأن الأطراف الأربعة تتميز بعذرية صحيحة أو وهمية ، ولكن أملا قد يكون معقودا عليها، بعد فشل أحزاب الحكم فشلا ذريعا خلال الثماني سنوات الماضية.
من هنا فإن الهلع الذي أصاب أحزاب الحكم أي النهضة وتحيا تونس ونداء تونس والتحالفات الموالية لهما ، قد دفعها وفي الوقت غير المناسب ، لمحاولة تحصين نفسها ، للبقاء في الحكم ، ومنع آخرين من الارتقاء إليه، بإدخال تعديلات سريعة على المجلة الانتخابية ، وإن كانت تتسم بالشرعية فإنها تفتقر للمشروعية ، وتبدو منافية للأخلاق السياسية.
وإذا كانت تلك الرغبة مشروعة ، باعتبار أن الأسلحة التي استعملتها تلك الأحزاب ، غير أخلاقية من وجهة النظر السياسية ، فالسؤال المطروح هو متى كانت النهضة أو بقية أحزاب الحكم ، لم تستعمل المال الفاسد وغير المعروف المصادر ،  ولو بدرجات متفاوتة للتأثير على التصويت.
الا أن لا أحد أثار هذا الإشكال في انتخابات سابقة لعله بسبب تورط الجميع في تلك المسيرة ، غير أن التهديد المباشر الذي أصاب أحزاب الحكم هذه المرة هو الذي أثار فزعها ، فالتجأت إلى مقولة تخليق العمل السياسي في انتخابات 2019.
والنتيجة هي إصدار هذا القانون الذي لن يصبح قانونا متمتعا بالقوة التنفيذية إلا بعد صدوره في الرائد الرسمي ممهورا بتوقيع رئيس الدولة ، و بعد أن تتركه هيئة دستورية القوانين يمر دون عراقيل ، وإن كانت تعتريه  في نظر عدد من شراح القانون الدستوري شوائب عديدة.
**
 إذن فإن القانون يحتاج إلى ذاك العنصران ، لاستمرار الاعداد للعملية الانتخابية التي ستنطلق للتشريعية في  شهر جويلية بتقديم الترشحات ، وإذا سقط أحد العنصرين ، فإنه من المحتمل الأكيد أن لا تجري الانتخابات في موعدها ، وسيكون لهذا الأمر تبعاته الخطيرة ، لأن الثقة في تونس ليست قائمة على قوتها الاقتصادية المهلهلة ، بل للضمانات الديمقراطية التي تتجه بها إلى العالم ، وإذ انتفى هذا العنصر ، فإن الثقة ستنهار ، وربما وهذا شديد الاحتمال ، فإن ضمانة صندوق النقد الدولي لتونس ، ستسقط ، ومعها ثقة الممولين في تونس واقتصادها ، وبدون إخافة أحد فلعل البلاد تجد نفسها في عجز عن الوفاء بالتزاماتها:
أولا : عدم وجود الموارد التي تكفل استمرار صرف المرتبات وجرايات التقاعد والمستحقات التي يدفعها صندوق التأمين على المرض.
ثانيا : العجز عن إيفاء الحكومة بالتزاماتها إزاء المزودين والمقاولين في سلسلة تصل لمزودي المزودين و مرتبات أعوان الشركات الخاصة.
فالوضع السياسي واستقراره ، والصورة  السياسية التي تعطيها تونس عن نفسها ، بأنها دولة ديمقراطية أو على طريق الديمقراطية ، لا ينبغي أن تخدشها أخطار من هذا النوع ، قد تدخل البلاد في متاهات ، البلاد في غنى عنها ، هذا بقطع النظر عن أن تعديلات  القانون الانتخابي هي تعديلات من وجهة النظر الموضوعية بدون معنى ، لأن منع أحزاب أو مجموعات معينة من الترشح سواء رئاسيا أو تشريعيا ، يمكن أن يقع تجاوزه بتغيير في الأشخاص أو بالقائمات المستقلة التي يعرف الناس لمن تنتسب من أحزاب أو مجموعات ، أصابها الاقصاء. فتتجه الأصوات  للجهات التي تنتسب إليها  أصلا تلك القائمات ، أو التي كان مفترضا أن تنتسب إليها.




بكل هدوء : التبعات الاقتصادية الخطيرة لو تم إسقاط قانون تعديل المجلة الانتخابية ، سمعة البلد الديمقراطي تذوب

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الانتخابات المقبلة تتأرجح إن حصلت في موعدها.
** ما هي الأخطار إن تم تأخير الانتخابات ؟
تونس/ الصواب/ 21/06/2019
بعد مصادقة البرلمان على القرارات الاقصائية ، كيف تتبدى الأوضاع المستقبلية،
لنقل أولا أننا سننطلق من حالة من التوقعات التي لا بد أن تتأكد على أرض الواقع:
أولا ، أن رئيس الجمهورية سيضع توقيعه على القانون الأساسي  الذي يستبعد نبيل القروي وألفة التراس وربما عبير موسي من سباق الانتخابات المقبلة ، مما يفتح الأبواب مشرعة أمام النهضة وتحيا تونس ويحتمل أن ينقذ أحزاب أخرى ، ولا بد من دفع ثمن ذلك في الأغلب متمثلا في حق ابن الرئيس  بالفوز في السباق الذي يواجه فيه الشق الثاني بزعامة طوبال في نداء تونس، لنيل التوقيع الرئاسي .
ثانيا : أن يكون مؤكدا أن  الهيئة الدستورية الوقتية لن تسقط التغييرات المدخلة على القانون الانتخابي وتسمها بأنها منافية للدستور.
**
من هذا المنطلق وهو غير مؤكد ، يمكن الدخول في تحليل الأوضاع السابقة للانتخابات المقبلة تشريعية ورئاسية .
ويعتقد كل من الغنوشي من جهة والشاهد من جهة أخرى ، أنهما وغيرهما يُؤمنون المرحلة المقبلة باستبعاد كل الجهات التي يمكن ، أن تضع ظلا كثيفا أمام احتمالات عودتهما  للسيطرة على الواقع السياسي بنيل أغلبية مريحة ، وتقاسم دواليب السلطة إلى حين ، ملوحين بعدم إقصاء الأحزاب "الصغيرة "، باعتماد نسبة عتبة  للإقصاء بـ 3 في المائة لا خمسة في المائة كما كان مطلوبا.
وكانت عمليات سبر الآراء  العديدة المنشورة منذ أقل من شهر ، توقعت أنه  لو جرت الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية في الفترة الحالية ، فإن  موجة قوية من التصويت ، ستذهب  لأربعة عائلات سياسية هي بالترتيب :
-        مجموعة نبيل القروي الذي تعطيه آخر الاستطلاعات ما يمكنه وحده من نيل أغلبية مريحة جدا قد لا تحتاج لدورة ثانية.
-        قيس سعيد الذي يسود اعتقاد كبير بأنه ليس سوى فقاعة وقتية ستنفجر من ذاتها لافتقارها إلى قاعدة تنظيمية.
-        مجموعة عيش تونسي وزعيمتها المعلنة ألفة التراس ، ومن ورائها زوجها الفرنسي مالبورغ الذي يقال إنه كان وراء حملة الرئيس ماكرون ونجاحه .
-        عبير موسي التي يشق حزبها الصفوف متقدما من يوم إلى آخر ، باعتماد خطاب شعبوي لا يعترف لا بالثورة ، ولا بالنظام والدستور المنبثق منها.
وإذ  توفقت أحزاب الحكم ومن ورائها حزب أو اثنان آخران يسودهما خوف من أن يتم سحقهما ، من تواجد الأربعة أطراف المذكورة ، في مقدمة التصويت ، للتدليل على أن صعود الأطراف تلك في عمليات سبر الآراء مرده ، اعتماد شعبوية " ممجوجة" ، والعزف على أوتار فشل أحزاب الحكم ، وتردي أوضاع الناس ، وإذا أصاب الهلع الأحزاب الحاكمة منذ 2012 وخاصة 2015، فقد دلت عمليات الاستطلاعات الأخيرة أن الناس قد يكونون يبحثون عن وجوه جديدة  للحكم غير النهضة ومجموعة نداء تونس وتحيا تونس والأقمار التي تدور في فلكهما ، وأن الأطراف الأربعة تتميز بعذرية صحيحة أو وهمية ، ولكن أملا قد يكون معقودا عليها، بعد فشل أحزاب الحكم فشلا ذريعا خلال الثماني سنوات الماضية.
من هنا فإن الهلع الذي أصاب أحزاب الحكم أي النهضة وتحيا تونس ونداء تونس والتحالفات الموالية لهما ، قد دفعها وفي الوقت غير المناسب ، لمحاولة تحصين نفسها ، للبقاء في الحكم ، ومنع آخرين من الارتقاء إليه، بإدخال تعديلات سريعة على المجلة الانتخابية ، وإن كانت تتسم بالشرعية فإنها تفتقر للمشروعية ، وتبدو منافية للأخلاق السياسية.
وإذا كانت تلك الرغبة مشروعة ، باعتبار أن الأسلحة التي استعملتها تلك الأحزاب ، غير أخلاقية من وجهة النظر السياسية ، فالسؤال المطروح هو متى كانت النهضة أو بقية أحزاب الحكم ، لم تستعمل المال الفاسد وغير المعروف المصادر ،  ولو بدرجات متفاوتة للتأثير على التصويت.
الا أن لا أحد أثار هذا الإشكال في انتخابات سابقة لعله بسبب تورط الجميع في تلك المسيرة ، غير أن التهديد المباشر الذي أصاب أحزاب الحكم هذه المرة هو الذي أثار فزعها ، فالتجأت إلى مقولة تخليق العمل السياسي في انتخابات 2019.
والنتيجة هي إصدار هذا القانون الذي لن يصبح قانونا متمتعا بالقوة التنفيذية إلا بعد صدوره في الرائد الرسمي ممهورا بتوقيع رئيس الدولة ، و بعد أن تتركه هيئة دستورية القوانين يمر دون عراقيل ، وإن كانت تعتريه  في نظر عدد من شراح القانون الدستوري شوائب عديدة.
**
 إذن فإن القانون يحتاج إلى ذاك العنصران ، لاستمرار الاعداد للعملية الانتخابية التي ستنطلق للتشريعية في  شهر جويلية بتقديم الترشحات ، وإذا سقط أحد العنصرين ، فإنه من المحتمل الأكيد أن لا تجري الانتخابات في موعدها ، وسيكون لهذا الأمر تبعاته الخطيرة ، لأن الثقة في تونس ليست قائمة على قوتها الاقتصادية المهلهلة ، بل للضمانات الديمقراطية التي تتجه بها إلى العالم ، وإذ انتفى هذا العنصر ، فإن الثقة ستنهار ، وربما وهذا شديد الاحتمال ، فإن ضمانة صندوق النقد الدولي لتونس ، ستسقط ، ومعها ثقة الممولين في تونس واقتصادها ، وبدون إخافة أحد فلعل البلاد تجد نفسها في عجز عن الوفاء بالتزاماتها:
أولا : عدم وجود الموارد التي تكفل استمرار صرف المرتبات وجرايات التقاعد والمستحقات التي يدفعها صندوق التأمين على المرض.
ثانيا : العجز عن إيفاء الحكومة بالتزاماتها إزاء المزودين والمقاولين في سلسلة تصل لمزودي المزودين و مرتبات أعوان الشركات الخاصة.
فالوضع السياسي واستقراره ، والصورة  السياسية التي تعطيها تونس عن نفسها ، بأنها دولة ديمقراطية أو على طريق الديمقراطية ، لا ينبغي أن تخدشها أخطار من هذا النوع ، قد تدخل البلاد في متاهات ، البلاد في غنى عنها ، هذا بقطع النظر عن أن تعديلات  القانون الانتخابي هي تعديلات من وجهة النظر الموضوعية بدون معنى ، لأن منع أحزاب أو مجموعات معينة من الترشح سواء رئاسيا أو تشريعيا ، يمكن أن يقع تجاوزه بتغيير في الأشخاص أو بالقائمات المستقلة التي يعرف الناس لمن تنتسب من أحزاب أو مجموعات ، أصابها الاقصاء. فتتجه الأصوات  للجهات التي تنتسب إليها  أصلا تلك القائمات ، أو التي كان مفترضا أن تنتسب إليها.




الجمعة، 14 يونيو 2019

بكل هدوء : هلع في أوساط أحزاب الحكم قديمها وجديدها

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي

سلوك سياسي مراهق

تونس / الصواب / 14/06/2019
خلال فترة طويلة نسبيا ، ابتعدت عن الكتابة ، لأسباب خاصة ، ولكني لم أترك جانبا الاهتمام بالشأن العام داخليا وخارجيا ، وإذ أعود للكتابة فليس لزوال الأسباب التي ذكرت ، ولكن لإلحاح شديد أمسك بتلابيبي في هذه الفترة الحاسمة من مسيرة البلاد  ومن تطورات هامة محيطة  ببلادنا ستترك ولا شك بصمات غائرة على أوضاعنا الداخلية مهما كانت نتائجها.
وللحقيقة فقد استفزني ما بدا من طفولية ، وربما مراهقة سياسية اتسم بهما ، وضع كان يتطلب الأناة في التحليل ، واستقراء التفاعلات ثم الاستنتاج قبل اتخاذ مواقف وحتى قرارات متشنجة.
فمنذ أكثر من شهر، بدت على حزب حركة النهضة ، أقوى الأحزاب الآن وأكثرها انضباطا وحتى أقدمها ظواهر  شيء من الفزع ، وردود الفعل غير المدروسة ولا اللائقة بحزب كبير له قيادات متجذرة في التجربة ، ولكن " تتكآكلها " خلافات" غير معلنة ، ولكنها معلومة من المتابعين الفطنين للشأن السياسي في البلاد.
فالنهضة المطمئنة إلى مخزون ثابت من الأنصار( الناخبين) المنضبطين يحوم حول 25 في المائة ، تتضخم نتائجه في عدد المقاعد في البرلمان  لطبيعة نظام الاقتراع ، بالنسبية مع أعلى البقايا ، أصابها خوف شديد بعد ما أعلن من نتائج استطلاعان للرأي تونسيان منذ بدايات شهر ماي المنقضي ، عززهما ما تناقلته بعض الوسائل من استطلاعات أجنبية.
ووفقا لهذه الاستطلاعات ، انهار مخزون النهضة إلى النصف مما كانت تجلس عليه مطمئنة إلى أنها في كل الأحوال ، ستكون " الناجح " الأول في عدد المقاعد في البرلمان ، ما يؤهلها للارتقاء إلى الدفة الحقيقية للحكم أي رئاسة الوزراء ، أو على الأقل وضع يدها عمن يحكم تحت إشرافها ، مع عدم معاودة تجربة الحكم المباشر التي تولتها سنة 2012/2013 ، وكانت كارثة عليها وعلى البلاد ، التي ما زالت تجرآثارها لحد اليوم .
وجاء استطلاع الرأي لشهر جوان ( بعد أن تأخر  عن موعده نصف شهر عما هو معهود) ليحول خوف النهضة إلى هلع حقيقي ، بدت معه وكأنها فقدت أعصابها ، وتخلت عما تعودته منذ 2014 من مناورة ، تجعل حقيقة الحكم بيدها ، دون أن تبرز على السطح، ومما زاد الهلع قوة أن استطلاع رأي قامت به مؤسسة "سيغما" ومهما قيل فيها وفي مدى مصداقيتها هي واستطلاعاتها، فإنه يبقى المؤشر الوحيد والمقياس المتاح الذي لا غنى عنه.
ولعل الهلع ازداد حدة عندما أبرزت الأرقام ( ومهما كان تقييمها)  أن النهضة والحلفاء المحتملين لها واحتمال تشكيل حكومة  ائتلاف معهم لا يتجاوز 78 من 217 مقعد ، أي تحيا تونس ، ونداء تونس ( هذا إذا كان لنداء تونس إمكانية للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة طالما بقي منشقا على اثنين من الشقوق ، كلاهما يعلن  أنه هو النداء ، وبالتالي يستحيل عليهما قانونا أن يترشحا بقائمتين عن حزب واحد) .
وإذا نظرنا إلى تصور لتوزيع المقاعد ن، شر على نطاق واسع ولا تعرف مدى مصداقيته،  فإننا نجد أنفسنا في مواجهة النظرية المستحيلة لتربيع الدائرة :
-        نبيل القروي صاحب قناة نسمة وصاحب جمعية خليل الخيرية 68 مقعدا
-        النهضة 40 مقعدا
-        الحزب الدستوري الحر (المعروف تحت تسمية حزب عبير موسي) 30 مقعدا
-                حزب تحيا تونس 29 مقعدا
-        التيار الديمقراطي ( حزب محمد عبو) 23 مقعدا
-        حركة عيش تونس 19 مقعدا وهي لا تمتلك حزبا مؤسسا
-        نداء تونس 8 مقاعد
-        على أن ما أقلق النهضة ومعها الحزبان التابعان تحيا تونس ونداء تونس ، أكثر من هذه النتائج المتوقعة ولكن لا يمكن للمرء أن يعرف مدى تطابقها مع واقع انتخابات أكتوبر التشريعية ، هو أن ثلاثة أطراف لا تريدها النهضة تتصدر توقعات نتائج الانتخابات الرئاسية ، حيث تضع "سيغما " في المراكز الثلاث الأولى نبيل القروي ، ثم قيس سعيد ، ثم عبير موسي ، ويأتي بعيدا في المركز الرابع رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد  ، الذي ربما كانت انهضة تعده ليكون العصفور النادر ، المؤهل لاحتلال قصر قرطاج.
وإذ يعتبر الكثيرون  سواء عن حق أو باطل أن قيس سعيد ، لا يعدو أن يكون فقاعة إعلامية لا غير ، فهل ستنحصر المنافسة في هذه الحالة من هنا إلى شهر نوفمبر ، بين نبيل القروي وعبير موسي الصاعدة باستمرا وقــــوة منذ عدة أشهر ، ولا أحد  يعرف أين ستقف  مدارج سلم الصعود الذي ترتقيه  بقوة واستمرار.
ومع النتائج المتوقعة لاستطلاعات الرأي بشأن الانتخابات التشريعبة ، فإن الخطر بدا داهما  في نظر النهضة وتحيا تونس ، وتبدو قوة نبيل القروي معتمدة على قناته التلفزيونية ، ولكن خاصة تنظيمه الخيري الذي استغل فيه خير استغلال  مأساة وفاة ابنه خليل القروي ، في حركة شعبوية ( نسبة للشعب وبالتالي فإن حرف الشين  منصوب لا مرفوع كما يقال خطأ)  مؤثرة لا فقط ممن استفادوا من كرمه الشخصي وكرم من يتكرمون عن طريقه وبواسطته.
وفي المقابل فإن عبير موسي ما فتئت تعمد إلى تحسين موقعها في استطلاعات الرأي ، باعتماد لهجة عدائية ، أخذت تخفف منها شيئا فشيئا وإن حافظت على بعض الكلمات النابية ، فقد سكتت عن قول أخرى ، محاولة اللجوء إلى نوستالجيا الحركة البورقيبية ، أكثر من بن علي ، الذي كان عهده فراغ إيديولوجي وفكري ، رغم محاولات الصادق شعبان إعطاء تنظيرات لم تركب ولم تبق في الذاكرة ،  وهناك على ما يقال أن من بين مستشاريها من يحثها سواء صح هذا أو لم يكن صحيحا ، على استبطان العهد البورقيبي كاملا ، بما فيه محاولات دمقرطة الحزب الإشتراكي الدستوري في مؤتمرالمنستير الأول سنة 1972 بقيادة أحمد المستيري  ، أو الاصداع بالتعددية الحزبية في مؤتمر الحزب  الدستوري في الثمانينيات ، بإيعاز من محمد  مزالي ، وهي محاولات  جادة لاعتماد توجه ديمقراطي ، وإن أجهضت فإنها كانت بوارق  أمل في عتمة  سلوك استبدادي استمر طويلا.
من هذا الهلع الذي سبق لدى النهضة  وزعيمها  راشد الغنوشى، وما شعر به يوسف الشاهد ، بأن السجاد يسحب من تحت رجليه ، بعد أن تحدى صانع مجده الباجي قائد السبسي وابنه المدلل  ، واعتقد أن ساعته آتية لا ريب فيها ، تظافر الجهد بينهما على تغيير قواعد اللعبة الانتخابية ، بتضمين شروط في المجلة الانتخابية ، ما أتي الله بها من سلطان في وقت ، بدأت فيها ردهات اللعبة تشهد تفاعلا قائما على شروط معينة ، يراد تغييرها ، بصورة يبدو معها وكأن الأخلاق السياسية تأباها ، وسواء نجح المسعى أو فشل بعد محاولة جمع أغلبية يوم الخميس أمس ، وستتكرر المحاولة ، ولا يستبعد أن تنجح ، فيتم تغيير قانون اللعبة في وقت غير مناسب.
وإذ يمكن إذا لم ينجح إدخال تعديلات على القانون الانتخابي  في الأيام المقبلة ، فإن احتمالات أن يصبح نبيل القروي رئيسا للجمهورية تبقى واردة جدا ، أما أن ينال القروي بلا حزب يسنده وماكينة انتخابية في كل الدوائر، كل هذا العدد من المقاعد الذي جاء في استطلاع الرأي (68)، فهو أمر من ناحية المنطق يبدو صعبا ، وعلى العكس فإن عبير موسي خاصة وهي تغير باستمرار لهجتها نحو هدوء أكثر ، واستفزاز أقل فإنها تبدو مرشحة فعلا لأن تلعب أدوارا مهمة في البرلمان المقبل ، علما وأنا حريص على القول بأني وبصراحة بأن لا  أصوت شخصيا لا للنهضة بسبب التوجه المجتمعي المخالف لتصوري الحداثي،  ولا لنبيل القروي ولا لقيس سعيد معتقدا أنهما فقاعتين لا تصلحان لحكم دولة ، ولا لعبير موسي ، التي لم تعترف للآن بأنه  وقعت  في البلاد ثورة ، وأن هذه الثورة قدمت للوطن الحرية والديمقراطية ، التي كم ناضل من مواطنين من أجلهما ، وذلك رغم الخيبات المريرة اقتصاديا واجتماعيا ومجتمعيا ، التي عاشتها بلادنا  خلال 8 سنوات ، والتي تدفع اليوم أحزاب الحكم ومنها النهضة والنداء وتحيا تونس وغيرها ممن شارك في حكومات مابين 2012 و2019 ثمنها غاليا في إدرة الشعب وجهه عنها.