Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

الموقف السياسي : ..وذهب الوزير الأكثر نزاهة من الحكومة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الأستاذية.. المثقف .. الانضباط الحكومي ..
 و جاذبية الخطة الوزارية.
تونس/ الصواب/20/10/2015
بعد ظهر الاثنين الماضي خاطبت تليفونيا الأستاذ الجامعي المتميز ،محمد الصالح بن عيسى ، الصديق وليس الوزير، طالبا موعدا  للقاء لتبادل الحديث، وليس من عادتي منذ كنت رئيس تحرير طلب المواعيد مع الوزراء، أو التمسح على أعتابهم  بل واقع الأمر أنه غالبا ما كان يطلبني الوزراء ، والبعض منهم تشرفت بهم في مكتبي ، وآخرون جاؤوا لحد بيتي.
أجابني محمد الصالح بن عيسى أنه قد نزل للتو من المصعد، وأنه سيخاطبني بمجرد وصوله للمكتب ، ولقد انتظرت حوالي نصف ساعة ، ولاحظت أنه على غير عادته لم يعد لمكالمتي ، فهو وكما عهدته منذ سنوات طوال محافظا للحد المرضي على مواعيده ، كما إنه في غاية التأدب سواء كان أستاذا جامعيا لامعا أو عميدا لكلية العلوم القانونية أو وزيرا في بدايات الثورة ، ويعتبره رجال القانون حجة في مجاله أي القانون العام بما فيه القانون الدستوري، وخاصة في القانون الإداري والمتفرع عنه من قانون العمل وقانون الأنظمة الاجتماعية.
لم أكرر المخاطبة عشية ذلك اليوم، وقدرت أنه قد يكون مشغولا جدا، خصوصا بعد ما سمعت من احتمالات أن يغادر الحكومة.
لذلك لم يفاجئني في اليوم الموالي شيء  عندما علمت في أول العشية ، أنه لم يعد وزيرا للعدل.
أحجمت عن مخاطبته ، ثم رأيته في المساء على أكثر من قناة .
أولا ، محمد صالح بن عيسى يزين الوزارة ، وهي من جهتها لا تضيف إليه شيئا.
ثانيا : إنه يعتبر من أكثر الكفاءات قدرة وبصيرة
ثالثا : إنه رجل مبادئ ومواقف ثابتة ، وليس من أولئك الذين ينحنون أمام منصب أو منفعة.
وإذ عرفت لاحقا الأسباب التي غادر من أجلها الحكومة أو على الأصــــح "غادروه " الحكومة فإنه زاد رفعة في نظري ، وزاد هذه الحكومة ذات الأيدي المرتعشة كما قال بعضهم تدنيا في النظر العام.
من الطبيعي أن لا يجد محمد الصالح بن عيسى مكانه في هذه الحكومة، ولكني سأقف عند أمرين اثنين ولا أطيل:
** أنه مهما بلغت الخلافات فقد كان أجدر بالنسبة لحكومة تحترم نفسها ، أن تجد إخراجا أكثر تقديرا لمن عملوا في صفوفها ، ولقد كان ممكنا (تحت حيط) دعوة الرجل للاستقالة مثلا ، لا المواجهة بالإقالة .
** أنني استغربت شديد الاستغراب من موقف الوزراء كل الوزراء فلم يعبر واحد منهم عن تضامنه مع زميله ، وكنت أقدر أنه في مثل هذه الأحوال فإن عددا من الوزراء سيقدمون استقالتهم ، ولكن الكرسي يشدهم شدا ، وللتذكير ففي سنة 1977 عندما أصر الهادي نويرة على إقالة الطاهر بالخوجة واستغل سفره للخارج واضطر بورقيبة للتوقيع على أمر وهو كاره له، فإن  5 أو 6  من الوزراء استقالوا تضامنا مع زميلهم وهم الحبيب الشطي وزير الخارجية ، ومنصف بالحاج عمر الكاتب العام للحكومة وأقرب الوزراء للهادي نويرة ، ومحمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية (رئيس مجلس نواب الشعب حاليا) والمنجي الكعلي وزير الصحة وأحمد بنور كاتب الدولة للدفاع، كان ذلك زمن بورقيبة ومن لا يعرف كيف كانت السلطة المادية والمعنوية للرئيس الأسبق.
ولكن الوقت غير الوقت، والشجاعة تحضر و تغيب،  والمنصب الوزاري له لمعانه وجاذبيته، ومقولة التضامن الحكومي تقوم حجة لدى البعض ، بمعنى أنه ليس للوزير أن يتمرد على رئيس الحكومة وعلى البرلمان ولو كان الاثنان مخطئان.



الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

نظريات : الثورة بين النظرية والواقع

نظريات
كتبها عبد اللطيف الفراتي
الثورة التونسية
هل وفرت مقومات الثورة ؟
تونس / الصواب 20/01/2011 *
لا يمكن استنساخ أي ثورة ،، فالثورة هي وليدة مناخها ،، وليدة تربتها،، وليدة ظروفها،، وليدة أهلها ، وليدة لحظتها.
لذلك لا يمكن البحث لا عبر التاريخ ،، ولا عبر الأحداث، عن ثورة تمكن مقارنتها بثورة أخرى.
ولا بد هنا من التفريق بين الثورة والإنقلاب، فالإنقلاب لا يمكن أن يكون ثورة وهو ينطلق عادة من فعل عسكري أو شبه عسكري ، أي بقوة مسلحة  ليست منبثقة من الشعب، ولا تعبر عن أعماق أمة ، بل إنها تجد منطلقها في قوة قد تكون مركبة على الشعب ولكنها لا يمكن بدقة أن تكون معبرة عنه.
وإذ سمى انقلاب 23 يوليو في مصر نفسه ثورة ، فإن أعداد من المنظرين يرون فيه بعض ملامح الثورة باعتبار تعبيره عن إرادة شعبية، لم تتمكن من تحقيق ذاتها إلا بتلك الطريقة، التي اعتمدت القوة المسلحة، واختطت لنفسها أهدافا مما يمكن أن تختطه ثورة ، والتحمت بالشعب.
غير ذلك الإنقلاب في العالم العربي منذ انقلاب حسني الزعيم في سوريا في أواخر الأربعينات لم يرق إلى مصاف الثورات رغم ما ادعاه من ذلك.
تعرف موسوعة ويكيبيديا الثورة كما يلي :
الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين ،التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي أسموهم البروليتاريا.
 أما التعريف المعاصر والأكثر حداثةً هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته “كالقوات المسلحة” أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.
والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم.و قد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات/ الستينات من القرن العشرين، أو حـــــــــــــركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية { 1954-1962
. أما الانقلاب العسكري فهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم, بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
كما قد تعني الثورة في معنى آخر التطور الايجابي كما هو متعارف عليه في مجال التكنولوجيا والعلومالتطبيقية حيث يستخدم مصطلح (ثورة) في الإشارة إلى ثورة المعلومات والتكنولوجيا.
** طبيعة فريدة للثورة التونسية
لعل الثورة التونسية هي ثورة فريدة من نوعها ، ولعلها تكون مؤذنة ، بشكل جديد من أشكال الثورة ، في التاريخ العالمي، فهي ثورة انطلقت من شرارة ، قد تكون منبثقة من تراكمات كثيرة ولكنها بالقطع ، كان يمكن أن تمر كغيرها من الشرارات التي يعيشها أي بلد في ظل القمع والكبت وانعدام الديمقراطية واكتساح الظلم والتعسف.
 كما إنها ثورة بلا رأس ولا قيادة، فالثورة الفرنسية أشهر الثورات في العالم ، قادتها نخب وقيادات استعدت لها، والثورة البلشفية الروسية (السوفياتية لاحقا) قادتها قيادة طبقية بروليتارية، ولن نستعرض كل الثورات الأخرى التي اتسمت دوما باعتماد إيديولوجية ، ووضعت على رأسها قيادات ، حددت أهدافا وخط سير واستراتيجيات وحتى خط تكتيكي.
الثورة التونسية هي ثورة غير مخطط لها أولا ، بلا رأس ثانيا ، وبلا إيديولوجيا ثالثا.
وليس صحيحا أن طرفا بعينه أطلقها ، فلا الماركسيون أطلقوها ولا الإشتراكيون ، ولا الإسلاميون ،ولا أي فئة من فئات المجتمع، لقد تكون قد احتضنت كل هؤلاء ، ولكنهم كلهم ولا أي منهم  لم يسيطروا عليها، وبقيت ثورة الشباب ، في نقاوة وطهارة من حركوها بعيدا عن كل محاولات الإلتفاف.
وبالنهاية فإنها على ما تبدو مما يتداوله المحللون ثورة الكرامة ، ثورة القيام على القائم من وضع، اختزل الحياة في أرقام نجاح بقطع النظر عن صحة ذلك من عدم صحته، نسب نمو عالية كما لم يتوفر لا عربيا ولا إفريقيا، ارتفاع نسبي في معدلات الدخل الفردي، ارتفاع في مؤملات الحياة، نجاح في النشر الأفقي الكامل للتعليم، ولكن فشل شديد في تعميم الخيرات ، فرديا وجهويا، إقصاء واستثناء فادح تجاوز الأفراد إلى المجموعات ، ونهب لخيرات البلاد لم يظهر على حقيقته المرعبة إلا بعد رحيل العائلة التي استباحت البلاد.
**قصور ديمقراطي
إن الظاهرة الدافعة أو الجارة للثورة التونسية  هي تلك المتمثلة في القصور الديمقراطي Le Déficit Démocratique ، وإلى جانب صعوبات الحياة ، بالنسبة للكثيرين الذين اعتبروا أنفسهم مهمشين في بلد ظهرت فيه الفوارق الإجتماعية صارخة، وهو بلد تعود على الوسطية ، ساد شعور دفين بنقص كبير في الإحساس بالتمتع بشيء ضروري لعزة النفس هو الكرامة، ولقد انتشر هذا الإحساس بشكل واسع ، حتى بين طبقة الإنتهازيين المستفيدين من الوضع ، والذين كما قال لي بعضهم لاحقا بأنهم  كانوا يحتقرون أنفسهم ويشعرون بأنهم رغم استفادتهم فإنهم كانوا غير مرتاحين إلى وضعهم.
وسواء كان الثائرون  ـ  البعض يفضل الثوريون ـ  يشعرون او لا يشعرون فقد كان الإحساس الشعبي موفقا بأنهم لا يختزلون كل غضبهم في صعوبة الحياة ، وضيق ذات اليد ، والبطالة المتفشية، بل في شيء أسمى وأعلى مرتبة ، يتمثل في قصور ديمقراطي ، صاحبه كبت شديد، تحولت معه الحالة المجتمعية إلى ما يشبه “الكوكوت ” المغلقة بإحكام والتي لا متنفس لها ، وكان مقدرا لها أن تنفجر في يوم من الأيام.
من هنا جاءت حركة البوعزيزي اليائسة والتي وصفت أيضا بأنها كانت تعج بالحياة وإلا لما أطلقت ثورة بهذا الحجم ، كنست طاغية ، ما كان أحد يتصور أنه سيفرض عليه يوما مغادرة الكرسي .
** عشية الثورة
عشية الثورة ما كان أحد يتوقع أن عاصفة عاتية تدق البواب، كان باديا أن زين العابدين مثبت على كرسيه، يستعد لولاية رئاسية جديدة اخذ يعد لها وهي في سنة 2014 من صيف 2010 أي قبل 5 سنوات إلا قليل عن موعدها، هذا إذا لم يحصل انقلاب في الإثناء تعد له زوجته وفريقها، هذا أيضا إذا استمر في الحياة وإشاعات غير مؤكدة تتحدث عن مرضه.
إذن كان أبو الهول جالسا على عرشه في اطمئنان، والناس وقد ناضلوا طويلا من أجل زحزحته، أصابهم – إلا القلة – اليأس وأسلموا في الغالب أمرهم.
وهو في قصره أو على الأصح بين قصوره (بكل معاني الكلمة) لم يكن يساوره شك أي شك في أنه يسبح في مياه هادئة.
وفجأة هدرت العاصفة أرغت وأزبدت، وهو لم يشعر بها ولا بأنها قد أثارت زلزالا ـ قال أحدهم تسونامي ـ سيحمله ويرميه بعيدا.
قيل إنه لما أحيط علما بالبوعزيزيي وحركته اليائسة،  قال والعهدة على الراوي ، فليمت.
لكنه لم يتحرك مطلقا، ولم يشعر بضرورة التحرك، خطب ولكن بعد 11 يوما على بدء الزلزال، خطب وبدا انه لم يفهم شيئا ، وزع وعودا لم يعد لها معنى، ووزع تهديدا لم يكن في محله لا هو ولا “بحزم بـ..حزم”.
أردف سريعا الخطاب الأول بثان وصفه أستاذ جامعي في الفلسفة بقوله” لقد كانت مقالته خارج الموضوع”. ثم جاء الخطاب الثالث ربما كان يفعل مفعوله من اليوم الأول ولكنه جاء متأخرا ، وفي وقت لم يعد أحد يصدقه .
في اليوم التالي حزم حقائبه وغادر البلاد، ما زال على أمل أن يعود على ما يبدو ، كمنقذ، ما زال لم يفهم إن دوره قد انتهى وأن فرصته التي استمرت 23 سنة قد انتهت بالنسبة له غلى كارثة وبالنسبة للبلاد إلى حال من الكراهية له ولحاشيته لا يمكن أن تدخل تحت وصف.
** العدوى
ثورة الشعب ،، ثورة الشباب ، الوقفة البطولية للصدور العزلاء أمام الرصاص، انحسار شعور الخوف، دخول التكنولوجيات الحديثة للمعركة ، الموقف البطولي للجيش الوطني ورفض إطلاق الرصاص على المتظاهرين، كلها علامات أيقظت الشعوب العربية ، إلى أن الأمر ممكن ، أن جلوس الطغاة على العروش ليس قدرا محتوما ، أن الرئاسات مدى الحياة والتوريث أصبحت من آثار الماضي البائد.
بينما تحررت شعوب شرق أوروبا ، وفرضت بعد سقوط جدار برلين الديمقراطية في بلدانها ، بينما مرت شعوب إفريقية عديدة إلى الممارسة الديمقراطية ن بينما كان الحال كذلك في آسيا وفي أمريكا اللاتينية ، اتسم العالم العربي بقصور ديمقراطي فاضح.
أول مظاهر الممارسة الديمقراطية ، التداول على الحكم بقي غائبا، وفي ما عدا لبنان ، فإن رؤساء الجمهوريات لا يموتون في فراشهم هانئين بعد أن يعيشوا لسنوات كمواطنين عاديين، تاركين مسؤولياتهم السامية لمن يأتي بعدهم وهم على قيد الحياة.
العرب وفي المقدمة الجمهوريات الملكية وبالتوريث كما حصل في سوريا، وكان مقررا أن يجري في مصر واليمن وليبيا والبقية تأتي ، هم المنطقة الوحيدة التي تميزت بان هناك عداء مستحكما بينها وبين الديمقراطية ، فلا حرية التعبير سائدة، وإن كان هناك تفاوت في الهامش، وتونس في المؤخرة ، ولا صندوق للإقتراع نزيه وشفاف وبنتائج مقبولة منطقيا، ولا حرية تنظم أو تظاهر. وبعبارة الوضع السائد هو الوضع الديكتاتوري بل التوتاليتاري.
**الإنفجارات المتلاحقة
ما إن فرضت الثورة نفسها، وفر الصنم من تونس بليل، هاربا بنفسه من غضب الشعب ، كان ذلك في 14 جانفي ، حتى تحركت اأطار عربية عدة.
والثورة ليست قابلة للاستنساخ، فلا الظروف الموضوعية متماثلة، ولا المناخ واحد، ولا التربة جاهزة هنا أو هناك، ولا مقدار الوعي على نفس المستوى.
ولذلك فقد هبت الشعوب العربية في انتفاضات هائلة ، هددت العروش الجمهورية خاصة، وباعتبار المخزون الحضاري المصري ، وأيضا باعتبار التقاليد الثورية ، ثورة 1919 المجيدة تحت قيادة سعد زغلول وثورة 1936 تحت عنوان الجلاء، وثورة القنال ثم ثورة الضباط الأحرار، والعبور العظيم سنة 1973، كلها كانت خميرة لثورة تتواصل منذ يوم 25 جانفي بلا كلل أو ملل ، تتواصل يوما بعد يوم ليلا بعد ليل، هدفها إرساء قواعد الديمقراطية، مع ضرورة ،، ضرورة ، رحيل الطاغية.
تعانقت الثورة في تونس وأختها في مصر، تم رفع نفس الشعارات، الأعلام التونسية ،، وأنشدوا هناك عديد المرات كل يوم حماة الحمى ، رفعوا صور البوعزيزي ، أشادوا بشهداء تونس، وبالمقابل فتونس التي أنجزت ثورتها ، تسمرت تتابع أمام الشاشات مسار الثورة في مصر ، تتوقع لها النجاح، وتتوقع أن  تلتقي الديمقراطية في تونس والديمقراطية في مصر.
تونس لا تدعي إنها تصدر ثورتها، فالثورة إما أن تنبع من  تربة شعبها أو فهي ليست ثورة، والثورة في مصر ذات جذور ضاربة في الأرض المصرية، ومن خلال أغصانها تتلاقى عاليا مع الثورة التونسية
كذلك الثورة في اليمن ،، في الأردن في الجزائر في كل قطر عربي مهما يكن نظام حكمه، فلا بد أن يستجيب القدر كما قال الشابي لشعوب تطمح اليوم بان تُحكم ديمقراطيا،
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
·       تمت كتابة هذا النص لصحيفة مشرقية  إبان الثورة التونسية ولم يقدر له أن ينشر في تونس في الإبان


الاثنين، 19 أكتوبر 2015

www.assawabaf.blogspot.com

افتحوا مدونتي الصواب واقرؤوا   مقالاتي الأخيرة التالية : www.assawabaf.blogspot.com  
                   
** اقتصاديات : الميزانية الجديدة هل تنقذ تونس من مصير مظلم ؟
** قرأت لكم : هل روسيا قادرة على تحمل كلفة الحرب في سوريا ؟
** قرأت لكم : تحالف غير طبيعي بين النهضة والنداء
** الموقف السياسي : بعد استقالة الأزهر العكرمي، الأسباب الحقيقية
** بكل هدوء : الصديقان اللدودان الغنوشي والسبسي 
** سانحة : بعد نوبل التونسية : من الصعب الوصول للقمة  والأصعب البقاء فوق ذروتها 
** سانحة : لن أكف
** بكل هدوء : نحو حسم معركة  المحاسبة والمصالحة   
** سانحة : الزعيم المنسي .. الهادي شاكر
** صفاقسيات : تقهقر فاضح


الأحد، 18 أكتوبر 2015

إصلاح خطا في موضوع الميزانية

تسرب خطأ في المقال أدناه الخاص بالميزانية ، فقد جاء أ ي آخر المقال أن انتصاب الحماية تم في 1981 والصحيح 1881، لذلك وجب التصحيح مع الإعتذار للسادة  القراء والمبحرين 

اقتصاديات : الميزانية التي يمكن أن تسهم في إنقاذ البلاد ، إذا توفرت الإرادة

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
هل يمكن تفادي المصير المظلم ؟
تونس/ الصواب/ 18/01/2015
بدأ ماراتون الميزانية العامة للدولة ، في أفق لا ينبئ  بخير ، واقتصاد يسير نحو التأزم ، في ظل انكماش يدفع إلى الخوف الشديد ونسب نمو هابطة ، ومالية عمومية ، متأرجحة ، ولكنها تبدو منذرة بكل الأخطار إن لم يتم التدارك.
ولعل بصيص الأمل الوحيد ، هو ذلك الذي يبدو في أبواب الميزانية الجديدة ، التي أعدها الوزير سليم شاكر  وفريقه، والتي تدل على وعي بطبيعة المرحلة ، وسليم شاكر ، يذكر ( برفع الياء وتشديد الكاف وكسرها) هنا بالتوجهات التي كان يمكن اعتمادها سنة 2012 ،على يدي الوزير الديماسي ، والتي كان يمكن أن تنقذ البلاد، ولكن حكومة الجبالي صرفت النظر عنها  هي وما جاء بعدها من حكومات، ودفعت البلاد إلى الأزمة الخانقة التي نشهدها اليوم، فهل يكون مصير شاكر شبيها بمصير الديماسي قبل 3 أو أربع سنوات ، فإما يبقى مكرها ، في إطار ما يمكن اعتباره التضامن الحكومي ، الذي لا يخفي إرادة البقاء في المنصب ، أم إنه في حالة رفض المشروع المنقذ الذي تقدم به يقدم استقالته وينصرف ، تاركا البلاد على حافة هاوية سحيقة.
فمشروع الميزانية الجديدة للعام 2016، تقتضي تضحيات كبرى ، ضرورية لتقويم وتصحيح المالية العمومية المنهارة ، وتقطع مع ميزانيات الأعوام القليلة الماضية التي اعتمدت على القروض الخارجية وربما الداخلية لتمويل الموازنة، بحيث جاء الوقت للسداد وليس هناك القاعدة التي عليها نرتكز لنسدد.
فبعد أن "أكلنا" الاحتياطي المتمثل في مداخيل بيع قسط من أسهم اتصالات تونس لمؤسسة إماراتية ، وأصبحنا على "الضحضاح" كما يقال ، وبعد أن استنفذنا القروض الخارجية والداخلية ، استهلاكيا في تمويل ميزانية العنوان الأول ، أي الأجور والنفقات غير المنتجة ، جئنا إلى فترة سداد لا قبل لنا به ، إلا إذا طلبت تونس لأول مرة منذ الاستقلال أو منذ حوالي قرن ونصفا ، جدولة ديونها ، بكل ما يحمله ذلك من ضرر محدق وكبير ، ندفعه من سمعة هذه البلاد التي بنت مصداقيتها عبر السنين باحترام تعهداتها دوما وفي مواقيتها ومن استحالة الاقتراض مجددا بما يؤدي به ذلك من خنق لمسيرة البلاد، ومن المؤكد أننا سنصل إلى ذلك في سنة 2017 ، إلا إذا حزمت هذه الحكومة أمرها ، وقررت خوض الإصلاحات خاصة الجبائية  التي يستوجبها وضع أصبح كارثيا منذ استلمت حكومات  الترويكا  وما بعدها زمام الأمور ، فأحجمت لأسباب انتخابية وضيعة من مسك الثور من قرونه ، كما اقترح عليها الوزير المستقيل الديماسي سنة 2012.
ولقد بات متأكدا شديد التأكد ، تمويل النفقات العادية للدولة ، وحتى بعض النفقات الاستثمارية ، بالمجهود الخاص للبلاد، ما يتطلب الاعتماد على الذات ، وصنع المستحيل عبر إقدام المواطنين على تضحيات جسيمة  وتحقيق عدالة ضريبية ، فتونس ليست لها عائدات ضخمة من باطن أرضها ، وتونس ليست لديها احتمالات فتح حنفيات مالية لا تنضب مثل مصر،  وتونس ليس أمامها إلا ما يوفره لها أبناؤها.
من هنا جاء مشروع الميزانية الجديدة مستجيبا لذلك ربما ضرورة وليس اختيارا، وهي ليست أول مرة في تاريخ البلاد تتحرك فيها الحكومة لفرض دفع الضرائب على كل الفئات لا فقط على الأجراء ، والمؤسسات المنظمة، ولقد فشل منصور معلى في ذلك سنة 1972 عندما ، تراجعت حكومة الهادي نويرة تحت ضغط الفئات المترفهة،  ليس فقط على ما تقرر من تحصيل الضرائب من الفئات الأغنى، بل وترك ما كانت قررته سلطة تشريعية ، من أول مهامها كما أبرزته الثورة الفرنسية ، ومجلس العموم البريطاني منذ القرن السابع عشر ، فرض الضرائب على مواطنيها.
هل سينجح سليم شاكر وفريقه  في ما فشل في فرضه قبل أكثر من أربعين سنة منصور معلى ، من تحقيق العدالة الجبائية ، وبالتالي ملء خزائن الدولة ، والكف عن اللجوء لاقترض مدمر لاقتصاد البلاد، وتوفير القاعدة التي انطلاقا منها يمكن سداد ديون ، انفجرت خلال السنين الأخيرة  الأربع وباتت تهدد توازن البلاد وحتى استقلال قرارها كما حصل في السنوات التي سبقت 1981 ، سنة فرض الحماية الفرنسية على بلادنا .
إن القرارات الجريئة التي اهتدت إليها وزارة المالية ، لمن شأنها أن تسهم في إنقاذ البلاد ، إذا تحمست لها حكومة تعرف معنى المسؤولية الوطنية لا كما سابقاتها ، وإذا لم تمزقها سلطة تشريعية متمثلة في مجلس نواب الشعب ، بدعوى التخفيف عن المواطنين (أي مواطنين)، وإذا التزمت مصالح الدولة بالتنفيذ الدقيق للقرارات التي يجب أن تصبح قوانين لها قوة النفاذ بسلطة الدولة الإجبارية.


قرأت لكم : التحالف ضد المسار الطبيعي

قرأت لكم
بترخيص من الأستاذ غابي طبراني رئيس تحرير مجلة أسواق عربية ، أكبر مجلة اقتصادية عربية ، ننشر في ما يلي مقالا كتبته شخصيا للمجلة ، تجدونه في ما يلي:
 تحالف خارج إطار المنطق
العدد 35 - تشرين الأول 2015رأي سياسي2015/10/15 10:10 ص119
Flag_of_Tunisia.svg_
بقلم عبد اللطيف الفراتي*
بعد عداء مُستَحكَم، وتبادل الاتهامات، خصوصاً إبان صيف 2013، انقلب الأمر وتحوَّل العداء إلى صداقة وإلى شراكة وثيقة، بلغت في خريف 2014 حدّ التحالف الوثيق، وقيام ائتلاف حكومي.
في بداية 2013، قام رجل السياسة التونسي المخضرم المحامي الباجي قائد السبسي بتأسيس حزب جديد إنضاف إلى حوالي 200 حزب قائم في البلاد، التي شاركت كلها في انتخابات خريف 2011، حيث كان النصر فيها لحزب النهضة الإسلامي الذي حصل على غالبية نسبية تؤهله لتشكيل الحكومة.
كان الهدف المُعلَن للسبسي هو إيجاد توازن سياسي في البلاد، ووضع الحزب ذي المرجعية الإسلامية في التسلل.
لم يكن الكثير من التونسيين يعتقدون في احتمال حصول ذلك، فقد كان الإسلاميون استقروا في السلطة منذ خريف 2011 في إطار ائتلاف أعرج، بمشاركة بعض الحالمين منذ زمن طويل بقدمٍ في السلطة، أي منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر اللذين حاز حزباهما على عدد جيد من المقاعد ولكن بعيداً من حزب النهضة الإسلامي، وسنرى حزبيهما، إضافة إلى أحزاب أخرى، وقد تم اكتساحهما تماماً في انتخابات كانون الأول (ديسمبر) 2014، فغابا تماماً أو كادا من المجلس التشريعي الجديد، الذي يُعهد إليه بتشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً لطبيعة النظام البرلماني المعتمد حسب الدستور الجديد.
غير أن تحرك المجتمع المدني بقوة، وأخطاء كثيرة ارتكبها الإسلاميون إبان حكمهم، إضافة إلى حركة التمرد التي حصلت في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013 وانتهت إلى عزل الرئيس محمد مرسي ووضعه في السجن، قد ألهبت كلها الشارع التونسي، فخرج حوالي 600 ألف من التونسيين يوم 13 آب (أغسطس) في تظاهرة ضخمة كان وراءها الباجي قائد السبسي وحزبه، الذي كان لا يزال لم يستكمل هياكله في حينه، وبمشاركة غالبية الأحزاب المدنية، وتعطّل عمل المجلس التأسيسي المُكلَّف بصياغة الدستور لمقاطعة حوالي 60 أو 70 من أعضائه، فتزعزعت أركان مؤسسات الدولة، بما فيها الحكومة ذات المنحى “النهضوي” الإسلاموي التي قامت مطالبات قوية بحلها. وبدا وكأن الدولة في طريقها إلى الانحلال. وهذا ما سحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين وحلفائهم.
غير أن إسلاميي تونس (البعض يقول إخوان تونس) كانوا أكثر ذكاء من إخوان مصر، فقد أصابهم هلع شديد من أن يكون مصيرهم كما كان المصير في القاهرة، وقد اكتشفوا أن مشروعهم المجتمعي، و”أسلمة” المجتمع يقف أمامها مجتمع مدني قوي، لا تستطيع أن تواجهه “جحافلهم”، في بلد حقق منذ 150 أو 160 سنة إصلاحات في المفاهيم والسلوكات عميقة، ونهضة بالمفهوم الصحيح لكلمة نهضة، تماماً كما حصل في مصر منذ عهد الخديوي محمد علي.
على هذا الأساس اضطرت حكومة “النهضة” إلى ترك المكان لحكومة “محايدة”.
من هنا فإن الطبقة السياسية العليا، أي تلك التي بدا أنها تسيطر بصورة أو بأخرى على الساحة الجماهيرية، وهو ما ستؤكده انتخابات خريف 2014 البرلمانية والرئاسية، رأت أنه لا بديل من وضع اليد في اليد، لمنع وصول البلاد إلى حافة الأزمة، وحصول حرب أهلية، ومن هنا أيضاً انتقل زعيم حزب النهضة الإسلامي محمد الغنوشي إلى باريس للقاء الباجي قائد السبسي، فيما وصف في حينه بصفقة بين الشيخين، ستتأكد ملامحها بعد أشهر، عندما أمكن تحرير وصياغة دستور يتّسم بروح تقدمية، بعكس ما كان يسعى إليه الإسلاميون. ثم بعد الانتخابات وحصول حزب السبسي، “نداء تونس”، على المرتبة الأولى وحصول حزب النهضة الإسلامي على المرتبة الثانية في عدد مقاعد البرلمان، تم تحالفهما ضد طبيعة الأشياء وتشكيل حكومة ائتلاف، حيث لم يحز فيها النهضويون على مقاعد كثيرة لكن تأثيرهم فيها كان كبيراً وقوياً. وفيما ترك “الندائيون” للعبة أن تسير على عواهنها، تاركين للإسلاميين حرية مناورة كبيرة، بشرط عدم المساس بالطبيعة الفعلية للمجتمع مدني والنمط المجتمعي، وهو الخط الأحمر الذي لا ينبغي تجاوزه.
وفي ما يبدو أن الأمر يسير في طريقه بهدوء بين القوتين الرئيسيتين في البلاد وتحت قبة البرلمان، فإن هناك جهات عديدة ومتنفذة في “نداء تونس” وفي حزب النهضة الإسلامي، تتساءل إن كان الطرف المقابل جاداً في توجهاته، أو أنه ينتظر ساعته عندما يفوز في انتخابات مُقبلة ليقلب ظهر المجن تحت وطأة توازنات جديدة ومغايرة في جسم الهيئات التمثيلية سواء كانت برلمانية أو محلية، وما إذا كان حزب النهضة تخلّى نهائياً عن ميوله في اعتماد الشريعة كركيزة للتشريع، وإلغاء المُكتسبات المجتمعية وخصوصاً تلك التي تهم المرأة والانقلاب على النمط المجتمعي، أم أنه قد قطع نهائياً مع قناعاته القديمة والتي حاول من دون نجاح اعتمادها في سنتي 2011 و2012.
الظاهر في الوقت الحاضر، أن صداقة الشيخين السبسي والغنوشي قوية، وأن كلاهما رغم التناقضات الكبيرة بينهما وبين حزبيهما، يسعى بقوة إلى تثبيت التحالف القائم، خصوصاً إذا ما عقد حزب النهضة مؤتمره العام، وتخلّى خلاله عن جانبه الدعوي ليتحوّل إلى حزب سياسي مدني، على شاكلة الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب.
صحافي وكاتب تونسي، ورئيس التحرير السابق لصحيفة “الصباح” التونسية. (fouratiab@gmail.com)



السبت، 17 أكتوبر 2015

قرأت لكم : هل تتحمل روسيا حرب سوريا ؟

قرأت لكم
بترخيص من الأستاذ غابي طبراني مدير ورئيس تحرير مجلة  أسواق العرب  أوسع المجلات الاقتصادية العربية انتشارا ، ننشر تحت هذا الباب ، المقال الرائع والمفيد حول حقائق مدى قدرة روسيا على تحمل نفقات الحرب في سوريا ، لا ينبغي أن ننسى هنا أن  الاتحاد السوفياتي في حربه في أفغانستان ، قد ترك كل قوته ، واضطر أمام الخسائر الفادحة إزاء كلفة حلب لا قدرة له عليها ، على التخلي عن ممتلكاته في شرق أوروبا وفي آسيا وانحسر إلى وضعه الطبيعي قبل أن ينتشر ، خلال قرنين ، وكيف إنه انتهى إلى طلاق العقيدة الماركسية في أكبر هزيمة تاريخية وانحسار لم يسبق له مثيل ، والسؤال المطروح ، هل لروسيا في ظل أزمتها الاقتصادية قبل ( بكسر القاف ونصب الباء)  بتحمل نفقات حرب لعلها تكون أطول مما خططت له ، وأكثر كلفة؟

وفي ما يلي المقال المنشور في العدد 35 من أسواق العرب  :

 

 

 

 

 

 

هل تستطيع روسيا

تحمّل تكاليف الحرب في سوريا؟



بقلم البروفسور جاسم عجاقة                    

 *
بعد صمت طويل، دخل الدب الروسي إلى المُستنقع السوري لتتغير بذلك المعادلة العسكرية على الأرض. هذا التدخل، حتى ولو كان مُتوقعاً عسكرياً، لكنه لم يكن مُحتملاً على الصعيد الإقتصادي خصوصاً أنه ومنذ بدء العقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا في أذار (مارس) 2014 وتصعيدها في نيسان (إبريل) وتمّوز (يوليو) 2014، كان الهدف الأساسي يكمن في لجم قدرة روسيا على المضي في العمليات العسكرية في أوكرانيا بُعيد قضمها لجزيرة القرم. هذه العملية أثارت الذعر لدى الأوروبيين وأعادت إلى الأذهان كوارث الحرب العالمية الثانية وما خلّفت وراءها من مصائب على الصعيد الإنساني والإقتصادي.
نجحت العقوبات الغربية إلى حدٍ ما في لجم العمليات العسكرية الروسية وذلك من خلال خفض الصادرات الروسية إلى الخارج، وبالتالي خفض الناتج المحلّي الإجمالي. لكن الضربة الكبيرة للإقتصاد الروسي أتت من خلال إنخفاض سعر برميل النفط إلى أقل من النصف حيث هوى إلى 45 دولاراً خاسراً بذلك 63 دولاراً من سعره في منتصف تمّوز (يوليو) 2014. بالطبع خسرت موسكو الكثير من المداخيل وهي التي تُصدّر النفط الخام بنسبة 39% من مجمل الصادرات، والنفط المُكرر 15% والغاز 9.1% ما يجعل النفط يُشكّل 16% من الناتج المحّلي الإجمالي، و52% من مداخيل الحكومة الفيديرالية، و70% من مداخيل التصدير.
وكنتيحة لهذا الأمر، تراجع الناتج المحلّي الإجمالي الروسي من 2079 مليار دولار في العام 2013 إلى 1857 مليار دولار في العام 2014، ومن المُتوقع أن ينخفض إلى 1176 مليار دولار في العام 2015. وهذا الأمر أدّى بدوره إلى تراجع الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية من 510 مليارات دولار في أول العام 2014 إلى 368.5 مليار دولار في 2 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. بالطبع، إنخفض الإحتياط كنتيجة للدفاع عن العملة الروسية (الروبل) وكنتيجة لتمويل المشاريع القائمة. وتنص النظرية الاقتصادية على أن الإحتياط من العملات الأجنبية يُشكّل صمام أمان للمالية العامة في وقت الأزمات، أي أن هذا الإحتياط يُستخدم لإمتصاص تداعيات الأزمات الاقتصادية، والمالية التي قد تنتج عن خلل إقتصادي أو مالي أو حتى عسكري وأمني.

ومن المعروف على الصعيد العالمي، أن الدول التي تشنّ حروباً تتأكد مُسبقاً أن إحتياطها يسمح لها بتمويل الحرب المنوي شنّها. لذا كيف لروسيا أن تذهب إلى الحرب السورية وإحتياطها قّل 100 مليار دولار في عام واحد؟ ما لا شك فيه أن حجم الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية يبقى هائلاً (368 مليار دولار) مع العلم أن الحرب التي تقودها روسيا في سوريا للقضاء على التنظيمات المُسلّحة، قد تصل تكاليفها إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار. لذا من المنطقي القول أن الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية يستطيع إستيعاب هذا المبلغ.
لكن هذا الإحتياط يجب أن يسدّ أيضاً الخسارة الناتجة من أسعار نفط متدنية وعقوبات على روسيا تُخسّرها 100 مليار دولار سنوياً. وهذا يعني أنه على هذا الوتر، ستخسر موسكو إحتياطها في غضون ثلاث سنوات. لذا من المنطقي القول أن لروسيا مصلحة في الدخول في حرب في سوريا لأنها بذلك ستُحقق الأرباح التالية:
أولاً: ثبيت حق روسيا في ودائع نفط وغاز سوريا القابعة في البحر مقابل الشواطئ السورية والتي وقعت الحكومة السورية عقد التنقيب عنها مع شركة روسية في العام 2013 ما يُعطي الحق لروسيا بما يوازي الـ 60% من النفط والغاز المُستخرج.
ثانياً: إجبار إيران على تمّويل الحرب التي تقودها روسيا في سوريا من خلال أموال طهران التي ستُحرّر من قبل الغرب والقابعة في المصارف الغربية بحكم رغبة النظام الإيراني بكسرّ المملكة العربية السعودية في بلاد الشام.
ثالثاً: قطع الطريق على أي إمداد برّي للغاز من قطر ودول الخليج العربي إلى أوروبا ومنافسة الغاز الروسي.
رابعاً: الضغط على الدول الغربية لرفع العقوبات على روسيا وذلك من خلال ضرب المعارضة السورية على الوتيرة عينها لضرب “داعش”، ما يعني أن الغرب سيُليّن من موقفه تحت ضغط المملكة العربية السعودية.
خامساً: السعي إلى إحداث مشاكل إقليمية تضغط من خلالها على أسعار النفط صعوداً لإعادة التوازن في موازنة روسيا والتي لن تراه إلا إذا وصل سعر برميل النفط إلى 74 دولاراً.
سادساً: فرض معادلة جديدة تنص على أن روسيا لا تزال قوة عظمى وأن الشرق الأوسط ليس تحت السيطرة الأميركية. وما الخروقات الجوية للطيران الروسي للأجواء التركية واستخدام روسيا لمقاتلات إستراتيجية (س 35) إلا دليل على ذلك.
سابعاً: المقايضة في الملف الأوكراني الذي وصل إلى نقطة جمود، خصوصاً أن الإجتماعات الأخيرة في باريس بين الروس والفرنسيين والألمان والأوكرانيين قد ذهبت في هذا الإتجاه.
من هنا نرى أن روسيا قد لعبت إستراتيجية مُحكّمة عبر انتظار الاتفاق على النووي الإيراني والتصويت عليه من قبل الكونغرس الأميركي، كما وفصل الشتاء حيث يكون الطقس ملائماً للجيش الأحمر وإشراك الصين في هذه العملية.
خبير إقتصادي وإستراتيجي


الجمعة، 9 أكتوبر 2015

سانحة : نوبل التونسية

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
على هامش أول جائزة نوبل التونسية
من الصعب الوصول إلى القمة
لكن الأصعب البقاء على ذروتها
تونس / الصواب / 09/10/2015
لكم يشعر المرء بالفخر ، وبلاده ..ووطنه ، يتم تكريمه بأعلى درجة باعثة على شعور طاغ بذلك الفخر الذي ما بعده إحساس بالسمو والعلو ، لا فرديا ولا حتى وطنيا.
ليس بسيطا أن ينال بلد صغير في حجمه ، في عدد سكانه ، في قوته المادية والاقتصادية جائزة نوبل  ، وزيادة على كل شيء جائزة نوبل للسلام.
هذا البلد الذي يتسلق خارطة إفريقيا ، ويركن في زاوية ظليلة منها في مفترق طرق تاريخي واستراتيجي لعب أدوار أولى عبر التاريخ  ، قام على مدى الدهور على السلام بكل مظاهره، وإذ نال أكبر جائزة في العالم  ، فهو إنجاز تاريخي ، ولو  بعد مائة و15 سنة على إحداث الجائزة  ، ولكن على مسافة ليست بالبعيدة عن أشقائنا من العرب .
 ومن بين 24 دولة عربية فإن تونس هي خامس   بلد ينال هذه الجائزة وهي لبنان و مصر وفلسطين واليمن،  وينالها في مجال جائزة السلام التي تعتبر أعلى قيمة معنوية ، وذلك بعد أنور السادات المصري  وياسر عرفات  الفلسطيني ومحمد البرادعي المصري وتوكل اليمنية الرباعي التونسي (عبد الستار موسى  وحسين العباسي ووداد بوشماوي ومحمد فاضل محفوظ)، أما بقية جوائز نوبل فكانت من نصيب نجيب محفوظ في الأدب وهو مصري ، وإلياس جيمس خوري لبناني أمريكي وأحمد زويل مصري وكلاهما في الكيمياء ، وبيتر مدور لبناني بريطاني  في الطب وهو أول عربي ينال جائزة نوبل في سنة 1960.
واليوم فإن تونس دخلت نادي كبار الدول من حيث اعتبارها  وهيبتها وما نسميه قدرها ( بسكون الدال ) ، وهي مرتبة وإن كانت تأخرت باعتبار ما نعتقده عبقرية بلادنا ، فإنه وإن لم يكن سهلا الحصول على هذا التقدير الدولي ، فإن الأصعب من ذلك هو أن نبقى في مستواه ، ونحافظ على لمعانه بل ونبني عليه ونراكم.
لنثبت للعالم أننا لم نل هذه الجائز صدفة ، بل بالجهد والعمل وروح التوافق ، وهي قيم لا ينبغي أن تغيب عنها أو نضل طريقها.
فشكرا للأربعة الكبار الذين أهدوا تونس جائزتها الأولى ، وشكرا للطبقة السياسية التونسية التي كانت من الوعي لتمنحهم فرصة النجاح وعليها أن تكون دائما في ذلك المستوى من النضج ، وهو ما تحوم حوله اليم شكوك كبيرة.