Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 18 أكتوبر 2015

قرأت لكم : التحالف ضد المسار الطبيعي

قرأت لكم
بترخيص من الأستاذ غابي طبراني رئيس تحرير مجلة أسواق عربية ، أكبر مجلة اقتصادية عربية ، ننشر في ما يلي مقالا كتبته شخصيا للمجلة ، تجدونه في ما يلي:
 تحالف خارج إطار المنطق
العدد 35 - تشرين الأول 2015رأي سياسي2015/10/15 10:10 ص119
Flag_of_Tunisia.svg_
بقلم عبد اللطيف الفراتي*
بعد عداء مُستَحكَم، وتبادل الاتهامات، خصوصاً إبان صيف 2013، انقلب الأمر وتحوَّل العداء إلى صداقة وإلى شراكة وثيقة، بلغت في خريف 2014 حدّ التحالف الوثيق، وقيام ائتلاف حكومي.
في بداية 2013، قام رجل السياسة التونسي المخضرم المحامي الباجي قائد السبسي بتأسيس حزب جديد إنضاف إلى حوالي 200 حزب قائم في البلاد، التي شاركت كلها في انتخابات خريف 2011، حيث كان النصر فيها لحزب النهضة الإسلامي الذي حصل على غالبية نسبية تؤهله لتشكيل الحكومة.
كان الهدف المُعلَن للسبسي هو إيجاد توازن سياسي في البلاد، ووضع الحزب ذي المرجعية الإسلامية في التسلل.
لم يكن الكثير من التونسيين يعتقدون في احتمال حصول ذلك، فقد كان الإسلاميون استقروا في السلطة منذ خريف 2011 في إطار ائتلاف أعرج، بمشاركة بعض الحالمين منذ زمن طويل بقدمٍ في السلطة، أي منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر اللذين حاز حزباهما على عدد جيد من المقاعد ولكن بعيداً من حزب النهضة الإسلامي، وسنرى حزبيهما، إضافة إلى أحزاب أخرى، وقد تم اكتساحهما تماماً في انتخابات كانون الأول (ديسمبر) 2014، فغابا تماماً أو كادا من المجلس التشريعي الجديد، الذي يُعهد إليه بتشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً لطبيعة النظام البرلماني المعتمد حسب الدستور الجديد.
غير أن تحرك المجتمع المدني بقوة، وأخطاء كثيرة ارتكبها الإسلاميون إبان حكمهم، إضافة إلى حركة التمرد التي حصلت في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013 وانتهت إلى عزل الرئيس محمد مرسي ووضعه في السجن، قد ألهبت كلها الشارع التونسي، فخرج حوالي 600 ألف من التونسيين يوم 13 آب (أغسطس) في تظاهرة ضخمة كان وراءها الباجي قائد السبسي وحزبه، الذي كان لا يزال لم يستكمل هياكله في حينه، وبمشاركة غالبية الأحزاب المدنية، وتعطّل عمل المجلس التأسيسي المُكلَّف بصياغة الدستور لمقاطعة حوالي 60 أو 70 من أعضائه، فتزعزعت أركان مؤسسات الدولة، بما فيها الحكومة ذات المنحى “النهضوي” الإسلاموي التي قامت مطالبات قوية بحلها. وبدا وكأن الدولة في طريقها إلى الانحلال. وهذا ما سحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين وحلفائهم.
غير أن إسلاميي تونس (البعض يقول إخوان تونس) كانوا أكثر ذكاء من إخوان مصر، فقد أصابهم هلع شديد من أن يكون مصيرهم كما كان المصير في القاهرة، وقد اكتشفوا أن مشروعهم المجتمعي، و”أسلمة” المجتمع يقف أمامها مجتمع مدني قوي، لا تستطيع أن تواجهه “جحافلهم”، في بلد حقق منذ 150 أو 160 سنة إصلاحات في المفاهيم والسلوكات عميقة، ونهضة بالمفهوم الصحيح لكلمة نهضة، تماماً كما حصل في مصر منذ عهد الخديوي محمد علي.
على هذا الأساس اضطرت حكومة “النهضة” إلى ترك المكان لحكومة “محايدة”.
من هنا فإن الطبقة السياسية العليا، أي تلك التي بدا أنها تسيطر بصورة أو بأخرى على الساحة الجماهيرية، وهو ما ستؤكده انتخابات خريف 2014 البرلمانية والرئاسية، رأت أنه لا بديل من وضع اليد في اليد، لمنع وصول البلاد إلى حافة الأزمة، وحصول حرب أهلية، ومن هنا أيضاً انتقل زعيم حزب النهضة الإسلامي محمد الغنوشي إلى باريس للقاء الباجي قائد السبسي، فيما وصف في حينه بصفقة بين الشيخين، ستتأكد ملامحها بعد أشهر، عندما أمكن تحرير وصياغة دستور يتّسم بروح تقدمية، بعكس ما كان يسعى إليه الإسلاميون. ثم بعد الانتخابات وحصول حزب السبسي، “نداء تونس”، على المرتبة الأولى وحصول حزب النهضة الإسلامي على المرتبة الثانية في عدد مقاعد البرلمان، تم تحالفهما ضد طبيعة الأشياء وتشكيل حكومة ائتلاف، حيث لم يحز فيها النهضويون على مقاعد كثيرة لكن تأثيرهم فيها كان كبيراً وقوياً. وفيما ترك “الندائيون” للعبة أن تسير على عواهنها، تاركين للإسلاميين حرية مناورة كبيرة، بشرط عدم المساس بالطبيعة الفعلية للمجتمع مدني والنمط المجتمعي، وهو الخط الأحمر الذي لا ينبغي تجاوزه.
وفي ما يبدو أن الأمر يسير في طريقه بهدوء بين القوتين الرئيسيتين في البلاد وتحت قبة البرلمان، فإن هناك جهات عديدة ومتنفذة في “نداء تونس” وفي حزب النهضة الإسلامي، تتساءل إن كان الطرف المقابل جاداً في توجهاته، أو أنه ينتظر ساعته عندما يفوز في انتخابات مُقبلة ليقلب ظهر المجن تحت وطأة توازنات جديدة ومغايرة في جسم الهيئات التمثيلية سواء كانت برلمانية أو محلية، وما إذا كان حزب النهضة تخلّى نهائياً عن ميوله في اعتماد الشريعة كركيزة للتشريع، وإلغاء المُكتسبات المجتمعية وخصوصاً تلك التي تهم المرأة والانقلاب على النمط المجتمعي، أم أنه قد قطع نهائياً مع قناعاته القديمة والتي حاول من دون نجاح اعتمادها في سنتي 2011 و2012.
الظاهر في الوقت الحاضر، أن صداقة الشيخين السبسي والغنوشي قوية، وأن كلاهما رغم التناقضات الكبيرة بينهما وبين حزبيهما، يسعى بقوة إلى تثبيت التحالف القائم، خصوصاً إذا ما عقد حزب النهضة مؤتمره العام، وتخلّى خلاله عن جانبه الدعوي ليتحوّل إلى حزب سياسي مدني، على شاكلة الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب.
صحافي وكاتب تونسي، ورئيس التحرير السابق لصحيفة “الصباح” التونسية. (fouratiab@gmail.com)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق