Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 18 ديسمبر 2020

بكل هدوء: سنوات الثورة

 

بكل هدوء

بقلم عبد اللطيف الفراتي

الايجابي والسلبي

بعد 10 سنوات ثورة

تونس/الصواب/17/12/2020

صباح بوم الجمعة 17 ديسمبر  2010 حدث ما حدث مما سيكون له شأن على التاريخ المعاصر والحديث للبلاد،و المنطقة العربية عموما ، فقد حصلت مشادة بين موظفة بلدية من موظفي سيدي بوزيد ، والبائع المتجول طارق البوعزيزي الذي سيشتهر لاحقا باسم (محمد البوعزيزي) ، وسيقال إن قناة الجزيرة هي التي أطلقت عليه هذه التسمية ، باعتبار أن اسم محمد هو أشد وقعا من اسم طارق في المخيال الشعبي .

كان طارق البوعزيزي ( ودعنا  نسميه باسمه الحقيقي ) لا كما أزهر في شوارع مختلف المدن التونسية ، كان سادس تونسي يشعل النار في نفسه تك السنة 2010

، ولن يذكر التاريخ سواه ،  فلم يلفت أحد منهم الأنظار صدفة أو لأمر ما ، حتى جاءت اللحظة المناسبة ؟

كانت حصلت مشادة بين الموظفة البلدية المكلفة بمطاردة الباعة المتجولين بعرباتهم الصغيرة '( البرويطة )  ، لشكوى تقدم بها التجار من المنافسة  غير المتكافئة التي أضرت بهم  ، احتجزت الموظفة أحجار الميزان ( الصروف) التي يستعملها  لوزن مبيعاته ،وهي أداته الرئيسية للعمل ، فما كان منه إلا أن لمس مكانا حساسا من بدنها ، قائلا لها أزن بهذا ، فصفعته على خده لما اعتبرته مسا من حيائها أمام الناس ، لم يقبل أن تصفعه امرأة أمام الرجال في مجتمع ذكوري ، واعتبر ذلك من الكبائر خاصة في مجتمع ريفي ، وستفترق الشهادات ولكن الأكيد هو أنه سكب البنزين على  بدنه ، و أشعل نفسه  ، هل يكون تلقى مساعدة أم لا .... تختلف الأقوال ؟

 خرجت مظاهرة عفوية أمام مركز الولاية ، تم إيقاف الموظفة ، قبل أن يطلق سراحها ، ويتم نقل البوعزيزي  إلى مستشفى الحروق البليغة في حالة ميؤوس منها ، ويزوره الرئيس زين العابدين بن  علي ، ليتوفى  البوعزبزي لاحقا ، فيلتهب أوار ثورة مدمرة زاد من التهابها ، الفايس بوك من جهة وقناة الجزيرة من جهة أخرى.

وسيتضح لاحقا أن ما حصل في تونس وكانت رائدة في هذا المجال ، لم يكن يخلو من إيحاء خارجي في أدنى الأحوال ، وسيبرز ذلك في جلاء بالنسبة لمصر، عبر المذكرات الأخيرة للرئيس أوباما  " أرض الميعاد "، وإذ نبقى في الداخل التونسي ، فما جرى كان  كافيا لا لثورة واحدة ، بل لألف ثورة ، فقد كان الكابوس خانقا ، والأنفاس معدودة على أصحابها ، والآفاق مسدودة ، وما بدا من ازدهار ترجمته نسبة نمو عالية نسبيا ، لم يكن ليخفي سوء في توزيع الثروة بين الافراد والجهات، و استشراء فساد جم كانت تأتيه عائلة ، تستزيد من الاستيلاء على كل ما يمكن أن تمتد له أيديها ، لا يردعها  رادع ، كل ذلك في ظل كبت للحريات جميعها ، وشعور عميق بالضيم والقهر من طبقة وسطى ونخبة  ، لم تجذ لنفسها من مكان للإسهام في بناء البلاد بفكرها وطموحها للفعل في إطار من الديمقراطية وحرية التعبير والفكر،  وهي المؤهلة لان تكون طليعة المجتمع ، بالتالي اجتمع ما لا يجتمع عادة ، إلا في حالة ما قبل ثورية ،  توفرت الكيمياء الخاصة بها في تونس ، خلال السنوات ما قبل الاتفجار، وإني لأذكر  أني كنت في أوائل خريف 2010 متجها  صحبة الاستاذ محمود بن رمضان إلى موعد معين ، وهو من هو علما  وبصيرة ،  وبعد نظر،  عندما سألته بلادنا إلى أين ؟ أجابني قي لهجة الواثق : لن يدوم الأمر طويلا ، ثم ..كل الدلائل تشير أن الانفجار قادم ، متى بعد شهر شهرين  ثلاثة ولكن الأمر لن يطول...

عندما زلزلت الأرض زلزالها تحت   أقدام  الحاكمين في أواخر 2010 ، استغربت النخبة رد فعل السلطة ولم تفهم أنها قضية وجود ، ولذلك لم تدرك  مبررات عنف رد الفعل ، ولم يدر بخلدها أنها بصدد مسألة  حياة أو موت  بالنسبة لنظام كامل ليس مبررا ولكنه منطقيا  مفهوم.

الثورة بمنطق قانون إحصاء " الشهداء "، الذي أوكله القانون بصفة منفردة للجنة شهداء الثورة و مصابيها دون غيرها ، والتي كان آخر رئيس لها هو توفيق بودربالة انتهت بعد طول دراسة وتمحيص على مدى  سنوات إلى أن العدد الفعلي للشهداء هو  129 وللجرحى هو 634، وإذ احتج الكثيرون فإن عددا كبيرا منهم وعندما عرفوا بتفاصيل الحدود التي حددها القانون زمنا وتوصيفا لطبيعة الشهيد أو الجريح اقتنعوا.

**

ما حصل ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 هل يمكن اعتباره ثورة ؟ هذا هو السؤال الذي طرح نفسه منذ ذلك الحين ، نعم ولا.

نعم على اعتبارأن الشعب خرج للشارع ، وأسقط نظام حكم قائم ، كان يعتقد نفسه راسخا.

ولا لأنه لم يقم على تنظير ولا قيادة على شاكلة الثورات الفرنسية في 1789 أو البلشفية في روسيا سنة 1917 أو الإسلامية في إيران في سنة 1978/1979، وفي لقاء في كلية العلوم القانونية في المنزه ، جمعني بالأستاذ الأزهر القروي الشابي، عميد المحامين الأسبق ووزير العدل الأسبق ،  ورئيس جمعية النهوض بالدراسات القانونية ، والدكتورة نائلة بن شعبان عميدة الكلية ،والأستاذ  قيس  سعيد رئيس الجمهورية  الحالي ، تطرق الحديث إلى طبيعة الأحداث في تونس أيامها ، وكانت نظرية  قيس سعيد وهو أستاذ للقانون الدستوري، أنه لا شك في أن ما حدث في تونس هو ثورة ، ولكنها ثورة  تخرج عن  المألوف والأنماط العادية للثورات atypique   ، باعتبار طبيعة المرحلة ، والثورة الاتصالية السائدة عبر الأقمار الصناعية ،و القنوات المفتوحة والفايس بوك ، والتقارب زمنا ومسافات الذي فرضه واقع جديد.

كانت شرارة انطلقت منها تحركات غالبا اجتماعية ، وجدت صداها في مختلف أنحاء البلاد ، وبلغت الأوج في صفاقس يوم 12 جانفي وفي العاصمة يوم 14 جانفي ، ولكن السؤال يبقى ملحا بعد 10 سنوات : هل كان ذلك كافيا لو لم يهرب بن علي من البلاد ، عن طيب خاطر أو مدفوعا  من علي السرياطي خوفا عليه أو طمعا في الحكم ،

 لا يهم.

لم أقرأ لليوم ولو كان التقصير مني ، أي تشريح لطبيعة الذين خرجوا للشارع في تلك التحركات ، ولو كان واضحا ، من طبيعة الشعارات المرفوعة ، أنهم من أتباع اتحاد الشغل ، سواء منخرطين أو مجرد أنصار ، ولعل من المحاولات القليلة التي اطلعت عليها  ، نفي لأن تكون الأحزاب موالاة أو معارضة ، قد شاركت أو قادت تلك التحركات ، وحتى حزب حركة النهضة الذي سيدعي لاحقا أنه كان من بين قيادات الحراك ، قد انكمش أيامها خوفا من أن تسقط على رأسه مطارق النظام.

لعل اليسار وحزب العمال هما الأقرب لأن يكونا قادا التحركات تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل ، الذي وقفت قيادته أيامها في موقف لا يمكن أن يوصف بأنه مؤيد للحراك حتى لا نقول للثورة .

وخلال القصبة 1 والقصبة 2 حيث تجمع الألوف إن لم يكن أكثر قادمين من كل حدب وصوب ، لاحظنا خلو وفاض أعداد  كبيرة من أي مطلبية سياسية ، وخاصة انتخاب مجلس تأسيسي وسن دستور جديد، وهذا ما يفسر فشل القصبة 3 ، باعتبار أن مطالب تلك الجماهير كانت اجتماعية لا سياسية.

وكانت الحصيلة :

1/ سقوط بن علي وبقاء نظامه

2/ تحويل وجهة الثورة بامتصاص زخمها وتحويله عن مقاصده الأصلية ، وتحقيق استفادة كبيرة للنهضة التي لم تشارك في الثورة  ولكنها ركبتها ، وإن كانت شاركت بقسط كبير في زعزعة النظام بتضحياتها ، هي والمعارضات الراديكالية العلمانية.

3/ الابقاء على أركان الدولة العميقة مع محاولات  النهضة فرض  ملامح    سياسات التمكين ، ، عبر هنات دستور جديد يحمل في طياته تناقضات كبيرة ، ويمنع قيام استقرار يدفع بالبلاد إلى الأمام ..

fouratiab@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السبت، 28 نوفمبر 2020

الصواب : تونس إلى أين

 

تونس إلى أين؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي

الصواب / تونس /28/11/2020

قبل ثلاثة أشهر التقينا مجموعة ممن نسمي أنفسنا من المثقفين يتوسطنا الزميل والصديق صالح الحاجة، الصحفي والكاتب الكبير، تساءلت في عفوية: "تونس فين ماشية؟ إلى أين هي سائرة " ،أجاب صالح الحاجة في لهجة استنكارية " مشات ووفات " بمعنى أنها انتهت .....كان اعتقادي أن الصديق الزميل متشائم جدا ، ورغم أني أكرر وأعيد التكرار منذ 9 سنوات ، إن لا شيء يسير على الطريق الصحيح ، ضمن عشرات المقالات التي نشرتها ، على هذه المدونة، أو في صحف ورقية أو إليكترونية أخرى ، في الداخل والخارج ، فقد بقي لي بصيص أمل ، في أن تونس بما فيها من خبرات عالية ، يمكن أن تعود إلى الطريق القويم ، وتخرج من المتاهات التي قادتها إليها 5 أو ستة انتخابات ، لم تتوفق  فيها إلى العثور على الكفاءات القادرة على إخراجها من المأزق، وفتح طريق مؤدية أمامها،  للواقع ليس لنا أن نلوم إلا أنفسنا ، فنحن لم نحسن اختبار قياداتنا التي يمكن أن تخرج بنا من عنق الزجاجة  ، بل كانت اختياراتنا عاطفية هووية إيديولوجية وبالتالي كارثية.

فقط رقم واحد أسوقه اليوم ولن أعود، لقد كان معدل الدخل الفردي في تونس سنة 2010 خمسة ألاف دولار، وهو اليوم في مستوى 3400 دولار؟؟

وفي كل البلدان التي شهدت ثورات حقيقية، في أوروبا الغربية، وأوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وبعد سنتين أو ثلاثة من التذبذب تجد طريقها نحو التنمية ولا أقول النمو، بمعدلات أعلى مما كانت عليه في زمن الاستبداد، إلا عندنا حيث استبدلنا نسبة نمو بـ 5 في المائة سنويا لم نكن لنرضى بها، بنسبة نمو بصفر في المائة طيلة العشر سنوات المنقضية.

بعد هذا لماذا نستغرب مما يحدث حاليا، من اضطرابات مجتمعية ولا نقول اجتماعية، تتهدد وحدة الوطن وسلامته، خصوصا إزاء تفكك الدولة، وعجز الحكومة الحالية عن استقراء الأحداث وما يمكن أن يتمخض عنها، في غياب الحس السياسي الذي لا يمكن أن يدركه التكنوقراط، ممن ليس لهم تجربة بالفعل السياسي، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة والوزراء، إلى رئيس البرلمان، الذي يقبع في أواخر الترتيب في كل عمليات استطلاع الرأي، وفي غياب شعور طاغ بتآكل الإحساس بالانتماء إلى وطن، نتقاسم فيه وفي كل الأحوال الحلو والمر.

من لم يدرك للآن، فليدرك أن وطننا يشهد خطرا محدقا، وأن هذا الخطر يتهدد بلادنا بأن تتحول من وطن موحد، إلى أشتات لا يجمعها جامع وعندها لا تنمية ولا هم يحزنون، أشتات تتكالب على فريسة باتت سهلة المنال لفرقتها وتشتت كلمتها وغياب الدولة وهيبتها.

 نبهنا الأميرال كمال العكروت مستشار الأمن القومي زمن الباجي قائد السبسي، وهو من هو، علما بتاريخ هذه البلاد ونظر استشرافي  وبصيرة نافذة ، نبهنا  الأميرال  إلى ما ينتاب وطننا من أدواء خطيرة، في حديث صحفي، وإلى ما ينتظر وطننا ولا أقول بلادنا، من اهتزازات لا يعلم أحد مداها، ولنتذكر معا أن شهر جانفي ( يناير كانون الثاني) ، هو شهر الانتفاضات في بلادنا وفي غيرها من البلدان، قد ينتهي إلى مآسي  ربما تكون اعظم وأخطر أثرا من كل ما عرفناه من قبل. خطر يتهددنا بمصير مخيف.

fouratiab@gmail.com

 

الاثنين، 23 نوفمبر 2020

 

الصواب : سانحة

سانحة :

كيف تتحول أكبر دولة

ديمقراطية

في العالم إلى دولة متخلفة ؟

تونس / الصواب /22/11/2020

الدول على شاكلة قادتها، فمن كان منهم متخلفا عقليا، أو مصابا بمرض العظمة والنرجسية المفرطة، فإن العدوى تصيب بلاده أو جزء من سكان بلاده سواء كان كبيرا أو صغيرا. وهذا حال الولايات المتحدة اليوم.

فأمريكا أكبر قوة في العالم سواء حسب مستوى دخلها أو ما يعبر عنه بالناتج الداخلي الخام، أو من حيث القوة العسكرية، أو من حيث المستوى العلمي والبحوث والاكتشافات والاختراعات، أو من حيث عدد الجامعات وتقدمها على جامعات العالم، أو من حيث عدد جوائز نوبل أو غيرها من الجوائز، هذه الدولة أسقطها رئيسها المنتهية ولايته في عداد الدول المتخلفة أو شيه المتخلفة.

فإصراره في البقاء في رئاسة الولايات المتحدة ، وكل الدلائل تشير إلى سقوطه في انتخابات الرئاسة التي جرت في 3 نوفمبر 2020، تبدو وكأنها نسخ لما تشهده الدول المتخلفة في العالم الافريقي والامريكي اللاتيني أو العربي-المسلم، أو من كان من الدول وراء الستار الحديدي، إذ ترتفع العقيرة بالاتهام بتزوير الانتخابات وتزييف النتائج، وأن كان ذلك يكون محقا في غالب الأحيان في البلدان المتخلفة، فقد تسربت عدواه إلى الرئيس  المنتهية ولايته في  أمريكا ، والذي يسعى للحفاظ على منصبه مهما كان من أمر، ورغم أن صناديق الاقتراع قالت كلمتها كما عمليات التأكد المتكررة ، وإذ من حق أي مرشح للرئاسة في الولايات المتحدة ، أن يطعن في نتائج ولاية أو ولايتين من الولايات الخمسين، فإن القول  بتزييف على نطاق واسع، ليس من الأخلاق في شيء ، فضلا عن أنه طعن في ديمقراطية دولة تعتبر بطلة الديمفراطية في العالم ، ويكاد يرقى إلى طعن في الظهر، خصوصا مع جر جماهير كثيرة إلى الشك في بلادهم ومؤسساتها، حارسة الديمقراطية ، ولم يحدث مثل هذا خلال قرنين من الزمن أو تزيد ، إلا مرتين وبالرجوع للوثائق، في بدايات  سنوات الـ 1800، وعندما لم تكن الديمقراطية ، وممارساتها قد ترسخت لا في أمريكا ولا في غيرها من الدول ، التي تعتبر اليوم ديمقراطية ولا يتطرق الشك في ديمقراطيتها.

ما أقدم عليه ترامب هو وصمة، توحي بأن بلاده ليست فقط غير ديمقراطية، بل لعلها دولة متخلفة، إن لم يكن ماديا فعلى الأقل معنويا وسياسيا وأخلاقيا، وإذ سيمسح التاريخ اسم ترامب مهما كان عدد أنصاره اليوم ،فإنه كرئيس للولايات المتحدة  لن يترك بصمة إيجابية تذكرها له الأجيال  المقبلة .

fouratiab@gmail.com

 

الأحد، 22 نوفمبر 2020

من الذاكرة : الكمامة وما أدراك ما الكمامة

 من الذاكرة : الكمامة وما أدراك ما الكمامة 

من الذاكرة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي

تونس / الصواب/19/11/2020

القناع الواقي

القناع أو ما اصطلح على تسميته بالكمامة، ليس جديدا، غير أننا لم نتعود على رؤيته أو استعماله ليس فقط في بلادنا، بل في المنطقة التي نتحرك فيها عربيا إفريقيا وأوروبيا، ولقد سبق لي شخصيا أن عشت مع الأقنعة أو الكمامات فترة تناهز ما يقارب الشهر.

كان ذلك في الصين في سنة 1977.

كانت توجهت الدعوة من الحكومة الصينية لاستضافة وفد صحفي تونسي، وربما وفود من بلدان أخرى، بمناسبة تنصيب الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي الصيني، تعويضا لماو تسي تونغ المتوفي قيل شهرين.

كنا 5 أو ستة ، عمر بلخيرية مدير صحيفة لابريس وعضو اللجنة المركزية ( لم يكن وقتها هناك موجب للقول للحزب الاشتراكي الدستوري ) والعربي عبد الرزاق مدير جريدة العمل وعضو الديوان السياسي وعضو البرلمان وعبد السلام الديماسي  نائب مدير الإذاعة والتلفزة ومنصف النفزي رئيس تحرير جريدة لاكسيون وأنا وكنت مجرد سكرتير تحرير عن  جريدة الصباح ولم أكن ارتقيت وقتها إلى نائب رئيس تحرير وكان لا بد أن تأتي سنة 1981 لأرتقي إلى رتبة رئيس تحرير ثاني ، تحت إشراف عرفي ومعلمي رئيس التحرير الأول عبد الجليل دمق، وكان يقود الوفد محمد الفراتي رئيس ديوان وزير الثقافة والاعلام وقتها  الشاذلي القليبي ، وهو والد هشام الفراتي وزير الداخلية لاحقا  ،وسفير تونس في السعودية حاليا.

قضينا في الطائرة حوالي 20 ساعة بمراحل في باريس وأثينا ثم كراتشي وصولا إلى بيكين، ليلا.

في اليوم التالي كنا على موعد مع حدث كبير كما قيل لنا.......  بعد  إرهاق شديد ، فادنا إلى نوم عميق.

كان الحفل رائعا بدأت بشائره منذ الصباح تحت نافذة الفندق الذي خصص لنا ، وبالأحرى القصر الكبير الذي كنا بعددنا الضئيل نرتع فيه.

حضرنا حفل تنصيب خوا كو فونغ الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي الصيني، ألقى الرجل كلمة من 15 دقيقة تولى المترجمون ترجمتها لنا باللغة العربية.

وكنا محاطين بجمهور كله من الصينيين، وإذا كان هناك، ضيوف أجانب، فلم نرهم حيث كانت المنصة كبيرة جدا ربما تكفي لعدة عشرات من الألوف.

 نبهونا مسبقا إلى أنه بانتهاء الحفل، علينا أن نعود للفندق سريعا وكان على بضع عشرات الأمتار من المنصة، الرسمية، وقد تركنا الساحة أمام " تيان أن مين " الشهيرة "بوابة السماء"، تزخر بمليون ونصف من الحاضرين بصنجات الموسيقى الصينية.

 دلفنا بسرعة إلى الفندق، فكان علينا أن نكون جاهزين بعد عشرين دقيقة، لتنقلنا السيارات الفارهة اثنين في كل سيارة، نحو محطة القطار، ليأخذنا في جولة عبر مقاطعات عدة.

بعد نصف ساعة بالضبط على نهاية حفل التنصيب شقت بنا السيارات، الساحة الكبرى، التي كانت تعج بمليون ونصف من الجماهير، فإذا بها خاوية على عروشها لا أحد فيها، أفرغوها في دقائق، وكانت من النظافة المفرطة بحيث لا يصدق المرء أنها، كانت قبل دقائق تعج بمليون ونصف المليون من البشر المنضبطين.

في الطريق نحو محطة القطار، اكتشفنا أمرين اثنين:

أولهما أن الضوء الأحمر في الطرقات، هو إشارة حرية المرور، وأن الضوء الأخضر هو إيذان بالتوقف، باعتبار أن الضوء الأحمر هو لون الثورة، والتقدم للأمام.

وثانيهما هو كثرة الذين يضعون أقنعة (كمامات) على وجههم، وعند سؤال المرافق في السيارة، تهرب من الجواب، قهو مجرد مترجم لا يجيب على الأسئلة، وهناك من المرافقين من يجيبون على الأسئلة ودوما بلغتهم الصينية.

 عرفنا لاحقا الجواب على إشارات المرور، والسر وراء لباس الأقنعة، ففي الصين وكان الطفس باردا جدا أيامها، كانوا يحتاطون من النزلة الأنفلوانزا، بوضع الكمامات حتى لا تقع العدوى، وفسروا لنا أنهم يسعون حتى لا يمرض أحد، بسبب الوقاية أولا، وحتى لا يتغيب أحد عن عمله ثانيا، لأنه ليس فقط  مصدر رزقه، بل لأنه  أيضا إسهام في الثروة الوطنية.

هكذا إذن شاهدنا في يومنا الأول في الصين، مظاهر الانضباط، وهو متواصل لليوم ليس في الصين وحدها، بل في كل المنطقة في أقصى شرق أسيا، من ماليزيا إلى كوريا إلى فيتنام إلى اليابان وغيرها، وهي ثقافة أخرى، جعلتهم يسلمون من كوارث جائحة الكورونا بعكس مناطق العالم الإخرى. fouratiab@gmail.com

 

 


الأحد، 15 نوفمبر 2020

الصواب : الأمل الضائعالصواب : الأمل الضائع

 

الصواب

الأمل الضائع

بقلم  عبد اللطيف الفراتي

تونس/ 12/11/2020ع

عندما كان المناضلون يناضلون ضد الاستبداد ومن أجل حرية التعبير وفرض الديمقراطية بكل مقوماتها، كان اقتصاديون من الجهابذة، يتوقعون نسبة نمو بزيادة 2 في المائة  في حالة قيام نظام ديمقراطي مقارنة بنسبة نمو محققة تراوح  5 في المائة ، وعن  تلك التي كانت مسجلة معدلا غي سنوات التسعين والألفين ، قامت الثورة بكل الآمال التي علقت عليها ، بما قدمته من ضحايا قتلوا أو جرحوا  وسجنوا وتم نفيهم ،على مذبح الحرية ومن أجل الكرامة والشغل  للجميع ، وعلى أمل كف سرقة الأموال العامة .

كان ذلك هو الأمل ، فما هو الحال ونحن على أبواب اندلاع الثورة في 17 ديسمبر 2010 أي بعد أسابيع قليلة.

هل تحقق الأمل ؟ وهل تحسنت أوضاع الناس ؟ وهل كانت الحكومات المتعاقبة في مستوى محط الثقة بعد ثورة وعدت بالكثير؟

الجواب بالوضوح الكامل وبدون تردد لا ، فالثورة تمت سرقتها ، والحكام لم يأتوا من رحم الثورة بل ركبوا ظهرها ، وساموها سوء العذاب ، ومن المؤلم اليوم وبعد عشر سنوات أن يتمنى الكثيرون للأسف  عودة النظام السابق ، تجليات ذلك في أن تكون عبير موسي وجزبها في طليعة استطلاعات الرأي ومن بعيد في احتمال إجراء انتخابات تشريعية ، وهي التجلي الواضح للرغبة  في العودة إلى الوراء ،  ولو للتمظهره الاستبدادي المرافق  بمظاهر سرقة أموال الشعب..

يشكو الناس بعيدا عن تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي البارزة للعيان في زيادة مديونية الدولة بـ 150 في المائة في عشر سنوات ، وانخرام توازنات المالية العمومية   ، وتدهور حال الميزان التجاري ، وانهيار العملة الوطنية  وتراجع نسب الادخار الوطني ونسب المخصص للاستثمار، في إشكالات ما ينتاب الحياة اليومية للمواطن من ضيق غير مسبوق للعيش ، عبر تقلص الطاقة الشرائية، وتوسع دائرة الفقر ، وهبوط خاد في قدرات الناس على مواجهة تكاليف الحياة ، وفي  أحوال قليلة حافظت الطبقة الوسطى العليا على مستويات قريبة مما كانت عليه ، وفي غالب الأحيان انحدرت تلك الطبقة إلى مستوى الطبقة الوسطى المتوسطة فيما انحدرت الطبقة  المتوسطة الدنيا إلى أعتاب الفقر، فيما ارتفعت نسبة البطالة إلى ما بين 14 و18 في المائة  من طاقة العمل حسب مختلف التقديرات.

من هنا لا يستغرب الأمر أن يرفع أحد الناس عقيرته ، في سوق عمومية داعيا إلى عودة النظام القديم ، فيصدق الناس حوله على أقواله ويرددون صياحه.

ما سبب أن يتحول أمل كبير إلى يأس قاتل، لعل أكثر تمظهراته من وجهة نظرنا،  ليس تلك الاعتصامات المنتشرة بل محاولة ترك البلاد والهروب منها ولو بخطر الغرق والوفاة.

نظرة سريعة على وضعنا خلال عشر سنوات من التخبط :

** قلة استقرار في الحكم بكل ما يعني من غياب استطاعة تحديد سياسة أو ضبط ملامح سياسة .(7 أو 8 حكومات عدا التعديلات الوزارية)

** رفض اتباع سياسة يفرضها الواقع من إصلاحات عميقة ، وكان الوزير حسين الديماسي استقال بعد 6 أشهر من تعيينه في 2012 بسبب رفض حكومة الجبالي خوض غمار إصلاحات متأكدة  وموجعة ، كان يمكن تمريرها في ذلك الوقت والحماس للثورة على أشده ، هذا الاحجام عن الاصلاح أدى بالبلاد لدخول متاهات مجهولة المصير، تجني البلاد علقمها حاليا.

** بدل الإصلاح انصرفت البلاد لمعارك حول الهوية، والرغبة الجامحة بالدخول في مغامرة تغيير النمط المجتمعي، الذي استقر عليه الناس منذ180 سنة وتأكدت توجهاته منذ 1956.

** انصراف المنظمة الأولى والمؤثرة أي اتحاد الشغل بعيدا عن كل روح مسؤولية إلى مطلبية مشطة، أفقدت البلاد وخاصة التوازنات المالية للدولة كل توازناتها، بحيث بلغ مقدار الأجور 20 في المائة من الناتج فيما المقياس العالمي المتفق عليه هو 10 إلى 11 في المائة على أقصى تقدير ما يشبه الوضع الذي انتهت إليه فرنسا تحت حكم الجمهورية الرابعة، وديكتاتورية الـ س ج ت، وهو نزيف أوقفه الجنرال ديغول عندما وصل للحكم في 1958هو ووزيره للمالية بيناي.

** عدم قدرة الحكومات المتعاقبة بعد فوات فرصة 2012 على إثر الثورة، سواء على إيقاف نزيف الأجور بدون مقابل إنتاج، وإنشاء وظائف وهمية، والاستجابة غير المحسوبة النتائج لزيادات في الأجور أثقلت كاهل ميزانيات الدولة، وأوصلتها إلى العجز الفادح، وأوصلت مؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص إلى حالة من عدم القدرة على المنافسة بلغ الأوج دفع ثمنه المستهلك التونسي بأسعار غالية وجودة متدنية.

**عدم الاقدام على تطهير القطاع العام الذي بدل أن يكون ممولا لميزانية الدولة، بأرباح من المفروض أن يسجلها، ويحولها لميزانية الدولة، بات عبئا على ميزانية الدولة لتغطية خسائره المتراكمة، وسداد ديونه المتصاعدة. كل هذا فضلا عن ديكتاتورية الخط الأحمر للتصرف في القطاع العام غير التنافسي الذي من المفروض أن يوفر فائضا تصرفيا ويدفع أداءات محمولة عليه وانخراطات في صناديق التأمينات الاجتماعية ، وهو مقصر في ذلك وللحديث بقية .

fouratiab@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

الخميس، 14 مايو 2020

سانحة : ....وذهب عملاق آخر إلى الخلود

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
واحد بعد آخر ..
الشاذلي القليبي يغيبه الموت
فيترك فراغا كبيرا في الساحتين الثقافية والسياسية
تونس / الصواب / 13/05/2020
مما يزيد من لوعة الحسرة  والفراق ، أن يـــموت رجل مثل الشاذلي القليبي ، ولا نستطيع مرافقته إلى مثواه الأخير، في هذا الزمن السيء بكل المقاييس ، مثلما حصل لي قبل أربعين يوما ، عند وفاة صهري زوج ابنتي الكبرى ، على صغر سنه نسبيا، فلا نستطيع مرافقته إلى مثواه الأخير,,
نفس الإحساس ونفس الظروف ، أن يموت قريب على صغر سنه  هو هشام المراكشي ، ونفتقده فلا نلتقيه  حتى ميتا بطعم حاد للمرارة ، مصيبة كبرى ، وأن يموت عملاق مثل الشاذلي القليبي ، مصيبة بطعم آخر في مرارته في الحلق ولا نتمكن من تشييعه .
كان الشاذلي القليبي يملأ الساحة ، بعلمه وهدوئه ، ودماثة أخلاقه ، وكفاءته وتفانيه في خدمة الصالح العام ، بدون ضجيج ولا ادعاء.
منذ أن جاء من فرنسا حاملا للتبريز في اللغة العربية وآدابها، وهو في عمل دؤوب لفائدة بلاده،  ولفائدة الأمة العربية جمعاء ، والانسانية كلها.
أقتربت منه كثيرا ، وإذ ليس غريبا أن أحمل له تقديرا بلا حدود ، فلن أكون مدعيا إذ أقول إنه كان يحمل هو نفس الشعور تجاهي ، لم يكن يفصح عن ذلك ، ولكني كنت أستشف ذلك منه شخصيا ، ومما كان ينقله لي أقرب المقربين إليه وخاصة أحمد الهرقام ومحمد المغربي .
وحتى نعرف معدن الرجل بلا رتوش سأتوقف ، عند أربع  محطات تبين عمق فكر ، وأخلاق الرجل:
أولها في السبعينيات من القرن الماضي ، وكنت صحفيا شابا، ولكني كنت لسبب ما أحوز على رضا عدد من المسؤولين وكبار القوم ، وفي نفس الوقت على استهجان بعضهم وفي كثير من الأحيان رضا واستهجان نفس المسؤولين ، في أحد الأيام ولم أكن أحمل أية مسؤولية ، لا في صحيفة الصباح ، ولا في المجتمع المدني وخاصة جمعية الصحفيين التي توليت فيها مسؤوليات عديدة ، قبل أن أصبح رئيسا لها، دعتني كاتبة السيد الشاذلي القليبي إلى مكتبه ،وكان بيننا في جريدة  الصباح والوزارة مائة متر ، بين نهج علي باش حانبة ، ونهج الجزائر ، دخلت مباشرة إلى مكتبه ، حيث وجدته مضطربا ، فكان قد صدر أمر باحتجاز جريدة تونس هبدو، استدعاني ولم أكن أحمل صفة رسمية ليقول لي : لست مسؤولا عن إيقاف الجردة ، وأنت أول من تعرف أنني ضد النيل من حرية التعبير ، وسأسعى جاهدا للرجوع في هذا القرار ، فهمت الرسالة ، وبلغتها على أنها معلومة من عندي ، وخف جو احتقان ساد يومها ، وكان له الفضل في رفع القرار.
وثانيها  وهو حديث عهد بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية في أواخر السبعينات  ، عندما دعاني إلى مكتبه ، كان أمامه مقال للدكتور كلوفيس مقصود ، وهو كاتب وسياسي لبناني مرموق ، كان كتب مقالا رائعا في صحيفة النهار العربي والدولي ، التي كنت مراسلا لها في تونس ، طلب مني الشاذلي القليبي أن أسعى بصفة غير رسمية ، للاتصال برئيس التحرير أيامها عبد الكريم أبو النصر ، وأنظم معه استقدام الدكتور مقصود إلى تونس،  من مقره في بيروت ،  لمقابلة في إطار التكتم مع أمين عام الجامعة العربية ، وفعلا تم ترتيب الأمور ، ووصل الدكتور كلوفيس مقصود إلى تونس في طي الكتمان ، وانتظرته بسيارتي أمي 8 الزرقاء  الصغير ، في المطار ، ورافقته إلى مقر الجامعة العربية في شارع خيرالدين باشا، أوصلته إلى الطابق السادس وانسحبت إلى مكتب أحد الأصدقاء الكثيرين بمقر الجامعة ، دون أن أنسى تنبيه السكريتيرية الخاصة بالأمين العام إلى حيث أنا متواجد ، دامت المقابلة ساعة ونيف ، ثم تمت دعوتي لاصطحاب الدكتور كلوفيس مقصود إلى فندق أفريكا،  حيث كنت حجزت له " سويت"، صاحبت الدكتور للفندق ، ولم يحدثني بشيء ، قدرت تحفظه ، أوصلته حتى الاستقبال واطمأننت إلى أنه تسلم مفاتيح غرفته، عشية نفس اليوم صدر عن مكتب الأمين العام  ، قرار بتعيين الدكتور كلوفيس مقصود سفيرا مندوبا للجامعة العربية في الامم المتحدة ، وكان أفضل سفير للعرب في المنتظم الأممي على مدى 10 سنوات ، بصوته الصادح وتحاليله المقنعة وقدراته الخارقة على التواصل، ولن أطيال في الحديث عن فراسة الشاذلي القليبي في اختيار المساعدين المقتدرين ، في الإدارة التونسية ، ولكن سأتوقف عند من كان له فضل اختيارهم ، وهو أمين عام للحامعة الغربية ، ومنهم حمادي الصيد كسفير للجامعة في باريس ، حيث أمكن له بعلاقاته الواسعة وفصاحته وسيطرته على أعقد الملفات ، أن يعطي للقضية العربية بعدا لم تكن له سابقة ، وثالثة الأثافي  عندما عين أحمد الهرقام سفيرا للجامعة العربية لدي ديوان الأمم المتحدة في جنيف ، حيث يتم التحضير لأهم القرارات التي تهم الصراع العربي الاسرائيلي، رافق ذلك إدارة إعلامية نشيطة في المقر بتونس بمحمد المغربي وعبدالله عمامي واللبناني وليد شميط ، وقد تفطن الشاذلي القليبي وهو رجل الثقافة والإعلام ، إلى الدور البارز لكليهما في تشكيل رأي عام مساند للقضايا العربية.
وثالث موقف شهادة هو أني وكنت في 1979 حديث عهد بالمسؤولية في جمعية الصحفيين ، عندما دعاني يوما ، وسألني عن مقر الجمعية ، وكان يراها " بالعين الكبيرة " كما يقول مثلنا الوطني ، وهو الذي تم استدعاؤه لمقرات نقابات وجمعيات الصحفيين،  للمحاضرة في نيويورك وباريس والقاهرة ، ورجاني أن أتدبر مقرا لائقا للجمعية ، على أن تتولى وزارة الثقافة والاعلام تمويل تكاليف الكراء والتأثيث ، وقبل يوم من مغادرته للوزارة ، ليتولى الأمانة العامة للجامعة العربية ، سلمني شخصيا وباسم الجمعية ، صكا بمبلغ الكراء والتأثيث ، بعد أن كنت قد قدمت فاتورة ، في تلك التكاليف ، وكانت تلك أول مرة تنتصب فيها الجمعية في مقر لائق في نهج النمسا في قلب العاصمة.
ولن أطيل أكثر ولكني سأذكر أن الشاذلي القليبي ، كان هو محرروكاتب الخطب الرسمية للرئيس بورقيبة ، وكان تأثيره كبيرا فيها ، ولعل أبرزها ذلك الخطاب ، الذي أعلن فيه بورقيبة ،عن أنه لا " يرى مانعا في قيام أحزاب غير الحزب الحاكم ، وهو نص تاريخي باعتبار ظروف ذلك الزمن في 1980/1981 ، تم تصوره في الصيغة المقبولة من الرئيس بورقيبة ، بالتعاون بين الشاذلي القليبي ومحمد مزالي الوزير الأول آنذاك.
وخلاصة القول ، أن الشاذلي القليبي لم يكن أقل من مؤسسة قائمة الذات بشخصه وهدوئه وسلامة سريرته ووطنيته ونجاعته.



السبت، 9 مايو 2020

قرأت لكم : ما كنبه المفكر عبد المجيد الشرفي بشأن الكورونا وما بعد الكورونا

قرأت لكم

مقال قيـــــم وطلائــــــعي بقلم   الدكتور
عبد المجيد الشرفي  رئيس بيت الحكمة
**عبد المجيد الشرفي ... هل ستنهي
 أزمة الكورونا ،، بثورة رقمية عامة ،،،
 وقيم أكثر إنسانية وأكثر عدالة وإنصاف ؟
في هذه الفترة التي اضطررنا فيها للإلتزام ببيوتنا ، كان على المرء أن يجد لنفسه مشاغل  غير التي تعود عليها ، وإذ كنت أحد الذين يعتبرون المطالعة هواية محببة ، فقد أخذت أصطدم أكثر فأكثر بالعجز عن القراءة المركزة كما كنت ، كما إن التلفزيون والأفلام لم تعد تستهويني كثيرا.
وإذ عدت للمطالعة بكثافة أكبر ، مما كنت عليه طيلة السنوات المنقضية ، فقد اصطدمت بأمرين اثنين :
1/ أولهما تعب في النظر عند الإطالة في التفرس في كتابات في غالبها بأحرف صغيرة ، لا تناسب من هم في مثل سني :
2/ قدرة أقل على التركيز أعترف بها ، نتيجة التقدم في السن ، والعجز أحيانا عن ربط الأأشياء ببعضها ، وتشتت ذهني يعيقني عن أن أطيل التفكير ، غير أن هذا لم يمنعني للرجوع إلى نوعين من الكتب ، سبق لي أن قرأتها ، ووجدت متعة واستفادة جديدة من قراءتها  مجددا ، فقد التهمت بما يمكنني أن ، أتولاه من قراءة رغم العوائق التي سبق أن ذكرتها ، ورغم وفرة الكتب التي اقتنيتها في الأشهر الأخيرة ، وهي بجانب فراشي ، مما أقرأ قبل النوم ، فقد عدت إلى مكتبتي وكتبي المرصوفة فيها ، بالمئات حتى لا أقول بالآلاف ، أستنشق منها ما يثير مع حب العودة لما اعتقدت أني هضمته ، حالة الحساسية التنفسية المؤلمة ، التي أعالجها بحبوب الدسلور المنومة ، وبها بدأت بكتاب جان جاك روسو " في العقد الاجتماعي " الذي يسودني اقتناع طاغ ، بأن من لم يقرأه ويعيد قراءته ، لا يدرك شيئا من عالم السياسة ، وأردفته بكتاب " الأمير" لميكيافللي ، كما يحلو للإيطاليين تسميته ، وبين هذا وذاك أتناول ثلاثية نجيب محفوظ الخالدة للترفيه عن النفس ، أو  كتب " عرفي " أمين معلوف ، الذي اشتغلت معه ، عندما كان رئيس تحرير النهار العربي والدولي في باريس، أو العملاق التونسي عبد القادر بلحاج نصر القادر على النفاذ لإعماق أعماق النفسية التونسية في رواياته المتعددة وتمكنه الحقيقي من تكنيك الكتابة الروائية بسرديتها وحقن الحوار فيها بكل حذق، قبل أن أتفرغ لما يلزم من وقت لكتابين  لعبد المجيد الشرفي ذاته  تحديث الفكر الاسلامي  ومرجعيات الاسلام السياسي وقد قرأتهما مجدد على الاشاشة الصغيرة براحة أكبر،  لأعود لـ la république للمعلم أفلاطون ، وأردف بمسرحية "السيد"  للأديب الخالد كورناي ، عائدا إلى ثلاثية صديقي وزميلي في الستينيات في البتي ماتان شارل لانكار، ثم آخرا وليس أخيرا   كتاب أدوارد ويلسن الذي اقتنيته من الفناك في مونبارناس بباريس l’avenir de la vie  أوième cri d’alarme pour le xxi    siècle de Daisaki Ikeda et Aurelio Peccei وكلاهما كتابان ممتعان لكتاب أمريكيين في الاستشراف،  يعودان  بتأليفيهما  إلى مطلع هذا القرن،  ولكن كل منهما يتنبأ بما نعيشه اليوم.  وغيرها كثير من الكتب التي سمح لي الاغلاق بالعودة إليها والشرب من معينها.
وإذ تختص كتب عبد المجيد الشرفي بالتركيز الشديد ، والكثافة فإن المقال الذي كتبه في صحيفة الشعب والذي اسأذناه قبل إعادة نشره  ، ينبئ عن تلك القدرة على التركيز والتكثيف ، فقد حمله نظرة استشرافية عميقة، واقعية ، مدركة للمأمول والذي بدا له من وجهة نظري غيرممكن حاليا  بما تمر به الانسانية من تحد طارئ ولكن عميق الابعاد.







الاثنين، 4 مايو 2020

سانحة : أمريكا المهددة

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
للمرة الثانية في 20 عامـــــا
أمريكا دولة  ليست في مأمن
تونس / الصواب / 04/05/2020
اعتبر الأمريكان منذ وقت طويل ، أنهم داخل بلادهم  ، المنيعة ، بعيدا عن أي عدو مهما كان نوعه ، سواء من الجيران المباشرين ، في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، على اعتبار أن لا أحد له قدرة على اختراق الدفاعات الكبيرة التي تزداد فاعليتها يوما بعد يوم ، أو على مدى الأسلحة المدمرة التي يمكن أن تصل بلادهم،عبر الصواريخ التي جرى تطويرها بأمل الوصول بعبوات مدمرة إلى الداخل الأمريكي، والتي يبدو اليوم أنها غير قادرة لا بحريا ولا جويا فضلا عن أرضيا ،على الوصول إلى الداخل الأمريكي.
وقد انكسر الاتحاد السوفياتي ، وانفرط عقده ، على صخرة التسابق في حرب النجوم في آخر الثمانينبيت ، بسبب ارتفاع كلفة لم تقدر عليها موسكو، فانحدر اقتصادها وتدهور فضلا عن هزائمها  العسكرية في أفغانستان ، في حرب مدمرة مولتها في من مول المملكة العربية السعودية ، في التسعينيات إذن اطمأنت أمريكا أكثر من أي وقت مضى ، إلى أنها قلعة منيعة لا قدرة لأحد عليها، كما اطمأن الفرد الأمريكي أنه يعيش في مأمن كامل ، لا يساوره فيه شك ، وحتى تهديدات صدام حسين بالقدرة على استهداف نيويورك ، فضلا عن أوروبا الغربية ، بفضل صواريخ عابرة للقارات ، كانت المخابرات الأمريكية على دراية كاملة بأنها لا أكثر من عملية اتصالية ، ليس وراءها شيء ، وعمد صدام حسين فقط إلى توجيه صواريخ حاملة لعبوات تقليدية ، نحو إسرئيل وقطر والسعودية والامارات ، وبقدر طول المسافة والاضطرار إلى خفض وزن العبوات لزيادة حجم الطاقة الدافعة ، مما كان له  أثر بسيكولوجي ، وهلع أكثر من أي أثر تدميري .
ولأول مرة شعر فيها الأمريكان بأنهم بالمناعة التي يعتقدون ، كانت في 11 سبتمبر 2011 ، يوم فجرت طائرات خطوط أمريكية ، برجي التجارة العالمية ، فخر " القوة الأمريكية التي لاتقهر" ، بواسطة مجموعات عربية ، قوامها سعوديون ، تشكك الفرد الأمريكي في ما يعتقده من قوة أمنه الداخلي ، وأنه لا يمكن أن يستهدف داخل حدود بلاده ، ما زاد من الانعزالية الأمريكية التاريخية ، وزاد أيضا من الاحساس الأمريكي العام ، من أن الولايات المتحدة ، يمكن أن تضرب في أي مكان ، دون أن تكون عرضة داخل بلادها لأي خطر، وزادت الدعاية الرسمية الأمريكية من ذلك الاعتقاد الراسخ ، بأن لأمريكا حق لعب دور الجندرمي الدولي ، دون استطاعة أحد أن ينال منها ، وقامت الدعاية الاتصالية الأمريكية ، على عنصرين اثنين وقتها :
أولهما أن استهداف البرجين للتجارة العالمية ، ومحاولة استهداف البيت الأبيض ووزارة الدفاع البنتاغون ، هي أعمال انطلقت من الداخل الأمريكي ، نتيجة أخطاء استخباراتية  فيدرالية ، وليس نتيجة عمل انطلق من الخارج.
وثانيهما أن أمريكا المستهدفة من داخلها قادرة على رفع التحدي ، وحمل المعركة إلى الخارج ، مهما بدا بعيدا جغرافيا ، وضرب أصل رأس الأفعى في جحره ، ومن هنا جاءت حرب أفغانستان ، التي لم تقض على القاعدة ، التي تأسست بمبادرة أمريكية سعودية ، ضد الاتحاد السوفياتي المنهار، ولم يتخيل الساسة الأمريكان أنهم سيفشلون في هذه الحرب كما فشلوا في حرب الفيتنام ، وأن آخر حرب انتصروا فيها ، هي الحرب العالمية الثانية ، لأسباب  تعود لعوامل موضوعية ، لم تتوفر في حرب أخرى خارجية دخلتها ، رغم قوتها العسكرية الخارقة، ومع استثناء حرب الشرق الأوسط لعامي 1991 و2003 ، التي لن تحقق فيها أمريكا نجاحا ، سوى تنحية صدام حسين ، وإدخال بلد مثل العراق ، في دوامة لم تخرج منها الولايات المتحدة فائزة ، وفي حساب الربح والخسارة ، لم يفز فيها  بشيء من الظفر سوى نظام الملالي  في طهران ، الذي سجل توسعا مشهودا  في العراق و  لبنان وسوريا واليمن ، وغير توازنات منطقة الشرق الأوسط للأسوء ، حتى بالمنظار الأمريكي .
على أن المناعة الأمريكية ، تزعزعت بحق بمناسبة ، جائحة الكورونا ، هي طبعا ليست حربا تقليدية ، ولكنها فرضت  (بضم الفاء)  على أمريكا ومن الخارج ، وبدت الولايات المتحدة ، أضعف من أن تقف منفردة ، أمام هذه الجائحة ، التي بسبب رئيسها غير الطبيعي " ترامب " ، لم تستعد لها وفاجأتها ، فتجاوز عدد المصابين بكورونا المليون وقارب عدد القتلى السبعين ألفا ، وإذ يعتبر موت أي فرد هوكثير، فإن موت 70 ألفا بالقياس إلى الحجم السكاني الأمريكي273 مليون ساكن يبدو متواضعا ففرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا التي تجمع عددا مماثلا تقريبا لعدد سكان الولايات المتحدة  أو أقل بقليل 245 مليون ، فقدت قرابة 110 آلاف جراء الجائحة، غير أن المقارنات الأمريكية تستند عادة للشأن الداخلي ، ويذكر الأمريكان هنا أن خسائر الحرب التي خسرتها واشنطن في15 سنة من حرب الفيتنام ، لم تبلغ سوى 60 ألفا من الشباب الأمريكان ، وأثارت ضجة كبيرة ضد إرسال "البويز " الشبان للحرب ، ومن هنا أصبح الجيش الأمريكي جيشا محترفا ، لا مكان فيه للشباب الذي يذهب للحرب رغم انفه، ولا وجه للمقارنة هنا مع الخسائر الأمريكية في الحرب العالمية الثانية ، ففي ثلاث سنوات خسرت الولايات المتحدة192 ألفا.
من هنا فإن هذه الحرب غير المعلنة ، قد تكون أكثر أثرا من حرب الفيتنام ، ولما كان الأمريكان يبحثون دائما عن عدو يمسحون فيه فشلهم ، فقد وجدوه هذه المرة في الصين ، التي انطلق منها الفيروس.
ويبقى السؤال مطروحا هل الولايات المتحدة ما زالت منيعة رغم كل شيء؟؟؟