Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 15 نوفمبر 2020

الصواب : الأمل الضائعالصواب : الأمل الضائع

 

الصواب

الأمل الضائع

بقلم  عبد اللطيف الفراتي

تونس/ 12/11/2020ع

عندما كان المناضلون يناضلون ضد الاستبداد ومن أجل حرية التعبير وفرض الديمقراطية بكل مقوماتها، كان اقتصاديون من الجهابذة، يتوقعون نسبة نمو بزيادة 2 في المائة  في حالة قيام نظام ديمقراطي مقارنة بنسبة نمو محققة تراوح  5 في المائة ، وعن  تلك التي كانت مسجلة معدلا غي سنوات التسعين والألفين ، قامت الثورة بكل الآمال التي علقت عليها ، بما قدمته من ضحايا قتلوا أو جرحوا  وسجنوا وتم نفيهم ،على مذبح الحرية ومن أجل الكرامة والشغل  للجميع ، وعلى أمل كف سرقة الأموال العامة .

كان ذلك هو الأمل ، فما هو الحال ونحن على أبواب اندلاع الثورة في 17 ديسمبر 2010 أي بعد أسابيع قليلة.

هل تحقق الأمل ؟ وهل تحسنت أوضاع الناس ؟ وهل كانت الحكومات المتعاقبة في مستوى محط الثقة بعد ثورة وعدت بالكثير؟

الجواب بالوضوح الكامل وبدون تردد لا ، فالثورة تمت سرقتها ، والحكام لم يأتوا من رحم الثورة بل ركبوا ظهرها ، وساموها سوء العذاب ، ومن المؤلم اليوم وبعد عشر سنوات أن يتمنى الكثيرون للأسف  عودة النظام السابق ، تجليات ذلك في أن تكون عبير موسي وجزبها في طليعة استطلاعات الرأي ومن بعيد في احتمال إجراء انتخابات تشريعية ، وهي التجلي الواضح للرغبة  في العودة إلى الوراء ،  ولو للتمظهره الاستبدادي المرافق  بمظاهر سرقة أموال الشعب..

يشكو الناس بعيدا عن تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي البارزة للعيان في زيادة مديونية الدولة بـ 150 في المائة في عشر سنوات ، وانخرام توازنات المالية العمومية   ، وتدهور حال الميزان التجاري ، وانهيار العملة الوطنية  وتراجع نسب الادخار الوطني ونسب المخصص للاستثمار، في إشكالات ما ينتاب الحياة اليومية للمواطن من ضيق غير مسبوق للعيش ، عبر تقلص الطاقة الشرائية، وتوسع دائرة الفقر ، وهبوط خاد في قدرات الناس على مواجهة تكاليف الحياة ، وفي  أحوال قليلة حافظت الطبقة الوسطى العليا على مستويات قريبة مما كانت عليه ، وفي غالب الأحيان انحدرت تلك الطبقة إلى مستوى الطبقة الوسطى المتوسطة فيما انحدرت الطبقة  المتوسطة الدنيا إلى أعتاب الفقر، فيما ارتفعت نسبة البطالة إلى ما بين 14 و18 في المائة  من طاقة العمل حسب مختلف التقديرات.

من هنا لا يستغرب الأمر أن يرفع أحد الناس عقيرته ، في سوق عمومية داعيا إلى عودة النظام القديم ، فيصدق الناس حوله على أقواله ويرددون صياحه.

ما سبب أن يتحول أمل كبير إلى يأس قاتل، لعل أكثر تمظهراته من وجهة نظرنا،  ليس تلك الاعتصامات المنتشرة بل محاولة ترك البلاد والهروب منها ولو بخطر الغرق والوفاة.

نظرة سريعة على وضعنا خلال عشر سنوات من التخبط :

** قلة استقرار في الحكم بكل ما يعني من غياب استطاعة تحديد سياسة أو ضبط ملامح سياسة .(7 أو 8 حكومات عدا التعديلات الوزارية)

** رفض اتباع سياسة يفرضها الواقع من إصلاحات عميقة ، وكان الوزير حسين الديماسي استقال بعد 6 أشهر من تعيينه في 2012 بسبب رفض حكومة الجبالي خوض غمار إصلاحات متأكدة  وموجعة ، كان يمكن تمريرها في ذلك الوقت والحماس للثورة على أشده ، هذا الاحجام عن الاصلاح أدى بالبلاد لدخول متاهات مجهولة المصير، تجني البلاد علقمها حاليا.

** بدل الإصلاح انصرفت البلاد لمعارك حول الهوية، والرغبة الجامحة بالدخول في مغامرة تغيير النمط المجتمعي، الذي استقر عليه الناس منذ180 سنة وتأكدت توجهاته منذ 1956.

** انصراف المنظمة الأولى والمؤثرة أي اتحاد الشغل بعيدا عن كل روح مسؤولية إلى مطلبية مشطة، أفقدت البلاد وخاصة التوازنات المالية للدولة كل توازناتها، بحيث بلغ مقدار الأجور 20 في المائة من الناتج فيما المقياس العالمي المتفق عليه هو 10 إلى 11 في المائة على أقصى تقدير ما يشبه الوضع الذي انتهت إليه فرنسا تحت حكم الجمهورية الرابعة، وديكتاتورية الـ س ج ت، وهو نزيف أوقفه الجنرال ديغول عندما وصل للحكم في 1958هو ووزيره للمالية بيناي.

** عدم قدرة الحكومات المتعاقبة بعد فوات فرصة 2012 على إثر الثورة، سواء على إيقاف نزيف الأجور بدون مقابل إنتاج، وإنشاء وظائف وهمية، والاستجابة غير المحسوبة النتائج لزيادات في الأجور أثقلت كاهل ميزانيات الدولة، وأوصلتها إلى العجز الفادح، وأوصلت مؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص إلى حالة من عدم القدرة على المنافسة بلغ الأوج دفع ثمنه المستهلك التونسي بأسعار غالية وجودة متدنية.

**عدم الاقدام على تطهير القطاع العام الذي بدل أن يكون ممولا لميزانية الدولة، بأرباح من المفروض أن يسجلها، ويحولها لميزانية الدولة، بات عبئا على ميزانية الدولة لتغطية خسائره المتراكمة، وسداد ديونه المتصاعدة. كل هذا فضلا عن ديكتاتورية الخط الأحمر للتصرف في القطاع العام غير التنافسي الذي من المفروض أن يوفر فائضا تصرفيا ويدفع أداءات محمولة عليه وانخراطات في صناديق التأمينات الاجتماعية ، وهو مقصر في ذلك وللحديث بقية .

fouratiab@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق