من الذاكرة : الكمامة وما أدراك ما الكمامة
من الذاكرة |
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تونس /
الصواب/19/11/2020
القناع
الواقي
القناع أو ما
اصطلح على تسميته بالكمامة، ليس جديدا، غير أننا لم نتعود على رؤيته أو استعماله
ليس فقط في بلادنا، بل في المنطقة التي نتحرك فيها عربيا إفريقيا وأوروبيا، ولقد
سبق لي شخصيا أن عشت مع الأقنعة أو الكمامات فترة تناهز ما يقارب الشهر.
كان ذلك في
الصين في سنة 1977.
كانت توجهت
الدعوة من الحكومة الصينية لاستضافة وفد صحفي تونسي، وربما وفود من بلدان أخرى،
بمناسبة تنصيب الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي الصيني، تعويضا لماو تسي تونغ
المتوفي قيل شهرين.
كنا 5 أو ستة
، عمر بلخيرية مدير صحيفة لابريس وعضو اللجنة المركزية ( لم يكن وقتها هناك موجب
للقول للحزب الاشتراكي الدستوري ) والعربي عبد الرزاق مدير جريدة العمل وعضو
الديوان السياسي وعضو البرلمان وعبد السلام الديماسي نائب مدير الإذاعة والتلفزة ومنصف النفزي رئيس
تحرير جريدة لاكسيون وأنا وكنت مجرد سكرتير تحرير عن جريدة الصباح ولم أكن ارتقيت وقتها إلى نائب
رئيس تحرير وكان لا بد أن تأتي سنة 1981 لأرتقي إلى رتبة رئيس تحرير ثاني ، تحت
إشراف عرفي ومعلمي رئيس التحرير الأول عبد الجليل دمق، وكان يقود الوفد محمد
الفراتي رئيس ديوان وزير الثقافة والاعلام وقتها
الشاذلي القليبي ، وهو والد هشام الفراتي وزير الداخلية لاحقا ،وسفير تونس في السعودية حاليا.
قضينا في
الطائرة حوالي 20 ساعة بمراحل في باريس وأثينا ثم كراتشي وصولا إلى بيكين، ليلا.
في اليوم
التالي كنا على موعد مع حدث كبير كما قيل لنا....... بعد
إرهاق شديد ، فادنا إلى نوم عميق.
كان الحفل
رائعا بدأت بشائره منذ الصباح تحت نافذة الفندق الذي خصص لنا ، وبالأحرى القصر
الكبير الذي كنا بعددنا الضئيل نرتع فيه.
حضرنا حفل
تنصيب خوا كو فونغ الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي الصيني، ألقى الرجل كلمة من
15 دقيقة تولى المترجمون ترجمتها لنا باللغة العربية.
وكنا محاطين
بجمهور كله من الصينيين، وإذا كان هناك، ضيوف أجانب، فلم نرهم حيث كانت المنصة كبيرة
جدا ربما تكفي لعدة عشرات من الألوف.
نبهونا مسبقا إلى أنه بانتهاء الحفل، علينا أن
نعود للفندق سريعا وكان على بضع عشرات الأمتار من المنصة، الرسمية، وقد تركنا
الساحة أمام " تيان أن مين " الشهيرة "بوابة السماء"، تزخر
بمليون ونصف من الحاضرين بصنجات الموسيقى الصينية.
دلفنا بسرعة إلى الفندق، فكان علينا أن نكون
جاهزين بعد عشرين دقيقة، لتنقلنا السيارات الفارهة اثنين في كل سيارة، نحو محطة
القطار، ليأخذنا في جولة عبر مقاطعات عدة.
بعد نصف ساعة
بالضبط على نهاية حفل التنصيب شقت بنا السيارات، الساحة الكبرى، التي كانت تعج
بمليون ونصف من الجماهير، فإذا بها خاوية على عروشها لا أحد فيها، أفرغوها في دقائق،
وكانت من النظافة المفرطة بحيث لا يصدق المرء أنها، كانت قبل دقائق تعج بمليون ونصف
المليون من البشر المنضبطين.
في الطريق
نحو محطة القطار، اكتشفنا أمرين اثنين:
أولهما أن الضوء
الأحمر في الطرقات، هو إشارة حرية المرور، وأن الضوء الأخضر هو إيذان بالتوقف،
باعتبار أن الضوء الأحمر هو لون الثورة، والتقدم للأمام.
وثانيهما هو
كثرة الذين يضعون أقنعة (كمامات) على وجههم، وعند سؤال المرافق في السيارة، تهرب
من الجواب، قهو مجرد مترجم لا يجيب على الأسئلة، وهناك من المرافقين من يجيبون على
الأسئلة ودوما بلغتهم الصينية.
عرفنا لاحقا الجواب على إشارات المرور، والسر
وراء لباس الأقنعة، ففي الصين وكان الطفس باردا جدا أيامها، كانوا يحتاطون من
النزلة الأنفلوانزا، بوضع الكمامات حتى لا تقع العدوى، وفسروا لنا أنهم يسعون حتى لا
يمرض أحد، بسبب الوقاية أولا، وحتى لا يتغيب أحد عن عمله ثانيا، لأنه ليس فقط مصدر رزقه، بل لأنه أيضا إسهام في الثروة الوطنية.
هكذا إذن
شاهدنا في يومنا الأول في الصين، مظاهر الانضباط، وهو متواصل لليوم ليس في الصين وحدها،
بل في كل المنطقة في أقصى شرق أسيا، من ماليزيا إلى كوريا إلى فيتنام إلى اليابان
وغيرها، وهي ثقافة أخرى، جعلتهم يسلمون من كوارث جائحة الكورونا بعكس مناطق العالم
الإخرى. fouratiab@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق