Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

استشراف : تونس كا لأعمى الذي ضاع من رجليه الطريق

استشراف

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
منذ "الثورة "
قصور في البصيرة النافذة
و غياب الرؤيا المستقبلية ..
 العوائق الكبيرة
تونس / الصواب / 29/10/2016
بقطع النظر عما  إذا كانت ثورة أم لا فعدد كبير من المنظرين يقولون بأن ما حصل في تونس بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011  لم تتوفر له مقومات الثورة ، من حيث عدم وجود زخم فكري  سابق ، كما عرفته الثورات الكبرى في العالم ، ولا توفرت له قيادة أمسكت بخيوط القرار بعد تغيير الحكم   - بقطع النظر عن  كل ذلك - فإن ما ميز السنوات الست الأخيرة هو غياب بصيرة نافذة ، وقصور رؤيا مستقبلية ، ووضوح مشروع مجتمعي قادر على التجميع ، ووضع الجماهير على صعيد توجه مشترك يتوفر له الحماس ، فضلا عن الغياب الدائم والقديم لتصور مشروع ضخم جامع ، كان غائبا تاريخيا في هذه البلاد حتى مع حكم بورقيبة الذي جاء بعد ثورة تحريرية كبرى، وحمل مشروعا مجتمعيا طموحا غير ملامح البلاد.
فلقد عرفت بلدان عدة هزة نفسية مع السد العالي في مصر أو إنشاء عواصم جديدة في ساحل العاج ونيجيريا أو مضاعفة قناة السويس في زمن السيسي  ، أما في تونس فقد قصرنا طموحنا في المجالات المادية المحسوسة والقدرة على التعبئة على مشروعات صغيرة غير قادرة على التعبئة الشعبية ، وفيما عدا المشروع المجتمعي لبورقيبة ، والذي امتد تحقيقه على مدى 30 سنة ، وبات علامة مضيئة عالميا  ،  واستمر الحكم بعده  يعيش على أنقاضه ، لم تعرف تونس  عبر تاريخها  منذ الرومان  والأغالبة  والحفصيين  ، أجيالا من القادة البنائين المشيدين ، كما عرف المغرب الأقصى ومصر في منطقة شمال إفريقيا مثلا.
وعادة ما تكون الثورات مناسبة لتفتح القرائح ،  في مجالات الفنون لإبداع يتسم لا فقط بالخلق المبدع ولكن بالوفرة أيضا ، ولم نر شيئا من ذلك أو على الأصح الشيء القليل جدا فقط بعد الثورة ( تذكروا حرب الجلاء في 1961).
وعلى مستوى القيادة  العليا فقد اتسمت  أعمالها بالجدب ، فخلال ست سنوات مرت حتى الآن ، اتسمت الفترة بغياب مفرط لتصورات جريئة ، وغياب رؤيا  واضحة وقادرة على التعبئة ، وبصيرة نافذة " UNE VISION  " ،
وفي ما عدا المشروع المجتمعي الذي جاءت به النهضة ، بعد استلامها الحكم على اثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، والقائم على تغيير النمط المجتمعي ، الذي اعتاد عليه التونسيون ،  لا فقط منذ قدوم بورقيبة للحكم ، بل منذ حوالي قرنين من الزمن بتطور بطيء ولكن متصاعد ، وفيه رفض للتوجهات الوهابية ، منذ رسالة العالم محجوب ردا على الرسالة التكفيرية لمحمد بن عبد الوهاب ، وفي ما عداه ، وقد لفظه الشعب في صائفة 2013 بمناسبة التفاف جزء مهم منه في إطار مظاهرات الرحيل ، فإن أيا من الحكام عبر 6 حكومات متتالية لم يقدم لا تصورا ولو بسيطا  ، ولا رؤيا ولا مشروع مجتمعي يمكن أن يلتف حوله  الشعب أو يتحمس له أو يكون علامة دالة تقود خطواته ، بل لعل الحكومات المتتابعة غرقت في التصريف اليومي ، دون نظرة للمستقبل وكيفية بنائه وتصوره وإعداد العدة لمواجهة تحدياته .
 وكانت السعودية  ـ على ما يمكن للمرء أن يسوقه من تحفظات تجاهها وتجاه سياساتها وأدوارها المشبوهة  -  قد أعدت خطة لما ستكون عليه في أفق 2030 ، بقطع النظر عما إذا كان استمر الحكم  الحالي فيها أو انقطع ، فالحكومات أمر طارئ والشعوب هي الباقية.
حكام تونس الوارثين للفترة السابقة التي انتهت في 2010 /2011  يتسمون بضعف في الارادة ،  وقصور في الخيال ، وبكسل عن استقراء المستقبل ، والإعداد له ، لتكون البلاد  سائرة في الاتجاه الصحيح ، بل لعل البلاد اليوم وفي ظل حكم بلا تصورات ، هي كمثل الأعمى الذي لا يستدل على طريقه حتى بعكاز.

الجمعة، 21 أكتوبر 2016

الموقف السياسي : المستقبل المجهول ، في تونس العصية على الإصلاح

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس في الطريق إلى صحراء قاحلة
تونس / الصواب / 21/10/2016
لا يتمنى المرء اليوم أن يكون رئيس حكومة ولا وزيرا ، ولا مسؤولا في أي مجال ، فالتحديات القائمة أكبر من أن يتصور لها المرء حلولا ، في بلد عصي على الإصلاح ، تدنى فيه الشعور بالمسؤولية وروح التضحية إلى الدرك الأسفل ، مسؤولين ورعايا ( نقول رعايا قصدا).
بدأ المنعرج منذ 14 جانفي 2011 واتخذت قرارات في غاية الديماغوجية ، وبدون درس ولا تمحيص ، وجاءت حكومة ثانية ، فزادت الطين بلة بسياسة تنشيط الاقتصاد عن طريق دفع الاستهلاك ، الذي لا يمكن أن يكون رافعة للنمو بدون إنتاج وبدون عمل.
ثم جاءت حكومة الترويكا  ( الحقيقة حكومة النهضة) وبدل اتخاذ القرارات الواجبة لوضع البلاد على السكة المؤدية ، ارتهنت البلاد في سياسات  نبه وزير المالية وقتها إلى خطورتها ،  عندما تم رفض الاستجابة لها ، وأمعنت الحكومات الموالية في اتباع سياسة النعامة ، بدفن رأسها في التراب ، حكومة على العريض ثم حكومة المهدي جمعة ثم حكومة الحبيب الصيد ، لم تصارح أي حكومة الشعب بحقيقة ما وصل إليه الأمر من تدهور يتهدد مستقبل البلاد.
ولعل المسؤولية الكبرى هي تلك التي يتحملها اليوم رئيس الجمهورية وحكومتيه الأولى والثانية برئاسة الحبيب الصيد ، فضمانا لتشريك النهضة في الحكم رغم القدرة عن الاستغناء عن خدماتها ، تم السكوت عن سوء التصرف والإفلاس  الفاضح الذي كان مقدمة لما هي عليه البلاد من وضع اليوم ، إن تونس تجر اليوم أخطاء حكومات لم تكن على قدر المسؤولية في سنوات 2011 و2012 و2013 و2014 و2015 والجانب الأكبر من 2016 وقادت تونس إلى كارثة ، كم نبه لها الخبراء  الصادقين وكم نبهنا لها على أعمدة هذه المدونة.
الحصيلة اليوم  أن حكم الخمس سنوات الماضية قاد البلاد إلى مأزق حاد ، وإلى أزمة  لا تكفي حتى ميزانية دولة صغيرة من حجم تونس  للخروج منها ، ميزانية للعام 2017  ، غطت حتى على ميزانية تكميلية للعام 2016 تم السكوت عنها وسيتم تمـــــــريرها ( تحت حس مس ) ، قوامها أي ميزانية 2017   32 مليار دينار بعجز فادح ، من جملة نفقاتها 5.8 مليار كسداد للقروض غير المبررة  والثقيلة للسنوات الخمس الأخيرة  غالبا ،  والتي لم يكن لها أي دور في تنمية ثروة البلاد لتقدر على المواجهة ، فضلا عن دعم غير مبرر لسلع أساسية يستفيد منه الغني والفقير.
في هذه الظروف السيئة والمأزومة تُواجَه القرارات الحكومية ، برفض يكاد يكون جماعيا من اتحاد الشغل ومن التنظيمات النقابية للمهن الحرة ، المركزية العمالية ترفض مطلقا إرجاء زيادات الأجور للعام 2017 و2018  ( للواقع إلغاء تلك الزيادات فما هي الحنفية التي ستوفر الدفق اللازم لدفع المتأخرات والجديد الذي سيحل عام 2019؟) ، والمركزية للأعراف ترفض أي زيادة " ظرفية " في الأداءات بنسبة 7.5 في المائة ، أما المهن الحرة فإنها وللعجب (؟) ترفض الخضوع  لسلم الضريبة على الدخل السارية على الأجراء والمؤسسات المنظمة والتي تدفع أداءاتها ، بينما التجارة الموازية والاحتكارية تخرج لسانها لدولة غير قادرة على كف أذاها ، أو وقف مظاهر الفساد فيها أو في غيرها.
ما ينتظر البلاد هو أحد أمرين اثنين :
إما أن تفرض الدولة قراراتها المدعومة من البرلمان
أو أن تدخل في مواجهة مع عدة أطراف في نفس الوقت.
في الحالة الأولى وهي مستبعدة ستتمكن الدولة من الموارد التي تمكنها من القيام بالتزاماتها ومنها سداد ديونها السيادية ولا حديث عن ديون المؤسسات العمومية وخلاص مرتبات موظفيها ومزوديها والالتزام بسياسة الدعم الثقيلة ، أما التنمية فسلام عليها وعلى احتيج,
وفي الحالة الثانية وإذا احتدت الأزمة وتراجعت الحكومة ، وتقلصت الموارد ، فإن كل شيء يصبح في خطر ، سداد الديون وطلب إعادة الجدولة ، وهو اسوأ شيء يمكن أن تضطر له حكومة، وتأخير صرف المرتبات ومستحقات المزودين ، فينكمش الاقتصاد ، وتضطر الدولة للحلول الأسوء وخاصة تدوير آلات طبع الأوراق النقدية فتختل كل التوازنات ، ويصبح الغلاء هو المحدد الأكبر للفترة ، بحيث تدخل البلاد في دوامة لا مخرج منها.
من الواعي بما ينتظر البلاد ،؟ وهل ستتحدد المسؤوليات ؟، مسؤوليات سنوات التراخي وترك الحبل على الغارب.، مسؤوليات تشترك فيها حكومات متعاقبة لعل حكومة الترويكا هي المتورطة فيها أكثر من غيرها ، لأن وزيرا منها نبه للخطر، ولم يسمعه أحد.
هذا إذا لم تحصل اضطرابات لا يعرف أحد إلى أين ستقودنا .


السبت، 15 أكتوبر 2016

عربيات : جامعة الدول العربية جامعة كل العرب رغم التشكيك

عربيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
وحدة العرب
تونس / الصواب/ 14/10/2016
2 مارس 1947 كنا ثلاثتنا لا نفترق ، مصطفى المصمودي كاتب الدولة لاحقا ، وشقيقي محمد الفراتي مدير إذاعة صفاقس لاحقا ، وأنا ، وكنا في سن غضة أي في أول سنوات الطفولة ، في مستوى الأولى أو الثانية ابتدائي ، خرجنا يومها في جموع من المواطنين لنحتفل في شوارع مدينة صفاقس بعيد العروبة الذي كان ينتظم احتفالا بذكرى تأسيس الجامعة العربية ، هذه المنظمة التي كان مؤملا أن تجمع العرب ، وأن تكون سندا لتونس في مواجهتها ضد الاستعمار ، كانت الفرق الموسيقية تصدح بألحان وطنية تونسية وعربية ، وقد ازينت شوارع المدينة بالزرابي والأعلام ، وكان الرئيس الجليل ( كنية بورقيبة قبل أن يدعى المجاهد الأكبر ) المقيم في المنفى بالقاهرة ، على كل لسان ، في تناقض مع ما كان يطلق على الحزب الحر الدستوري  الجديد (حزب الماطري الرئيس الأول للحزب) ، كانت الحركة الوطنية تعتمد جناحين أحدهما في تونس بزعامة صالح بن يوسف  والمنجي سليم ، والثاني في القاهرة بزعامة بورقيبة ، كانت الأدوار موزعة بين القيادتين ، عمل مضن وخطير في تونس ، قوامه تنظيم المجتمع في منظمات وطنية تكون سندا للحزب يوم المواجهة ، وإقلاق راحة الاستعمار الفرنسي ، وقوامه أيضا فتح أبواب العالم على فظاعة ذلك الاستعمار ، عبر شبكة اتصالات من القاهرة التي كانت تعتبر النصير الأكبر  وقتها ولزمن طويل لحركات التحرر الوطني  ، والتي وجد فيها بورقيبة ورفاقه ومن بينهم الحبيب ثامر وحسين التريكي والرشيد إدريس ، الملجأ والنصير ويد المساعدة الطولى عن طريق  القيادات المصرية والعربية مصطفى النحاس باشا ومحمد صلاح الدين وعبد الرحمان عزام ، والذين كانوا مع  الفلسطيني محمد علي طاهر والعراقي فاضل الجمالي والباكستاني ظفر الله خان  أكبر سند سياسي وما فاق ذلك من أوجه العون المادي اللازم لكل حركة تحرير ، وهو ما سينكره بورقيبة لاحقا ، في خضم خلافه مع عبد الناصر  وهو خلاف اختزل فيه مصر في عبد الناصر ، وزرع من خلاله الحقد على كل ما هو مصري ، فيما إن الحركة الاصلاحية التي انطلقت من مصر تلقفتها تونس وانخرطت فيها.
إذن كان يوم 2 مارس يوما مشهودا في تاريخ الأمة العربية ، وكان موضع احتفالات ، تيمنا بأن يكون فاتحة وحدة عربية ، ورغم السن الغضة ، فقد فتح أعين الفتيان والشباب والكهول على أهمية تأسيس الجامعة العربية كعلامة دالة في تاريخ هذه الأمة التي تحررت  وقتها أجزاء منها من ربقة التسلط العثماني  التركي ومن الاستعمار الفرنسي والانجليزي ، في انتظار أن تتحرر بقية الأجزاء ، وتقدم على التوحيد والتوحد بقصد إقامة مجموعة متجانسة ، لها قوة ذاتية وقوامها وقتها حوالي 100 إلى 150 مليون ساكن ، بتاريخ ضخم وحضارة ضاربة في أعماق التاريخ ، وثروات ضخمة لو تم استغلالها كما كان يجب أن تستغل لكان الوضع غير الوضع.
**
أجيال عاشت على هذا الحلم ، وطبع نفوسا كانت ترى مستقبلها في وحدة شاملة ، ولو على مراحل طويلة ، غير أن غرس إسرائيل في الجسم العربي ، بفعل الاستعمار الذي كان يخشى من استفاقة هذا المارد ، وكانت مصر القلب النابض لتلك الأمة والمركز لهذا الحلم ، قد تحملت نيابة عن الأمة أعباء أربعة حروب مدمرة ، جعلتها وهي الدولة الأغنى في المنطقة آنذاك  تنحدر إلى شبح لنفسها فيسودها الفقر وتتراجع مع ثرواتها ، أدوارها التي ارتقت إليها منذ حركة الإصلاح التي بدأت مع محمد علي في بدايات القرن التاسع عشر.
من هنا تراجع دور جامعة الدول العربية ، لأنه لم تعد ضمنها دولة قائدة ، لا في حجم مصر ولا في مكانتها ، ولم تستطع لا سوريا ولا العراق ولا الجزائر ولا المغرب منفردة ولا مجتمعة ، أن تقوم بدور القيادة على محاولاتها  غير الناجحة ،
غير أن الجامعة العربية بقيت حاضرة على الساحة العربية والدولية  فهي عضو ملاحظ في الأمم المتحدة ، وهي تعقد اجتماعاتها الدورية  وقممها ، وتنتج عبر منظماتها المتخصصة لا فقط أدبيات مهمة ، ولكن أيضا تحركات ذات بال ، وما تراجع حقا هو دورها السياسي ، باعتبارها صورة لاختلافات عربية مستعصية  فتراجع الجامعة هو من تراجع الدول التي تشكلها.
و من هنا فإن حديث رئيس الدولة التونسية الحالي الباجي قائد السبسي  في صحيفة القدس العربي : " الجامعة  العربية انتهت لكن رغم ذلك وقع فيهــا تغيير وأتوا بأمين عام جديد كان وزير خارجية مصر سابقا وهو انسان جيد ولديه برنامج ورؤية لكن القضية تتطلب عشرات السنين وليس عاما او عامين. العرب غائبــون في االحرب الدائرة . الدول العربية ليست مؤهلة في سوريا. لم يفعلوا شــيئا للدخول في عمليات دولية وهي لا تســيطر على اوضاعها الداخلية " ، يبدو  هذا الحديث خارج الموضوع ، ولعل اللوم الموجه للقادة العرب موجه له هو أيضا ، كما هو موجه إلى سلفه منصف المرزوقي الذي بشر هو الآخر بحل الجامعة العربية.
ولعل السؤال المطروح هو ما هي النجاحات التي حققها اتحاد المغرب العربي ، فلم ينجح بعكس الجامعة العربية في جمع قمة منذ 1994 ، ووجوده لا يعدو أن يكون على الورق ، وإذ "تقوده " أمانة عامة مقرها الرباط فهي لا تعدو أن تكون اسما بلا مسمى ، نفس الشيء بالنسبة لمنظمة المؤتمر الاسلامي ؟؟ من هنا السؤال لماذا الهجوم على الجامعة العربية ومحاولات التقليل من شأنها؟
ستبقى الجامعة العربية أملهم ، وأداتهم المثلى لتصور مستقبل أفضل.



الاثنين، 10 أكتوبر 2016

الموقف السياسي : الثور وراء المحراث ، خطأ جسيم في ترتيب أولويات قرارات حكومة الشاهد ، سيكلفها غاليا

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بيداغوجيا القرار السياسي
الأولويات لتمرير الحربوشة
تونس /الصواب / 08/10/2016
يقتضي القرار السياسي الإحاطة بعدد من الاحتياطات التي يستوجب التعامل مع الرأي العام اتخاذها خاصة في زمن الأزمة.
وتونس تمر بأزمة سياسية / اقتصادية /مالية حادة ، ربما تحدث اهتزازات لا يعلم نتائجها أحد ، ولا يمكن أن يتنبأ بتطوراتها متنبئ .
فللمرة الأولى منذ شهر جوان 2012 ، ومنذ أشعل حسين الديماسي الضوء الأحمر ونبه إلى خطورة الوضع قبل استقالته من الوزارة ، وهو من هو علما وكفاءة ، لم يصارح أحد من الحكام الشعب بخطورة وضع اقتصادي متدهور ، ينذر بكل الكوارث ، حتى جاءت حكومة يوسف الشاهد ، لتصارح بصورة مواربة وغير حاسمة بحقيقة وضع يوشك أن يدفع البلاد للهاوية ، إن لم تكن سقطت فيها بعد.
وكان لا بد من تجرع الدواء المر ، الذي لم تعد هناك مندوحة عن تناوله ، متمثلا في ضرورة اتخاذ قرارات تقشفية حادة ، لا يمكن للشعب قبولها ، وهو الذي هدهدته الحكومات المتعاقبة منذ 2012 بمعسول الكلام ، ومنعت عنه الشعور التدريجي بعمق الأزمة التي كان لا بد من علاجها في الإبان ، حتى لا ترتفع حرارة الجسم إلى هذه الدرجة الخطيرة ، تلك الحرارة التي تعتبر عرضا للمرض لا المرض نفسه.
وبدل المصارحة الكاملة ، ووصف مراحل الداء ، الذي استفحل بدون علاج على مدى السنوات الخمس الماضية ، انطلاقا من مسؤولية حكومة النهضة ( المسماة حكومة الترويكا)  ومن جاء بعدها ، لم يقدم رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد على تحميل المسؤولية لأصحابها في ما وصلته البلاد ، مكتفيا بعرض دون تشخيص ، لوسائل مداواة ، هي في جملتها مناسبة لطبيعة الداء ، وإن كانت متأخرة ، ولا تبدو مقبولة .
غير أن رئيس الحكومة الذي عليه أن يفرض الانضباط داخل حكومته ، قبل أن يحاول ذلك بالنسبة للبلاد بأكملها ، فالحكومة بأعضائها مفروض عليها أن تكون على خط سير واحد لا خطوط متعددة  بمواقف معلنة متناقضة أحيانا ، وهو ما بدأ يتساءل بشأنه الناس على مدى قدرة رئيس الحكومة على فرض الانضباط على حكومته ، لاعتبار قلة تجربته ، غير أن رئيس الحكومة في محاولته الصريحة والقرارات المعلنة من طرفه  والمتطلبة تضحيات جسيمة من الشعب وخاصة طبقاته المتوسطة والمعدومة   ، لم تتحل بالتوفيق اللازم .
وإذ نعتقد أن ما تقرر باعتبار طبيعة الأزمة التي وضعت البلاد على حافة الإفلاس ، هو أدنى ما يجب أن يتقرر فإن رئيس الحكومة وحكومته ، جانبهم التوفيق تماما في ترتيب تلك القرارات ، بحيث يستطيع الشعب أن يبتلع الدواء الشديد المرارة.
ومن وجهة نظرنا فإن الشاهد كان أقدر على تمرير إصلاحاته  ( التي سيقوم سد أمام إنجازها ) لو عمد إلى تغليفها بقرارات ثلاث  أو أربعة عاجلة و ناجزة ، كما قال لنا عدد من رجال السياسة المتمرسين ، والموضوعين على الرف رغم كفاءتهم العالية وتجربتهم الممتدة،
أولها : الإعلان عن قرارات سريعة يتم تنفيذها للتو وعلى الفور في مواجهة ظاهرة الفساد ، الذي أخذ بالاستشراء منذ حكم النهضة وتصاعد سريعا بعد ذلك بأسماء من ثبت عليهم حتى الآن.
ثانيهما إعادة قضية الاغتيالات السياسية إلى السطح والإعلان عن المسؤولين كما المتسببين في أحداث 9 أفريل والرش والسفارة الأمريكية  وغيرها من "المهازل" التي حصلت في السنوات الأخيرة ، المهازل في ملاحقاتها لا في أحداثها.
ثالثها التصدي المعلن والناجز للتجارة الموازية والتهريب وبالإسماء والملاحقات ، والملفات جاهزة وفقا لأقوال المسؤولين سابقين ولاحقين ، منذ زمن سمير العنابي الذي قام بعمل جليل وكوفئ بالإقالة غير القانونية  إلى شوقي الطبيب المتمتع بالكفاءة والجرأة ، والذي لم يضع لسانه في جيبه.
رابعها إعادة هيبة الدولة ، والإعلان عن قرارات حاسمة بداية من محاربة البناء الفوضوي الذي يتوجب الهدم دون انتظار ، إلى المعاقبة الشديدة للمعتدين على البيئة إلى المخالفين لقوانين الطريق مع التشديد وغيرها.
 مع البدء الفوري بفرض دفع الضريبة على المتهربين والمتلددين وإعلان ذلك .
بيداغوجيا وسياسيا كان لا بد أن تسبق هذه العناصر ، وبالصراحة التامة قرارات ، النيل من القدرة الشرائية للمواطنين ، وهي ضرورية لتجاوز الأزمة ، كان لا بد أن تسبقها قرارات تعيد الطمأنينة إلى الناس بأن تضحياتهم لن تذهب سدى ،  وعندها يعم الشعور بأن الحكومة جادة ، وأنها اضطرت لاتخاذ القرارات المؤلمة اضطرارا ، والمؤكد أن المواطنين سيشعرون لا بالارتياح ، فذلك بعيد المنال ولا أحد يرضي بتقليص دخله ، ولكن بأن التضحيات المطلوبة لها ما يقابلها من جدية في المعالجة.
الحكومة ربما عن حسن نية ، وبجهل كامل لطبيعة السلوك السياسي الفطن ، اندفعت لما يغضب ومرفوض ، قبل أن توفر لنفسها الحماية والحصانة الشعبية ، والالتفاف المواطني الضروري ، وهذا ما تؤاخذ عليه ، ولو كانت محصنة بحزام من أصحاب الخبرة والإدراك لما سقطت هذه السقطة ، التي لا تعرف اليوم كيف تخرج منها ، أمام غضب كل الفئات عمالية وغير عمالية ، والتي ستعيق برنامجها الإصلاحي.