Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

استشراف : تونس كا لأعمى الذي ضاع من رجليه الطريق

استشراف

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
منذ "الثورة "
قصور في البصيرة النافذة
و غياب الرؤيا المستقبلية ..
 العوائق الكبيرة
تونس / الصواب / 29/10/2016
بقطع النظر عما  إذا كانت ثورة أم لا فعدد كبير من المنظرين يقولون بأن ما حصل في تونس بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011  لم تتوفر له مقومات الثورة ، من حيث عدم وجود زخم فكري  سابق ، كما عرفته الثورات الكبرى في العالم ، ولا توفرت له قيادة أمسكت بخيوط القرار بعد تغيير الحكم   - بقطع النظر عن  كل ذلك - فإن ما ميز السنوات الست الأخيرة هو غياب بصيرة نافذة ، وقصور رؤيا مستقبلية ، ووضوح مشروع مجتمعي قادر على التجميع ، ووضع الجماهير على صعيد توجه مشترك يتوفر له الحماس ، فضلا عن الغياب الدائم والقديم لتصور مشروع ضخم جامع ، كان غائبا تاريخيا في هذه البلاد حتى مع حكم بورقيبة الذي جاء بعد ثورة تحريرية كبرى، وحمل مشروعا مجتمعيا طموحا غير ملامح البلاد.
فلقد عرفت بلدان عدة هزة نفسية مع السد العالي في مصر أو إنشاء عواصم جديدة في ساحل العاج ونيجيريا أو مضاعفة قناة السويس في زمن السيسي  ، أما في تونس فقد قصرنا طموحنا في المجالات المادية المحسوسة والقدرة على التعبئة على مشروعات صغيرة غير قادرة على التعبئة الشعبية ، وفيما عدا المشروع المجتمعي لبورقيبة ، والذي امتد تحقيقه على مدى 30 سنة ، وبات علامة مضيئة عالميا  ،  واستمر الحكم بعده  يعيش على أنقاضه ، لم تعرف تونس  عبر تاريخها  منذ الرومان  والأغالبة  والحفصيين  ، أجيالا من القادة البنائين المشيدين ، كما عرف المغرب الأقصى ومصر في منطقة شمال إفريقيا مثلا.
وعادة ما تكون الثورات مناسبة لتفتح القرائح ،  في مجالات الفنون لإبداع يتسم لا فقط بالخلق المبدع ولكن بالوفرة أيضا ، ولم نر شيئا من ذلك أو على الأصح الشيء القليل جدا فقط بعد الثورة ( تذكروا حرب الجلاء في 1961).
وعلى مستوى القيادة  العليا فقد اتسمت  أعمالها بالجدب ، فخلال ست سنوات مرت حتى الآن ، اتسمت الفترة بغياب مفرط لتصورات جريئة ، وغياب رؤيا  واضحة وقادرة على التعبئة ، وبصيرة نافذة " UNE VISION  " ،
وفي ما عدا المشروع المجتمعي الذي جاءت به النهضة ، بعد استلامها الحكم على اثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، والقائم على تغيير النمط المجتمعي ، الذي اعتاد عليه التونسيون ،  لا فقط منذ قدوم بورقيبة للحكم ، بل منذ حوالي قرنين من الزمن بتطور بطيء ولكن متصاعد ، وفيه رفض للتوجهات الوهابية ، منذ رسالة العالم محجوب ردا على الرسالة التكفيرية لمحمد بن عبد الوهاب ، وفي ما عداه ، وقد لفظه الشعب في صائفة 2013 بمناسبة التفاف جزء مهم منه في إطار مظاهرات الرحيل ، فإن أيا من الحكام عبر 6 حكومات متتالية لم يقدم لا تصورا ولو بسيطا  ، ولا رؤيا ولا مشروع مجتمعي يمكن أن يلتف حوله  الشعب أو يتحمس له أو يكون علامة دالة تقود خطواته ، بل لعل الحكومات المتتابعة غرقت في التصريف اليومي ، دون نظرة للمستقبل وكيفية بنائه وتصوره وإعداد العدة لمواجهة تحدياته .
 وكانت السعودية  ـ على ما يمكن للمرء أن يسوقه من تحفظات تجاهها وتجاه سياساتها وأدوارها المشبوهة  -  قد أعدت خطة لما ستكون عليه في أفق 2030 ، بقطع النظر عما إذا كان استمر الحكم  الحالي فيها أو انقطع ، فالحكومات أمر طارئ والشعوب هي الباقية.
حكام تونس الوارثين للفترة السابقة التي انتهت في 2010 /2011  يتسمون بضعف في الارادة ،  وقصور في الخيال ، وبكسل عن استقراء المستقبل ، والإعداد له ، لتكون البلاد  سائرة في الاتجاه الصحيح ، بل لعل البلاد اليوم وفي ظل حكم بلا تصورات ، هي كمثل الأعمى الذي لا يستدل على طريقه حتى بعكاز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق