عربيات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
وحدة العرب
تونس /
الصواب/ 14/10/2016
2 مارس 1947
كنا ثلاثتنا لا نفترق ، مصطفى المصمودي كاتب الدولة لاحقا ، وشقيقي محمد الفراتي
مدير إذاعة صفاقس لاحقا ، وأنا ، وكنا في سن غضة أي في أول سنوات الطفولة ، في
مستوى الأولى أو الثانية ابتدائي ، خرجنا يومها في جموع من المواطنين لنحتفل في
شوارع مدينة صفاقس بعيد العروبة الذي كان ينتظم احتفالا بذكرى تأسيس الجامعة
العربية ، هذه المنظمة التي كان مؤملا أن تجمع العرب ، وأن تكون سندا لتونس في
مواجهتها ضد الاستعمار ، كانت الفرق الموسيقية تصدح بألحان وطنية تونسية وعربية ،
وقد ازينت شوارع المدينة بالزرابي والأعلام ، وكان الرئيس الجليل ( كنية بورقيبة
قبل أن يدعى المجاهد الأكبر ) المقيم في المنفى بالقاهرة ، على كل لسان ، في تناقض
مع ما كان يطلق على الحزب الحر الدستوري الجديد (حزب الماطري الرئيس الأول للحزب) ، كانت
الحركة الوطنية تعتمد جناحين أحدهما في تونس بزعامة صالح بن يوسف والمنجي سليم ، والثاني في القاهرة بزعامة
بورقيبة ، كانت الأدوار موزعة بين القيادتين ، عمل مضن وخطير في تونس ، قوامه
تنظيم المجتمع في منظمات وطنية تكون سندا للحزب يوم المواجهة ، وإقلاق راحة
الاستعمار الفرنسي ، وقوامه أيضا فتح أبواب العالم على فظاعة ذلك الاستعمار ، عبر
شبكة اتصالات من القاهرة التي كانت تعتبر النصير الأكبر وقتها ولزمن طويل لحركات التحرر الوطني ، والتي وجد فيها بورقيبة ورفاقه ومن بينهم الحبيب
ثامر وحسين التريكي والرشيد إدريس ، الملجأ والنصير ويد المساعدة الطولى عن طريق القيادات المصرية والعربية مصطفى النحاس باشا ومحمد صلاح
الدين وعبد الرحمان عزام ، والذين كانوا مع
الفلسطيني محمد علي طاهر والعراقي فاضل الجمالي والباكستاني ظفر الله خان أكبر سند سياسي وما فاق ذلك من أوجه العون
المادي اللازم لكل حركة تحرير ، وهو ما سينكره بورقيبة لاحقا ، في خضم خلافه مع
عبد الناصر وهو خلاف
اختزل فيه مصر في عبد الناصر ، وزرع من خلاله الحقد على كل ما هو مصري ، فيما إن
الحركة الاصلاحية التي انطلقت من مصر تلقفتها تونس وانخرطت فيها.
إذن كان يوم
2 مارس يوما مشهودا في تاريخ الأمة العربية ، وكان موضع احتفالات ، تيمنا بأن يكون
فاتحة وحدة عربية ، ورغم السن الغضة ، فقد فتح أعين الفتيان والشباب والكهول على
أهمية تأسيس الجامعة العربية كعلامة دالة في تاريخ هذه الأمة التي تحررت وقتها أجزاء منها من ربقة التسلط العثماني التركي ومن الاستعمار الفرنسي والانجليزي ، في
انتظار أن تتحرر بقية الأجزاء ، وتقدم على التوحيد والتوحد بقصد إقامة مجموعة
متجانسة ، لها قوة ذاتية وقوامها وقتها حوالي 100 إلى 150 مليون ساكن ، بتاريخ ضخم
وحضارة ضاربة في أعماق التاريخ ، وثروات ضخمة لو تم استغلالها كما كان يجب أن
تستغل لكان الوضع غير الوضع.
**
أجيال عاشت
على هذا الحلم ، وطبع نفوسا كانت ترى مستقبلها في وحدة شاملة ، ولو على مراحل
طويلة ، غير أن غرس إسرائيل في الجسم العربي ، بفعل الاستعمار الذي كان يخشى من
استفاقة هذا المارد ، وكانت مصر القلب النابض لتلك الأمة والمركز لهذا الحلم ، قد
تحملت نيابة عن الأمة أعباء أربعة حروب مدمرة ، جعلتها وهي الدولة الأغنى في
المنطقة آنذاك تنحدر إلى شبح لنفسها
فيسودها الفقر وتتراجع مع ثرواتها ، أدوارها التي ارتقت إليها منذ حركة الإصلاح
التي بدأت مع محمد علي في بدايات القرن التاسع عشر.
من هنا تراجع
دور جامعة الدول العربية ، لأنه لم تعد ضمنها دولة قائدة ، لا في حجم مصر ولا في
مكانتها ، ولم تستطع لا سوريا ولا العراق ولا الجزائر ولا المغرب منفردة ولا
مجتمعة ، أن تقوم بدور القيادة على محاولاتها غير الناجحة ،
غير أن
الجامعة العربية بقيت حاضرة على الساحة العربية والدولية فهي عضو ملاحظ في الأمم المتحدة ، وهي تعقد
اجتماعاتها الدورية وقممها ، وتنتج عبر
منظماتها المتخصصة لا فقط أدبيات مهمة ، ولكن أيضا تحركات ذات بال ، وما تراجع حقا
هو دورها السياسي ، باعتبارها صورة لاختلافات عربية مستعصية فتراجع الجامعة هو من تراجع الدول التي تشكلها.
و من هنا فإن
حديث رئيس الدولة التونسية الحالي الباجي قائد السبسي في صحيفة القدس العربي : " الجامعة العربية انتهت لكن
رغم ذلك وقع فيهــا تغيير وأتوا بأمين عام جديد كان وزير خارجية مصر سابقا وهو
انسان جيد ولديه برنامج ورؤية لكن القضية تتطلب عشرات السنين وليس عاما او عامين.
العرب غائبــون في االحرب الدائرة . الدول العربية ليست مؤهلة في سوريا. لم يفعلوا
شــيئا للدخول في عمليات دولية وهي لا تســيطر على اوضاعها الداخلية " ، يبدو
هذا الحديث خارج الموضوع ، ولعل اللوم
الموجه للقادة العرب موجه له هو أيضا ، كما هو موجه إلى سلفه منصف المرزوقي الذي
بشر هو الآخر بحل الجامعة العربية.
ولعل السؤال المطروح هو ما هي
النجاحات التي حققها اتحاد المغرب العربي ، فلم ينجح بعكس الجامعة العربية في جمع
قمة منذ 1994 ، ووجوده لا يعدو أن يكون على الورق ، وإذ "تقوده " أمانة
عامة مقرها الرباط فهي لا تعدو أن تكون اسما بلا مسمى ، نفس الشيء بالنسبة لمنظمة
المؤتمر الاسلامي ؟؟ من هنا السؤال لماذا الهجوم على الجامعة العربية ومحاولات
التقليل من شأنها؟
ستبقى
الجامعة العربية أملهم ، وأداتهم المثلى لتصور مستقبل أفضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق