الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بيداغوجيا القرار السياسي
الأولويات لتمرير الحربوشة
تونس /الصواب / 08/10/2016
يقتضي القرار السياسي الإحاطة بعدد من
الاحتياطات التي يستوجب التعامل مع الرأي العام اتخاذها خاصة في زمن الأزمة.
وتونس تمر بأزمة سياسية / اقتصادية
/مالية حادة ، ربما تحدث اهتزازات لا يعلم نتائجها أحد ، ولا يمكن أن يتنبأ
بتطوراتها متنبئ .
فللمرة الأولى منذ شهر جوان 2012 ،
ومنذ أشعل حسين الديماسي الضوء الأحمر ونبه إلى خطورة الوضع قبل استقالته من
الوزارة ، وهو من هو علما وكفاءة ، لم يصارح أحد من الحكام الشعب بخطورة وضع
اقتصادي متدهور ، ينذر بكل الكوارث ، حتى جاءت حكومة يوسف الشاهد ، لتصارح بصورة
مواربة وغير حاسمة بحقيقة وضع يوشك أن يدفع البلاد للهاوية ، إن لم تكن سقطت فيها
بعد.
وكان لا بد من تجرع الدواء المر ،
الذي لم تعد هناك مندوحة عن تناوله ، متمثلا في ضرورة اتخاذ قرارات تقشفية حادة ،
لا يمكن للشعب قبولها ، وهو الذي هدهدته الحكومات المتعاقبة منذ 2012 بمعسول
الكلام ، ومنعت عنه الشعور التدريجي بعمق الأزمة التي كان لا بد من علاجها في
الإبان ، حتى لا ترتفع حرارة الجسم إلى هذه الدرجة الخطيرة ، تلك الحرارة التي
تعتبر عرضا للمرض لا المرض نفسه.
وبدل
المصارحة الكاملة ، ووصف مراحل الداء ، الذي استفحل بدون علاج على مدى السنوات
الخمس الماضية ، انطلاقا من مسؤولية حكومة النهضة ( المسماة حكومة الترويكا) ومن جاء بعدها ، لم يقدم رئيس الحكومة الجديد
يوسف الشاهد على تحميل المسؤولية لأصحابها في ما وصلته البلاد ، مكتفيا بعرض دون
تشخيص ، لوسائل مداواة ، هي في جملتها مناسبة لطبيعة الداء ، وإن كانت متأخرة ،
ولا تبدو مقبولة .
غير أن رئيس
الحكومة الذي عليه أن يفرض الانضباط داخل حكومته ، قبل أن يحاول ذلك بالنسبة
للبلاد بأكملها ، فالحكومة بأعضائها مفروض عليها أن تكون على خط سير واحد لا خطوط
متعددة بمواقف معلنة متناقضة أحيانا ، وهو
ما بدأ يتساءل بشأنه الناس على مدى قدرة رئيس الحكومة على فرض الانضباط على حكومته
، لاعتبار قلة تجربته ، غير أن رئيس الحكومة في محاولته الصريحة والقرارات المعلنة
من طرفه والمتطلبة تضحيات جسيمة من الشعب
وخاصة طبقاته المتوسطة والمعدومة ، لم تتحل بالتوفيق اللازم .
وإذ نعتقد أن
ما تقرر باعتبار طبيعة الأزمة التي وضعت البلاد على حافة الإفلاس ، هو أدنى ما يجب
أن يتقرر فإن رئيس الحكومة وحكومته ، جانبهم التوفيق تماما في ترتيب تلك القرارات
، بحيث يستطيع الشعب أن يبتلع الدواء الشديد المرارة.
ومن وجهة
نظرنا فإن الشاهد كان أقدر على تمرير إصلاحاته
( التي سيقوم سد أمام إنجازها ) لو عمد إلى تغليفها بقرارات ثلاث أو أربعة عاجلة و ناجزة ، كما قال لنا عدد من
رجال السياسة المتمرسين ، والموضوعين على الرف رغم كفاءتهم العالية وتجربتهم
الممتدة،
أولها :
الإعلان عن قرارات سريعة يتم تنفيذها للتو وعلى الفور في مواجهة ظاهرة الفساد ،
الذي أخذ بالاستشراء منذ حكم النهضة وتصاعد سريعا بعد ذلك بأسماء من ثبت عليهم حتى
الآن.
ثانيهما
إعادة قضية الاغتيالات السياسية إلى السطح والإعلان عن المسؤولين كما المتسببين في
أحداث 9 أفريل والرش والسفارة الأمريكية وغيرها من "المهازل" التي حصلت في
السنوات الأخيرة ، المهازل في ملاحقاتها لا في أحداثها.
ثالثها التصدي
المعلن والناجز للتجارة الموازية والتهريب وبالإسماء والملاحقات ، والملفات جاهزة
وفقا لأقوال المسؤولين سابقين ولاحقين ، منذ زمن سمير العنابي الذي قام بعمل جليل
وكوفئ بالإقالة غير القانونية إلى شوقي
الطبيب المتمتع بالكفاءة والجرأة ، والذي لم يضع لسانه في جيبه.
رابعها إعادة
هيبة الدولة ، والإعلان عن قرارات حاسمة بداية من محاربة البناء الفوضوي الذي
يتوجب الهدم دون انتظار ، إلى المعاقبة الشديدة للمعتدين على البيئة إلى المخالفين
لقوانين الطريق مع التشديد وغيرها.
مع البدء الفوري بفرض دفع الضريبة على المتهربين
والمتلددين وإعلان ذلك .
بيداغوجيا
وسياسيا كان لا بد أن تسبق هذه العناصر ، وبالصراحة التامة قرارات ، النيل من
القدرة الشرائية للمواطنين ، وهي ضرورية لتجاوز الأزمة ، كان لا بد أن تسبقها
قرارات تعيد الطمأنينة إلى الناس بأن تضحياتهم لن تذهب سدى ، وعندها يعم الشعور بأن الحكومة جادة ، وأنها
اضطرت لاتخاذ القرارات المؤلمة اضطرارا ، والمؤكد أن المواطنين سيشعرون لا بالارتياح
، فذلك بعيد المنال ولا أحد يرضي بتقليص دخله ، ولكن بأن التضحيات المطلوبة لها ما
يقابلها من جدية في المعالجة.
الحكومة ربما
عن حسن نية ، وبجهل كامل لطبيعة السلوك السياسي الفطن ، اندفعت لما يغضب ومرفوض ،
قبل أن توفر لنفسها الحماية والحصانة الشعبية ، والالتفاف المواطني الضروري ، وهذا
ما تؤاخذ عليه ، ولو كانت محصنة بحزام من أصحاب الخبرة والإدراك لما سقطت هذه
السقطة ، التي لا تعرف اليوم كيف تخرج منها ، أمام غضب كل الفئات عمالية وغير
عمالية ، والتي ستعيق برنامجها الإصلاحي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق