الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس في الطريق إلى صحراء قاحلة
تونس / الصواب / 21/10/2016
لا يتمنى المرء اليوم أن يكون رئيس
حكومة ولا وزيرا ، ولا مسؤولا في أي مجال ، فالتحديات القائمة أكبر من أن يتصور
لها المرء حلولا ، في بلد عصي على الإصلاح ، تدنى فيه الشعور بالمسؤولية وروح
التضحية إلى الدرك الأسفل ، مسؤولين ورعايا ( نقول رعايا قصدا).
بدأ المنعرج منذ 14 جانفي 2011 واتخذت
قرارات في غاية الديماغوجية ، وبدون درس ولا تمحيص ، وجاءت حكومة ثانية ، فزادت
الطين بلة بسياسة تنشيط الاقتصاد عن طريق دفع الاستهلاك ، الذي لا يمكن أن يكون
رافعة للنمو بدون إنتاج وبدون عمل.
ثم جاءت حكومة الترويكا ( الحقيقة حكومة النهضة) وبدل اتخاذ القرارات
الواجبة لوضع البلاد على السكة المؤدية ، ارتهنت البلاد في سياسات نبه وزير المالية وقتها إلى خطورتها ، عندما تم رفض الاستجابة لها ، وأمعنت الحكومات
الموالية في اتباع سياسة النعامة ، بدفن رأسها في التراب ، حكومة على العريض ثم
حكومة المهدي جمعة ثم حكومة الحبيب الصيد ، لم تصارح أي حكومة الشعب بحقيقة ما وصل
إليه الأمر من تدهور يتهدد مستقبل البلاد.
ولعل المسؤولية الكبرى هي تلك التي
يتحملها اليوم رئيس الجمهورية وحكومتيه الأولى والثانية برئاسة الحبيب الصيد ،
فضمانا لتشريك النهضة في الحكم رغم القدرة عن الاستغناء عن خدماتها ، تم السكوت عن
سوء التصرف والإفلاس الفاضح الذي كان
مقدمة لما هي عليه البلاد من وضع اليوم ، إن تونس تجر اليوم أخطاء حكومات لم تكن
على قدر المسؤولية في سنوات 2011 و2012 و2013 و2014 و2015 والجانب الأكبر من 2016
وقادت تونس إلى كارثة ، كم نبه لها الخبراء الصادقين وكم نبهنا لها على أعمدة هذه المدونة.
الحصيلة اليوم أن حكم الخمس سنوات الماضية قاد البلاد إلى
مأزق حاد ، وإلى أزمة لا تكفي حتى ميزانية
دولة صغيرة من حجم تونس للخروج منها ،
ميزانية للعام 2017 ، غطت حتى على ميزانية
تكميلية للعام 2016 تم السكوت عنها وسيتم تمـــــــريرها ( تحت حس مس ) ، قوامها
أي ميزانية 2017 32 مليار دينار بعجز فادح ، من جملة نفقاتها 5.8
مليار كسداد للقروض غير المبررة والثقيلة
للسنوات الخمس الأخيرة غالبا ، والتي لم يكن لها أي دور في تنمية ثروة البلاد
لتقدر على المواجهة ، فضلا عن دعم غير مبرر لسلع أساسية يستفيد منه الغني والفقير.
في هذه الظروف السيئة والمأزومة تُواجَه
القرارات الحكومية ، برفض يكاد يكون جماعيا من اتحاد الشغل ومن التنظيمات النقابية
للمهن الحرة ، المركزية العمالية ترفض مطلقا إرجاء زيادات الأجور للعام 2017
و2018 ( للواقع إلغاء تلك الزيادات فما هي
الحنفية التي ستوفر الدفق اللازم لدفع المتأخرات والجديد الذي سيحل عام 2019؟) ،
والمركزية للأعراف ترفض أي زيادة " ظرفية " في الأداءات بنسبة 7.5 في
المائة ، أما المهن الحرة فإنها وللعجب (؟) ترفض الخضوع لسلم الضريبة على الدخل السارية على الأجراء
والمؤسسات المنظمة والتي تدفع أداءاتها ، بينما التجارة الموازية والاحتكارية تخرج
لسانها لدولة غير قادرة على كف أذاها ، أو وقف مظاهر الفساد فيها أو في غيرها.
ما ينتظر البلاد هو أحد أمرين اثنين :
إما أن تفرض الدولة قراراتها المدعومة
من البرلمان
أو أن تدخل في مواجهة مع عدة أطراف في
نفس الوقت.
في الحالة الأولى وهي مستبعدة ستتمكن
الدولة من الموارد التي تمكنها من القيام بالتزاماتها ومنها سداد ديونها السيادية
ولا حديث عن ديون المؤسسات العمومية وخلاص مرتبات موظفيها ومزوديها والالتزام
بسياسة الدعم الثقيلة ، أما التنمية فسلام عليها وعلى احتيج,
وفي الحالة الثانية وإذا احتدت الأزمة
وتراجعت الحكومة ، وتقلصت الموارد ، فإن كل شيء يصبح في خطر ، سداد الديون وطلب
إعادة الجدولة ، وهو اسوأ شيء يمكن أن تضطر له حكومة، وتأخير صرف المرتبات
ومستحقات المزودين ، فينكمش الاقتصاد ، وتضطر الدولة للحلول الأسوء وخاصة تدوير
آلات طبع الأوراق النقدية فتختل كل التوازنات ، ويصبح الغلاء هو المحدد الأكبر
للفترة ، بحيث تدخل البلاد في دوامة لا مخرج منها.
من الواعي بما ينتظر البلاد ،؟ وهل
ستتحدد المسؤوليات ؟، مسؤوليات سنوات التراخي وترك الحبل على الغارب.، مسؤوليات
تشترك فيها حكومات متعاقبة لعل حكومة الترويكا هي المتورطة فيها أكثر من غيرها ،
لأن وزيرا منها نبه للخطر، ولم يسمعه أحد.
هذا إذا لم تحصل اضطرابات لا يعرف أحد
إلى أين ستقودنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق