Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 21 ديسمبر 2019

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صف الخاسرين
تونس / الصواب /22/12/2012
حرص بورقيبة دوما بإعلان أو بدون إعلان ، ليكون في صف الرابحين les gagnants  سواء عن قناعة أو لحسابات سياسية وحتى ماكييفيلية، وأورث الديبلوماسية التونسية هذا التوجه ، وأعطى انطباعا بأنه على حق دوما ، حتى عندما لم يكن على حق ، ونحن اليوم في تونس في مفترق طرق ، على بلادنا أن تختار لتكون في صف المنتصرين أو المهزومين. هذا إذا ما زال متاحا ذلك.
أقول هذا الكلام ونحن في قلب المعمعة ولم نعد خارجها ، كما أوهمنا أنفسنا على مدى سنوات ، بشأن ما يحدث في ليبيا ، وعندما كان على تونس أن تكون على الحياد في أدنى الأحوال ، فإن حكامها وجانب من شعبها ، اختارا أن يقفا إلى جانب الميليشيات الإسلاموية ، على حساب القوة الحقيقية التي كانت مستعدة لتسيطر على ليبيا .
 منذ 4 أفريل الماضي شن جيش حفتر عملية أسميت بالجراحية للسيطرة على طرابلس ، وحفتر هو عسكري ليبي عرف الهزائم على يد الجيش الفرنسي في تشاد في منتصف الثمانينيات ، عندما أراد العقيد القذافي أن يلحق نجامينا العاصمة بإمبراطوريته الأفرو عربية ، فهبت باريس لنجدة مستعمرتها السابقة ، واذاقت جيش معمر الويلات ، وأطردته بعد أن استولت على عدد كبير من الأسرى ، كان من بينهم الكولونيل ( وهي أعلى رتبة في الجيش الليبي حتى لا يكون أحد في صفوفه أعلى من القذافي نفسه ) .
 يبدو أن الولايات المتحدة استنجبت أسير فرنسا ، فانتدبته لمهام محتملة ، ونقلته إلى واشنطن ، وبعد ثورة مارس في ليبيا وجد نفسه على رأس طغمة قليلة ، تم تكليفها من طرف الغرب للسيطرة على المنطقة الشرقية في انتطر أيام أفضل ، غير أن الأسير السابق وجد نفسه في نفس المنطقة التي انتقل إليها البرلمان المنتخب  في سنة 2013 في كامل البلاد ، والذي أطردته ميليشيات الإخوان على اختلاف مشاربها  من العاصمة طرابلس ، لتفرض نفسها بقوة السلاح ، وخارج إطار شرعية الصندوق الانتخابي كسيدة في طرابلس .
من هنا وجد حفتر نفسه متمتعا بشرعية ، أضفاها عليه برلمان منتخب كان مفترضا أن يتسلم السلطة في طرابلس ، ويشكل جكومة مناوئة للإخوان ولكن حيل بينه وبين الواقع.
نظريا فإن حفتر لا قوة شرعية ولا يتمتع حتى بالمشروعية ، إلا عبر برلمان وسلطة منتصبة في الشرق الليبي ليس لها عليه لا دالة ولا سلطة.
ووجد العالم نفسه في بلد واحد أمام شرعيتين ، شرعية من الخارج أي من الأمم المتحدة ،  أضفتها على مجلس رئاسي عين على رأسه السراج في طرابلس بمهمة أساسية هي تصفية الميليشيات وإعادة قيام الدولة الليبية الموحدة ، وشرعية ثانية ممثلة في برلمان منتخب ولكنه مطرود من عاصمة بلاده ، بفعل تلك الميليشيات الاسلاموية، وعوض أن يقوم السراج بتصفية الميليشيات ، أصبح خاضعا لها وأصبحت تعتبر نفسها هي الدولة الليبية، ولم تكن الأمم المتحدة لتعطي السراج الوسائل التي تمكنه من أداء المهمة التي كلف بها ، أمميا فسقط بين براثن الميليشيات ، وبات أسيرا لها واستمرأ ذلك الوضع.
حفتر الذي تولى تصعيد نفسه من كولونيل إلى ماريشال ( أفضل من موبوتو في كينشاسا من سرجان إلى ماريشال ، وبوكاسا من أقل من سرجان إلى ماريشال ) وجد العون من الدول المضادة للاسلام السياسي ، مثل الامارات والسعودية ومصر وإلى حد ما فرنسا ، ما وضع السراج وميليشياته في حماية قطر وتركيا وإلى حد ما إيطاليا ، علما وأن لكل مصالحه الخفية ، ومنها استثمارات ب18 مليار دولار لتركيا ما قبل نهاية القذافي  ،الذي كان صديقها تريد أن تسترجعها أو تعيد وهجها ، وإيطاليا التي تغمز لبترولها وغازها في المنطقة الغربية ، وفرنسا التي تغمز من جهتها لشركاتها البترولية في الشرق الليبي ، وكلا الطرفين ، وحتى غيرها مثل مصر والإمارات ، ولكن خاصة الولايات المتحدة وروسيا ، كلها تنظر بعين الطمع باستغلال جانب من عائدات إعادة الإعمار، التي ستتكلف في أقل التقديرات بـ270 مليار دولار ، ستدفع من الأموال الليبية متى انتهى أتون الحرب المشتعلة.
تونس وحدها هي التي لم تبحث عن مصلحتها ، فيما الجزائر التي عاشت خلال أشهر عديدة على حافة بركان،  لم تعرف لا هي الأخرى مصلحتها  وانشغلت عنها بوضع داخلي متفجر لا يعرف أحد متى يسترجع توازنه ، ولذلك كان انخراط تونس بلا مواربة إلى جانب السراج وميليشياته الاسلاموية إرضاء للنهضة، فيما عدا سنة 2014 عندما تولى مهدي جمعة رئاسة الحكومة ،  ومنجي حمدي وزارة الخارجية ، حيث حاولا بأكثر أو أقل توفيقا ، الوقوف على حياد لم يكن ليرضي لا هذا الطرف ولا ذاك.
أين هو الوضع اليوم ؟
 وهل وقع حساب الربح والخسارة ، فيما عليه الموقف التونسي وهو ما يهم في المحصلة البلاد ، وشعب الجنوب الذي كان أكبر المتضررين من الحاصل في ليبيا.
غالب المراقبين عبر العالم يقولون إن حفتر يسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من الرقعة الليبية ، وإذا تركنا أقوال هؤلاء وأولئك من المتواجهين ، واطلعنا على تقارير الصحافة والتلفزيونات المتسمة عادة بنقل أخبار موضوعية ، فإن الخناق قد ضاق ضيقا شديدا حول السراج وميليشياته ، يبرهن على ذلك جري السراج السريع وراء تحالف مع تركيا بقصد إنجاده ، وهو اتفاق في نظر شراح القانون غير قانوني ، لأنه ليس صادرا عن حكومة تتمتع بالسيادة على أرضها ، ولا يمكن اعتبارها دولة بالمفهوم القانوني والواقعي للدولة ، ومهمة السراج التي كلفته بها الأمم المتحدة لا تسمح له باتخاذ مثل هذه الخطوات.
غير أن التبادلات القانونية والسيادية لم تعد هي الفيصل اليوم ، وبعد التطورات على ساحة المعارك ، بل وكما قال هتلر وللأسف ، فإن الحق بات في أفوه المدافع.
وإذ يمكن للمرء أن يستنتج أمرا ، فهو أنه من المستحيل على حفتر ، أن يحتل قلب طرابلس ، إلا إذا لجأ لقوة كاسحة تؤدي لقتل المئات وحتى الآلاف لتشابك ما هو أهداف عسكرية بالمدنيين ،  في عاصمة مثل طرابلس ، ولكن ومن جهة أخري إن حكومة يضيق عليها الطوق لهذه الدرجة ، لا يمكن أن تستمر طويلا ، هذا إذا كانت لها شرعية شعبية علما ، وأن حتى المفتي الغرياني وهو من هو تأثيرا معنويا في ليبيا ،  قد انقلب وهو من أشد أنصار السراج ، إلى تأييد حفتر الذي يسميه  الآن سيدي المشير.
ولعل مؤتمر برلين في الأيام الأولى من جانفي ، سيفرض على ليبيا حلا ترعاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا ومصر والامارات ، لفائدة الذين يسيطرون على الأرض أو غالب الأرض ، ويقع "اقتصاد" مجزرة في طرابلس.
**
كلمة أخيرة ... لك الله يا تونس في اختياراتك الاستراتيجية الخاطئة ، فإذا بات حفتر على أبوابنا ، هل ما زالت تكون  ليبيا مفتوحة لعمالنا ، ولشركات مقاولاتنا ، وللتجارة البينية التي كانت مزدهرة في زمن سابق ؟ هذا فضلا عن عداء كامن قد لا يظهر للعلن ولكنه باق تحت السطح يؤثر تأثيرا كبيرا.
هذا عدا التداعيات السياسية المحتملة نتيجة التطورات الآتية ؟؟؟؟

بكل هدوء : الأيام الصعبة في علاقة بما يجري في ليبيا

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صف الخاسرين
تونس / الصواب /22/12/2012
حرص بورقيبة دوما بإعلان أو بدون إعلان ، ليكون في صف الرابحين les gagnants  سواء عن قناعة أو لحسابات سياسية وحتى ماكييفيلية، وأورث الديبلوماسية التونسية هذا التوجه ، وأعطى انطباعا بأنه على حق دوما ، حتى عندما لم يكن على حق ، ونحن اليوم في تونس في مفترق طرق ، على بلادنا أن تختار لتكون في صف المنتصرين أو المهزومين. هذا إذا ما زال متاحا ذلك.
أقول هذا الكلام ونحن في قلب المعمعة ولم نعد خارجها ، كما أوهمنا أنفسنا على مدى سنوات ، بشأن ما يحدث في ليبيا ، وعندما كان على تونس أن تكون على الحياد في أدنى الأحوال ، فإن حكامها وجانب من شعبها ، اختارا أن يقفا إلى جانب الميليشيات الإسلاموية ، على حساب القوة الحقيقية التي كانت مستعدة لتسيطر على ليبيا .
 منذ 4 أفريل الماضي شن جيش حفتر عملية أسميت بالجراحية للسيطرة على طرابلس ، وحفتر هو عسكري ليبي عرف الهزائم على يد الجيش الفرنسي في تشاد في منتصف الثمانينيات ، عندما أراد العقيد القذافي أن يلحق نجامينا العاصمة بإمبراطوريته الأفرو عربية ، فهبت باريس لنجدة مستعمرتها السابقة ، واذاقت جيش معمر الويلات ، وأطردته بعد أن استولت على عدد كبير من الأسرى ، كان من بينهم الكولونيل ( وهي أعلى رتبة في الجيش الليبي حتى لا يكون أحد في صفوفه أعلى من القذافي نفسه ) .
 يبدو أن الولايات المتحدة استنجبت أسير فرنسا ، فانتدبته لمهام محتملة ، ونقلته إلى واشنطن ، وبعد ثورة مارس في ليبيا وجد نفسه على رأس طغمة قليلة ، تم تكليفها من طرف الغرب للسيطرة على المنطقة الشرقية في انتطر أيام أفضل ، غير أن الأسير السابق وجد نفسه في نفس المنطقة التي انتقل إليها البرلمان المنتخب  في سنة 2013 في كامل البلاد ، والذي أطردته ميليشيات الإخوان على اختلاف مشاربها  من العاصمة طرابلس ، لتفرض نفسها بقوة السلاح ، وخارج إطار شرعية الصندوق الانتخابي كسيدة في طرابلس .
من هنا وجد حفتر نفسه متمتعا بشرعية ، أضفاها عليه برلمان منتخب كان مفترضا أن يتسلم السلطة في طرابلس ، ويشكل جكومة مناوئة للإخوان ولكن حيل بينه وبين الواقع.
نظريا فإن حفتر لا قوة شرعية ولا يتمتع حتى بالمشروعية ، إلا عبر برلمان وسلطة منتصبة في الشرق الليبي ليس لها عليه لا دالة ولا سلطة.
ووجد العالم نفسه في بلد واحد أمام شرعيتين ، شرعية من الخارج أي من الأمم المتحدة ،  أضفتها على مجلس رئاسي عين على رأسه السراج في طرابلس بمهمة أساسية هي تصفية الميليشيات وإعادة قيام الدولة الليبية الموحدة ، وشرعية ثانية ممثلة في برلمان منتخب ولكنه مطرود من عاصمة بلاده ، بفعل تلك الميليشيات الاسلاموية، وعوض أن يقوم السراج بتصفية الميليشيات ، أصبح خاضعا لها وأصبحت تعتبر نفسها هي الدولة الليبية، ولم تكن الأمم المتحدة لتعطي السراج الوسائل التي تمكنه من أداء المهمة التي كلف بها ، أمميا فسقط بين براثن الميليشيات ، وبات أسيرا لها واستمرأ ذلك الوضع.
حفتر الذي تولى تصعيد نفسه من كولونيل إلى ماريشال ( أفضل من موبوتو في كينشاسا من سرجان إلى ماريشال ، وبوكاسا من أقل من سرجان إلى ماريشال ) وجد العون من الدول المضادة للاسلام السياسي ، مثل الامارات والسعودية ومصر وإلى حد ما فرنسا ، ما وضع السراج وميليشياته في حماية قطر وتركيا وإلى حد ما إيطاليا ، علما وأن لكل مصالحه الخفية ، ومنها استثمارات ب18 مليار دولار لتركيا ما قبل نهاية القذافي  ،الذي كان صديقها تريد أن تسترجعها أو تعيد وهجها ، وإيطاليا التي تغمز لبترولها وغازها في المنطقة الغربية ، وفرنسا التي تغمز من جهتها لشركاتها البترولية في الشرق الليبي ، وكلا الطرفين ، وحتى غيرها مثل مصر والإمارات ، ولكن خاصة الولايات المتحدة وروسيا ، كلها تنظر بعين الطمع باستغلال جانب من عائدات إعادة الإعمار، التي ستتكلف في أقل التقديرات بـ270 مليار دولار ، ستدفع من الأموال الليبية متى انتهى أتون الحرب المشتعلة.
تونس وحدها هي التي لم تبحث عن مصلحتها ، فيما الجزائر التي عاشت خلال أشهر عديدة على حافة بركان،  لم تعرف لا هي الأخرى مصلحتها  وانشغلت عنها بوضع داخلي متفجر لا يعرف أحد متى يسترجع توازنه ، ولذلك كان انخراط تونس بلا مواربة إلى جانب السراج وميليشياته الاسلاموية إرضاء للنهضة، فيما عدا سنة 2014 عندما تولى مهدي جمعة رئاسة الحكومة ،  ومنجي حمدي وزارة الخارجية ، حيث حاولا بأكثر أو أقل توفيقا ، الوقوف على حياد لم يكن ليرضي لا هذا الطرف ولا ذاك.
أين هو الوضع اليوم ؟
 وهل وقع حساب الربح والخسارة ، فيما عليه الموقف التونسي وهو ما يهم في المحصلة البلاد ، وشعب الجنوب الذي كان أكبر المتضررين من الحاصل في ليبيا.
غالب المراقبين عبر العالم يقولون إن حفتر يسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من الرقعة الليبية ، وإذا تركنا أقوال هؤلاء وأولئك من المتواجهين ، واطلعنا على تقارير الصحافة والتلفزيونات المتسمة عادة بنقل أخبار موضوعية ، فإن الخناق قد ضاق ضيقا شديدا حول السراج وميليشياته ، يبرهن على ذلك جري السراج السريع وراء تحالف مع تركيا بقصد إنجاده ، وهو اتفاق في نظر شراح القانون غير قانوني ، لأنه ليس صادرا عن حكومة تتمتع بالسيادة على أرضها ، ولا يمكن اعتبارها دولة بالمفهوم القانوني والواقعي للدولة ، ومهمة السراج التي كلفته بها الأمم المتحدة لا تسمح له باتخاذ مثل هذه الخطوات.
غير أن التبادلات القانونية والسيادية لم تعد هي الفيصل اليوم ، وبعد التطورات على ساحة المعارك ، بل وكما قال هتلر وللأسف ، فإن الحق بات في أفوه المدافع.
وإذ يمكن للمرء أن يستنتج أمرا ، فهو أنه من المستحيل على حفتر ، أن يحتل قلب طرابلس ، إلا إذا لجأ لقوة كاسحة تؤدي لقتل المئات وحتى الآلاف لتشابك ما هو أهداف عسكرية بالمدنيين ،  في عاصمة مثل طرابلس ، ولكن ومن جهة أخري إن حكومة يضيق عليها الطوق لهذه الدرجة ، لا يمكن أن تستمر طويلا ، هذا إذا كانت لها شرعية شعبية علما ، وأن حتى المفتي الغرياني وهو من هو تأثيرا معنويا في ليبيا ،  قد انقلب وهو من أشد أنصار السراج ، إلى تأييد حفتر الذي يسميه  الآن سيدي المشير.
ولعل مؤتمر برلين في الأيام الأولى من جانفي ، سيفرض على ليبيا حلا ترعاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا ومصر والامارات ، لفائدة الذين يسيطرون على الأرض أو غالب الأرض ، ويقع "اقتصاد" مجزرة في طرابلس.
**
كلمة أخيرة ... لك الله يا تونس في اختياراتك الاستراتيجية الخاطئة ، فإذا بات حفتر على أبوابنا ، هل ما زالت تكون  ليبيا مفتوحة لعمالنا ، ولشركات مقاولاتنا ، وللتجارة البينية التي كانت مزدهرة في زمن سابق ؟ هذا فضلا عن عداء كامن قد لا يظهر للعلن ولكنه باق تحت السطح يؤثر تأثيرا كبيرا.
هذا عدا التداعيات السياسية المحتملة نتيجة التطورات الآتية ؟؟؟؟

الأحد، 15 ديسمبر 2019

الموقف السياسي : كل الأخطار محدقة

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على أعتاب سنة جديدة
تونس تطل على كل الأخطار
ما عاد يفصلنا عن العام الجديد إلا أقل من نصف شهر أو يكاد، فكيف ستواجه تونس عام 2020 وماذا ينتظرها .
أخطار داخلية محفوفة بتحديات كبرى سواء على الجانب السياسي أو الجانب الاقتصادي الاجتماعي ، ففي المجال السياسي ليس من محلل اليوم يمكن له أن يجزم بما سيحصل بشأن تشكيل الحكومة ، خلال الأسابيع المقبلة وما هي أغلبية الـ 109 نواب الذين سيصوتون لها للمرور دون أن تكون لها الأدوات التي تمكنها من حقيقة الحكم ، الذي يتطلب ثلثي نواب المجلس البرلماني ، إزاء رجل اتضح أنه من النهضة وإن لم يكن قياديا فيها ، وكل الدلائل تشير إلى ذلك ، بما فيها وأهمها القائمة الرسمية لحكومة حمادي الجبالي سنة 2012 التي نشرتها تلك الحكومة ، والتي تضمنت انتماءات كل أعضائها بمن فيهم المستقل حسين الديماسي  المستقيل لاحقا وسريعا ، ومن انتمي للمؤتمر ، ومن انتمى للتكتل ومن انتمى للنهضة والتي تشير ورسميا ، إلى أن كلا من الحبيب الجملي والمنجي مرزوق ، هما كلاهما من النهضة ، وقد سوقت النهضة في مواقفها قبل اختيار مرشحها  في شهر نوفمبر لرئاسة الحكومة إلى أن كليهما مستقل ، وهو ما لم يصدقه أحد وإن تعاملت الطبقة السياسية بأكملها ، بعين مغمضة.
وإذ هناك مؤشرات توحي باحتمال ولو صغير بأن الأحزاب كلها إلا واحدا أو اثنين تفضل أن تتشكل حكومة ، ومستعدة للقبول بها والتصويت لها ، ولو لم تقبل الدخول فيها ، كما احتمال بأن يكون هناك عدد من النواب يهمهم نيل مناصب وزارية بما يعطيهم لمعان على الساحة السياسية يفتقدونها حاليا، إضافة  إلى أن أغلبية من النواب المنتخبين أخيرا يخشون من احتمالات فقدان مقاعد نالها أغلبهم بأعلى البقايا لا أصالة ، ويمكن في انتخابات سابقة لأوانها أن لا يحصلوا عليها ، فيجدون أنفسهم في التماس ، وتدل آخر استطلاعات الرأي أو ما تسرب عنها قبل استكمالها تشير إلى أن حزب عبير موسي هو الوحيد الذي قد يستفيد من انتخابات قادمة ، وهو أمر الاعتقاد السائد عامة لا يؤشر لأمر إيجابي ، فإن بقية الأحزاب بما فيها النهضة تخشى أن تفقد ما حصلت عليه أو بعض ما حصلت عليه ، وخاصة ما أعطتها الانتخابات الأخيرة  من مرتبة الأولى رغم أنها خسرت أكثر من مليون صوت بين 2011 و2019.
على أن في الطبقة السياسية  من يخشى من أمر آخر داخلي في انتظار المرور للأخطار الخارجية ، وهو تمركز السلطات كلها في يد النهضة ، وهي السلطة التشريعية الرقابية  بيد راشد الغنوشي  رئيس البرلمان ، والسلطة التنفيذية التي وإن ستكون على افتراض ذلك بين يدي الحبيب الجملي ، فإنها عائدة بطبيعة الرجل وانتماءاته غير المعلنة رسميا ، إلى نفس راشد الغنوشي ، كما إن السلطة القضائية العدلية بقيت وفق الكثير مما يقال بيد نورادين البحيري ،  إلا في الفترة القصيرة التي تولها  فيها محمد الصالح بن عيسى ، والذي سريعا ما أقيل وأشيع في حينه ، بأن للنهضة ضلع في إقالته زمن تقرب رئيس الحكومة  السابق الحبيب الصيد ، من الحركة الاسلامية على أمل البقاء في كرسيه  وإن لم يفده ذلك شيئا.
وإذ لم تعرف بعد شهرين ونصفا التوجهات التي ستكون لرئيس الجمهورية ، فإن  القرار الحكومي للسلط الثلاث الكبرى باقية بيد النهضة ، أكثر من أي وقت ، ولاحتى في سنتي 2012/2013 حيث كانت رئاسة الجمهورية بيد منصف المرزوقي ، ورئاسة البرلمان بيد مصطفى بن جعفر على الأقل اسميا، ورغم تقهر النهضة انتخابيا بصورة كبيرة حيث فقدت هي وأنصارها المقربين ،  أكثر من ثلثي مخزونها الانتخابي في 9 سنوات ، فإنها لم تحصل قط على هذا القدر من السلطات منذ الثورة التي لم تشارك فيها  وفي حراكها ـ  وإن كانت شاركت في إرهاصاتها بما نالها  من اضطهاد تماما مثل قوى اليسار ـ ولكنها ركبت  صهوتها ،  وجعلت راشد الغنوشي يجمع كل خيوط القرار بين يديه وحده.
ومن هنا فإن جانبا من النخبة المدنية الهوى ، لها خشية كبيرة اليوم ، من محاولات أخونة الدولة  والمجتمع  خاصة ،واستكمال التمكين ، الذي استمر طيلة السنوات التسع الأخيرة ، التي كانت فيها النهضة فاعلا أساسيا ، بالمشاركة في الحكم سواء مباشرة أو بالوكالة.
**
غير أن الأخطار المحدقة بتونس اليوم ليست داخلية فقط  ولكنها خارجية أيضا ، فليبيا والجزائر في مخاض شديد لا يعرف  أحد كيف سينتهي .
 وفي ليبيا فإن الحرب الكاسحة في الضواحي القريبة من طرابلس وسيطرة "الجيش الوطني " الليبي بقيادة الماريشال خليفة حفتر على 90 من التراب الليبي وفقا لتقارير محايدة ، والقوة الكاسحة التي يستعملها في محاولة غزو طرابلس ، بما يمكن أن يوقع خسائر فادحة في الأرواح ويؤدي إلى زحف قوي للهاربين من أتون الحرب نحو حدودنا بما ليس لنا قبل له ، لا من حيث الإيواء فقط ، ولكن خاصة التأكد من طبيعة اللاجئين الوافدين  وإن كانوا من إرهابيي الميليشيات المسيطرة على طرابلس ومصراتة حاليا ، أو من السكان العاديين الهاربين من وقع معارك ،  إنتقلت إلى استعمال أسلحة ثقيلة سواء من الجانب التركي -القطري – الايطالي  أو الجانب الاماراتي -المصري – الروسي – الفرنسي وغير هؤلاء ،
وفي كل الأحوال فإن تونس تواجه أخطارا كبيرة محدقة فإذا انتصر السراج وميلشياته المتأسلمة ، ومعه تركيا وقطر ، فإن خطر هذه الميليشيات سيمتد إلى تونس ، بمساعدة تركية  الراعية لحركة النهضة، ولا ننسى أن الحكم التركي الحالي يحلم باستعادة الخلافة ، التي كانت اسطنبول عاصمتها ، وربما كانت ليبيا وفي أعقابها تونس هي المجال الحيوي لتحرك في هذا الاتجاه.
وإذا انتصر حفتر وانتصب على حدودنا فإن ذلك يعني ، أن نجد مصر بكل قوة دفعها ، على حدودنا ، فيما الحكم النهضاوي يرى فيها العدو الأكبر اليوم بعد قضائه على حكم الإخوان في مصر ، فيما حفتر له بعض الموجدة حتى لا نقول العداء للحكم التونسي زمن النهضة ، وزمن السبسي – الغنوشي خلال السنوات الخمس الأخيرة التي تمت فيها مهادنة حكم السراج ، وغض النظر على الميليشيات الاسلاموية التي تسنده ، والتعامل باستعلاء  من جانب تونس ، مع حكم طبرق بما فيه من برلمان "شرعي " خرج من صناديق الاقتراع ، وتم طرده من العاصمة طرابلس .
غير أن الخطر الوافد من الشرق لا يضاهيه إلا خطر ربما يكون وافدا من الغرب، أي من الجزائر ، وإذ تم انتخاب "بتون " رئيسا للجمهورية بعد انتخابات يقول جانب من الجزائريين أنها لا تتمتع لا باشرعية ولا بالمشروعية، وبمشاركة 41 ونيف  في المائة من المسجلين في داخل الوطن الجزائري ، باستثناء جزائريي الخارج وأعدادهم بالملايين ، فإنه ينبغي انتظار يوم الجمعة المقبل لاستشفاف حقيقة الأمر ، وهل سيتواصل الحراك الشعبي أم لا ، وإذا تواصل فماذا تكون عليه مشروعية الرئيس الجديد ، الذي انتخب من الدورة الأولى بأكثر من 58 في المائة من الناخبين  ، فيما أن ولايات جزائرية كاملة من القبائل ( ليس بمفهوم القبيلة عندنا )  يسكنها  البربر  الأمازيغ ، قاطعت هذه الانتخابات ففي بجاية مثلا قارب عدد المصوتين الصفر بالنسبة للمسجلين ، وفي تيزي وزو  لم يكن الأمر أحسن من ذلك بكثير  ، ألا يؤدي هذا إلى شرخ في الجزائر الشقيقة ،  يهدد بكل الأخطار ، فيما ما زال الحرك حتى الجمعة الماضي ينادي باستبعاد الجيش من السلطة ، أي استبعاد قائد صالح رئيس الأركان وعراب الانتخابات ، وهو يحمل في نظر عدد كبير من الجزائريين ، وصمة اعتباره من حاشية الرئيس الأسبق المتخلي المعزول عبد العزيز بوتفليقة، وأن عليه أن يرحل هو وانتخاباته.
عدم استقرار الجزائر هو شوكة أخرى في جانب تونس ، تضاف إليها شوكة ليبيا ، واعطف عليها وضع تونس الداخلي الغامض.


الجمعة، 13 ديسمبر 2019

الموقف السياسي : هل تتشكل حكومة في تونس ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل تسير تونس
نحو انتخابات سابقة لأوانها؟
تونس / الصواب / 14/12/2019
تصفحت كتابا وجدته وأنا بصدد تنظيم مكتبتي الزاخرة بأكثر من 5000 كتاب ، من بينها 250 كتابا  إهداء ، من بينها 6 أو 7 كتب من إهداء رئيس الجمهورية الأسبق الدكتور منصف المرزوقي أيام صداقتنا الوثيقة ، استرعى الكتاب   انتباهي لأنه من تأليف كارلوس غصن ، والذين لا يعرفون كارلوس غصن فهو القابع حاليا في سجنه في اليابان ، بتهمة الفساد  بعد أن كان رئيسا مديرا عاما لرينو ونيسان ، وكان في اعتقادي أن الرجل كان مفترضا أن يتم تكريمه في طوكيو ، فلقد استنجدوا به قبل أكثر من عقد فأنقذ من إفلاس محقق شركة السيارات "نيسان " وجعل منها والتي كانت مهددة بالاختفاء واحدة من أكبر ثلاثة مصانع سيارات في العالم.
قرأت ما مفاده في هذا الكتاب أن الاقتصاد علم ، وأن هذا العلم له قواعده ، وأن معادلات تلك القواعد ، تؤدي إلى نتائج معلومة  بصورة مسبقة.
سألت نفسي : " لماذا نحن في تونس ، لا نتعلم مما يقول الناجحون ، ولماذا لا ندرس أسياب نجاحهم؟
في بدايات 2015 أصبت بخيبة أمل مرة عندما استدعى رئيس الجهورية الباجي قائد السبسي الحبيب الصيد  ليرأس الحكومة في بلد ينص دستوره على أن مرتكزه الأكبر هو رئاسة الحكومة ، أذكر أني كتبت أيامها في مثل هذا الباب وفي مثل هذه المدونة ، وهو ما تم نشره  لاحقا في عدد من الصحف في الداخل وفي الخارج :
"لقد اختار رئيس الجمهورية حذاء  على قدر مقاس رجله  يأتمر بأوامره ، وهو ما فعله مرة أخرى مع يوسف الشاهد ، وما حصل للمرة الثالثة عندما اختار راشد الغنوشي الحبيب الجملي ، ليكون رئيسا للحكومة ، في بلد يحتل فيه هذا المنصب المكانة المركزية في الحكم حيث ، تتجمع تفاعلات القرار بين يديه ، وبين يديه بالأساس".
وإذ لي تصور عن الملامح الرئيسية للحاكم الفعلي لأي بلد ، وخاصة إمساكه بتقنيات معينة ، تؤدي إلى نتائج إرادية ليست مصادفة ، فإني منذ اليوم الأول لتعيين راشد العنوشي للجبيب الجملي ، اقتنعت بأمر أساسي ، وهو أن من بيدهم القرار السياسي الأول ، سواء كان الباجي قائد السبسي أو اليوم راشد الغنوشي ، لم يكم من بين همومهم إخراج البلاد من محنتها ، وتدهور مقدراتها الاقتصادية وبالتالي وضعها الاجتماعي المهدد اليوم بكل الأخطار.
سؤال طرحته على نفسي منذ 5 سنوات ، وأعدت طرحه على نفسي قبل شهر ونيف ، وهو ما إذا كان القصد هو إنقاذ البلاد مما تردت إليه من حالة بلغت اليوم وضع اليأس إن لم يقع تدارك سريع.
وبعد قراءة كارلوس غصن ، وما أعرفه بكل تواضع ، فإني لم أر في اختيار لا الحبيب الصيد ولا يوسف الشاهد ولا الحبيب الجملي الاختيار الوفق ، واستنتجت وأرجو وبحرارة أن أكون مخطئا فخطئي وأنا من أنا تواضعا وزهدا في المسؤولية ، حتى عندما عرضت علي، ليس مهما ، بقدر أهمية من يتولى المسؤولية الأولى في البلاد ، ممن ينبغي أن يكون مسلحا بالمعارف التي تمكنه ، من تصورات الرؤى الكفيلة بالوصول إلى نتائج مبرمج لها ومعروفة واضحة في ذهنه ، ونحن في تونس لا ينقصنا الرجال و لا حتى النساء ،  من الحاملين لقدرات عالية من طاقات  استقراء الواقع ، واستنتاج أحواله ، وبالتالي تشخيص الأدواء ، ومنها وصف الدواء.
وعندما استقال زياد العذاري من كل مواقعه العالية في حزب النهضة ، رغم اختلافي المبدئي مع هذه الحركة ، التي دافعت عنها بشراسة عندما حق الدفاع و تحملت صاغرا ما نالني نتيجة ذلك الدفاع ودفعت الثمن راضيا ، شعرت أني أقف معه على نفس الموجة ، فهو بوطنيته المنغرسة في أعماق أعماقه كما قيل لي لاحقا ، لم يرض أن توكل مهمة القيادة الفعلية للبلاد بين أيد اعتقد وأعتقد معه أنها لن تكون في مستوى ، إدراك ما يجب أن يدرك والتحول إلى اتخاذ ما يلزم من قرارات ، لا بد أن تتخذ في أعلى مستوى ، باعتبار أن رئيس الحكومة هو أشبه بقائد الأوركسترا ، في غيابه يحضر النشاز .
وإذ أصابني ليلتها الأرق ، فلم يجد النوم طريقا إلى جفوني ، ولم أستطع ليلتها أن أطالع والمطالعة عي هوايتي المفضلة منذ الطفولة ، ولم أستسغ فيلما أشاهده ولا استطعت متابعة قطع موسيقية عربية أو غير عربية ، كلاسيكية أو خفيفة ، فإن خوفا أصابني بشأن مستقبل البلاد ، وليس مستقبلي فأنا في أرذل العمر ، ولكن أبنائي وأبناء الآخرين ، الذين أصابهم اليأس من البلاد ومستقبلها ، وبات أملهم الوحيد أن يتركوها ما استطاعوا لذلك سبيلا.
انقضى شهر من التكليف المتأخر ( كان ينبغي أن يعين  الجملي في 6 أكتوبر يوم ظهور النتائج الأولية للإنتخابات التشريعية لا في 8 نوفمبر أوما بعده وبعد ظهور النتئج النهائية)، وأعطيت للحبيب الجملي فرصة تشكيل الحكومة ، بلا رؤيا ولا بصيرة ولا أفق ، ولا حرية حركة ، وتم رميه في الماء وهو لا يحسن السباحة ،  فلا هو ذو تجربة ، ولن تسعفه مكتسبات سياسية واضحة  ولا اقتصاية  اجتماعية مركزة ، ولا يتمتع بأي كاريزما ، ففشل في تشكيل الحكومة ، وباستمرار الضبابية وعدم وضوح الرؤيا وتقييد يديه ورجليه من طرف النهضة ، فهل سيستطيع في شهر آخر تشكيل حكومة تفوز  بـ109 أصوات في البرلمان هي في حد ذاتها غير كافية.
وبالتركيبة الحالية لمجلس نيابي مشتت هل يستطيع بعد فشل مبرمج للجملي ، أن تتوفر فرصة أفضل لمن يحتمل أن يعينه رئيس الدولة ، وهل ستكون حظوظه أكبر ، وإلا هل سنذهب لانتخابات جديدة مكلفة  في شهر جوان أو  جويلية المقبل ، ولا من يقول بأن نتائجها ستكون أفضل أو أقل تشتتا ، وعندها نبقى تحت وطأة حكومة تصريف أعمال كانت رمزا للفشل حتى في زمن سطوتها واكتمالها بوزراء أصليين لا بالنيابة .